الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني وجوب اعتقاد فضل الصحابة والكف عما شجر بينهم]
المبحث الثاني
وجوب اعتقاد فضلهم وعدالتهم
والكف عما شجر بينهم في ضوء الأدلة الشرعية فضلهم: لقد أثنى الله تعالى على الصحابة ورضي عنهم ووعدهم الحسنى. كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100](التوبة: 100) . وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18](الفتح: 18) . وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8 - 10](الحشر: 8- 10) .
فقد دلت الآيات الكريمة على فضل الصحابة والثناء عليهم من المهاجرين والأنصار وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكل من حصل على شرف الصحبة. ووصف الذين جاؤوا من بعدهم بأنهم يستغفرون لمن سبقهم من الصحابة ويدعون الله تعالى ألا يجعل في قلوبهم غلًّا للذين آمنوا.
كما تضمنت الآيات وغيرها مما لا يمكن حصره من الترضي عنهم
وبشارتهم بالجنة وحصولهم على الفوز العظيم ومدحهم وذكر بعض صفاتهم من الحب والإيثار والكرم والجود وحب إخوانهم المسلمين ونصرهم لدين الله ونحو ذلك من الأوصاف العظيمة والذكر الجميل ما هم أهل له.
وقد أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة» (1) . وقد جاءت أحاديث بعضها عامة في فضل جميع الصحابة وبعضها في فضل أهل بدر، وبعضها في أفراد بخصوصهم.
فالواجب على المسلمين تطبيق هذه النصوص وتولي الصحابة جميعًا، ومحبتهم والترضي عنهم، وذكرهم بكل جميل، والاقتداء بهم والسير على منهجهم.
وجوب الكف عما شجر بين الصحابة وحكم سبهم: عرفنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الصفوة المختارة من هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، فهم السابقون إلى الإسلام وهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده وأبلوا بلاءً حسنًا في الذود عن حياض الإسلام حتى مكن الله لهذا الدين في الأرض على أيديهم. فمن تنقصهم أو سبهم أو نال من أحد منهم فهو من شر الخليقة؛ لأن عمله هذا اعتداء على الدين كله. ومن كفرهم أو اعتقد ردتهم فهو أولى بالكفر والردة وإنه مهما عمل أحدٌ بعدهم من عمل فإنه لن يبلغ شيئًا من فضلهم. فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما
(1) صحيح مسلم: حديث برقم (2496) .
أدرك مُد أحدهم ولا نصيفه» (1) . فقد دل الحديث على تحريم سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأكيد على أنه لن يبلغ أحد مبلغهم مهما قدم من عمل.
فالواجب على المسلمين اعتقاد عدالتهم والترضي عنهم والكف عما شجر بينهم وعدم الخوض فيما جرى بينهم من خلاف وترك سرائرهم إلى الله تعالى. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (أولئك قوم طهر الله أيدينا من دمائهم، فلنطهر ألسنتنا من أعراضهم) .
وخلاصة القول أن أهل السنة يوالون الصحابة كلهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب. فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد.
(1) صحيح البخاري حديث برقم (3673) ، ومسلم كتاب الفضائل حديث رقم (2540، 2541) .