الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: ذكر الملحد حديث جابر وفيه " إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك.... الخ
.
…
فصل
قال الملحد: " وروى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: بأبي وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال يا جابر: إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول السماوات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن
الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى آخر" 1.
والجواب أن يقال: هذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالف لصريح الكتاب والسنة، وهذا الحديث لا يوجد في شيء من الكتب المعتمدة، وإنما يوجد مثل هذا في الكتب المصنفة في شرح الخصائص والشمائل وفي بعض الكتب، كما يذكر أمثال ذلك أبو نعيم وابن عساكر وأبو حامد الغزالي وابن أبي الدنيا في جزء التفكر والاعتبار من الأحاديث
1 قال شيخنا العلامة المحدث المحقق الجليل أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ حفظه الله ورعاه ـ في تقريظه لرسالة الشيخ العلامة محمد أحمد عبد القادر الشنقيطي المسماة: " تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق": وكل من تأمل الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علم يقينا أن هذا الخبر من جملة الأباطيل التي لا أساس لها من الصحة، وقد أغنى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا بما أقام من الدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، والمعجزات الباهرة على صحة نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام، كما أغناه عن هذا الخبر المكذوب وأشباهه بما وهبه من الشمائل العظيمة، والصفات الكريمة، والأخلاق الرفيعة التي لا يشاركه فيها أحد ممن قبله ولا ممن بعده، فهو سيد ولد آدم، وخاتم المرسلين، ورسول الله إلى جميع الثقلين، وصاحب الشفاعة العظمى، والمقام المحمود يوم القيامة إلى غير ذلك من خصائصه، وشمائله، وفضائله الكثيرة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله ونصر دينه وذب عن شريعته وحارب ما خالفها..إلخ اهـ. وقد بين الشيخ الشنقيطي في رسالته المشار إليها بطلان هذا الحديث عقلا ونقلا فلتنظر.
الموضوعة المكذوبة، ولا حاجة بأهل الإسلام إلى شيء مما يتعلق بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله وفضائله من هذه الموضوعات، وفيما ذكره أهل العلم بالله من حملة السنة والقرآن وأهل الحفظ والإتقان من خصائص النبي وفضائله ومعجزاته وشمائله مما صح الخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع عما يذكره هؤلاء من الأكاذيب الموضوعة والأحاديث المصنوعة، فمن ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا1، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون"2.
وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث البراء قال: " لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها3المعاول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله، ثم ضرب ضربة كسر4ثلثا، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال: الله أكبر
1 في صحيح مسلم: "طهورا ومسجدا".
2 صحيح مسلم ـ كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 1/371.
3 في الأصل: " لا نأخذ منها" وما أثبته من المسند ودلائل أبي نعيم والبيهقي.
4 في الأصل: " قط" ما أثبته من دلائل البيهقي وأبي نعيم.
أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله فقطع باقي الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني" 1.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس2 وهو يقول: "إني أبر إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون" قبور أنبيائهم وصالحيهم"3 مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"4.
وله من المعجزات والفضائل والخصائص ما ليس لغيره
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده4/303، والنسائي كما في تحفة الإشراف 2/65، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/131:" رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات" اه.
وميمون هذا هو البصري الكندي ويقال القرشي مولى عبد الرحمن بن سمرة. قال شعبة كان فسلا. وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: لا شيء. وقال أبو داود: تكلم فيه. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يحيى القطان سيء الرأي فيه. وقال النسائي وأبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي " تهذيب التهذيب 10/393.
2 ما بين القوسين من صحيح مسلم.
3 ما بين القوسين من صحيح مسلم.
4 صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1/377.
من الأنبياء مما لا يحصى ولا يستقصى.
ومن أعظم ما خصه الله به من الفضائل المقام المحمود الذي يغبطه به النبيون، قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله على قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: آية 79] قال: يقعده معه على العرش1.
1 حكى الإمام أبو جعفر الطبري قولين في هذه المسألة: القول الأول: أن المقام المحمود هو الشفاعة، وعليه أكثر أهل العلم، والقول الآخر: أن المقام المحمود هو جلوس النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه على عرشه سبحانه. قال مجاهد.
ثم قال ابن جرير: " وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك ما حدثنا به أبو كريب ثنا وكيع عن داود بن يزيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُحمودًا} سئل عنها قال: " هي الشفاعة" اهـ. ثم قال ابن جرير ـ بعد سياق أحاديث تدل على ما رجحه ـ " وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله ولا عن أحد من أصحابه ولا عن التابعين بإحالة ذلك
…
إلخ اهـ.
تنبيه: عزا المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ القول بقعود النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش إلى ابن جرير الطبري، تبعا للإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية ـ عليه رحمة الله ـ في كتابه " اجتماع الجيوش الإسلامية" ص 120. والذي يتضح من كلام الإمام ابن جرير السابق أنه يرجح القول بأن المقصود من الآية الشفاعة بيد أنه ذكر في آخر كلامه على هذه الآية أن =
وله في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع لأهل الموقف حتى يقضى بينهم، بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه. وأما الشفاعة الثانية، فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له. وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، ويشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.
وله الحوض المورود في عرصات القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.
= قول مجاهد ليس بمحال!!
نكتة: قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة سبع عشرة وثلاثمائة ـ وفيها وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي، وبين طائفة من العامة، اختلفوا في تفسير قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} .
فقالت الحنابلة: يجلسه معه على العرش، وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى، فاقتتلوا بسبب ذلك، وقتل بينهم قتلى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وهو المقام الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم، حتى إبراهيم، ويغبطه به الأولون والآخرون. اهـ.
وهو أول من يفتح له باب الجنة وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته.
والمقصود من هذا: أن قول هذا الملحد فيما أورده عن القسطلاني من تلك الحكاية، وما ذكره من هذا الحديث الموضوع " أن أول ما خلق الله من الأشياء نور محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع المخلوقات خلقت من نوره حتى النار" 1مناقض لما ذكره الله في كتابه، وعلى لسان رسوله في سنته.
ولو كان حقا ثابتا، أو كان من الفضائل والخصائص لذكره أهل الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها من الكتب المعتمدة، ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن هذا من الكذب الذي لا يمتري فيه عاقل، فضلا عن العلماء الذين هم أعلم الخلق بالله وبكتابه ورسوله وسنة نبيه.
وإذا كان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم على زعم هؤلاء مخلوقا من نور، فمن المعلوم بصريح النقل أن الملائكة مخلوقون من النور أيضا، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم"2.
وفي تفسير الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه من حديث حماد بن سلمة حدثنا الزبير بن عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز عن أبيه
1 في الأصل " وأن هذا مناقض" وهو تكرار.
2 أخرجه مسلم في صحيحه ـ كتاب الزهد والرقائق ـ 4/2294 عن عائشة رضي الله عنها ولفظه: " وخلقت الملائكة من نور وخلق الجان
…
".
قال: قال عبد الله بن مسعود: " إن ربكم عز وجل ليس عنده ليل ولا نهار، ونور السموات من نور وجهه" الحديث إلى آخره1.
ونهى العلماء عن استقبال الشمس والقمر ببول أو غائط لما فيهما من نور الله2، فإذا كان ذلك كذلك فما خاصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وامتيازه عن هذه المخلوقات؟ إذ من
1 أخرجه الطبراني في الكبير9/200، وفي السنة ـ كما في اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم وقد قال الهيثمي في المجمع1/85:"وفيه أبو عبد السلام قال أبو حاتم: مجهول، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وعبد الله بن مكرز أو عبيد الله على الشك لم أر من ذكره" اهـ
2 ذهب إلى هذا جماعة من أصحابنا منهم ابن قدامة في المغني، وقدمه ابن مفلح في الفروع، واختاره ابن تميم وغيره، كما في الإنصاف1/100.
قال ابن مفلح في المبدع1/85 قوله: " ولا يستقبل الشمس ولا القمر" لأنه روي أن معهما ملائكة، وأن أسماء الله مكتوبة عليهما، وأنهما يلعنانه، وبهما يستضيء أهل الأرض فينبغي احترامهما" اهـ.
قال النووي رحمه الله في المجموع2/103 بعد أن ذكر عن بعض الشافعية استحباب عدم استقبال النيرين:
"واستأنسوا فيه بحديث ضعيف بل باطل..والحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل ولا دليل في المسألة" اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: " لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل. وليس لهذه المسألة أصل في الشرع" اهـ.
وقد ذهب إلى عدم الكراهة جماعة من أصحابنا، قال المرداودي في الإنصاف:" ظاهر كلام أكثر الأصحاب: عدم الكراهة" اهـ.
قال الصنعاني في سبل السلام عند قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولكن شرقوا أو غربوا" صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما إذ لا بد أن يكونا في =
المعلوم بالضرورة أن خلق آدم من صلصال كالفخار، وقد فضله الله على الملائكة وهم مخلوقون من نور، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وآدم عليه السلام فمن دونه تحت لوائه يوم القيامة، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أن الملائكة خلقت من نور، ولم يقل: خلقت من نور محمد فدل على أن هذا كذب عليه، وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: آية26، 27] وثبت بالإسناد الذي على شرط الصحيح عن عبد الله بن عمرو أنه قال: قالت الملائكة: يا ربنا قد جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون ويشربون، فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا، فقال: لا أفعل. ثم أعادوا عليه، فقال: لا أفعل. ثم أعادوا عليه، فقال: وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان 1. فإذا ثبت أن الملائكة مخلوقون من نور وأن خلق آدم وذريته من
= الشرق أو الغرب غالبا. اهـ " 1/150ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية".
1 أخرجه الطبراني ـ مرفوعا، كما في تفسير ابن كثير3/56 ط النهضة ـ حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خارجة المصيصي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا محمد بن مطرف أبو غسان، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة قالت: يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا.. الحديث.
قال الهيثمي في المجمع1/82 بعد أن نسب الحديث للطبراني في =
.....................................................................................................................................
= الكبير والأوسط: وفيه: إبراهيم بن عبد الله المصيصي، وهو كذاب متروك. وفي الأوسط: طلحة بن يزيد، وهو كذاب أيضا اهـ.
وأخرجه عثمان بن سعيد في رده على بشر ص 34: حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عمرو قال: لقد قالت: الملائكة: يا ربنا.... الحديث. موقوفا كما ذكره المؤلف.
وفي هذا الإسناد: عبد الله بن صالح كاتب الليث اختلف فيه. وحديثه حسن في الشواهد والمتابعات، قال الحافظ في التقريب: صدوق كثير الخطأ، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة".
وللحديث شاهد من حديث عروة بن رويم قال: أخبرني الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الملائكة قالوا: " ربنا خلقتنا، وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطعام، ويشربون الشراب
…
الحديث.
أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة: حدثنا الهيثم بن خارجة، أنا عثمان بن حصن بن علاق، سمعت عروة بن رويم يقول....وهذا إسناد صحيح إلى عروة بن رويم.
وقد أعله محقق كتاب السنة 1/469 بعثمان بن حصن، فقال:" وفي سنده: عثمان بن علاق ولم أقف له على ترجمة، وجهالة الأنصاري" اهـ.
قلت: عثمان ثقة من رجال التهذيب7/110، وقد أخرج النسائي حديثه.
ووقع في اسمه خطأ طباعي في تقريب التهذيب، ط النمنكاني، فرسم هكذا " عثمان بن حصين" فليصلح.
وأما الأنصاري المذكور فقد استظهر الشيخ العلامة المحدث أحمد شاكر أنه أنس بن مالك الصحابي رضي الله عنه، بدليل رواية ابن عساكر في "التاريخ" التي صرح فيها عروة بن رويم اللخمي بأن الأنصاري أنس بن=
.....................................................................................................................................
=مالك. قال الشيخ أحمد" ولكن إسناد ابن عساكر لم يتبين لي صحته من ضعفه، وأيا ما كان فرواية عبد الله بن أحمد ورواية ابن عساكر تصلحان للإستشهاد، وتؤيدان صحة حديث عبد الله بن عمرو بإسناد الدارمي" اهـ.
وهذا إسناد ابن عساكر: قال رحمه الله في تاريخ دمشق15/129ـ130 من مصورة مخطوطة الظاهرية" في ترجمة محمد بن أيوب بن الحسن الداراني:
أنبأ أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين1، وأبو طاهر محمد بن الحسين2 قالا: أنبأ أبو علي الأهوازي قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر قال: ثنا أبو الفتح المظفر بن أحمد بن برهان المقري3، ثنا أبو بكر محمد بن أيوب الدارني حدثنا الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني ثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق قال: سمعت عروة بن رويم اللخمي يقول: حدثني أنس بن مالك.... الحديث وإسناده ضعيف: أبو علي الأهوازي هو: الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد. قال الذهبي في السير18/13: صاحب حديث، ورحلة، وإكثار، ليس بالمتقن له ولا المجود، بل هو حاطب ليل، ومع إمامته في القراءات فقد تكلم فيه، وفي دعاويه تلك الأسانيد العالية" اهـ.
ترجمه في الميزان1/512ـ513 وذكر أنه رمي بالكذب.
ومحمد بن أيوب الداراني لم يذكر فيه ابن عساكر جرحا ولا تعديلا.
وأخرج ابن عساكر هذا الحديث في تاريخه أيضا9/817ـ118 من طريق محمد فريم نا هشام بن عمار نا عبد ربه بن صالح عن عروة بن رويم وزهير بن طاهر.
_________
1 ترجمته في السير 19/437.
2 ترجمته في السير 19/436.
3 ترجمته في ابن عساكر16/601، وغاية النهاية للجزري2/30.
صلصال من حمإ مسنون؛ وأقسم بعزته جل ثنائه وتقدست أسمائه أن من خلق بيده أفضل من الملائكة المخلوقين من النور؛ وأنه لا يجعل صالح ذريته كلملائة؛ وقال عبد الله بن سلام:" ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد –صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا أبا يوسف ولا جبرائيل ولا ميكائيل؟ فقال: يا ابن أخي أو تعرف ما جبرائيل وميكائل؟ إنما جبرائيل وميكائيل خلق مسخر مثل الشمس والقمر ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد"وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة ضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: " خلق الله التربة يوم الاثنين؛ وخلق المكروه يوم الثلاثاء؛ وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس؛ وخلق آدم 1 بعد العصر من يوم الجمعة 2 في آخر الخلق في آخر الساعة من الساعات
= ومن طريق عبد الملك البزار نا هشام بن عمار نا عبد ربه بن صالح القرشي قال: سمعت عروة بن رويم يحدث عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم.... به.
وعبد ربه بن صالح القرشي ذكره ابن عساكر في التاريخ وساق له هذا الحديث ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وبيض له 6/44؛ وكذا البخاري في التاريخ الكبير 6/79.
1 في الأصل "يوم الجمعة" وهو تكرار. وما أثبته هو الموافق لما في صحيح مسلم.
2 سقطت "في" من الأصل واستدركها من صحيح مسلم.
الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" 1 فتبين من هذا الحديث أن خلق النور يوم الأربعاء؛ وآدم خلق بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق.
وقد ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 2 فكيف يصح في الأذهان أن يكون آدم مخلوقا من نور أفضل ولده؟ وقد أخبرنا الله في كتابه وعلى لسان رسوله أن الله خلق آدم من صلصال من حمإ مسنون؛ أو تكون النار التي هي محل غضبه وسخطه مخلوقة من نور محمد؟
وقد ثبت أن الله خلق النار قبل أن يخلق آدم وذريته. ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن نور الله الذي هو صفته غير مخلوق؛ وليس من الله شيء مخلوق؛ وإنما تكون الأشياء وتخلق بأمره وتكوينه وأفعاله سبحانه وبحمده إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
فإذا عرفت هذا عرفت أن ما ذكره القسطلاني لا يصح وأن هذا الحديث موضوع مكذوب؛ وإذا كان ذلك كذلك تبين لك أنه لم يكن قبل خلق آدم خلق من ذريته يسمى عالم الغيب لا أرواح ذريته من الأنبياء ولا غييرهم.
1 أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم – 4/2149.
2 تقدم تخريجه.
فإذا عرفت هذا فنذكر هنا من الأحاديث الصحيحة ما يبطل دعى هؤلاء الوضاعين الغلاة وأن الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول ما خلق الله تعالى من الأشياء العرش أو القلم كما ذكره أهل العلم.قال الشيخ الإسلام: الوجه التاسع أنه قد ذكرنا أن للسلف في العرش والقلم أيهما خلق الآخر قولين كما ذكره الحافظ أبو العلاء الهمذاني وغيره أحدهما: أن القلم خلق أولا؛ كما أطلق ذلك غير واحد؛ وهذا "1 هو الذي يفهم في الظاهر في كتب من صنف في الأوائل كالحافظ ابن أبي عروبة وابن أبي معشر الحراني وأبي القاسم الطبراني للحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن عبادة بن الصامت أنه قال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أنما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب. فقال: يا رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني" 2.
1 في الأصل "وذلك".
2 أخرجه أبو داود في سننه - كتاب السنة - 5/76. عن أبن حفصة قال: قال عبادة لا بنه.... وأبو حفصة هذا اسمه حبيش بن شريح. قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. =
.....................................................................................................................................
= وللحديث شواهد وطرق يرقى الحديث بها عن رتبة الضعيف. لذا قال ابن حجر الهيتمي ـ عفا الله عنه ـ في الفتاوى الحديثية ص 158 على هذا الحديث: " وورد بل صح من طرق" اهـ، والحديث خرجه الطيالسي في مسنده1/30 ـ منحة المعبود ـ ومن طريقه الترمذي في سننه ـ كتاب التفسير ـ 5/424، وكتاب القدر4/457 وابن أبي حاتم ـ كما في تفسير ابن كثير 8/ 424 ط المنار ـ وابن أبي عاصم في السنة رقم105 واللالكائي في شرح الاعتقاد ص 218، وخرّجه البغوي في مسند ابن الجعد 2/1183، ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" ص 615.
وفي إسناده عند هؤلاء عبد الواحد بن سليم ضعيف الحديث. قال أحمد: حديثه حديث منكر أحاديثه موضوعة. وقال ابن معين: ضعيف" التهذيب6/436" وأخرجه الإمام أحمد في مسنده5/317، وابن أبي عاصم في السنة1/48، وفي الأوائل ص 59، وفي سنده ابن لهيعة وهو حسن الحديث في الشواهد والمتابعات.
وقد روى ابن وهب هذا الحديث عن ابن لهيعة. وحديث ابن لهيعة إذا رواه ابن وهب صح؛ لأنه سمع منه قبل الاختلاط، لكن ابن لهيعة مدلس وقد عنعن " القدر لابن وهب ص 121".
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/317، وابن أبي عاصم في السنة1/50، وابن جرير الطبري في تفسيره29/17، والآجري في الشريعة ص 177، وغيرهم من طريق أيوب بن زياد أبو زيد الحمصي: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة، حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني. قال: يا بني
…
الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف ـ بعد أن ساق سند البزار وهو من هذا الطريق: وجاء عن علي بن المديني أنه قال: " إسناده حسن".
والثاني: أن العرش خلق أولا، قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في مصنفه في الرد على الجهمية حدثنا محمد بن كثير العبدي أنبأنا سفيان الثوري حدثنا ابن هشام عن مجاهد عن ابن عباس قال:" إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فكان أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما هو كائن، وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه" 1 ورواه أيضا أبو القاسم اللالكائي في كتابه في شرح أصول السنة من حديث يعلى عن سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: "إن ناسا يقولون في القدر قال: يكذبون بالكتاب لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونّه – أي لآخذن بناصيته – إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فخلق القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه" 2 وكذلك روى الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات لما ذكر بدء الخلق فذكر حديث عبد الله بن عمرو 3؛4 وعمران بن حصين 5 وغيرهما؛ وسنذكر هذين
1 أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص31.
2 أخرجه اللالكائي في شرح أصول السنة ص 669؛ 670.
3 ونصه: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة "
"الأسماء والصفات للبيهقي ص 477".
4 في الأصل "عن".
5 قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقلت ناقتي بالباب ثم دخلت فأتاه نفر من بني =
الحديثين إن شاء الله تعال؛ ثم ذكر حديث الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: آية 7] على أي شيء كان؟ قال: "على متن الريح" 1 وروى حديث القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون" 2 قال البيهقي: ويروى ذلك عن عبادة بن الصامت مرفوعا. قال البيهقي: وإنما أراد والله أعلم أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش 3 القلم؛ وذلك بين في حديث عمران بن حصين "ثم خلق السماوات والأرض".
= تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم
…
إلخ. "الأسماء والصفات ص 478".
1 الأسماء والصفات للبيهقي ص 480.
2 أخرجه الدارمي عفي الرد على الجهمية ص 121؛ وابن جرير الطبري في تفسير 29/16؛ 17 وعبد الله ابن الإيمان أحمد في السنة 2/293؛ والطبراني في الكبير 12/68؛ 69 وفي الأوائل ص 22؛ وابن أبي عاصم في السنة 1/50 وفي الأوائل ص 60. جميعهم من طرق عن رباح بن زيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. به. وإسناد جيد. قال الهيشمي في مجمع الزوائد 7/190: رواه الطبراني ورجاله ثقات. اهـ وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. اهـ.
3 في الأصل "والقلم" وما أثبته من الأسماء والصفات ص 481.
وفي حديث أبي ظبيان 1 عن عباس موقوفا عليه " ثم خلق النون فدحا 2 الأرض عليها".
وروى بإسناده الحديث المعروف عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان 1 عنى ابن عباس قال:"إن 3 أول ما خلق الله من شيء القلم فقال له: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب القدر. قال فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة. قال: ثم خلق النون فدحا 2 الأرض عليها فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال وإنها لتفتخر على الأرض إلى يوم القيامة"4.
قلت: حديث عمران بن حصين الذي ذكر هو ما رواه البخاري من غير وجه منها ما رواه في كباب التوحيد في "باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم"5 قال أبو
1 في الأصل "ضبيان".
2 في الأصل "فدمى" وما أثبته من الأسماء والصفات للبيهقي.
3 سقطت " إن " من الأصل. وأثبتها من الأسماء والصفات للبيهقي.
4 قال السيوطي في الدر المنثور 8/240: أخرجه عبد الرزاق؛ والفريابي؛ وسعيد بن منصور؛ وعبد بن حميد؛ وابن جرير 29/14؛ 15 وابن المنذر؛ وابن أبي حاتم؛ وأبو الشيخ في العظمة؛ والحاكم؛ وصححه- 2/498- واليهقي في الأسماء والصفات – ص 481- والخطيب في تاريخه؛ والضياء في المختارة. اهـ.
5 13/403.
العالية: استوى إلى السماء: ارتفع. وقال مجاهد: استوى 1 على العرش.
وذكره من حديث أبي حمزة عن الأعمش عن جامع بن شداد 2 عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: " إني عند النبي – صلى الله عليه وسلم إذا جاءه قوم من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم؛ قالوا: بشرتنا فأعطنا؛ فدخل الناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذا لم يقبلها بنو تميم؛ فقالوا قد قبلنا جئناك لنتفقه 3 في الدين؛ ولنسألك عن أول هذا الأمر؛ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله؛ وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض؛ وكتب في الذكر كل شيء؛ ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهب فانطلقت أطلبها فإذا السراب ينقطع دونها وأيم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم" رواه البيهقي كما رواه محمد بن خهارون الروياني في مسنده.
وعن عثمان بن سعيد وغيرهما من حديث الثقات المتفق على ثقتهم عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فعقلت ناقتي بالباب ثم دخلت؛ فأتاه نفر
1 سقط "على" من الأصل.
2 "عن جامع بن شداد" سقطت من الأصل.
3 في الأصل "لنفقه".
من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا تميم قالوا: بشرتنا فأعطنا. فجاء نفر من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها إخوانكم من بني تميم فقالوا: قبلنا يا رسول الله أتيناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر كيف كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض قال: ثم أتاني رجل فقال: أدرك ناقتك قال: فذهبت فخرجت فوجدتها ينقطع دونها السراب؛ وأيم الله لوددت أني تركتها. ففي هذا الحديث الصحيح بيان أنه كتب في 1 الذكر ما كتبه بعد أن كان عرشه على الماء وقبل أن يخلق السماوات والأرض.
فتبين من هذه الأحاديث الصحيحة أن هذا الحديث الذي ذكره الملحد موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أول ما خلف الله العرش على الصحيح كما قال ابن القيم رحمه الله
واذكر حديث السبق للتقدير التو
…
قيت قبل جميع ذي الأعيان
خمسين ألفا من سنين عدها ال
…
مختار سابقة لذي الأكوان
هذا وعرش الرب فوق الماء من
…
قبل السنين بمدة وزمان
1- سقطت "في" من طبعة الرياض. وما أثبته من الأصل.
والناس مختلفون في القلم الذي
…
كتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده
…
قولان عن أبي العلا الهمداني
والحق أن العرش قبل لأنه
…
قبل الكتابة كان ذا أركان
وكتابة القلم الشريف تعقبت
…
إيجاده من غير فصل زمان
لما براه الله قال اكتب كذا
…
فغدا بأمر الله ذا جريان
فجرى بما هو كائن أبدا إلى
…
يوم المعاد بقدرة الرحمان
وهؤلاء الجهلة يزعمون أن أول ما خلق الله من الأشياء نور محمد – صلى الله عليه وسلم ثم لما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول القلم؛ وهذا مناقض ومناف لما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين " مرفوعا" قال: " كان الله ولم يكن شيئ قبله وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر [كل شيء ثم خلق السماوات والأرض] .
ففي هذا الحديث أنه كتب في الذكر] 1 بعد أن كان عرشه على الماء فصح أن العرش والماء مخلوقان قبل القلم؛ ولو كان الله خلق نور محمد – صلى الله عليه وسلم قبل الأشياء لذكره في الحديث الصحيح؛ وقد سألوه عن أول هذا الأمر فأخبرهم أن الله كان ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء. وذكر البيهقي فيما تقدم على حديث عبادة أن أول شيء خلقه الله بعد خلق الماء والريح والعرش القلم. قال: وذكر بين في حديث عمران. ولم يذكر خلق نور محمد لا قبل العرش ولا القلم ولا بعده. ثم ذكر هذا الملحد أن الله قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرض. وهذا مخالف للأحاديث كما في حديث أبي ظبيان عن ابن عباس قال: " أول ما خلق الله عزوجل القلم" فذكره وفيه: " ثم خلق النور فدحا الأرض فأثبتت بالجبال" فتبين من هذا الحديث أن خلق الأرض قبل السماء كما قال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} - إلى قوله:- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: آية 9-11] . وهذا الجاهل يقول ثم خلق من الجزء الأول السماوات ومن الثاني الأرض خلاف ما
1 ما بين المعكوفين سقط من الأصل.
ذكره ابن عباس – رضي الله عنهما وخلاف ما نزل به القرآن. وقال عثمان بن سعيد حدثنا عبد الله بن صالح المصري؛ حدثنا ابن لهيعة ورشدين بن سعد عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: " لما أراد الله تبارك وتعالى أن يخلق شيئا إذا كان عرشه على الماء وإذا لا أرض 1 ولا السماء؛ خلق الريح فسلطها على الماء حتى اضطربت أمواجه وأثار ركامه؛ فأخرج من الماء دخانا وطينا وزبدا؛ فأمر الدخان فعلا؛ وسما؛ ونمى؛ فخلق منه السماوات؛ وخلق من الطين الأرضين؛ وخلق من التربة الجبال "2.
وهذا الجاهل يقول إن الله خلق السماوات والأرض من الجزء الرابع من نور محمد صلى الله عليه وسلم {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: آية 16] .
1 في الأصل " إذا الأرض ".
2 في الرد على الجهمية للدارمي ص 32: "وخلق من الزبد الجبال".