الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: ذكر الملحد حديث "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد".... الخ
…
فصل
وأما قول الملحد: " أخرج الإمام أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وأبو نعيم عن ميسرة الضبي قال: قلت يا رسول الله: متى كنت نبيا؟ قال: " وآدم بين روح والجسد" 1 قال المناوي في قوله: "متى كنت نبيا" الحديث؛ ولم يقل إنسانا ولا موجودا إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة؛ فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود اسمه وارتباط الروح به؛ انتقل الحكم الزماني في جريانه إلى الاسم الظاهر؛ فظهر بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أولا في كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شيء أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان المشروع واحدا؛ انتهى".
فالجواب أن يقال: - ما ما ذكره المناوي على هذا الحديث
1 تقدم الكلام على الحديث.
من قوله: " إشارة إلى أن نبوته كانت 1 موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة إلى آخره".
فهو من جنس الرموز والإشارات والاعتبار الذي سلكه المتصوفة من أهل السلوك؛ ومن جنس ما يذكره صاحب " الفصوص" في "الفتوحات"؛ ومن نمط ما يذكره أبو حامد الغزالي من الألفاظ المبتدعة المأخوذة عن الفلاسفة؛ كلفظ عالم الغيب والملكوت؛ وعالم الشهادة وغير ذلك من الألفاظ التي لا تذكر في شيء من الأحاديث؛ وإنما أصل هذه الألفاظ من وضع الفلاسفة واصطلاحاتهم؛ فيعبر هؤلاء بهذه العبارات المأخودة عن الفلاسفة؛ ويجعلون مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الآيات والأحاديث على ما أرادوا من معاني هذه الألفاظ المخترعة التي تخالف كاب الله وسنة رسوله.
ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام؛ ومما جاء عن سيد الأنام؛ أنه ليس قبل خلق السماوات والأرض خلق من بني آدم أرواحا؛ ولا غيرها يسمى عالم الغيب؛ ولا يوجد ذلك في كلام أئمة الإسلام؛ وهذا بناء من هؤلاء على أن الأرواح مخلوقة قبل خلق السماوات والأرض؛ وعليه وضع الوضاعون تفرع خلق جميع المخلوقات جزءا بعد جزء من نور محمد صلى الله عليه وسلم والذي ذكره أهل العلم من الأحاديث إنما هو
1 في طبعة الرياض "كأنك".
تقدير ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فإن الله تعلى قدر مقادير الخلق وانقسام الخلق إلى سعيد وشقي؛ وميزهم قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح: " إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ وعرشه على الماء" وسيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء 1 الله تعالى؛ ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قد كان نبيا في سابق علم الله قبل أن يخلق السماوات والأرض؛ فإن الله قدر ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ ولم يكن ثم عالم غيب من الأرواح لا أرواح الأنبياء ولا غيرهم من بني آدم. وهذا بخلاف ما قاله المناوي " من أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب؛ يعني أنه كان في أول الزمان فعالم الغيب روح موجودة بالاسم الباطن؛ ثم انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به؛ إلى أن انتقل الحكم الزماني في جريانه إلى الاسم الظاهر؛ فظهر بذاته جسما وروحا" ومستنده في ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في تاريخه؛ وأحمد والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم؛ عن ميسرة الضبي قال: قلت يا رسول الله: متى كنت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد".
ومن المعلوم أن هذا الحديث مناق لما قاله المناوي فإن
1 في الأصل "إنشاء الله".
آدم عليه السلام إنما خلقه الله بعد خلق السماوات والأرض بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل. ومعلوم أن خلق الزمان قبل خلق آدم بمدة طويلة؛ وإنما قال صلى الله عليه وسلم "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد" ولم يقل كنت نبيا في أول خلق الزمان؛ بمعنى انه كان في أول خلق الزمان روحا موجودة قبل خلق العرش والماء والريح والقلم؛ وأخرج صلى الله عليه وسلم في جملة من اخرج لما مسح الله ظهر آدم بيده فاستخرج ذريته كأمثال الذر؛ فعلم أن هذا الحديث مناقض لما قاله المناوي ومناف له.