الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: نقل المعترض حكاية توسل الشافعي بأبي حنيفة وبيان بلادة المعترض
…
الخ
…
فصل:
قال الملحد: "وقد ذكر العلامة ابن حجر في كتابه المسمى "بالخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة" في الفصل الخامس والعشرين أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة رضي الله عنه يجيء إلى ضريحه يزور فيسلم عليه، ثم يتوسل إلى الله تعالى في قضاء حاجاته، وقد ثبت توسل الإمام أحمد بالشافعي رضي الله عنهما حتى تعجب ابنه عبد الله من ذلك، فقال له الإمام أحمد: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن"1.
والجواب أن يقال لهذا الجاهل البليد كيف يثبت دين الله تعالى بمثل هذه الأقوال الكاسدة، والشبه المعتلة الفاسدة. أيظن أن كل أحد يروج عليه الباطل، ويشتبه عليه العاطل؟ طلا فإن الله رجالا ينفون عن دينه زيغ المبطلين، وتحريف الملحدين.
ثم إن هذه الحكاية من الكذب المعلوم كذبه بالاضطرار
1 كذب شيخ الإسلام ابن تيمية هذه القصة في "الاقتضاء" 2/685.
عند من له معرفة بالنقل والآثار 1،فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده ألبتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين، من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده.
ثم إن أصحاب أبي حنيفة الذي أدركوه مثل أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء عند قبر أبي حنيفة ولا غيره،
ثم إن الشافعي قد صرح في بعض كتبه بكراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها، وإنما يضع هذه الحكايات من يقل علمه ودينه، وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف، ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبة أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى لما جاز التمسك لها حتى تثبت، فكيف بالمنقول عن غيره.
ثم هذه الحجج دائرة بين نقل لا يجوز إثبات الشرع به، أو قياس لا يجوز استحباب العبادات بمثله، مع العلم بأن الرسول لم يشرعها، وتركه مع قيام المقتضي بمنزلة فعله، وإنما يثبت العبادات بمثل هذه الحكايات والمقاييس من غير
1 في ط: الرياض "نقل".
نقل عن الأنبياء 1 النصارى وأمثالهم، وإنما المتبع في إثبات أحكام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة نصا واستنباطا بحال.
وأما قوله: "وقد ثبت توسل الإمام أحمد بالشافعي" فهو من نمط ما قبله مما يعلم كل عاقل بالضرورة أنه من الكذب بل لا بد من رفع هذه الأمور إلى أصحابها بسند يعتمد عليه، ودونه لا يسمع، ثم لو ثبت ذلك فأفعالهم وتقريراتهم ليست من الحجة، في شيء، وحاشاهم من ذلك فهم أجل قدرا، وأعظم خطرا من أن تجري منهم هذه الأمور، وهي لم يفعلها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه أجاب في كتابه"اقتضاء الصراط المستقيم" عن مثل شبه هذا الملحد بوجهين.- مجمل ومفصل، وقد أجاد فيها وأفاد، وحيث أن ذلك مما لا يمكننا نقل جميعه فلا بأس أن نذكر المجمل.
قال رحمه الله تعالى:- أما المجمل فالنقض، فإن اليهود والنصارى عندهم من الحكايات والقياسات من هذا النمط كثير، بل المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون عند أوثانهم فيستجاب لهم أحيانا كما يستجاب لهؤلاء أحيانا، وفي وقتنا هذا عند النصارى من هذا طائفة، فإن كان
1 وفي الأصل "أنبياء".
هذا وحده دليلا على أن الله يرضى ذلك ويحبه فليطرد الدليل، وذلك كفر متناقض، ثم إنك تجد كثيرا من هؤلاء الذين يستغيثون عند نبي أو غيره، كل منهم قد اتخذ وثنا أحسن به الظن بآخر، وكل منهم يزعم أن قرينه يستجاب عنده، ولا يستجاب عند غيره، فمن المحال أصابتهم جميعا، موافقة بعضهم دون بعض تحكم وترجيح بلا مرجح، والتدين بدينهم جميعا جمع بين الأضداد، فإن أكثر هؤلاء إنما يكون تأثيرهم فيما يزعمون بقدر إقبالهم على وثنهم، وانصرافهم عن غيره، وموافقتهم جميعا فيما يثبتونه دون ما ينفونه يضعف التأثير على زعمهم، فإن الواحد إذا حسن الظن بالإجابة عند هذا، وهذا لم يكن تأثره مثل تأثر الحسن الظن بواحد دون آخر، وهذه كلها من خصائص الأوثان، ثم قد استجيب لبلعام بن باعورا في قوم موسى المؤمنين، وسلبه الله تعالى الإيمان، والمشركون قد يستسقون فيسقون، ويستنصرون فينصرون انتهى.
وفيه كفاية لمن كشف الله عن بصيرته حجب الغفلة، والله الهادي إلى سواء السبيل.