الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في رد قول الملحد: الآيات التي تمسك بها الوهابية لا تدل على مدعاهم
…
الخ
…
فصل
قال الملحد:"وأما الآيات التي تمسك بها الوهابية من قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: آية 60] وقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: آية107] وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: آية16] ونحوها من الآيات الكريمة، فلا تدل على مدعاهم من امتناع التوسل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام".
فالجواب أن نقول:
هذه الآيات ونحوها من الآيات التي يستدل بها الوهابي على امتناع التوسل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وغيرهم من الملائكة، والأولياء والصالحين هي من أوضح الدلائل والبينات على امتناع دعائهم، والاستغاثة لهم، والاستشفاع بهم، والالتجاء إليهم، إلى غير ذلك من أنواع العبادة، لأنها دالة على وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة عن عبادة ما سواه كائنا من كان، وهي تتضمن كمال
الذل والحب، وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، وهو يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته. قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: آية 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: آية25] وقال تعالى عن الخليل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: آيات 26-28] وقال تعالى عنه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: آيات75-77] وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: آية 4] وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: آية 45] وذكر عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم:- اعبد الله ما لكم من إله غيره، وقال عن أهل الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف: آيات13-15] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: آية116] في موضعين من كتابه وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: آية72] .
قال الشيخ رحمه الله: والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها يدخل فيه شرك عباد القبور وعباد الأنبياء والملائكة والصالحين، فإن هذا هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبد الله ورسوله محمد- صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يدعونها1، ويلتجؤون إليها، ويسألونها على وجه التوسل بجاهها، وشفاعتها لتقربهم إلى الله كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع2من كتابه كقوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: آية 18] وقال تعلى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: آية 28] . قال رحمه الله: ومعلوم أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السماوات
1 في طبعة الرياض"يوعونها".
2 سقطت"من" من طبعة الرياض.
والأرض، أو استلقوا بشيء من التدبير والتأثير والإيجاد، ولو في خلق ذرة من الذرات.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: آية 38] . فهم 1 معترفون بهذا مقرون به لا ينازعون فيه، ولذلك حسن موقع الاستفهام، وقامت الحجة بما أقروا به من هذه الجمل، وبطلت عبادة من لا يكشف الضر، ولا يمسك الرحمة. ولا يخفى ما في التنكير من العموم والشمول المتناول لأول شيء وأدناه من ضر أو رحمة، وقال تعالى:{قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ - إلى قوله: فَأَنَّا تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: آيات 84-89] . وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: آية 106] .ذكر فيه السلف كابن عباس وغيره: إيمانهم هنا بما أقروا به من ربوبيته وملكه. وفسر شركهم2 بعبادة غيره.
قال رحمه الله: وقد بين القرآن في غير موضع أن من المشركين من أشرك بالملائكة، ومنهم من أشرك بالأنبياء والصالحين، ومنهم من أشرك بالكواكب، ومنهم من أشرك
1 في طبعة الرياض"فمنهم".
2 في طبعة الرياض"شركاهم".
بالأصنام، وقد رد عليهم أجمعين وكفر كل أصنافهم، كما قال تعالى:{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: آية 80] . وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: آية 31] ونحو ذلك في القرآن كثير. وبه يعلم المؤمن أن دعاء الأنبياء والصالحين كدعاء الكواكب والأصنام من حيث الشرك والكفر، واتفاقهما في 1 العلة التي هي دعاء غير الله.
وقال رحمه الله: وهذه العبادات التي صرفها المشركون لآلهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه كالحب والخضوع والإنابة والتوكل والدعاء والاستغاثة والاستعانة والخوف والرجاء والنسك والتقوى والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال بفيضه ومده وإحسانه وكرمه، فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منها فهو خداج مرود على صاحبه وإنما أشرك وكفر من كفر من المشركين بقصد غير الله بهذا وتأهيله لذلك قال تعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل: آية 17] وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: آية 43] وقال {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا
1 في طبعة الرياض"هم".
تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِي إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يس: آيات 23-24] . وحكى عن أهل النار أنهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها من دون الله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: آيات 97، 98] ومعلوم أنهم ما سووهم بالله في الخلق والتدبير والتأثير وإنما كانت التسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات.
وقال رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية، وما عدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة لا يكفر بها، ولا نحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا لعباد الأوثان والأصنام والقبور بكفر بمجرد ذنب ارتكبوه، وعظيم جرم اجترحوه، انتهى.
فما استدل به الوهابي على امتناع التوسل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على عرف أهل هذا الزمان ولغتهم واصطلاحهم في معنى التوسل هو مقتضى هذه الآيات، فأما التوسل الذي هو بلغة الصحابة والتابعين فهو التوسل بدعائهم وذلك في حياتهم، وأما بعد وفاتهم فهو من البدع المكروهة المذمومة المحرمة والله سبحانه وتعالى أعلم.