الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين أوحى إليهم وعلمهم فوجب لزوم طريق الوحي في أسماء الله وصفاته إذ لم نر ربنا في الدنيا فنصفه وليس له مثيل من خلقه فيوصف بوصفه، تعالى ربنا وتقدس.
[القاعدة الرابعة أسماء الله كلها حسنى]
القاعدة الرابعة: أسماء الله كلها حسنى أسماء الله كلها حسنى أي بالغة في الحسن غايته. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180](الأعراف: 180) وذلك لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول وهو الله عز وجل ولأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديرًا.
مثال ذلك: (الحي) اسم من أسماء الله تعالى متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها. ومثال آخر: (العليم) اسم من أسماء الله تعالى متضمن للعلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان. قال تعالى {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52](طه: 52) العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه. كما قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19](غافر: 19) .
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراد، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى آخر كمال فوق كمال.
مثال ذلك: (العزيز الحكيم) فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرًا فيكون كل منهما دالا على الكمال الخاص الذي يقتضيه وهو العزة في
العزيز والحكم والحكمة في الحكيم. والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن العزة لله تعالى مقرونة بالحكمة فعزته لا تقتضي ظلمًا وجورًا كما يكون من بعض أعزاء المخلوقين فإن بعضهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل. هذا والله أعلم.
وفي ختام هذا الباب نشير إلى جملة من الفوائد والثمرات التي يجنيها المسلم بتحقيقه لهذا الأصل العظيم وهو الإيمان بالله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. فمن ذلك:
1 -
أن العبد ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، بل إن السعادة في الدارين متوقف الحصول عليها على الإيمان بالله، فحظ العبد منها بحسب حظه من إيمانه بربه وأسمائه وصفاته وألوهيته.
2 -
أن إيمان العبد بربه وأسمائه وصفاته هو أعظم أسباب خوفه سبحانه وخشيته وتحقيق طاعته، فكلما كان العبد بربه أعرف كان إليه أقرب، ومنه أخشى، ولعبادته أطلب، وعن معصته ومخالفته أبعد.
3 -
أن العبد ينال بذلك طمأنينة قلبه، وراحة نفسه، وأنس خاطره، والأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة. والله تعالى يقول {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] (الرعد: 28) .
4 -
أنَّ نيل ثواب الآخرة متوقف على الإيمان بالله وصحته، فبتحقيقه وتحقيق لوازمه ينال العبد ثواب الآخرة فيدخل جنة عرضها السماء والأرض فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وينجو من النار وعذابها الشديد، وأعظم من ذلك كله أن يفوز برضى الرب سبحانه فلا يسخط عليه أبدًا، ويتلذذ يوم القيامة بالنظر إلى
وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
5 -
أن الإيمان بالله هو الذي يصحح الأعمال ويجعلها مقبولة، فبفقده لا تقبل بل ترد على صاحبها وإن كثرت وتنوعت، قال تعالى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5] (المائدة: 5) . وقال تعالى {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19](الإسراء: 19) .
6 -
أن الإيمان الصحيح بالله يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علمًا وعملًا، ويكسب العبد الاستعداد التام لتلقي المواعظ النافعة والعبر المؤثرة، ويوجب سلامة الفطرة، وحسن القصد، والمبادرة إلى الخيرات، ومجانبة المحرمات والمنكرات، ولزوم الأخلاق الحميدة، والخصال الكريمة، والآداب النافعة.
7 -
أنَّ الإيمان بالله ملجأ المؤمنين في كل ما يلم لهم من شرور وحزن وأمن وخوف وطاعة ومعصية وغير ذلك من الأمور التي لا بد لكل أحد منها، فعند المحاب والسرور يلجؤون إلى الإيمان بالله فيحمدون الله ويثنون عليه ويستعملون نعمته فيما يحب، وعند المكاره والأحزان يلجؤون إلى الإيمان بالله فيتسلون بإيمانهم وما يترتب عليه من الأجر والثواب، وعند المخاوف والأحزان يلجؤون إلى الإيمان بالله فتطمئن قلوبهم ويزداد إيمانهم وتعظم ثقتهم بربهم، وعند الطاعات والتوفيق للأعمال الصالحات يلجؤون إلى الإيمان بالله فيعترفون بنعمته عليهم، ويحرصون على تكميلها، ويسألونه الثبات عليها والتوفيق لقبولها، وعند الوقوع في شيء من المعاصي يلجؤون إلى الإيمان بالله فيبادرون إلى التوبة منها والتخلص من شرورها وأوضارها، فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان بالله وحده.
8 -
أن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته توجب محبة الله في القلوب إذ أن أسماء الله وصفاته كاملة من كل وجه والنفوس قد جبلت على حب الكمال والفضل فإذا تحققت محبة الله في القلوب انقادت الجوارح بالأعمال وتحققت الحكمة التي خلق العبد من أجلها وهي عبادة الله.
9 -
أن العلم بالأسماء والصفات يورث قوة اليقين بانفراد الله تعالى بتصريف شؤون الخلق وانفراده بذلك لا شريك له وهذا مما يحقق صدق التوكل على الله في جلب المصالح الدينية والدنيوية وفي ذلك فلاح العبد ونجاحه فمن توكل على الله فهو حسبه.
10 -
إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا، وهي إما علم بما كونه، وإما علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه. فمن أحصى أسماء الله كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم.