المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الأول الشرك] - أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ]

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[الباب الأول الإيمان بالله]

- ‌[الفصل الأول توحيد الربوبية]

- ‌[المبحث الأول معناه وأدلته من الكتاب والسنة]

- ‌[المبحث الثاني بيان أن الإقرار بهذا التوحيد وحده لا ينجي من العذاب]

- ‌[المبحث الثالث مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية]

- ‌[الفصل الثاني توحيد الألوهية]

- ‌[المبحث الأول أدلته وبيان أهميته]

- ‌[المطلب الأول أدلّتُه]

- ‌[المطلب الثاني بيان أهميته وأنه أساس دعوة الرسل]

- ‌[المطلب الثالث بيان أنه محور الخصومة بين الرسل وأممهم]

- ‌[المبحث الثاني وجوب إفراد الله بالعبادة وتحته مطالب]

- ‌[المطلب الأول معنى العبادة والأصول التي تُبنى عليها]

- ‌[المطلب الثاني ذكر بعض أنواع العبادة]

- ‌[المبحث الثالث حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد]

- ‌[المطلب الأول الرقى]

- ‌[المطلب الثاني التمائم]

- ‌[المطلب الثالث لبس الحلقة والخيط ونحوها]

- ‌[المطلب الرابع التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها]

- ‌[المطلب الخامس النهي عن أعمال تتعلق بالقبور]

- ‌[المطلب السادس التوسل]

- ‌[المطلب السابع الغلو]

- ‌[المبحث الرابع الشرك والكفر وأنواعهما وفيه مطالب]

- ‌[المطلب الأول الشرك]

- ‌[المطلب الثاني الكفر]

- ‌[المبحث الخامس ادعاء علم الغيب وما يلحق به]

- ‌[الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات]

- ‌[تمهيد في الإيمان بالأسماء والصفات وأثر ذلك على المسلم]

- ‌[المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني أمثلة تطبيقية لإثبات الأسماء والصفات]

- ‌[المبحث الثالث قواعد في باب الأسماء والصفات]

- ‌[القاعدة الأولى القول في الصفات كالقول في الذات]

- ‌[القاعدة الثانية القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر]

- ‌[القاعدة الثالثة الأسماء والصفات توقيفية]

- ‌[القاعدة الرابعة أسماء الله كلها حسنى]

- ‌[الباب الثاني بقية أركان الإيمان]

- ‌[الفصل الأول الإيمان بالملائكة]

- ‌[المبحث الأول تعريف الملائكة وأصل خلقتهم وصفاتهم وبعض خصائصهم]

- ‌[المبحث الثاني منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك]

- ‌[المبحث الثالث وظائف الملائكة]

- ‌[الفصل الثاني الإيمان بالكتب المنزلة]

- ‌[تمهيد في تعريف الوحي لغة وشرعا وبيان أنواعه]

- ‌[المبحث الأول حكم الإيمان بالكتب وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني كيفية الإيمان بالكتب]

- ‌[المبحث الثالث التوراة والإنجيل دخلها التحريف وسلامة القرآن من ذلك]

- ‌[المبحث الرابع الإيمان بالقرآن وخصائصه]

- ‌[الفصل الثالث الإيمان بالرسل]

- ‌[المبحث الأول حكم الإيمان بالرسل وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني تعريف النبي والرسول والفرق بينهما]

- ‌[المبحث الثالث كيفية الإيمان بالرسل]

- ‌[المبحث الرابع ما يجب علينا نحو الرسل]

- ‌[المبحث الخامس أولو العزم من الرسل]

- ‌[المبحث السادس خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحقوقه على أمته]

- ‌[أولا خصائصه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ثانيا حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته]

- ‌[ثالثًا بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق]

- ‌[المبحث السابع ختم الرسالة وبيان أنه لا نبي بعده]

- ‌[المبحث الثامن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم حقيقته وأدلته]

- ‌[المبحث التاسع القول في حياة الأنبياء عليهم السلام]

- ‌[المبحث العاشر معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين كرامات الأولياء]

- ‌[المبحث الحادي عشر الولي والولاية في الإسلام]

- ‌[الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[المبحث الأول أشراط الساعة وأنواعها]

- ‌[المبحث الثاني نعيم القبر وعذابه]

- ‌[المطلب الأول الإيمان بنعيم القبر وعذابه وأدلة ذلك]

- ‌[المطلب الثاني وقوع نعيم القبر وعذابه على الروح والجسد معا]

- ‌[المطلب الثالث الإيمان بالملكين منكر ونكير]

- ‌[المبحث الثالث الإيمان بالبعث]

- ‌[المطلب الأول معنى البعث وحقيقته]

- ‌[المطلب الثاني أدلة البعث من الكتاب والسنة والنظر]

- ‌[المطلب الثالث الحشر]

- ‌[المطلب الرابع الحوض صفته وأدلته]

- ‌[المطلب الخامس الميزان صفته وأدلته]

- ‌[المطلب السادس الشفاعة تعريفها وأنواعها وأدلتها]

- ‌[المطلب السابع الصراط صفته وأدلته]

- ‌[المطلب الثامن الجنة والنار صفتهما وكيفية الإيمان بهما وأدلة ذلك]

- ‌[الفصل الخامس الإيمان بالقضاء والقدر ويشتمل على مبحثين]

- ‌[المبحث الأول تعريف القضاء والقدر وأدلة ثبوتهما مع بيان الفرق بينهما]

- ‌[المبحث الثاني مراتب القدر]

- ‌[الباب الثالث مسائل متفرقة في العقيدة]

- ‌[الفصل الأول الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌[المبحث الأول الإسلام]

- ‌[المبحث الثاني الإيمان وأركانه]

- ‌[المبحث الثالث الإحسان]

- ‌[المبحث الرابع العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌[الفصل الثاني الولاء والبراء معناه وضوابطه]

- ‌[الفصل الثالث حقوق الصحابة وما يجب نحوهم]

- ‌[المبحث الأول من هم الصحابة ووجوب محبتهم وموالاتهم]

- ‌[المبحث الثاني وجوب اعتقاد فضل الصحابة والكف عما شجر بينهم]

- ‌[المبحث الثالث أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الرابع الخلفاء الراشدون التعريف بالخلفاء الراشدين]

- ‌[المبحث الخامس العشرة المبشرون بالجنة]

- ‌[الفصل الرابع الواجب نحو أئمة المسلمين وعامتهم ولزوم جماعتهم]

- ‌[الفصل الخامس وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه وفيه مباحث]

- ‌[المبحث الأول معنى الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه]

- ‌[المبحث الثاني التحذير من البدع]

- ‌[المبحث الثالث ذم التفرق والاختلاف]

الفصل: ‌[المطلب الأول الشرك]

[المبحث الرابع الشرك والكفر وأنواعهما وفيه مطالب]

[المطلب الأول الشرك]

المبحث الرابع

الشرك والكفر وأنواعهما

وفيه مطالب ما من ريب أن في معرفة المسلم للشرك والكفر وأسبابهما ووسائلهما وأنواعهما فوائد عظيمة، إذا عرفها معرفة يقصد من ورائها السلامة من هذه الشرور والنجاة من تلك الآفات، والله سبحانه يحب أن تعرف سبيل الحق لتحب وتسلك، ويحب أن تعرف سبل الباطل لتجتنب وتبغض، والمسلم كما أنه مطالب بمعرفة سبيل الخير ليطبقها، فهو كذلك مطالب بمعرفة سبل الشر ليحذرها، ولهذا ثبت في الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه قال:«كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني» (1) .

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ".

والقرآن الكريم مليء بالآيات المبينة للشرك والكفر والمحذرة من الوقوع فيهما، والدالة على سوء عاقبتهما في الدنيا والآخرة، بل إن ذلك مقصد عظيم من مقاصد القرآن الكريم والسنة المطهرة، كما قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55](الأنعام: 55) .

وفيما يِلي ذكر لبعض المطالب المهمة المتعلقة بهذا الجانب.

(1) صحيح البخاري برقم (7084) ، وصحيح مسلم برقم (1847) .

ص: 57

المطلب الأول: الشرك. أ- تعريفه: يطلق الشرك في اللغة على التسوية بين الشيئين.

وله في الشرع معنيان: عام وخاص.

1 -

المعنى العام: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائصه سبحانه، ويندرج تحته ثلاثة أنواع:

الأول: الشرك في الربوبية، وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الربوبية، أو نسبة شيء منها إلى غيره، كالخلق والرزق والإيجاد والإماتة والتدبير لهذا الكون ونحو ذلك.

قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3](فاطر: 3) .

الثاني: الشرك في الأسماء والصفات، وهو تسوية غير الله بالله في شيء منها، والله تعالى يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](الشورى: 11) .

الثالث: الشرك في الألوهية، وهو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الألوهية، كالصلاة والصيام والدعاء والاستغاثة والذبح والنذر ونحو ذلك.

قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165](البقرة: 165) .

2 -

المعنى الخاص: وهو أن يتخذ لله ندا يدعوه كما يدعو الله ويسأله الشفاعة كما يسأل الله ويرجوه كما يرجو الله، ويحبه كما يحب الله، وهذا هو المعنى المتبادر من كلمة " الشرك " إذا أطلقت في القرآن أو السنة.

ص: 58

ب- الأدلة على ذم الشرك وبيان خطره. لقد تنوعت دلالة النصوص على ذم الشرك والتحذير منه وبيان خطره وسوء عاقبته على المشركين في الدنيا والآخرة.

1 -

فقد أخبر الله سبحانه أنه الذنب الذي لا يغفره إلا بالتوبة منه قبل الموت، فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48](النساء: 48) .

2 -

ووصفه بأنه أظلم الظلم، فقال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13](لقمان: 13) .

3 -

وأخبر أنه محبط للأعمال، فقال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65](الزمر: 65) .

4 -

ووصفه بأن فيه تنقصا لرب العالمين ومساواة لغيره به، فقال تعالى:{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ - تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98](الشعراء: 96- 98) .

5 -

وأخبر أن من مات عليه يكون مخلدا في نار جهنم، فقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72](المائدة: 72) .

إلى غير ذلك من أنواع الأدلة، وهي كثيرة جدا في القرآن الكريم.

ج- سبب وقوع الشرك: إن أصل الشرك وسبب وقوعه في بني آدم هو الغلو في الصالحين

ص: 59

المعظمين، وتجاوز الحد في إطرائهم ومدحهم والثناء عليهم، قال الله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا - وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} [نوح: 23 - 24](نوح: 23- 24) .

فهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح لما ماتوا جعلوا لهم أصناما على صورهم وسموها بأسمائهم قاصدين بذلك تعظيمهم وتخليد ذكرهم وتذكر فضلهم إلى أن آل بهم الأمر إلى عبادتهم.

ويشهد لهذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ (ونسخ العلم) (1) العلم عبدت "(2) .

روى ابن جرير الطبري عن محمد بن قيس عند قوله تعالى: وقالوا لا تذرن آلهتك الآية، قال: " كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون هم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا

(1) أي علم تلك الصور بخصوصها.

(2)

صحيح البخاري برقم (4920) .

ص: 60

وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم " (1) . فجمعوا بين فتنتين:

الأولى: العكوف عند قبورهم.

الثانية: تصوير صورهم ونصبها في مجالسهم والجلوس إليها.

فبهذا وقع الشرك لأول مرة في تاريخ البشرية فهما أعظم وسائل الشرك في كل زمان ومكان.

د- أنواع الشرك: ينقسم الشرك إلى قسمين: أكبر وأصغر.

1 -

الشرك الأكبر: هو اتخاذ ند مع الله يعبد كما يعبد الله، وهو ناقل من ملة الإسلام محبط للأعمال كلها، وصاحبه إن مات عليه يكون مخلدا في نار جهنم لا يقضى عليه فيموت ولا يخفف عنه من عذابها.

أنواع الشرك الأكبر: وينقسم الشرك الأكبر إلى أربعة أنواع:

1 -

شرك الدعوة، أي الدعاء، وذلك أن الدعاء من أعظم أنواع العبادة، بل هو لب العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة» ، رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح (2) قال الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60](غافر: 60) .

ولما ثبت أن الدعاء عبادة، فصرفه لغير الله شرك، فمن دعا نبيا أو ملكا أو وليا أو قبرا أو حجرا أو غير ذلك من المخلوقين فهو مشرك كافر، كما

(1) تفسير الطبري (12 / 254) .

(2)

مسند أحمد (4 / 267) ، وسنن الترمذي برقم (2969) .

ص: 61

قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117](المؤمنون: 117) .

ومن الأدلة على أن الدعاء عبادة وأن صرفه لغير الله شرك قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65](العنكبوت: 65) ، فأخبر عن هؤلاء المشركين بأنهم يشركون بالله في رخائهم، ويخلصون له في كربهم وشدتهم، فكيف بمن يشرك بالله في الرخاء والشدة عياذا بالله.

2 -

شرك النية والإرادة والقصد، وذلك أن ينوي بأعماله الدنيا أو الرياء أو السمعة، إرادة كلية كأهل النفاق الخلص، ولم يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، فهو مشرك الشرك الأكبر، قال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16](هود: 15-16) .

وهذا النوع من الشرك دقيق الأمر بالغ الخطورة.

3 -

شرك الطاعة، فمن أطاع المخلوقين في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، ويعتقد ذلك بقلبه أي أنه يسوغ لهم أن يحللوا ويحرموا ويسوغ له ولغيره طاعته في ذلك مع علمه بأنه مخالف لدين الإسلام فقد اتخذهم أربابا من دون الله وأشرك بالله الشرك الأكبر.

قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31](التوبة: 31) .

ص: 62

وتفسير الآية الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية (أي في تبديل حكم الله) لا دعاؤهم إياهم، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله فقال: لسنا نعبدهم؟ فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية (في تبديل حكم الله)، فقال:«أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه» ، قال: بلى. قال: «فتلك عبادتهم» ، رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في المعجم الكبير (1) .

4 -

شرك المحبة، والمراد محبة العبودية المستلزمة للإجلال والتعظيم والذل والخضوع التي لا تنبغي إلا لله وحده لا شريك له، ومتى صرف العبد هذه المحبة لغير الله فقد أشرك به الشرك الأكبر، والدليل قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165](البقرة: 165) .

2 -

النوع الثاني من أنواع الشرك، الشرك الأصغر: وهو كل ما كان ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه أو ما جاء في النصوص تسميته شركا ولم يصل إلى حد الأكبر، وهو يقع في هيئة العمل وأقوال اللسان. وحكمه تحت المشيئة كحكم مرتكب الكبيرة.

ومن أمثلته ما يلي:

أ- يسير الرياء، والدليل ما رواه الإمام أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) ، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال: (الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى

(1) سنن الترمذي برقم (3095) ، والمعجم الكبير للطبراني (17 / 92) .

ص: 63

الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» (1) .

ب- قول: " ما شاء الله وشئت "، روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» (2) .

ج- قول: " لولا الله وفلان "، أو قول:" لولا البط لأتانا اللصوص "، ونحو ذلك، روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] قال: " الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لأصحابه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا، هذا كله به شرك "(3) .

الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر: بين الشرك الأكبر والأصغر فروق عديدة، أهمها ما يلي:

1 -

أن الشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه إلا بالتوبة، وأما الأصغر فتحت المشيئة.

(1) مسند أحمد (5 / 428) ، قال المنذري إسناده جيد، الترغيب والترهيب (1 / 48) ، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، مجمع (1 / 102) .

(2)

سنن أبي داود برقم (4980) ، قال الذهبي في مختصر البيهقي (1 / 140 / 2) إسناده صالح.

(3)

تفسير ابن أبي حاتم (1 / 62) .

ص: 64