الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الثاني وقوع نعيم القبر وعذابه على الروح والجسد معا]
المطلب الثاني: وقوع نعيم القبر وعذابه على الروح والجسد معا: نعيم القبر وعذابه يكون للروح والبدن جميعا، فتنعم الروح أو تعذب متصلة بالبدن فيكون النعيم والعذاب عليهما جميعا كما أنه قد تنعم الروح أو تعذب أحيانا منفصلة عن البدن، فيكون النعيم أو العذاب للروح منفردا عن البدن. وقد دلت على هذا النصوص وعليه اتفق أهل السنة والجماعة، خلافا لمن زعم أن عذاب القبر ونعيمه يكون للروح فقط على كل حال ولا يتعلق بالبدن.
فمن الأدلة على ذلك حديث أنس بن مالك الذي أخرجه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل (لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا. وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين» (1) .
وفي حديث البراء بن عازب الطويل الذي أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم قال بعد أن ذكر خروج الروح وصعود روح المؤمن إلى السماء: «فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان
(1) صحيح البخاري برقم (1338) .
فيجلسانه فيقولان له من ربك» (1) الحديث، وقد صحح هذا الحديث الحاكم وغيره.
فدل الحديثان على وقوع النعيم أو العذاب في القبر على الروح والجسد جميعا ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في القبر» دلالة ظاهرة على هذا إذ لفظ (العبد) مسمى للروح والجسد جميعا، وكذلك تصريحه بإعادة الروح إلى الجسد عند السؤال كما في حديث البراء بن عازب هذا مع ما جاء في الحديثين من الألفاظ التي هي من صفات الجسد كقوله:«يسمع قرع نعالهم» (فيقعدانه) ، «ويضرب بمطارق من حديد» «فيصيح صيحة» ، فإن هذا كله يفيد أن ما يحصل في القبر من النعيم أو العذاب متعلق بالروح والجسد جميعهما.
هذا مع أنه قد جاء في بعض النصوص ما يفيد أن النعيم أو العذاب قد يقع على الروح منفردة في بعض الأحوال على ما جاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أصيب إخوانكم يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش» (2) .
فتلخص من هذا أن النعيم والعذاب يقع على الروح والجسد جميعا في القبر وقد تنفرد الروح بهذا أحيانا. قال بعض الأئمة المحققين في السنة في تقرير هذه المسألة: (والعذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن
(1) مسند الإمام أحمد 4 / 287، وسنن أبي داود 5 / 75 برقم (4753)، والمستدرك: 1 / 37- 38.
(2)
أخرجه أحمد في المسند 1 / 266، والحاكم في المستدرك 2 / 88، 297، وصححه ووافقه الذهبي.