الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب الثاني بقية أركان الإيمان]
[الفصل الأول الإيمان بالملائكة]
[المبحث الأول تعريف الملائكة وأصل خلقتهم وصفاتهم وبعض خصائصهم]
الباب الثاني: بقية أركان الإيمان وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: الإيمان بالملائكة
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الملائكة وأصل خلقتهم وصفاتهم وبعض خصائصهم.
المبحث الثاني: منزلة الإيمان بهم وكيفيته وأدلة ذلك.
المبحث الثالث: وظائفهم.
المبحث الأول
تعريف الملائكة وأصل خلقتهم، وصفاتهم، وخصائصهم تعريفهم: الملائكة: جمع مَلَك. أخذ من (الأَلُوكِ) وهي: الرسالة.
وهم: خلق من مخلوقات الله، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة، ولهم قوى عظيمة، وقدرة كبيرة على التنقل، وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، قد اختارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره، فلا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
أصل خلقهم: والمادة التي خلق الله منها الملائكة هي " النور ". فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» (1) . والمارج هو: اللهب المختلط بسواد النار.
صفاتهم: قد تضمن الكتاب والسنة الكثير من النصوص المبينة صفات الملائكة وحقائقها فمن ذلك:
(1) صحيح مسلم برقم (2996) .
أنهم موصوفون بالقوة والشدة. كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6](التحريم: 6) . وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5](النجم: 5) . وقال في وصفه أيضا {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20](التكوير: 20) .
وهم موصوفون بعظم الأجسام والخلق. ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23](التكوير: 23) فقال: «إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض» (1) .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم» (2) قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد.
وروى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام» (3) قال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.
(1) صحيح مسلم برقم (177) .
(2)
مسند الإمام أحمد: (1 / 395) ، (6 / 294) .
(3)
سنن أبي داود: (5 / 96) ، برقم (4727) .
ومن صفاتهم أنهم يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له ستمائة جناح. قال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] (فاطر: 1) .
ومن صفاتهم الحسن والجمال فهم على درجة عالية من ذلك. قال تعالى في حق جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى - ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 5 - 6](النجم: 5، 6) قال ابن عباس رضي الله عنهما (ذو مرة: ذو منظر حسن) وقال قتادة: (ذو خلق طويل حسن) .
وقال تعالى مخبرا عن النسوة عند رؤيتهن ليوسف عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31](يوسف: 31) وإنما قلن ذلك لما هو مقرر عند الناس من وصف الملائكة بالجمال الباهر.
ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم كرام أبرار. قال تعالى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ - كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15 - 16](عبس: 15، 16) . وقال عز وجل {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10 - 11](الانفطار: 10، 11) .
ومن صفاتهم الحياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان رضي الله عنه: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (1) .
ومن صفاتهم أيضا العلم. قال تعالى في خطابه للملائكة
(1) صحيح مسلم برقم (2401) .
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30](البقرة: 30) فأثبت الله عز وجل للملائكة علمًا وأثبت لنفسه علمًا لا يعلمونه. وقال تعالى في حق جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5](النجم: 5) قال الطبري: (علم محمدًا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن جبريل عليه السلام أ. هـ، وهذا متضمن وصف جبريل بالعلم والتعليم.
إلى غير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة من صفاتهم العظيمة وأخلاقهم الكريمة الدالة على علو شأنهم وسمو منازلهم عليهم السلام.
خصائصهم: للملائكة عليهم السلام خصائص وصفات قد اختصهم الله تعالى بها، وامتازوا بها عن الجن والإنس وسائر المخلوقات. فمنها:
أن مساكنهم في السماء وإنما يهبطون إلى الأرض تنفيذًا لأمر الله في الخلق وما أسند إليهم من تصريف شؤونهم. قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: 2](النحل: 2) وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75](الزمر: 75) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» (1) . والنصوص في هذا كثيرة جدًّا يصعب حصرها هنا.
(1) صحيح البخاري برقم (555) وصحيح مسلم برقم (632) .
ومن خصائصهم أنهم لا يوصفون بالأنوثة، قال تعالى منكرا على الكفار ذلك:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19](الزخرف: 19) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم: 27](النجم: 27) .
ومن خصائصهم أنهم لا يعصون الله في شيء، ولا تصدر منهم الذنوب، بل طبعهم الله على طاعته، والقيام بأمره: كما قال تعالى في وصفهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6](التحريم: 6) . وقال أيضا {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27](الأنبياء: 27) .
ومن خصائصهم أيضا أنهم لا يفترون عن العبادة ولا يسأمون. قال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ - يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 - 20](الأنبياء: 19، 20) . وقال في آية أخرى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38](فصلت: 38) .
فهذه بعض خصائص الملائكة التي اختصهم الله بها دون الثقلين من الإنس والجن. وبالجملة فالملائكة جنس آخر، يتميزون في أصل خلقتهم وتكوينهم عن الإنس والجن. كما أن لكل من الإنس والجن خصائصهما التي يتميز بها أحد الجنسين عن الآخر والله أعلم.