المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: قال الملحد: (الباب الأول: في الآيات القرآنية الدالة على جواز التوسل…الخ - الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فصل: في نقض تسميته عباد القبور: أهل السنة والجماعة

- ‌فصل: قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم "الآخذ باليد وقت الشدائد…" الخ

- ‌فصل: نقل الملحد كلام القسطلاني المتضمن خلق العالم بما فيه من روح النبي…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد حديث جابر وفيه " إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك.... الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد حديث "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد".... الخ

- ‌فصل: ذكر كلام ابن القيم في أن خلق الأرواح متأخر عن خلق أبدانها

- ‌فصل: قال الملحد: (الباب الأول: في الآيات القرآنية الدالة على جواز التوسل…الخ

- ‌فصل: سياق أبيات ابن القيم في نونيته فيما يتعلق بحياة الأنبياء في قبورهم

- ‌فصل: قول ابن القيم في نونيته: فصل فيما احتجوا به على حياة الرسل في القبور

- ‌فصل: قول ابن القيم في نونيته: فصل في الجواب عما احتجوا به في هذه المسألة

- ‌فصل: استدل الملحد على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من رآني في المنام فسيراني…" الخ

- ‌فصل: في رد قول الملحد: هناك آيات أخر تشير إلى الالتجاء بالنبي الخ

- ‌فصل: في رد قول الملحد: قد فهم آدم من قرن اسمه تعالى باسم نبيه أنه الوسيلة…الخ

- ‌فصل: في رد قول الملحد: الآيات التي تمسك بها الوهابية لا تدل على مدعاهم…الخ

- ‌فصل: في الجواب عن قوله: إن القائلين بالتوسل بالأنبياء والصالحين يقولون:…الخ

- ‌فصل: في رد قول الملحد: إن العوام الطالبين من الصالحين ما لا يطلب إلا من الله: طلبهم مجاز…الخ

- ‌فصل: وإنما دهى الغلاة ما ألقاه الشيطان إليهم من قوله: إن هؤلاء المدعوين من دون الله…الخ

- ‌فصل: في رد قوله: إنما الطلب من هؤلاء الصالحين على سبيل التوسط

- ‌فصل: في رد قول الملحد: (لكن ندعو العامة إلى الأدب في التوسل…الخ

- ‌فصل: في رد قول الملحد: (الباب الثاني في ذكر الأحاديث الدالة على التوسل بالنبي…الخ

- ‌فصل: ذكر المعترض أن الناس اصابهم قحط في زمن عمر…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد حديث توسل آدم صلى الله عليه وسلم بنبينا محمد…الخ

- ‌فصل: في رد استدلال الملحد لمراده بقوله صلى الله عليه وسلم:"…أسألك بحق السائلين

- ‌فصل: في رد استدلال الملحد بقوله صلى الله عليه وسلم:"…فليناد يا عباد الله احبسوا

- ‌فصل: قال الملحد: الباب الثالث في أقوال العلماء بالتوسل بالأنبياء والصالحين…الخ

- ‌فصل: نقل الملحد كلام السبكي المتضمن تحسين التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي إلى ربه…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد عن معروف الكرخي أنه قال لتلاميذه:.. الخ

- ‌قال شيخ الإسلام: فصل: اتفق السلف على أن الأنبياء أفضل من الأولياء

- ‌فصل: أنشد الملحد أبياتا للبكري فيها الغلو والإطراء…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد مناظرة أبي جعفر المنصور مع مالك

- ‌فصل: ذكر الملحد قصة العتبي نقلا عن النووي، وبيان بطلانها…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد حديث ابن عباس"أن عمر قال: اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك…الخ

- ‌فصل: نقل المعترض حكاية توسل الشافعي بأبي حنيفة وبيان بلادة المعترض…الخ

- ‌فصل: زعم الملحد تبعا لابن حجر الهيتمي أن الشافعي توسل بآل البيت

- ‌فصل: قال ابن القيم: فصل: ذكر فيه مفاسد اتخاذ القبور أعيادا…الخ

- ‌فصل: ذكر الملحد حديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة"…الخ

- ‌فصل: في الفرق بين توحيد الربوبية والإلهية

الفصل: ‌فصل: قال الملحد: (الباب الأول: في الآيات القرآنية الدالة على جواز التوسل…الخ

‌فصل: قال الملحد: (الباب الأول: في الآيات القرآنية الدالة على جواز التوسل

الخ

.

فصل

قال الملحد: "الباب الأول في الآيات القرآنية الدالة على جواز التوسل به" ذكر بعض الآيات التي قرن الله بها اسمه باسم النبي- صلى الله عليه وسلم وما يتعلق في بيان ذلك. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: آية 64] وقال تعالى في شأن أهل أحد: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: آية 159] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: آية 19] .

والجواب أن يقال: قد سبق هذا الملحد إلى الاستدلال بهذه الآية من المشبهين أقوام وذكروا من الشبه نحو ما ذكره هذا وأكثر وأعظم تلبيسا وتمويها؛ وأجابهم على ذلك الأئمة الجهابذة الحفاظ الذين هم القدوة وبهم الأسوة وحسبنا ما ذكروه ووضحوه في هذه المسائل.

فقال الإمام الحافظ المحقق أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عبد الهادي الحنبلي المقدسي؛ قدس الله روحه على ما

ص: 74

ذكره السبكي:- فأما استدلاله بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: آية 64] فالكلام فيها في مقامين:

" أحدها": عدم دلالتها على مطلوبه."الثانية": بيان دلالتها على نقيضه؛ وإنما يتبين الأمران بفهم الآية وما أريد بها وسيقت فه؛ وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه وهم سلف الأمة ومن سلك سبيلهم؛ ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم؛ وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء إذ 1 ظلم نفسه وأخبر أنه من المنافقين. فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: آية 5] وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم ثم لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له؛ فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصل من الذنب؛ وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إليه فقال: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فستغفر لي؛ وكان هذا فرقا بينهم وبين المنافقين.

1 في الأصل والمطبوعة بالرياض "إذا" والتصويب من الصارم المنكر ص 425 ط دار الإفتاء.

ص: 75

فلما استأثر الله عز وجل بنبيه – صلى الله عليه وسلم ونقله من بين ظهورهم إلى دار كرامته؛ لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره؛ ويقول: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فستغفر لي؛ ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت وافترى على كل 1 الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ وهم خير القرون على الإطلاق حيث تركوا هذا الواجب 2 الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق 3؛ وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام من أهل الحديث والفقه والتفسير ومن لهم لسان صدق في الأمة؛ فلم يدعوا إليه؛ ولم يرشدوا إليه؛ ولم يفعله أحد منهم ألبتة 4؛ ووفق له من لا يؤبه 5 له من الناس ولا يعد في أهل العلم؛ بل المنقول الثابت عنهم 6 ما قد عرف مما يسوء الغلاة فيما يكرهه وينهى

1 في الصارم المنكى: "افترى عطل الصحابة والتابعون" وهو خطأ.

2 في الصارم المنكى: "وهم خير القرون على الإطلاق هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه.." ولا يستقيم الكلام كذا إلا بتكلف بعيد.

3 في الصارم المنكى بعد هذه العبارة:"ووفق له من لا توبة له من الناس ولا يعد في أهل العلم وكيف أغفل هذا الأمر

" إلخ وهذا تقديم وتأخير مخل جدا.

4 في الصارم المنكى بعد هذه العبارة: "بل المنقول الثابت عنه ما قد عرف مما يسوء الغلاة".

5 في الصارم المنكى: "من لا توبة " وهو خطأ.

6 في الصارم المنكى: "عنه" وهو خطأ. وفي هذا الموطن تقديم لبعض الأسطر وتأخير لبعض مما أدى إلى ركاكة العبارة وغموضها.

ص: 76

عنه من الغلو والشرك الجفاة عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية.

ولما كان هذا المنقول شجا في حلوق الغلاة 1؛ وقذى في عيونهم؛ وريبة 2 في قلوبهم؛ قابلوه بالتكذيب والطعن في الناقل؛ ومن اسحى 3 منهم من أهل العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل؛ ويأبي الله إلا أن يعلى منار الحق؛ ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد؛ وتقوم الحجة على المعاند؛ فيعلي الله بالحق من يشاء؛ ويضع برده وبطره وغمص 4 أهله من يشاء.

ويا لله العجب أكان ظلم الأمة لأنفسها ونبيها حي بين أظهرها موجود؛ وقد دعيت فيه إلى المجيء؛ إليه ليستغفر لها وذم من تخلف عن هذا المجيء؛ فلما توقي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها له.

وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل؛ ولو كان حقا لسبقونا إليه علما وعملا وإرشادا ونصيحة؛ ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة؛ لم

1 في الصارم الميكى: "البغاة"

2 سقطت الواو العطفة من الصارم المنكى.

3 في طبعة الرياض "استحيا".

4 لعلها "غمط"-

ص: 77

يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر؛ فكيف إذا كان التأويل بخلاف تأويلهم ويناقضه؛ وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده؛ وإنما ننبه عليه بعض التنبيه.

ومما يدل على بطلان تأويله قطعا: أنه لا يشك مسلم أن من دعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته؛ وقد ظلم نفسه ليستغفر له فأعرض عن المجيء وأباه مع قدرته عليه؛ كان مذموما غاية الذم مغموصا بالنفاق؛ ولا كان كذلك من دعي إلى قبره ليستغفر له؛ ومن سوى بين الأمرين وبين المدعوين وبين الدعوبين؛ فقد جاهر بالباطل وقال على الله وكلامه ورسوله وأمناء دينه غير الحق.

وأما دلالة الآية على خلاف تأويلها؛ فهو أنه سبحانه صدرها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: آية 64] وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذا ظلموا أنفسهم طاعة له؛ ولهذا ذم من تخلف عن هذا الطاعة؛ ولم يقل مسلم إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له؛ ولوكان هذا طاعة له لكان خير القرون عصوا هذه الطاعة وعطلوها؛ ووفق لها هؤلاء الغلاة العصاة؛ وهذا بخلاف قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}

ص: 78

[النساء: آية 65] فإنه نعى الإيمان عمن لم يحكمه؛ وتحكيمه هو تحكيم 1 ما جاء به حيا وميتا ففي حياته كان هو الحاكم بينهم بالوحي؛ وبعد وفاته نوابه وخلفاؤه؛ يوضح ذلك أنه قال:"لا تجعلوا قبري عيدا" 2؛ ولو كان يشرع لكل مذنب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له لكان القبر أعظم أعياد المذنبين؛ وهذا مضادة صريحة لدينه وما جاء به؛ انتهى.

وأما قول الملحد: وقال تعالى: في شأن أهل أحد: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: آية 159] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: آية 19] .

فنقول: هذا كان في حياته بأبي هو وأمي وقد فعل ما أمره الله به؛ وأما بعد وفاته فحاشا وكلا؛ ولو كان مشروعا بعد موته لأمر به أمته وحضهم عليهم؛ ورغبهم فيه؛ ولكان الصحابة وتابعوهم

1 "هو تحكيم" سقطت من الأصل وطبعة الرياض. والاستدراك من "الصارم" المنكى.

2 الحديث أخرجه أبو داود في سننه- كتاب المناسك- باب زيارة القبور عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تجعلوا بيوتكم قبرا؛ ولا تجعلوا قبري عيدا؛ وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء 2/654: إسناده حسن؛ فإن رواته كلهم ثقات مشاهير. لكن عبد الله بن نافع الصائغ- أحد رجال السند – الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه

إلخ. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في رسالة ابن معمر "الرد على القبوريين".

ص: 79

بإحسان أرغب شيء فيه وأسبق إليه؛ ولم ينقل عن أحد منهم قط وهو القدوة بنوع من نوع 1 الأسانيد أنه جاء إلى قبره ليستغفر له ويشتكي إليه ويسأله 2.

والذي صح عنه من الصحابة مجيء القبر هو ابن عمر وحده؛ إنما كان يجيء للتسليم عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه عند قدموه من سفر؛ ولم يكن يزيد على التسليم شيئا؛ ومع هذا فقد قال عبيد الله بن عمر العمري الذي هو أجل أصحاب نافع مولى ابن عمر أو من أجلهم: لا نعلم أحدا من أصحابه النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر.

ومعلوم أنه لا هدي أكمل من هدي الصحابة؛ ولا تعظيم لرسول3 الله فوق تعظيمهم؛ ولا معرفة لقده فوق معرفتهم؛ فمن خالفهم إما أن يكون 4 أهدى منهم؛ أو مرتكبا 5 لنوع بدعة؛ كما قال عبد الله بن مسعود- لقوم رآهم اجتمعوا على ذكر يقولونه بينهم-: لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو أنكم 6 على شعبة ضلالة.

1 في الصارم المنكنى: "من أنواع".

2 في الصارم منكى: "ولا شكا إليه ولا سأله".

3 في الصارم المنكى: "للرسول".

4 في الصارم المنكى: "يكونوا ".

5 في الأصل والمطبوعة بالرياض: "مرتكب" وفي الصارم المنكى:"مرتكبين".

6 في الصارم:"أو أنتم".

ص: 80

فتبين أنه 1 لو كان استغفاره لمن جاءه 2 مستغفرا بعد موته ممكنا أو مشروعا؛ لكان كمال شفقته ورحمته بل رأفة مرسلة ورحمته بالأمة تقتضي3 ترغيبهم في ذلك وحضهم 4 عليه ومبادرة خير القرون إليه؛ انتهى5.

وأما قوله: "فإن قال وهابي: هذا في حياته صلى الله عليه وسلم"

فالجواب أن نقول: نعم؛ قول الوهابية وبه قال أهل العلم قديما وحديثا؛ ولم يخالفهم إلا كل مبتدع ضال مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها كما تقدم بيانه.

وأما قوله: "فأقول قد انععقد الإجماع على حياته في قبره صلى الله عليه وسلم".

فألجواب أن نقول: دعوى هذا الملحد أن الإجماع انعقد في حياته في قبره صلى الله عليه وسلم؛ مصادمة لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: آية34] وقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

1 "أنه" سقطت من الأصل وطبعة ارياض وأثبتها من الصارم.

2 في الأصل وطبعة الرياض "جاء" وما أثبته من الصارم.

3 في الصارم:"يقتضي".

4 في الأصل وطبعة الرياض: "حظهم" وهو خطأ.

5 كلام ابن عبد الهادي من الصارم المنكى ص 428-429.

ص: 81

أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: آية 144] وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: آية 26؛ 27] وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: آية 185] .

ومن المعلوم أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم حيا في قبره كالحياة الدنيوية المعهودة التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه؛ ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس والنكاح وغير ذلك؛ بل حياته صلى الله عليه وسلم حياة برزخية وروحه في الرفيق الأعلى؛ وكذلك أرواح الأنبياء؛ والأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت؛ فمنها أرواح في أعلا عليين في الملأ الأعلى؛ وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء؛ ونبينا صلى الله عليه وسلم في المنزلة العليا التي هي الوسيلة.

قال ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتاب الروح بعد كلام طويل: وقد بينا أن عرض مقعد الميت عليه من الجنة أو النار لا يدل على أن الروح في القبر ولا على فنائه دائما من جميع الوجوه بل لها إشراف واتصال بالقبر وفنائه؛ وذلك القدر منها يعرض عليه مقعده فإن للروح شأنا آخر تكون في الرفيق الأعلى في أعلى عليين؛ ولها اتصال بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على الميت رد الله عليه روحه فيرد عليه السلام وهي في الملأ الأعلى وإنما يغلط أكثر الناس في هذا الوضع؛

ص: 82

حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام؛ إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره؛ وهذا غلط محض؛ بل الروح تكون فوق السماوات في أعلا عليين فترد إلى القبر وترد السلام وتعلم بالمسلم وهي في مكانها.

وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى دائما؛ ويردها الله سبحانه وتعالى إلى القبر فيرد السلام على من يسلم عليه ويسمع كلامه؛ وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى قائما يصلي في قبره 1 ورآه في السماء السادسة والسابعة 2؛ فإما أن تكون سريعة الحركة ولانتقال كلمح البصر؛ وإما أن يكون متصل منها بالقبر وفنائه بمنزلة شعاع الشمس؛ وجرمها في السماء؛ انتهى.

1 أخرجه مسلم في صحيحه- كتاب الفضائل-4/1845 عن سليمان التيمي قال: سمعت أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت على موسى وهو يصلي في قبره".

2 كما في حديث الإسراء.

ص: 83