الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الرابع الواجب نحو أئمة المسلمين وعامتهم ولزوم جماعتهم]
الفصل الرابع
الواجب نحو أئمة المسلمين وعامتهم ولزوم جماعتهم روى مسلم عن أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم» (1) .
فالنصيحة لله: إفراده تعالى بالعبادة وتعظيمه وخوفه ورجاؤه ومحبته وفعل أوامره واجتناب نواهيه.
والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم، تصديقه فيما أخبر به وطاعته فيما أمر به، واتباع سنته، والاهتداء بهديه ومحبته، وألا نعبد الله إلا وفق ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهي الدعاء لهم ومحبتهم وطاعتهم في حدود طاعة الله تعالى.
وأما النصيحة لعامة المسلمين فهو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحبُ الخير لهم كما نحب لأنفسنا وبذل الخير لهم ومساعدتهم بقدر ما نستطيع.
(1) صحيح مسلم برقم (55) .
الواجب نحو ولاة الأمور: لقد دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على وجوب طاعة الإمام وإن جار في حدود طاعة الله تعالى، ما لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. كما تجب الصلاة خلفه، والحج والجهاد معه، ويطاع في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد بل عليهم طاعته في ذلك، وترك رأيهم لرأيه، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف وتجنب مفسدة الفرقة والاختلاف، أعظم من أمر المصالح الخاصة. كما تجب النصيحة له بالطرق المشروعة وترك منازعته وعدم الخروج عليه.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة) .
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59](النساء: 59) .
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» (1) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن
(1) صحيح البخاري برقم (7137) .
يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (1) .
والسنة أن تُبذل النصيحة للإمام سرًّا بعيدًا عن الإثارة والتهويل يدل لذلك ما رواه ابن أبي عاصم وغيره، عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك، وإلا أدى الذي عليه» (2) .
هذه النصوص من القرآن والسنة كلها تأمر بطاعة الأئمة وولاة الأمور في غير معصية الله تعالى. ويمكن أن نستخلص منها ما يأتي:
1 -
أن السمع والطاعة واجبة في كل الأحوال في غير معصية.
2 -
عدم الخروج على ولاة الأمر إذا لم يقبلوا النصيحة.
3 -
أن من نصح لولاة الأمر وأنكر عليهم بالطريقة المشروعة فقد برئ من الذنب.
4 -
النهي عن إثارة الفتن وأسباب إثارتها.
5 -
عدم الخروج على الولاة ما لم يظهر منهم الكفر البواح أي الظاهر الذي لا يحتمل التأويل.
6 -
وجوب لزوم جماعة المسلمين الذين يسيرون على هدى الكتاب والسنة قولا وعملا واعتقادًا وموالاتهم واتباع سبيلهم والحرص على جمع كلمتهم على الحق وعدم مفارقتهم أو الانشقاق عليهم. كما قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115](النساء: 115) .
(1) صحيح البخاري برقم (7144) .
(2)
رواه ابن أبي عاصم في السنة (2 / 507) بسند صحيح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار» (1) . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتته جاهلية» (2) .
فدلت هذه النصوص على وجوب لزوم الجماعة وعدم منازعة الأمر أهله، والوعيد الشديد لمن يخالف ذلك. إذ أن الجماعة رحمة والفرقة عذاب.
(1) الترمذي برقم (2167) ، السنة لابن أبي عاصم برقم (80) .
(2)
صحيح البخاري برقم (7143) .