الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع الإيمان بالقرآن وخصائصه]
المبحث الرابع: الإيمان بالقرآن وخصائصه تعريف القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي والفرق بينهما: القرآن الكريم: هو كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله حقيقة، سمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل، ونزل به على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه المنقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين المكتوب في المصاحف المحفوظ من التغيير والتبديل (1) .
والحديث القدسي: هو ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه باللفظ والمعنى ونقل إلينا آحادا أو متواترا ولم يبلغ تواتر القرآن (2) .
ومثاله حديث أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» (3) .
والحديث النبوي: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف (4) .
والفرق بين القرآن والحديث القدسي والنبوي: أن القرآن متعبد
(1) الطحاوية 1 / 172. مباحث في علوم القرآن لمناع القطان، ص21، وقواعد التحديث لجمال الدين القاسمي ص65.
(2)
انظر قواعد التحديث لجمال الدين القاسمي ص65.
(3)
رواه مسلم برقم (2577) .
(4)
مصطلح الحديث لابن عثيمين ص7، وقواعد التحديث للقاسمي ص61-62.
بتلاوته معجز في نظمه متحدى به، يحرم مسه لمحدث، وتلاوته لنحو جنب، وروايته بالمعنى، وتتعين قراءته في الصلاة، ويؤجر قارئه بكل حرف منه حسنة والحسنة بعشر حسنات. بخلاف الحديث القدسي والحديث النبوي فإنما ليسا كذلك.
والفرق بين الحديث القدس والنبوي: أن الحديث القدسي من كلام الله بلفظه ومعناه بخلاف الحديث النبوي فهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا ومعنى، وأن الحديث القدسي أفضل من الحديث النبوي وذلك لفضل كلام الله على كلام المخلوقين (1) .
خصائص الإيمان بالقرآن: الإيمان بكتب الله ركن عظيم من أركان الإيمان على ما تقدم تقريره، ولما كان القرآن العظيم هو الكتاب الناسخ للكتب السابقة والمهيمن عليها والمتعبد به لعامة الثقلين بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزول هذا الكتاب عليه، اختص الإيمان به بخصائص ومميزات لا بد من تحقيقها للإيمان به بالإضافة إلى ما تم تقريره من مسائل في تحقيق الإيمان بالكتب إجمالا. وهذه الخصائص هي:
ا- اعتقاد عموم دعوته وشمول الشريعة التي جاء بها لعموم الثقلين من الجن والإنس لا يسع أحدًا منهم إلا الإيمان به ولا أن يعبدوا الله إلا بما شرع فيه. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1](الفرقان: 1) . وقال تعالى مخبرًا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19](الأنعام: 19) . وقال تعالى إخبارًا عن الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1]
(1) انظر قواعد التحديث للقاسمي ص65- 66.
{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 2](الجن: 1، 2) .
2 -
اعتقاد نسخه لجميع الكتب السابقة فلا يجوز لأهل الكتاب ولا لغيرهم أن يعبدوا الله بعد نزول القرآن بغيره، فلا دين إلا ما جاء به، ولا عبادة إلا ما شرع الله فيه، ولا حلال إلا ما أحل فيه، ولا حرام إلا ما حرم فيه، قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85](آل عمران: 85) . وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105](النساء: 105) . وقد تقدم في حديث جابر بن عبد الله نهي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قراءة كتب أهل الكتاب وقوله: (. . . «والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني» (1) .
3 -
سماحة الشريعة التي جاء بها القرآن ويسرها، بخلاف الشرائع في الكتب السابقة. فقد كانت مشتملة على كثير من الآصار، والأغلال التي فرضت على أصحابها. قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157](الأعراف: 157) .
4 -
أن القرآن هو الكتاب الوحيد من بين الكتب الإلهية الذي تكفل الله بحفظ لفظه ومعناه من أن يتطرق إليه التحريف اللفظي أو المعنوي. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9](الحجر: 9) . وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42](فصلت: 42) . وقال عز وجل مبينًا تكفله بتفسيره وتوضيحه على ما أراد
(1) رواه الإمام أحمد في المسند: 3 / 387، وغيره.
وشرع: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ - فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ - ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 17 - 19](القيامة: 17-19) . قال ابن كثير في تفسير الآية الأخيرة: " أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا ". وقد هيأ الله تعالى لحفظ كتابه من العلماء الجهابذة من قاموا بذلك خير قيام، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به، ولم يَدَعوا مجالا من مجالات خدمة القرآن وحفظه إلا وألفوا فيه المؤلفات المطولة، فمنهم من ألف في تفسيره، ومنهم من ألف في رسمه وقراءاته، ومنهم من ألف في محكمه ومتشابهه، ومنهم من ألف في مكيه ومدنيه، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه، ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، إلى غير ذلك من المجالات التي تجسد من خلالها حفظ الله لكتابه بما هيأ له هؤلاء العلماء من خدمة كتابه وعلومه حتى بقي محفوظًا يقرأ ويفسر غضًّا طريًّا كما أنزل.
5 -
أن القرآن الكريم مشتمل على وجوه كثيرة من الإعجاز شارك فيها غيره من الكتب المنزلة، وهو في الجملة المعجزة العظمى وحجة الله البالغة الباقية التي أيد بها نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى قيام الساعة، على ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (1) . ومن صور إعجاز القرآن حسن تأليفه وفصاحته وبلاغته وقد وقع التحدي للإنس والجن على أن يأتوا
(1) صحيح البخاري برقم (4981) ، ومسلم برقم (152) .
بمثله أو ببعضه على مراتب ثلاث: فقد تحداهم الله على أن يأتوا بمثله فعجزوا وما استطاعوا. قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ - فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 33 - 34](الطور: 33، 34) . وقال عز وجل مقررًا عجزهم عن ذلك {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88](الإسراء: 88) . ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فما قدروا. قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13](هود: 13) . ثم تحداهم مرة ثالثة بأن يأتوا بسورة منه فما استطاعوا. قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38](يونس: 38) . فثبت بهذا إعجاز القرآن على أبلغ وآكده، لما عجز الخلق عن معارضته بأدنى مراتب التحدي، وهو الإتيان بسورة من مثله، وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات.
6 -
أن الله تعالى بين في القرآن كل شيء مما يحتاج له الناس في أمر دينهم، ودنياهم، ومعاشهم، ومعادهم. قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89](النحل: 89) . وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38](الأنعام: 38) . قال ابن مسعود رضي الله عنه: " أنزل في هذا القرآن كل علم، وكل شيء قد بين لنا في القرآن ".
7 -
أن الله تعالى يسر القرآن للمتذكر والمتدبر وهذا من أعظم خصائصه. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17](القمر: 17) . وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29](ص: 29) . قال مجاهد في تفسير الآية الأولى: " يعني هونَّا قراءته ". وقال
السدي: " يسرنا تلاوته على الألسن ". وقال ابن عباس: " لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله "(1) . وقد ذكر الطبري وغيره من أئمة التفسير أن تيسير القرآن يشمل تيسير اللفظ للتلاوة وتيسير المعاني للتفكر والتدبر والاتعاظ (2) وهو كذلك كما هو ملاحظ ومشاهد.
8 -
أن القرآن تضمن خلاصة تعاليم الكتب السابقة وأصول شرائع الرسل. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48](المائدة: 48) . وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13](الشورى: 13) .
9 -
أن القرآن مشتمل على أخبار الرسل والأمم الماضية وتفصيل ذلك بشكل لم يسبق إليه كتاب قبله. قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120](هود: 120) . وقال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100](هود: 100) . وقال تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99](طه: 99) .
10 -
أن القرآن هو آخر كتب الله نزولا وخاتمها والشاهد عليها. قال تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ - مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 3 - 4](آل عمران: 3، 4) . وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48](المائدة: 48) .
(1) تفسير ابن كثير 8 / 453.
(2)
تفسير ابن جرير 27 / 96.
فهذه بعض خصائص القرآن الكريم على سائر الكتب الأخرى مما لا يتحقق الإيمان به إلا باعتقادها وتحقيقها علمًا وعملًا. والله تعالى أعلم.