المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مقدمة الفاكهي جامع الفتاوى] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[مقدمة الفاكهي جامع الفتاوى]

[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ أَحْمَدَ أَعْلَم هَذِهِ الْأُمَّةِ وَشِهَابهَا الَّذِي يُزِيل عَنْهَا مِنْ دُجَى الْإِشْكَال كُلّ ظُلْمَة وَنَيِّرهَا الْوَقَّاد الَّذِي يُجْلِي بِفُتْيَاهُ ظُلْم الْمَسَائِل الْمُدْلَهِمَّة وَيُبَيِّن الصَّوَاب مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهَا عَلَيْنَا غُمَّة نَحْمَدهُ حَمْد مَنْ نَالَ مِنْ الْعُلُوم أَوْفَر نَصِيب وَنَشْكُرهُ شُكْر مَنْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَكَانَ فِي اجْتِهَاده ذَا سَهْم مُصِيب وَنَشْهَد أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَعْتَدّهَا لِلْجَوَابِ فِي يَوْم السُّؤَال وَنَتَّخِذهَا ذَخِيرَة فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل وَالْحَال وَنَشْهَد أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله الَّذِي لَيْسَ لِمِلَّتِهِ عَلَى طُول الْمَدَى دُرُوس وَلَا لِعُلَمَاء أُمَّته مَزِيَّة إلَّا بِمَحَاسِن الْوُجُوه الْبَادِيَة فِي مُصَنَّفَاتهمْ وَالدُّرُوس صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ عَلِمُوا وَعَلَّمُوا وَتَلْقَوْا شَرِيعَته الْغَرَّاء وَفَهِمُوا مَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا.

(أَمَا بَعْد) فَإِنَّ أَكَابِر الْعُلَمَاء مَا زَالَتْ تُدَوَّن أَقْوَالهمْ وَتُنْقَل أَحْوَالهمْ لَا سِيَّمَا فَتْوَاهُمْ فِي الْعَوِيصَات الَّتِي لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَآرَاؤُهُمْ فِي الْمُدْلَهِمَّاتِ الَّتِي لَا يُعَوَّل إلَّا عَلَيْهَا وَاسْتِنْبَاطهمْ فِي الْمُعْضِلَات مَا هُوَ الْحَقّ الصَّرِيح وَالْمَذْهَب الصَّحِيح.

وَكَانَ مِمَّنْ انْتَشَرَتْ فَتْوَاهُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَجَمًا وَعَرَبًا سَيِّدنَا وَشَيْخنَا الْإِمَام الْعَالِم الْعَلَّامَة الْحَبْر الْبَحْر الْحُجَّة الْفَهَّامَة مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ صَدْر الْمُدَرِّسِينَ بَقِيَّة الْمُجْتَهِدِينَ بَرَكَة بِلَاد اللَّه الْأَمِين أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ الشَّافِعِيُّ فَسَّحَ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنَا اللَّه بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَته أَعْظِمْ بِهِ عَالِمًا كَتَبَ الْفَتَاوَى بِقَلَمِهِ فَوَقَّعَ عَنْ الْبَارِي وَأَطْلَعَ كَوَاكِب أَلْفَاظه فِي آفَاقهَا فَقِيلَ هَذِي النُّجُوم الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي فَرُبَّ قَضَايَا لَا يَكْشِف إشْكَالَهَا غَيْرُ فَتْوَاهُ وَأُمُور يَنْحَلُّ الْحَقّ بِبَيَانِهَا وَيُنْتَظَر جَدْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا سِيَّمَا حِينَ اتَّخَذَ مَكَّةَ وَطَنًا وَآثَرَهَا سَكَنًا انْتَشَرَ صِيتُهُ فِي الْآفَاق وَوَقَعَ عَلَى سَعَة عِلْمه وَصِحَّة اسْتِنْبَاطه وَبَاهِر فَهْمِهِ الِاتِّفَاقُ فَقَصَدَهُ الْأَئِمَّة وَغَيْرهمْ بِالْفَتَاوَى مِنْ سَائِر الْأَقَالِيم الْمَشْهُورَة لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ حَدِيث فَضْله عِنْدهمْ مِنْ كُلّ طَرِيق صَحِيحَة مَأْثُورَة كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَحَلَبَ وَبِلَادِ الْأَكْرَادِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالْبَصْرَةِ وَنَجْدٍ وَالْحَسَا وَالْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ وَالسَّوَاحِلِ وبر عَجَم وَحَضْرَمَوْتَ وَالْهِنْدِ وَالسِّنْدِ وَدَلْهَى وَأَعْمَالِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْقَادِمِينَ إلَى الْحَجِّ مِنْ الْبِلَادِ الشَّاسِعَة الْمَهْجُورَة.

فَحِين إذْ رَأَيْت ذَلِكَ وَمَا يَقَع فِي خِلَالِ تِلْكَ الْفَتَاوَى مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَالْمُعْضِلَاتِ الَّتِي مَا سَارَ أَحَدٌ

ص: 2

فِي حَلِّهَا كَسَيْرِهَا وَالْأَبْكَارِ الَّتِي لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ وَلَا جَانٌّ وَالْأَفْكَارِ الَّتِي حَكَّتْ أَفْكَارَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْبُرْهَانِ وَالنُّقُولِ الَّتِي طَالَمَا خَفِيَ قَبْلَ إظْهَارِهَا خَبَايَا زَوَايَاهَا عَلَى الْأَعْيَانِ وَالتَّرَاجِيحِ وَالنُّقُودِ وَالرُّدُودِ الَّتِي عَوَّلَ عَلَى فَضْلِهِ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ وَانْتَهَى إلَى قَوْلِهِ فِيهَا الرَّاسِخُونَ أَرَدْت جَمْعَ الْمُهِمِّ فَبَادَرْت إلَى تَتَبُّعِهَا وَبَذَلْت فِيهِ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ وَتَفَرَّغْت لِجَمْعِهَا الْأَزْمِنَةَ الطَّوِيلَةَ صَوْنًا لَهَا مِنْ حَاسِدٍ عَنِيدٍ أَوْ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ إلَى أَنْ ظَفِرْت مِنْهَا بِالْكَثِيرِ الطَّيِّبِ وَالْوَلِيِّ الْوَسْمِيِّ الصَّيِّبِ وَالْفَوَائِدِ الْفَرَائِدِ وَالْأَوَابِدِ الْعَوَائِدِ فَدَوَّنْتهَا فِي هَذَا الدِّيوَانِ لِيَعُمَّ النَّفْعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَلِيَعُودَ عَلَى بَرَكَةِ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَلَا يُجْدِي فِيهَا غَيْرُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَدَائِعِ التَّحْرِيرِ وَوَاضِحَاتِ الْبَرَاهِينِ لَا سِيَّمَا فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا.

وَلَا كَلَامَ لِمَنْ سَبَقَهُ يُسْتَضَاءُ بِهِ فِي قَوَادِمِهَا وَخَوَافِيهَا وَلِيَحْصُلَ لِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْجَزِيلِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي أَرْوَى بِهِ الْغَلِيلَ وَشَفَى بِهِ الْعَلِيلَ حَيْثُ أَفَادَ فِيهِ أَنَّ «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» وَأَنَّ الْمُعِينَ عَلَى عَمَلٍ كَعَامِلِهِ حَقَّقَ اللَّهُ لِي فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَمَلْت وَأَعْظَمَ مِمَّا قَصَدْت وَجَعَلَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ أَرْضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَإِلَى أَنْ أَلْقَاهُ إنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٌ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَرَتَّبْتُهَا لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ مِنْهَا عَلَى الْمُضْطَرِّينَ وَالظَّفَرُ بِمَا فِي زَوَايَاهَا عَلَى الْمُسْتَرْشِدِينَ وَإِذَا اشْتَمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةِ الْأَبْوَابِ فَغَالِبًا أَجْعَلُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا وَقَدْ أَذْكُرُهَا جَمِيعًا فِي أَنْسَبِ الْأَبْوَابِ بِمُعْظَمِهَا لِارْتِبَاطِ الْجَوَابِ فِيهَا بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ.

فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْأَسْئِلَةِ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ وَالتَّبَعِ فَذَكَرْتُهُ لِارْتِبَاطِ الْكَلَامِ فِيهِ بِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِهِ بَابُ الْقَضَاءِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِيهَا كَثِيرَةٌ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك هَذَا، وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْمَقْصُودِ أُقَدِّمُ شَيْئًا مِنْ تَرْجَمَةِ شَيْخِنَا - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - لِنَعْلَمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَثِيرًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَأَقُولُ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَلِيٍّ نُورِ الدِّينِ بْنِ حَجَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ بِالشَّرْقِيَّةِ الْإِقْلِيمِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَقَالِيمِ مِصْرَ وَالْمُسْتَفَاضُ أَنَّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَكِنْ امْتَنَعَ شَيْخُنَا مِنْ كِتَابَةِ الْأَنْصَارِيِّ تَوَرُّعًا سُمِّيَ جَدُّهُ بِحَجَرٍ لِمَا أَنَّهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ شُجْعَانِهِمْ وَأَبْطَالِ فُرْسَانِهَا كَانَ مُلَازِمًا لِلصَّمْتِ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ حَاقَّةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَشْغُولٌ عَنْ النَّاسِ بِمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَلِذَلِكَ شَبَّهُوهُ بِحَجَرٍ مُلْقًى لَا يَنْطِقُ فَقَالُوا: حَجَرٌ ثُمَّ اُشْتُهِرَ بِذَلِكَ رَآهُ شَيْخُنَا وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ وَأَمِنَ الْخَرَفَ وَكَانَتْ لَهُ فِي هَذَا السِّنِّ عِبَادَاتٌ خَارِقَةٌ.

أَصْلُ وَطَنِهِ سَلْمُنْتُ مِنْ بِلَادِ بَنِي حَرَامٍ الْآنَ ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ الْفِتَنُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الْغَرْبِيَّةِ فَسَكَنَ مَحَلَّةَ أَبِي الْهَيْتَمِ وَاسْتَوْطَنَهَا اسْتِرَاحَةً مِنْ شَرِّ أَهْلِ الشَّرْقِيَّةِ.

وَفِتَنِهِمْ وَتَعَرُّضِ السَّلَاطِينَ لَهُمْ لِتَعَرُّضِهِمْ لَهُمْ وَإِنَّمَا آثَرَهَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الدِّيَانَةِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ وَفِيهِمْ حُفَّاظٌ كَثِيرُونَ لِلْقُرْآنِ مُدَاوِمُونَ لِقِرَاءَتِهِ وُلِدَ شَيْخُنَا بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعمِائَةٍ فِي أَوَاخِرِهَا فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَكَثِيرًا مِنْ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُ فَكَفَلَهُ شَيْخَا أَبِيهِ الْعَارِفَانِ الْكَامِلَانِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَعْرِفَةً الشَّمْسُ الشِّنَّاوِيُّ وَشَيْخُهُ الشَّمْسُ بْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ مِنْ أَعْظَمِ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَلِذَا كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِهِ وَيَقُولُ أَخِي وَسَيِّدِي وَلَمَّا كَفَلَاهُ بَالَغَ ابْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ فِي وِصَايَةِ تِلْمِيذِهِ الشِّنَّاوِيِّ بِهِ فَنَقَلَهُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَقَامِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ السَّيِّدِ الشَّهِيرِ أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - فَقَرَأَ عَلَى عَالِمَيْنِ كَانَا بِهِ مِنْ مَبَادِئِ الْعُلُومِ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ أَوَّلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعمِائَةٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَتَلَامِذَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ بِإِشَارَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ فَحَفَّظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا وَأَقْرَأَهُ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرَهُ وَجَمَعَهُ بِعُلَمَاءِ مِصْرَ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ فَأَخَذَ عَنْ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ وَأَجَلُّهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا بَلْ أَكْثَرَ الْأَخْذَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّتِهِمْ قَالَ: مَا اجْتَمَعْت بِهِ قَطُّ إلَّا قَالَ أَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّينِ وَحَاجَجْت بَعْضَ أَكَابِرِ مَشَايِخِي فِي وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا

ص: 3

بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَنَصَرَنِي عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ نُصْرَةً تَامَّةً وَدَعَا لِي.

وَأَخَذَ أَيْضًا الشَّيْخُ عَنْ الْإِمَامِ الزَّيْنِيِّ عَبْدِ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيِّ وَسَمِعَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُجَلِّي وَمَنْ فِي طَبَقَتِهِمَا بَعْضَ كُلٍّ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فِي جَمْعٍ كَثِيرِينَ وَأَجَازُوا لَهُ بِبَاقِيهَا وَبِغَيْرِهَا وَعَنْ الشَّمْسِ الْمَشْهَدِيِّ وَالشَّمْسِ السَّمَنُّودِيِّ وَابْنِ عِزِّ الدِّينِ الْبَاسِطِيِّ وَالْأَمِينِ الْعُمَرِيِّ وَشَيْخِ وَالِدِهِ السَّابِقِ الشَّمْسِ بْنِ أَبِي الْحَمَائِلِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عُمِّرُوا كَثِيرًا وَأَدْرَكُوا ابْنَ حَجَرٍ وَأَهْلَ عَصْرِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَغَلَ بِحَلِّ مُتُونِهِ فَبَذَلَ جَهْدَهُ فِيهَا إلَى أَنْ أَجَازَهُ مَشَايِخُهُ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ وَالشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيُّ وَتَاجُ الْعَارِفِينَ الْإِمَامُ الْبَكْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بِالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَعُمْرُهُ دُونَ الْعِشْرِينَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهُ لِذَلِكَ وَفِي خِلَالِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قَرَأَ النَّحْوَ عَلَى الشَّمْسِ الْبَدْرِيِّ وَالشَّمْسِ الْحَطَّابِيِّ وَالشَّمْسِ اللَّقَانِيِّ وَالشَّمْسِ الضَّيْرُوطِيِّ وَالشَّمْسِ الطُّهَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّصْرِيفَ لِلْغَزِّيِّ عَلَى الطَّبَلَاوِيِّ والجارْبُرْدِيُّ عَلَى الْحَطَّابِيِّ.

وَكَانَ يَقُولُ فِي إقْرَائِهِ لِهَذَا الدَّرْسِ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ جَمٍّ مِنْ الْفُضَلَاءِ لِي زَمَانٌ مَا طَالَعْت لِقَارِئٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ إلَّا لِهَذَا الدَّرْسِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ عَلَى الشَّمْسِ الْمُنَاوِيِّ وَالشَّمْسِ الدُّلَجِيِّ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ رَأَيْت فِي هَذَا الْعِلْمِ وَعِلْمِ الْأَصْلَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّحَّانِ وَالطَّبَلَاوِيِّ وَالْبَكْرِيِّ وَالشِّهَابِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَالشَّمْسِ الْعَبَّادِيِّ وَالشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَنْطِقِ عَلَى النُّورِ الطُّهَوِيِّ وَالْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عُبَيْدٍ الشِّنْشَوْرِيِّ وَالدُّلَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ عَلَى إمَامِ وَقْتِهِ فِيهِمَا الشَّمْسِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَرَضِيِّ وَغَيْرِهِ كَالشِّهَابِ الصَّالِحِ الْبَطَوِيِّ.

وَحَضَرَ الطِّبَّ عِنْدَ إمَامِ وَقْتِهِ فِيهِ الشِّهَابِ الصَّائِغِ الْحَنَفِيِّ وَالتَّصَوُّفَ عَلَى الْعَبَّادِيِّ وَابْنِ الطَّحَّانِ وَالْبَكْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَلَازَمَ إمَامَ مُحَقِّقِي زَمَنِهِ الْإِمَامَ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي عِدَّةِ عُلُومٍ مُدَّةً مَدِيدَةً كَالْمَنْطِقِ لِلْغَزِّيِّ فَفِي الْقُطْبِ وَحَوَاشِيهِ وَالْأَصْلَيْنِ وَشَرْحِ الْعَقَائِدِ وَشَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ فَالْعَضُدِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْمُخْتَصَرِ فَالْمُطَوَّلِ وَالنَّحْوِ التَّوْضِيحِ وَالصَّرْفِ شَرْحُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ والجارْبُرْدِيُّ.

وَفِي حَالِ قِرَاءَتِهِ النَّحْوَ شَرَحَ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ شَرْحًا مَزْجًا مُتَوَسِّطًا حَاوِيًا لِأَكْثَرِ شُرُوحِهَا وَالتَّوْضِيحِ وَحَوَاشِيهِ وَفَرَغَ مِنْهُ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَفِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَلْزَمَهُ شَيْخُهُ الشِّنَّاوِيُّ بِالتَّزَوُّجِ فَقَالَ لَا أَمْلِك شَيْئًا فَقَالَ هِيَ بِنْتُ أُخْتِي وَالْمَهْرُ مِنْ عِنْدِي فَزَوَّجَهُ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ شَقِيق أَبِيهِ ثُمَّ حَجَّ هُوَ وَشَيْخُهُ الْبَكْرِيُّ آخِرَ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَجَاوَرَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَطَرَ لَهُ فِيهَا أَنْ يُؤَلِّفَ فِي الْفِقْهِ فَتَوَقَّفَ إلَى أَنْ رَأَى فِي النَّوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيَّ وَهُوَ يَأْمُرُهُ بِالتَّأْلِيفِ فَاسْتَبْشَرَ وَأَلَّفَ قَالَ وَأَذْكَرَنِي ذَلِكَ مَا كُنْت رَأَيْتُهُ أَيَّامَ الطَّلَبِ فَإِنِّي رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي غَايَةِ الْجَمَالِ كَشَفَتْ لِي عَنْ أَسْفَلِ بَطْنِهَا وَقَالَتْ اُكْتُبْ عَلَى هَذَا مَتْنًا بِالْأَحْمَرِ وَشَرْحًا بِالْأَسْوَدِ ثُمَّ انْتَبَهْت فَفَزِعْت حَتَّى قِيلَ لِي فِي تَعْبِيرِهِ سَتَظْهَرُ مُؤَلَّفَاتُكَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ خَفَائِهَا الْكُلِّيِّ ظُهُورًا عَظِيمًا فَاسْتَبْشَرْت وَابْتَدَأْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَمَّا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ اخْتَصَرَ مَتْنَ الرَّوْضِ.

وَشَرَحَهُ شَرْحًا مُسْتَوْعِبًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْجَوَاهِرِ وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَالْأَنْوَارِ ثُمَّ حَجَّ بِعِيَالِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ الْمَذْكُورُ آخِرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمَعَهُ شَرْحُ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورُ فَجَاوَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَلْحَقَ فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ كُتُبِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَآهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَعَاجِمِ فَأَعْطَى مَبْلَغًا كَثِيرًا لِكِتَابَتِهِ إذَا وَصَلُوا مِصْرَ فَلَمَّا وَصَلُوهَا أُرِيدَ اسْتِنْسَاخَهُ لَهُ فَحَاسَدَهُ بَعْضُ حَاسِدِيهِ فَتَرَصَّدَ لَهُ إلَى أَنْ أَخْرَجَ الْكِتَابَ لِيَكْشِفَ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَغَلَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْهِ فَلَمْ يَرَهُ فَكَأَنَّمَا وَقَعَ فِي بِئْر أَوْ أُحْرِقَ لِوَقْتِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ حَتَّى أَصَابَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ عِلَّةٌ خَطِيرَةٌ لَا زَالَتْ تُلَازِمُهُ إلَى أَنْ تَكَادَ تُزْهِقُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا ثُمَّ تَعَافَى مِنْهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَعَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ بِعِيَالِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ أَيْضًا سَنَةَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ جَاوَرَا سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَزَمَ شَيْخُهُ وَأَقَامَ هُوَ بِمَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَنِ يُؤَلِّفُ وَيُفْتِي وَيُدَرِّسُ فَشَرَحَ إيضَاحَ النَّوَوِيِّ.

ثُمَّ شَرَحَ الْإِرْشَادَ شَرْحَيْنِ ثُمَّ شَرَحَ الْعُبَابَ وَإِلَى الْآنَ لَمْ يُكَمَّلْ لَكِنْ نَسْأَلُ اللَّهَ إكْمَالَهُ فَإِنَّهُ جَمَعَ الْمَذْهَبَ جَمْعًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ مَعَ غَايَةٍ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ مُسْتَوْعِبًا لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَب مَعَ بَيَان الرَّاجِح وَالْجَوَابِ عَنْ الْمُشْكِلِ مِمَّا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ ثُمَّ شَرَحَ الْمِنْهَاجَ وَلَهُ فِي

ص: 4