المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثاني منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك] - أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ]

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[الباب الأول الإيمان بالله]

- ‌[الفصل الأول توحيد الربوبية]

- ‌[المبحث الأول معناه وأدلته من الكتاب والسنة]

- ‌[المبحث الثاني بيان أن الإقرار بهذا التوحيد وحده لا ينجي من العذاب]

- ‌[المبحث الثالث مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية]

- ‌[الفصل الثاني توحيد الألوهية]

- ‌[المبحث الأول أدلته وبيان أهميته]

- ‌[المطلب الأول أدلّتُه]

- ‌[المطلب الثاني بيان أهميته وأنه أساس دعوة الرسل]

- ‌[المطلب الثالث بيان أنه محور الخصومة بين الرسل وأممهم]

- ‌[المبحث الثاني وجوب إفراد الله بالعبادة وتحته مطالب]

- ‌[المطلب الأول معنى العبادة والأصول التي تُبنى عليها]

- ‌[المطلب الثاني ذكر بعض أنواع العبادة]

- ‌[المبحث الثالث حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد]

- ‌[المطلب الأول الرقى]

- ‌[المطلب الثاني التمائم]

- ‌[المطلب الثالث لبس الحلقة والخيط ونحوها]

- ‌[المطلب الرابع التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها]

- ‌[المطلب الخامس النهي عن أعمال تتعلق بالقبور]

- ‌[المطلب السادس التوسل]

- ‌[المطلب السابع الغلو]

- ‌[المبحث الرابع الشرك والكفر وأنواعهما وفيه مطالب]

- ‌[المطلب الأول الشرك]

- ‌[المطلب الثاني الكفر]

- ‌[المبحث الخامس ادعاء علم الغيب وما يلحق به]

- ‌[الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات]

- ‌[تمهيد في الإيمان بالأسماء والصفات وأثر ذلك على المسلم]

- ‌[المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني أمثلة تطبيقية لإثبات الأسماء والصفات]

- ‌[المبحث الثالث قواعد في باب الأسماء والصفات]

- ‌[القاعدة الأولى القول في الصفات كالقول في الذات]

- ‌[القاعدة الثانية القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر]

- ‌[القاعدة الثالثة الأسماء والصفات توقيفية]

- ‌[القاعدة الرابعة أسماء الله كلها حسنى]

- ‌[الباب الثاني بقية أركان الإيمان]

- ‌[الفصل الأول الإيمان بالملائكة]

- ‌[المبحث الأول تعريف الملائكة وأصل خلقتهم وصفاتهم وبعض خصائصهم]

- ‌[المبحث الثاني منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك]

- ‌[المبحث الثالث وظائف الملائكة]

- ‌[الفصل الثاني الإيمان بالكتب المنزلة]

- ‌[تمهيد في تعريف الوحي لغة وشرعا وبيان أنواعه]

- ‌[المبحث الأول حكم الإيمان بالكتب وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني كيفية الإيمان بالكتب]

- ‌[المبحث الثالث التوراة والإنجيل دخلها التحريف وسلامة القرآن من ذلك]

- ‌[المبحث الرابع الإيمان بالقرآن وخصائصه]

- ‌[الفصل الثالث الإيمان بالرسل]

- ‌[المبحث الأول حكم الإيمان بالرسل وأدلته]

- ‌[المبحث الثاني تعريف النبي والرسول والفرق بينهما]

- ‌[المبحث الثالث كيفية الإيمان بالرسل]

- ‌[المبحث الرابع ما يجب علينا نحو الرسل]

- ‌[المبحث الخامس أولو العزم من الرسل]

- ‌[المبحث السادس خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحقوقه على أمته]

- ‌[أولا خصائصه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ثانيا حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته]

- ‌[ثالثًا بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق]

- ‌[المبحث السابع ختم الرسالة وبيان أنه لا نبي بعده]

- ‌[المبحث الثامن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم حقيقته وأدلته]

- ‌[المبحث التاسع القول في حياة الأنبياء عليهم السلام]

- ‌[المبحث العاشر معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين كرامات الأولياء]

- ‌[المبحث الحادي عشر الولي والولاية في الإسلام]

- ‌[الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[المبحث الأول أشراط الساعة وأنواعها]

- ‌[المبحث الثاني نعيم القبر وعذابه]

- ‌[المطلب الأول الإيمان بنعيم القبر وعذابه وأدلة ذلك]

- ‌[المطلب الثاني وقوع نعيم القبر وعذابه على الروح والجسد معا]

- ‌[المطلب الثالث الإيمان بالملكين منكر ونكير]

- ‌[المبحث الثالث الإيمان بالبعث]

- ‌[المطلب الأول معنى البعث وحقيقته]

- ‌[المطلب الثاني أدلة البعث من الكتاب والسنة والنظر]

- ‌[المطلب الثالث الحشر]

- ‌[المطلب الرابع الحوض صفته وأدلته]

- ‌[المطلب الخامس الميزان صفته وأدلته]

- ‌[المطلب السادس الشفاعة تعريفها وأنواعها وأدلتها]

- ‌[المطلب السابع الصراط صفته وأدلته]

- ‌[المطلب الثامن الجنة والنار صفتهما وكيفية الإيمان بهما وأدلة ذلك]

- ‌[الفصل الخامس الإيمان بالقضاء والقدر ويشتمل على مبحثين]

- ‌[المبحث الأول تعريف القضاء والقدر وأدلة ثبوتهما مع بيان الفرق بينهما]

- ‌[المبحث الثاني مراتب القدر]

- ‌[الباب الثالث مسائل متفرقة في العقيدة]

- ‌[الفصل الأول الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌[المبحث الأول الإسلام]

- ‌[المبحث الثاني الإيمان وأركانه]

- ‌[المبحث الثالث الإحسان]

- ‌[المبحث الرابع العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌[الفصل الثاني الولاء والبراء معناه وضوابطه]

- ‌[الفصل الثالث حقوق الصحابة وما يجب نحوهم]

- ‌[المبحث الأول من هم الصحابة ووجوب محبتهم وموالاتهم]

- ‌[المبحث الثاني وجوب اعتقاد فضل الصحابة والكف عما شجر بينهم]

- ‌[المبحث الثالث أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الرابع الخلفاء الراشدون التعريف بالخلفاء الراشدين]

- ‌[المبحث الخامس العشرة المبشرون بالجنة]

- ‌[الفصل الرابع الواجب نحو أئمة المسلمين وعامتهم ولزوم جماعتهم]

- ‌[الفصل الخامس وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه وفيه مباحث]

- ‌[المبحث الأول معنى الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه]

- ‌[المبحث الثاني التحذير من البدع]

- ‌[المبحث الثالث ذم التفرق والاختلاف]

الفصل: ‌[المبحث الثاني منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك]

[المبحث الثاني منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك]

المبحث الثاني

منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك منزلة الإيمان بهم: الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان في الدين الإسلامي، لا يتحقق الإيمان إلا به. وقد نص الله على ذلك في كتابه. وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.

قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285](البقرة: 285) فأخبر أن الإيمان بالملائكة مع بقية أركان الإيمان مما أنزله على رسوله وأوجبه عليه وعلى أمته وأنهم امتثلوا ذلك.

وقال تعالى في آية أخرى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177](البقرة: 177) . فجعل الإيمان بهذه الخصال دليل البرِّ- والبرُّ اسم جامع للخير- وذلك أن هذه الأشياء المذكورة هي أصول الأعمال الصالحة، وأركان الإيمان التي تتفرع منها سائر شعبه.

كما أخبر الله عز وجل في مقابل هذا أن من كفر بهذه الأركان فقد كفر بالله: فقال: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136](النساء: 136) فأطلق الكفر على من أنكر هذه الأركان،

ص: 105

ووصفه بالبعد في الضلال. فدل ذلك أن الإيمان بالملائكة ركن عظيم من أركان الإيمان وأن تركه مخرج من الملة.

وقد دلت السنة كذلك على هذا. وهو ما جاء موضحًا في حديث جبريل المشهور الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربَّتها. وأن ترى الْحُفاة العُراة، العَالة، رِعاءَ الشاء، يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت مليًّا ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلتَ: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم» (1) .

فهذا حديث عظيم اشتمل على أصول الدين ومراتبه كلها وهو منهج

(1) صحيح مسلم برقم (8) .

ص: 106

فريد في تعليم هذا الدين جاء على طريقة الحوار بين الرسول الملكي، أفضل الملائكة وهو جبريل عليه السلام وبين الرسول الإنسي أفضل البشر، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فينبغي للمسلمين أن يعنوا بهذا الحديث العظيم وأن يستمدوا منهجهم في التعلم والتعليم منه كما كان على ذلك السلف رضوان الله عليهم. وقد تضمن الحديث ذكر الملائكة وأن الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان وهو المقصود هنا. . والله أعلم.

كيفية الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة يتضمن عدة أمور لا بد للعبد من تحقيقها حتى يتحقق له الإيمان بالملائكة وهي:

1 -

الإقرار بوجودهم والتصديق بهم كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة من أن الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان فلا يتحقق الإيمان إلا بذلك.

2 -

الإيمان بأنهم خلق كثير جدًّا لا يعلم عددهم إلا الله تعالى كما دلت على ذلك النصوص. قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31](المدثر: 31) .

أي لا يعلم جنود ربك وهم الملائكة إلا هو وذلك لكثرتهم. قال بذلك بعض السلف.

وجاء في حديث الإسراء الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (. . . «ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور. يدخله كل يوم سبعون ألف

ص: 107

ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم» (1) .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» (2) . فدل الحديثان على كثرة الملائكة، فإذا كان البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه وإنما يأتي غيرهم، وجهنم يأتي بها يوم القيامة هذا العدد من الملائكة، فكيف بغيرهم من الملائكة الموكلين بأعمال أخرى ممن لا يعلم عددهم إلا خالقهم تبارك وتعالى.

3 -

الإقرار لهم بمقاماتهم العظيمة عند ربهم وكرمهم عليه وشرفهم عنده كما قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 - 27](الأنبياء: 26، 27) . وقال جل وعلا {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ - كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15 - 16](عبس: 15، 16) . فوصفهم بأنهم مكرمون منه سبحانه. وقال تعالى في حقهم {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38](فصلت: 38) فوصفهم بأنهم عنده وهذا تشريف لهم، مع مقام التعبد له بلا سآمة. كما أنه تعالى أقسم بهم في غير موطن من كتابه وهذا لشرفهم عنده. فقال:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا - فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا - فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 1 - 3](الصافات: 1-3) . وقال عز وجل: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا - فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} [المرسلات: 4 - 5](المرسلات: 4، 5) . وشواهد صور إكرام الملائكة وتنوع أساليبها وتعدد سياقاتها من كتاب الله كثيرة لا تخفى على متدبر مما يحتم تقرير هذا في الشرع والله أعلم.

(1) صحيح البخاري برقم (3207) ، ومسلم برقم (164) ، واللفظ لمسلم.

(2)

صحيح مسلم برقم (2842) .

ص: 108

4 -

اعتقاد تفاضلهم وعدم تساويهم في الفضل والمنزلة عند الله على ما دلت على ذلك النصوص: قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75](الحج: 75) . وقال عز وجل: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172](النساء: 172) فأخبر أن منهم مصطفين بالرسالة ومقربين، فدل على فضلهم على غيرهم. وأفضل الملائكة: المقربون مع حملة العرش. وأفضل المقربين الملائكة الثلاثة الوارد ذكرهم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يفتتح به صلاة الليل فيقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة» . .) (1) .

وأفضل الثلاثة جبريل عليه السلام وهو الموكل بالوحي، فشرفه بشرف وظيفته. وقد ذكره الله في كتابه بما لم يذكر غيره من الملائكة، وسماه بأشَرف الأسماء، ووصفه بأحسن الصفات. فمن أسمائه الروح: قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193](الشعراء: 193) . وقال عز وجل: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4](القدر: 4) . وقد ورد هذا الاسم مضافًا إلى الله تعالى إضافة تشريف. قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17](مريم: 17) . وورد مضافًا إلى القدس، قال تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] (النحل: 102) والقدس هو الله على الصحيح من أقوال المفسرين. ومما جاء في وصفه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ - ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ - مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19 - 21](التكوير: 19- 21) . وقال تعالى {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5]

(1) رواه الإمام أحمد في المسند: 6 / 156، والنسائي في السنن: 3 / 173، برقم (1625) ، ونحوهما مسلم في الصحيح، برقم (770) ، وابن ماجه، برقم (1357) .

ص: 109

{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6](النجم: 5، 6) فوصفه الله تعالى بأنه رسول وأنه كريم عنده، وأنه ذو قوة ومكانة عند ربه سبحانه، وأنه مطاع في السماوات، وأنه أمين على الوحي وأنه ذو مرة (أي مظهر حسن) .

5 -

موالاتهم والحذر من عداوتهم لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71](التوبة: 71) فدخل الملائكة في هذه الآية لأنهم مؤمنون قائمون بطاعة ربهم كما أخبر الله عنهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6](التحريم: 6) . وأخبر جل وعلا عن موالاة الملائكة لرسوله وللمؤمنين فقال: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4](التحريمَ: 4) وقال عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43](الأحزاب: 43) . وقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [فصلت: 30](فصلتَ: 30) . فوجبت موالاة الملائكة على المؤمنين لموالاتهم لهم ونصرهم وتأييدهم واستغفارهم لهم. وقد حذر الله تعالى من عداوة الملائكة فقال: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98](البقرة: 98) . فأخبر أن عداوة الملائكة موجبة لعداوة الله وسخطه، وذلك لأنهم إنما يصدرون عن أمره وحكمه، فمن عاداهم فقد عادى ربه.

6 -

الاعتقاد بأن الملائكة خلق من خلق الله لا شأن لهم في الخلق والتدبير وتصريف الأمور، بل هم جند من جنود الله يعملون بأمر الله، والله تعالى هو الذي بيده الأمر كله لا شريك له في ذلك. كما أنه لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لهم، بل يجب إخلاص العبادة لخالقهم وخالق الخلق أجمعين، الذي لا شريك له في ربوبيته وألوهيته ولا مثيل له في أسمائه

ص: 110

وصفاته. وقد بين الله تعالى ذلك فقال عز من قائل: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 80](آل عمران: 80) . وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ - وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 26 - 29](الأنبياء: 26-29) . فأخبر سبحانه أنه لم يأمر بعبادتهم وكيف يأمر بعبادتهم وهي كفر بالله العظيم ثم أبطل تعالى دعوى من زعم أن الملائكة بنات الله ونزه نفسه عن ذلك، وبين أنهم عباد مكرمون بكرامته لهم عاملون بأمره مشفقون من خشيته وأنهم لا يملكون الشفاعة لأحد إلا من رضي الله عنه من أهل التوحيد. ثم ختم السياق ببيان جزاء من ادعى الألوهية منهم وأن جزاءه جهنم، فظهر من ذلك أهم عباد مربوبون لا حول لهم ولا قوة إلا بربهم وخالقهم.

7 -

الإيمان المفصل بمن جاء التصريح بذكرهم من الملائكة على وجه الخصوص في الكتاب والسنة: كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، وهاروت وماروت، ورضوان، ومنكر ونكير، وغيرهم ممن جاءت النصوص بتسميتهم. وكذلك من جاءت النصوص بالإخبار عنه بالوصف: كرقيب وعتيد، أو بذكر وظيفته: كملك الموت وملك الجبال، أو من جاءت النصوص بذكر وظائفهم في الجملة: كحملة العرش، والكرام الكاتبين والموكلين بحفظ الخلق، والموكلين بحفظ الأجنة والأرحام، وطواف البيت المعمور، والملائكة السياحين، إلى آخر من أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم.

ص: 111

فيجب الإيمان بذلك إيمانا مفصلا على نحو ما جاء في النصوص من أسمائهم وصفاتهم، ووظائفهم، وأخبارهم، والتصديق بكل ذلك مما سيأتي بيانه في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.

فهذه جملة ما يجب اعتقاده في حق الملائكة الكرام مما دلت عليه النصوص الشرعية والله تعالى أعلم.

ص: 112