المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِالصَّوَابِ.   (وَسُئِلَ) رضي الله عنه اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: بِالصَّوَابِ.   (وَسُئِلَ) رضي الله عنه اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ

بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَهَلْ الْحَدِيثُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيتَارِ لَا فِي أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ وَنَظَرِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: لَمْسُ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَسٍّ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَةً وَلَا يُؤَدِّي لِفِتْنَةٍ قَطْعًا، أَمَّا مَا هُوَ كَذَلِكَ كَمَسِّ الْفَرْجِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، فَلَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:(الْمَدَارُ فِي بَابِ النَّقْضِ عَلَى إيقَاعِ الِاسْمِ وَلِذَا نَقَضَ مُجَرَّدُ لَمْسِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِلَا قَصْدٍ دُونَ مُعَانَقَتِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ رَقِيقٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُبْحِ) اهـ. فَقَوْلُهُ: (لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُبْحِ) ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ تَحْرِيمِ الْمَسِّ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(سُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: قَوْلُهُمْ: (يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَشْمَلُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ بِأَثْنَاءِ سُورَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ) اهـ. فَهَلْ كَذَلِكَ مَا إذَا ابْتَدَأَ بِأَوَّلِ (بَرَاءَةٌ) لِخَبَرِ " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ " أَمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُسَنُّ كَمَا فِي تِبْيَانِ النَّوَوِيِّ رحمه الله وَغَيْرِهِ: (الْبَسْمَلَةُ وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ السُّورَةِ نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي أَثْنَاءِ (بَرَاءَةٌ) فَقَالَ السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لَا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا، مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى الْآخِرِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَوْ عَامٌّ فِيمَنْ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ أَوْ مِمَّا قَبْلَهَا وَفِيمَنْ ابْتَدَأَهَا مِمَّا بَعْدَهَا؟ وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ وَجَمْعٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ، وَأَطَالَ فِيهِ (أَنَّ مِنْ سُنَنِ الْقِرَاءَةِ التَّكْبِيرُ فِي آخِرِ سُورَةِ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَهَا ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ نَحْوَهُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: (إنْ تَرَكْت التَّكْبِيرَ فَقَدْ تَرَكْت سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّك يَقْتَضِي تَصْحِيحُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ) اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مُقَيَّدٌ بِقِرَاءَةِ تِلْكَ السُّوَرِ سَوَاءٌ أَقَرَأَ قَبْلَهَا شَيْئًا أَمْ لَا، وَأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ بَعْضِهَا - كَبَّرَ عَقِبَ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْهَا، وَاقْتَضَى إطْلَاقُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ: يُكَبِّرُ الْقَارِئُ بِهَا لَعَلَّهُ؛ لِكَوْنِهِ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ كَمَا مَرَّ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَحْرُمُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ لَكِنْ بِمَا فِي دَلَالَتِهِ لِمَا أَفْتَى بِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

[بَابُ الْوُضُوءِ]

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ - عَنْ وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ حَدَثٍ هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ هُوَ مِنْ الْآيَةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا إذَا تَجَرَّدَ الْأَمْرُ عَنْ التَّرَتُّبِ عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ تُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُمَا لِلْحُكْمِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً، أَمَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي التَّكْرَارِ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ؛ لِوُجُوبِ وُجُودِ الْمَعْلُولِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ عِلَّتُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَإِنَّ الزِّنَا عِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْحَدِّ، وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ عِنْدَ الْقِيَامِ

ص: 52

إلَى الصَّلَاةِ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا صُورَتُهُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ الظَّاهِرِ فَلِمَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُفْطِرْ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِنْهُمَا؟ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْبَاطِنِ فَلِمَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا إذَا تَنَجَّسَا، وَيُفْطِرُ الصَّائِمُ إذَا تَقَايَأَ وَوَصَلَ الْقَيْءُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يُجَاوِزْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْجَوْفِ عَمْدًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُمَا مِنْ الْبَاطِنِ إلَّا فِي مَسَائِلِ النَّجَاسَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْإِفْطَارِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَغْلَظُ وَأَفْحَشُ فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ غَسْلُهَا حَيْثُ سَهُلَ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنِ فَجُعِلَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا ظَاهِرًا لِسُهُولَةِ ذَلِكَ مَعَ فُحْشِهَا وَغِلَظِهَا.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا صُورَتُهُ الْحَدَثُ الَّذِي يَنْوِي الْمُتَوَضِّئُ رَفْعَهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَهَذَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَوُضُوءُ الضَّرُورَةِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ؟

(فَأَجَابَ) الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الَّذِي يَنْوِيه الْمُتَوَضِّئُ السَّلِيمُ مَنْعٌ مُطْلَقٌ مِنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْحَدَثِ، وَهَذَا لَا يَرْفَعُهُ نَحْوُ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ مَنْعًا خَاصًّا هُوَ بَعْضُ مَاصَدَقَاتِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ بَلْ شَيْئًا ماصدقاته فَقَطْ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا لَوْ وَقَفَ مُتَوَضِّئٌ تَحْتَ مِيزَابٍ وَتَلَقَّى مِنْهُ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ مُجْتَمِعَيْنِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ اغْتِرَافٍ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَا يَكْفِيه بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِرَفْعِ حَدَثِ الْيَدَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَلَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ سَاعِدَيْهِ وَلَا أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَهُمَا بِهِ فَكَأَنَّهُ غَسَلَ كُلًّا بِمَاءِ كَفِّهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ سَاعِدِهَا وَإِنْ غَسَلَ بِهِ سَاعِدًا وَاحِدًا فَقَطْ فَقَدْ غَسَلَهَا بِمَائِهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ انْغَمَسَ جُنُبَانِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، وَنَوَيَا قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَكَالْمِيزَابِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ؟

قُلْت: إنْ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ - احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ - لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ سُنَّةِ تَثْلِيثِ الْوَجْهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَإِلَّا ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا بَعْدَ غَسْلَتِهِ الْأُولَى - ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ فَتَفُوتُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ فِي الْوَجْهِ؛ لِتَعَذُّرِ حُصُولِهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِ الْكَفِّ، وَكَذَا يُقَالُ بِذَلِكَ لَوْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْ بَحْرٍ وَعَلَيْهِ فَلْيَغْتَرِفْ بِذَلِكَ وَيُقَالُ لَنَا مُتَوَضِّئٌ مِنْ بَحْرٍ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا طَالَ مِنْ شَعْرِ مَنَابِتِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ لِأَجَلِ اسْتِيعَابِ الْوَجْهِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى طُولِهِ إذْ كُلُّ شَعْرٍ وَجَبَ غَسْلُ مَنْبَتِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَاجِبُ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِغَسْلِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِمَّا حَاذَاهُ، فَإِذَا وَصَلَ الْغَسْلُ إلَى أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ مَنَابِتِ جَمِيعِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِالْغَسْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا طَالَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهِ هَلْ يَرْتَفِعُ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِ جَامِعُ الْمُخْتَصَرَاتِ: (ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ كَثِيرًا؟

(فَأَجَابَهُ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا أَوْ الْمَاءُ قَلِيلًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ، وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ النَّشَائِيِّ:(ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ) أَيْ دُونَ إمْكَانِ حُصُولِ تَرْتِيبِ فِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ حُكْمًا إذْ التَّرْتِيبُ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: تَرْتِيبٌ حِسِّيٌّ، وَالثَّانِي: تَرْتِيبٌ حُكْمِيٌّ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ وَنِيَّتِهِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حِسًّا لَوْ أَرَادَهُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي: تَرْتِيبُ انْغِسَالِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ التَّقْدِيرِيُّ وَتَسْمِيَتُهُ تَرْتِيبًا مَجَازٌ.

وَقَوْلُهُ: (السَّادِسُ التَّرْتِيبُ) مُرَادٌ بِهِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ:(أَوْ إمْكَانُهُ) مُرَادُهُ بِهِ النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلُهُ: (وَدُونَهُ) مُرَادُهُ بِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَإِمْكَانُ حُصُولِ التَّرْتِيبِ غَيْرُ إمْكَانِ تَقْدِيرِهِ.

ص: 53

وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ الْخِلَافِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؟ وَمَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ لِذَلِكَ فَوَائِدَ فَهَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ كُلُّهَا؟ وَاخْتَلَفَ تَعْبِيرُهُمْ فِي حِكَايَةِ الْأَوْجَهِ فِي مُوجِبِ ذَلِكَ فَمَا التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ لِلْمُحَصِّلِينَ.

(فَأَجَابَ) - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَزِيدَ بَسْطٍ وَطُولٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَنَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ.

وَحَاصِلُ التَّحْقِيقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ أَوْجُهًا: الْأَوَّلُ: وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مَا لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ وَيَبْقَى مَا يَسَعُهُ، وَيَسَعُ الصَّلَاةَ فَقَطْ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ، وَالدَّوَرَانُ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُوجِبًا مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ بِتَأْخِيرِ الْوُضُوءِ عَنْهُ إجْمَاعًا وَعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْعِصْيَانِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا يُقَالُ:(تَجِبُ الزَّكَاةُ بِحَوَلَانِ الْحَوْلِ) بِمَعْنَى انْعِقَادِ الْوُجُوبِ مَعَ تَوَقُّفِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهَا عَلَى التَّمَكُّنِ أَوْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ أَوْ لِوُجُوبِ تَرْكِ نَحْوِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، فَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ وَاجِبٍ مُخَيَّرٍ قَبْلَ الْوَقْتِ وَمُعَيَّنٍ بَعْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْجَعْلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا قُلْنَا: قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مُقْتَضٍ لِكَوْنِ الْحَدَثِ سَبَبًا إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَبَنَى الرَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صِحَّةَ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْخَبَثُ مُوجِبًا لِلطُّهْرِ كَالْحَدَثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، وَطَهَارَةَ الْحَدَثِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَالْكَلَامُ فِي الْمُوجِبِ لِهَذِهِ لَا تِلْكَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مُوجِبَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِإِرَادَةِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ أَيْ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِلْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي، وَهُوَ أَوْفَقُ لِدَلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ.

وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِرَادَةِ أَوْ دُخُولِ الْوَقْتِ مُوجِبًا أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمُوجِبِ، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ إذْ وُجُوبُهَا مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ فَالْمُحَقِّقُ لِهَذَا الْوُجُوبِ هُوَ الْوَقْتُ أَوْ الْإِرَادَةُ فَأَحَدُهُمَا سَبَبٌ لِلسَّبَبِ هَذَا عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا مَرَّ، وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِنَفْسِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ إلَيْهَا مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لَا سَبَبٌ لِلْمُوجِبِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُسْتَشْكَلُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ وُضُوءُ الصَّبِيِّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، بَلْ نِيَّةُ الطُّهْرِ الْمَشْرُوطِ لِلصَّلَاةِ.

وَشَرْطُ الشَّيْءِ يُسَمَّى فَرْضًا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَ كَوْنِ النَّفْلِ فَرْضًا لَا يُبْطِلُهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْجَاهِلِ لَا الْمُعْتَقِدِ لِلنَّفْلِيَّةِ إذَا نَوَى بِالنَّفْلِ مَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْفَرْضُ صُورَةً أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَمَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ نَفْلًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْفَرْضِيَّةِ بَلْ لَوْ نَوَاهَا بَطَلَتْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى بِالْأَدَاءِ الْقَضَاءَ وَهُوَ عَكْسُهُ مُرِيدًا لِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُوجِبَ الْحَدَثُ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ عَبَّرَ بِكُلٍّ مُعَبِّرُونَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا عِلَّةً وَالْآخَرُ شَرْطًا فِيهَا.

وَجَعْلُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَيْنِ وَجْهَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ هُنَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَيْضًا، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي مُوجِبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ هُوَ الثَّالِثُ أَيْضًا، وَإِنْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ تَبْيِينُ عِلَّةِ الْحُكْمِ فَمِنْ ذَلِكَ: نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَأْوِيلٍ كَمَا مَرَّ وَمِنْهَا إذَا أَحْدَثَ ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ ثُمَّ مَاتَ.

وَقُلْنَا: يَعْصِي، فَعَلَى الْأَوَّلِ عِصْيَانُهُ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ حِينِ الْحَدَثِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَذَا قِيلَ وَقَدْ مَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ عِصْيَانِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَمِنْهَا وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ، فَيُوصَفُ بِهِمَا عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ حِينَئِذٍ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا أَيْ، وَالثَّالِثُ يَكُونُ وَقْتُهُ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ، وَفَائِدَةُ اتِّصَافِهِ بِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وُجُوبُ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي النِّيَّةِ أَوَّلًا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَهَلْ يَلْحَقُ

ص: 54

بِالصَّلَاةِ فِيمَا لَوْ نَوَى بِالْأَدَاءِ الْقَضَاءَ الشَّرْعِيَّ أَوْ عَكْسَهُ عَالِمًا عَامِدًا فَيَبْطُلُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلصَّلَاةِ لَا الْقَصْدِ وَمِنْهَا: أَنَّ مَاءَ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ إذْ هُوَ سَبَبُهُ أَوْ بِالثَّانِي فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ.

وَكَانَ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ إذْ الْقَائِلُ بِالثَّانِي لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَوَقَّفَ إيجَابُهُ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَمِنْهَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ فَعَلَى كَوْنِ الْمُوجِبِ دُخُولَ الْوَقْتِ يُعِيدُ، وَعَلَى كَوْنِهِ الْقَيَّامَ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا، كَذَا فِي الْخَادِمِ.

قِيلَ وَهُوَ وَهْمٌ مُنْشَؤُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا صَبَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ، وَإِنْ أَثِمَ، وَاخْتِلَافُ مَأْخَذِ عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَمُرَادُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَجْهُ الثَّانِي، فَلَا وَهْمَ لَكِنْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْخَادِمِ:(وَلَمْ نَرَهُ وَمِنْهَا إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَعَلَى خِلَافِهِ ثَوَابَ نَفْلٍ) وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: قَدْ يُقَالُ مِنْ فَوَائِدِهِ مَا لَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهُ بِاللَّمْسِ مَثَلًا، وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ أَمَّا قَطْعُهُ بِمَا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهَا. اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي اللَّمْسِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيُسَاوِي غَيْرَهُ، وَبِجَوَازِ الْحَدَثِ بَعْدَهُ وَلَوْ بِلَا غَرَضٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ حَتَّى يَجْرِيَ مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، وَابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَخَطَأٌ إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ جَائِزٌ قَطْعًا كَالْخُرُوجِ مِنْ النَّافِلَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غَرَضٍ حَتَّى عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمِنْهَا أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ الْفَرْضِ، ثُمَّ طَرَأَ نَحْوُ جُنُونٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ قَدْرِ الطَّهَارَةِ لِسَبْقِ مُوجِبِهَا وَعَلَى الْآخَرَيْنِ يُعْتَبَرُ، ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّتُهُ: أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ قَدْرِهَا.

وَإِنْ كَانَتْ طَهَارَةَ رَفَاهِيَةٍ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ قَبْلَ الْوَقْتِ فَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ، وَمِنْهَا: التَّعْلِيقُ كَإِنْ وَجَبَ عَلَيْكِ وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ بِالْحَدَثِ وَهَذِهِ أَصَحُّ الْفَوَائِدِ لِمَا عَلِمْته، وَلِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْحَيْضِ أَيْضًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُوجِبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَفَائِدَةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمُوجِبُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ كَخُرُوجِ الْبَوْلِ فِي الْوُضُوءِ وَقِيلَ: انْقِطَاعُهُ لِحَدِيثِ «وَإِذَا أَدْبَرَتْ، أَيْ الْحَيْضَةُ فَاغْتَسِلِي» وَقِيلَ: الْخُرُوجُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَا يُوجِبُ الْوَطْءُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحُ الْإِرْثَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْغُسْلِ قَبْلَهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَأْتِي فِي الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَقْتَضِي جَرَيَانَهُ فِيهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ أَيْضًا، وَاعْتَذَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُجْرُوهُ، ثَمَّ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَدَثِ فِيهِمَا يَقْصُرُ فَلَا يَسَعُ زَمَنَ الطَّهَارَةِ مَعَهُمَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّ زَمَنَهُ يَطُولُ، وَاسْتُشْكِلَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ يُسَلِّمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْغُسْلِ إلَّا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ.

وَأَجَابَ فِي الْخَادِمِ (بِأَنَّ الثَّالِثَ يَشْتَرِطُ مَعَ الِانْقِطَاعِ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ غَايَرَ بَيْنَ الْقَائِلِ بِالْخُرُوجِ وَالْقَائِلِ بِالِانْقِطَاعِ وَالْقَائِلِ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَائِلِ بِالثَّلَاثَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَشْتَرِطُ الِانْقِطَاعَ لِصِحَّةِ مَا وَجَبَ عِنْدَهُ بِالْخُرُوجِ، وَالثَّانِي الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَجْعَلُهُ جُزْءَ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطًا لَهَا، وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ يَجْعَلُهُ هُوَ الْعِلَّةُ فَقَطْ وَالْمُعْتَمَدُ هُنَا أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْخُرُوجُ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَإِرَادَةِ فِعْلِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ الْخُرُوجِ مَعَهُمَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ، وَتَصْحِيحُ الْمَجْمُوعِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُوجِبَ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ، وَأَصْلُ الرَّوْضَةِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الِانْقِطَاعِ أَوْ بِشَرْطِهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورِ

ص: 55

مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالِانْقِطَاعِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة بِالْخُرُوجِ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَبِهِ يُعْلَمُ انْدِفَاعُهُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ جَعْلِهِ وَجْهًا خَامِسًا فِي الْمَسْأَلَةِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: (وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ) ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ فَائِدَةً عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ، وَفِي الْخَادِمِ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي (تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَعَلَى الِانْقِطَاعِ لَا غُسْلَ لِأَنَّهَا عَادِمَتُهُ) وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الْغُسْلِ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ مَنِيًّا لَا لِمَا ذُكِرَ، وَفِي جَوَازِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فَيَحْرُمُ إنْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْخُرُوجِ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ مُرْتَبِطٌ بِحُصُولِ حَدَثِ الْحَيْضِ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ الْغُسْلِ وَجَبَ أَوْ لَمْ يَجِبْ، وَأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ زَمَنٌ فَانْقَضَى قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فَيُحْسَبُ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ.

وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَيْضَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ عَجِيبٌ بَلْ غَلَطٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ اغْتِسَالُهَا مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَثَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ أَحَدَهُمَا مَعَ قِيَامِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعَاطِي عِبَادَةً فَاسِدَةً وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ طُهْرَهَا حَرَامٌ حَتَّى عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ، وَهُوَ حِلُّ الْقِرَاءَةِ لِلْحَائِضِ الَّتِي لَا جَنَابَةَ عَلَيْهَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِحِلِّ غُسْلِهَا؛ لِهَذَا الْعُذْرِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.

وَفِي الْبَيَانِ يَصِحُّ غُسْلُهَا لِلْإِحْرَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْبَغَوِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْأَوَّلِ، وَقَدْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ لَهَا، وَأَنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ عَلَى وَجْهٍ فِي الْحَالِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَقَبْلَ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَوَّلِ لِوُجُودِ مُوجِبِهِ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ نَكَحَ نُفَسَاءَ وَلَدَتْ مِنْهُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ سَبَبَ النِّفَاسِ لَمْ يَكُنْ مِنْ النِّكَاحِ، فَلَا وُجُوبَ مُطْلَقًا وَلَوْ هَايَأَتْ الْمُبَعَّضَةُ سَيِّدَهَا أَوْ هَايَأَهَا سَيِّدَاهَا، فَنَفِسَتْ فِي نَوْبَةٍ وَطَهُرَتْ فِي أُخْرَى.

فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ ثَمَنُ مَاءِ نِفَاسِهَا عَلَى السَّيِّدِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ مُرَكَّبٌ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا أَوْ مِنْ أَحَدِ السَّيِّدَيْنِ، فَوَاضِحٌ أَنَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا قُلْتُمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ مَثَلًا عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَيَسْتَحِبُّهَا إلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ قَالُوا إذَا انْغَسَلَ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مُقَارِنًا لِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَفَى فِي حُصُولِ النِّيَّةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِمَا، فَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ يُؤَدِّي إلَى كَوْنِهِ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُمَا لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهُمَا، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِلدَّوْرِ أَوْ إلَى تَحَمُّلِ مَشَقَّةٍ كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِنَحْوِ أُنْبُوبَةٍ أَوْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا انْغَسَلَ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ حُكِمَ بِعَدَمِ حُصُولِهِمَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِمَا.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ وَبِاسْتِصْحَابِهَا ذِكْرًا إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ كَوْنُهُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِصْحَابِ النِّيَّة عِنْد الْمَضْمَضَةِ مَثَلًا انْغِسَالُ شَيْءٍ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ مَعَهَا لِسُهُولَةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْفَمِ مِنْ غَيْرِ انْغِسَالِ شَيْءٍ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ وَلِإِمْكَانِ إيصَالِهِ إلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ انْغِسَالِ شَيْءٍ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ هَذَا الثَّانِي فِيهِ عُسْرٌ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ وَلَا يُقَالُ: أَنَّ فِيهِ حَرَجًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ فَمَنْ أَرَادَ فَضْلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ مَعَ عُسْرِهِ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْمَضْمَضَةَ دُونَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَجْزَأَتْهُ الْمَضْمَضَةُ، وَإِنْ نَوَى عِنْدَهَا وَانْغَسَلَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ لَكِنْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِحَمْلِ قَوْلِهِمْ: وَيَسْتَصْحِبُهَا إلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا عَدَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَلَا يَسْتَصْحِبُهَا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَنْغَسِلُ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ تَحْصِيلِهِمَا أَتَمُّ مِنْ مَصْلَحَةِ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِمَا فِي الْوُضُوءِ

ص: 56

وَالِاسْتِصْحَابِ قِيلَ: بِعَدَمِ نَدْبِهِ، وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ وَمَا اُتُّفِقَ عَلَى مَطْلُوبِيَّتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُهُمْ أَطْلَقُوا نَدْبَ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُمْ وَكَلُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ قَبْلُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَاهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَهُمَا وَلَمْ يَنْغَسِلْ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ عِنْدَهُمَا كَغَيْرِهِمَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَنْغَسِلُ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ تُرِكَ الِاسْتِصْحَابُ عِنْدَهُمَا

مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ

حُصُولِهِمَا الْآكَدِ مِنْ حُصُولِ الِاسْتِصْحَابِ كَمَا تَقَرَّرَ.

(سُئِلَ) - فُسِّحَ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ هَجَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَوَضَّأَ بِأَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَطْعًا وَلَا وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَمَا وَجْهُ الْقَطْعِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُقَالُ وَجْهُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ أَعْلَى مَا طُلِبَ لَهُ الْوُضُوءُ؛ فَلِذَلِكَ اُحْتِيطَ فِي أَمْرِهَا وَلَمْ يُقَلْ بِإِبَاحَتِهَا بِهَذَا الْوُضُوءِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ خَلَلٍ فِي شَرْطِهِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مَثَلًا إبَاحَتُهُ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا لَا يَكْتَفِي فِي إبَاحَتِهَا إلَّا بِوُضُوءٍ بِمَاءٍ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ، أَوْ مَظْنُونِهَا وَلَمْ يُوجَدْ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ هَلْ يُنْوَى بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ التَّجْدِيدُ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَلَامٌ فِيهِ حَقِّقُوهُ نَفَعَ اللَّهُ بِكُمْ آمِينَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مُوَضَّحَةً وَعِبَارَتُهُ (وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ فَلَا يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَلَا يُقَاسُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ.

وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهَا إلَّا هَذِهِ النِّيَّةُ فَاعْتُبِرَتْ فِي الْعَادَةِ لِتَحْكِيمِهَا، وَهَذَا الْوُضُوءُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي هَاتَيْنِ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّعَرُّضِ لَهُمَا لِإِمْكَانِ الْمُحَاكَاةِ بِغَيْرِهِمَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيمَا لَوْ نَذَرَ التَّجْدِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ هُنَا أَيْضًا) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا تَحْقِيقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَبَيَانُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ الْعِمَادِ: (وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ بِبَعِيدِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَجْدِيدًا.

وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْأُولَى إلَّا مُطْلَقُ نِيَّةٍ تُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ لَا خُصُوصَ نِيَّةِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ كَيْفِيَّاتٌ يَصِحُّ صِدْقُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْعَادَةِ لَوَجَبَ عَلَى نَاوِيهَا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا حَقِيقَةَ الْفَرْضِ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَاعِبًا بَلْ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا صُورَةَ الْفَرْضِ أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ صِفَةَ النِّيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِعَادَةِ فَكَمَا أَنَّهُ هُنَا أَتَى بِنِيَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِصِفَةِ نِيَّةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي الْأُولَى حَقِيقَتُهُ وَفِي الْمُعَادَةِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ، فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِذَا نَوَى فِي الْأَوَّلِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نِيَّةَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَرَادَ التَّجْدِيدَ قُلْنَا: يَلْزَمُك نِيَّةٌ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْأُخَرِ غَيْرِ هَاتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ نِيَّتُك وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ صِدْقِهِمَا إذْ لَا رَفْعَ حِينَئِذٍ وَلَا اسْتِبَاحَةَ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَاصِدًا بِهِمَا الْمُحَاكَاةَ وَالصُّورَةَ قُلْت: إنَّمَا أَتَى بِالْفَرْضِ فِي الْمُعَادَةِ قَاصِدًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَهُنَا أَنَّهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ هَذَيْنِ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمَا وَلَا إلَى تَأْوِيلِهِمَا عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّخْرِيجِ عَلَى حُكْمٍ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، أَوْ الْحُكْمُ فِيهِ أَظْهَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَتِمَّ لِابْنِ الْعِمَادِ التَّخْرِيجُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَنْ يَسْتَقِي كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَاءِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا هَلْ يَجُوزُ التَّجْدِيدُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: (إنَّ الْمَاءَ الْمَوْقُوفَ يَحْرُمُ الزِّيَادَةُ مِنْهُ عَلَى الثَّلَاثِ.

وَقَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ كَرَاهَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَمَاءِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا

ص: 57

الْمَاءُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ بِلَا خِلَافٍ لِتَحْرِيمِ السَّرَفِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا) اهـ.

فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ، وَإِذَا جَازَ هَاتَانِ جَازَتْ كُلُّ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ، وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ.

وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِي الطَّهَارَةِ الطَّهَارَةَ الْمَسْنُونَةَ كَالْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى طَهَارَةً لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَوْلُ الْوَاقِفِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا يَشْمَلُ كُلَّ طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ فَنَزَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِمَا نَعَمْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ فِي زَمَنِهِ بِشَيْءٍ وَعَرَفَ تِلْكَ الْعَادَةَ نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَرَفَهَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ: (وَالرُّبُطُ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا الْمَاءُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ نَابِعًا مِنْ الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْتَقِي مِنْ مَاءٍ مَمْلُوكٍ يُبَاحُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهُ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَهُ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ.

وَقَوْلُهُ: (لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا) صَرَّحَ فِي الْمَنْعِ مَنْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِ مَسْجِدِ كَذَا، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ عُرْفًا لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقْصِدُ التَّطَهُّرَ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُشَوِّشُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ.

وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَحَلٍّ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عَادَةَ بِشَرْطِهَا السَّابِقِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ اقْتَضَتْ جَوَازَ النَّقْلِ مُطْلَقًا أَوْ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ جَازَ النَّقْلُ بِحَسَبِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِعَادَةٍ لَمْ تَطَّرِدْ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَحَيْثُ جَازَ نَقْلُهُ لِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِدَوَاءٍ أَوْ عَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ نَحْوِ الْمَرَضِ أَوْ الْحَيَوَانِ عِنْدَهُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَكَذَلِكَ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ إنَّمَا جَازَ لِضَرُورَةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ تَحِقَّ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ أَكْثَرِ مِنْ كِفَايَةِ طَهَارَتِهِ الَّتِي يُرِيدُهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَدَّخِرَهُ إلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، لَكُنَّا قَدْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ هَذَا الزَّائِدِ قَبْلَ أَنْ تُحَقَّقَ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْت: النَّبَاتُ الْحَرَمِيُّ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ مَثَلًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ، قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَبَبَ جَوَازِهِ الْأَخْذُ لِلْمَرَضِ وَالِاضْطِرَارِ، وَبَعْدَ وُقُوعِهِ الْأَصْلُ دَوَامُهُ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْأَخْذُ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ طَهَارَةٍ لَهَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ لِطَهَارَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا لَكُنَّا جَوَّزْنَا لَهُ تَقْدِيمَ الْأَخْذِ عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَقْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ، وَلَا صَرْفُهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ النَّقْلِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِمَسْجِدِ كَذَا، فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَقْيِيدِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ.

وَشَرْطُهُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِخِلَافِ الْمُسَبَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبَّادِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فَأَمْكَنَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مَا ذُكِرَ. عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ هُوَ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْمُسَبَّلِ تَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ رِفْقَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ بِمَا سَبَّلَهُ فِيهَا، وَالْقَرَائِنُ لَهَا أَثَرٌ بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ فَعَمِلَ بِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاحَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلَّةِ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبِّلُ أَهْلَهُ بِذَلِكَ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: الْقِيَاسُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَشْمَلُ إلَّا الْوَاجِبَةَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَقَرُّوهُ مِنْ أَنَّ مَا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْمَيِّتُ إلَّا ثَوْبٌ سَابِغٌ وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَثْوَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ الْمَحْفُوظِ فِي نَظِيرِهِ اهـ.

قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ ثَمَّ وَهُوَ التَّطْهِيرُ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا مَرَّ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِمَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ شُمُولٌ لِلزَّائِدِ

ص: 58

عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ أُعْطِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَيَكُونُ سَابِغًا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُعْطَاهُ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّوْبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَنْعِ الْغُرَمَاءِ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلُنَا وَأَقَرُّوهُ. قَوْلَ ابْنِ الْأُسْتَاذِ إنْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ بِالْوَاجِبِ أَوْ الْأَكْمَلِ اُتُّبِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَاقْتَضَتْ الْعَادَةُ شَيْئًا نَزَلَ عَلَيْهِ.

وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ مَفْرُوضٌ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ حَيْثُ لَا نَصَّ مِنْ الْوَاقِفِ، وَلَا مَا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَصِّهِ، وَهُوَ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي زَمَنِهِ، فَحِينَئِذٍ يُعْمَلُ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَمَّا مَعَ نَصِّهِ عَلَى الْوَاجِبِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ وُجِدَتْ عَادَةٌ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ حَتْمًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الْأُسْتَاذِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُ مَنْ بِسُفْلِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا مَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ (قَالَ الزَّرْكَشِيّ هُنَا شَيْءٌ يُغْفَلُ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ تَقَعَ شَوْكَةٌ فِي يَدِهِ مَثَلًا، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُهَا - وَجَبَ قَلْعُهُ وَغَسْلُ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَإِنْ اسْتَتَرَتْ كُلُّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ لَكِنَّهَا تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهَا كَالْوَشْمِ) اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَهَا بِذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَفَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْوَشْمِ بِأَنَّ الدَّمَ ظَهَرَ ثَمَّ، وَاخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهُ كُلَّهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَيَّدَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ بَعْضُهَا بِمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لَوْ نُقِشَتْ بَقِيَ مَحَلُّهَا مَثْقُوبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يَلْتَئِمُ عِنْدَ قَلْعِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وُجُودُهَا، وَلَفْظُ الْفَتَاوَى شَوْكَةٌ دَخَلَتْ أُصْبُعَهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا ظَاهِرًا لِأَنَّ مَا حَوَالَيْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا سَتَرَهُ الشَّوْكُ فَهُوَ بَاطِنٌ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَقَّبَ عَنْ الشَّوْكِ بَقِيَ نَقْبُهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ إنْ كَانَ رَأْسُ الشَّوْكِ خَارِجًا حَتَّى يَنْزِعَهُ اهـ. وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا جَاوَزَتْ الْجِلْدَ إلَى اللَّحْمِ، وَغَاصَتْ فِيهِ لَا يَضُرُّ ظُهُورُ رَأْسِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا فِي الْبَاطِنِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا سَتَرَتْ رَأْسُهَا جُزْءًا مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ بِأَنْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهَا فِيهِ، وَنُظِرَ فِيمَا قَالَهُ آخِرًا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَقَالَ:(الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْوَشْمِ لِلْعَفْوِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْوَشْمِ لِذَلِكَ لِظُهُورِهِ بِفِعْلِهِ وَعُدْوَانِهِ، وَلِتَحْرِيمِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا غَاصَ بَعْضُهَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِيهِ الصِّحَّةُ فَلَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِهِ بِالْوَشْمِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ انْقَلَبَتْ بَوَاطِنُ أَصَابِعِهِ إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا سَامَتْ بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ بِالْبَاطِنِ وَإِنْ سَامَتْ ظَهْرَ الْيَدِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ بَاطِنُهَا لِأَنَّهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ وَلَا ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبَاطِنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي النَّقْضِ بِالزَّائِدَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ تَسَامَتْ فَكَمَا لَا يُنْقِضُ الَّتِي لَيْسَتْ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ سَامَتَتْ وَلَا غَيْرَ الْمُسَامَتَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى السُّنَنِ فَكَذَا هَذِهِ فَإِنْ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ أَصْلِيَّةٌ فَلَا تَحْتَاجُ لِشَرْطٍ وَتِلْكَ زَائِدَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ النَّقْضِ فَاحْتَاجَتْ لِشَرْطٍ قُلْت: لَمَّا خَالَفَتْ هَذِهِ وَضْعَ الْأَصْلِيَّاتِ خَرَجَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةَ الْأَصَالَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ إلْحَاقُهَا بِالزَّائِدَةِ غَيْرَ بَعِيدٍ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ حَسَنٌ لِأَنَّ مَنْ ضُعِّفَ لِأَجَلِهِ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى ضَعْفِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ «الْوُضُوءُ نُورٌ عَلَى نُورٍ» مَنْ خَرَّجَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ لَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ خَرَّجَهُ: وَاعْتُرِضَا بِأَنَّ رَزِينًا أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ حَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ فِي أَثَرِ وُضُوئِهِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ مِنْ الصِّدِّيقِينَ وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ كُتِبَ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا حَشَرَهُ اللَّهُ مَحْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ» مَنْ رَوَاهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ

ص: 59

مَجْهُولٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُتَوَضِّئِ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ هَلْ تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ أَمَّا حَالُ الْوُضُوءِ فَيُجِيبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إنَّمَا يُسَنُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ الذِّكْرِ، وَأَذْكَارُ الْأَعْضَاءِ فِي نَدْبِهَا خِلَافٌ بَلْ الْأَصَحُّ عَدَمُ نَدْبِهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهَا لَا تَخْلُو عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ، وَاعْتِرَاضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِ رَدَدْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ، وَأَمَّا الْإِجَابَةُ فَمَنْدُوبَةٌ اتِّفَاقًا وَلِذَا قَالُوا بِنَدْبِهَا لِلطَّائِفِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَذْكَارًا مَطْلُوبَةً اتِّفَاقًا، فَالْمُتَوَضِّئُ أَوْلَى وَأَمَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ بِأَنْ وَافَقَ فَرَاغُ وُضُوئِهِ فَرَاغَ الْمُؤَذِّنِ، فَيَأْتِي بِذِكْرِ الْوُضُوءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى الذِّكْرِ عَقِبَ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ يَذْكُرُ الْأَذَانَ قَالَ، وَحَسَنٌ أَنْ يَأْتِيَ بِشَهَادَتَيْ الْوُضُوءِ ثُمَّ بِدُعَاءِ الْأَذَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ قُطِعَ أَنْفُهُ أَوْ أُنْمُلَتُهُ فَجَعَلَ مَحَلَّهُ بَدَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ مَثَلًا فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَوْ إزَالَتُهُ وَهَلْ يَمْسَحُهُ بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهُ كَالْجَبِيرَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ بِلَا خَشْيَةِ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ إزَالَتُهُ وَعَوْدُهُ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ بُنِيَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ وَسَتَرَهُ - وَجَبَ غَسْلُهُ وَكَذَا لَوْ بُنِيَ عَلَى بَعْضِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الظَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ وَلَا الْجِلْدُ فَهُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِ النَّظَرِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْجِنَايَاتِ فِي السِّنِّ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَنَّهُ لَا أَرْشَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ نَفْعُهَا أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ.

وَهَذَا نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهَا بِالسِّنِّ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهَا وَإِذَا لَمْ يُلْحِقُوهَا بِهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَعَ بِنَائِهَا عَلَى الْمُضَايَقَةِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُلْحِقُوا الْبَدَلَ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَصْلِيِّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَلَا جِلْدٌ مِنْ أَنْفِ النَّقْدِ وَلَا أُنْمُلَتِهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وُصِلَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَسْلَ الطَّاهِرِ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ غَسْلِ نَجِسِ الْعَيْنِ وَكَذَا لَوْ وَصَلَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ لَكِنْ لَا أَوْلَوِيَّةَ هُنَا بَلْ قَدْ يُدَّعَى عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يُشْبِهُ الْعُضْوَ الْمَفْقُودَ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْعَظْمِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الْعُضْوَ الْمَفْقُودَ، فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا عَدَمَ وُجُوبِ غَسْلِ الظَّاهِرِ مِنْ النَّقْدِ الْمَذْكُورِ فَمَا يُصْنَعُ فِيمَا سَتْرُهُ مِنْ مَحَلِّ الْقَطْعِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْقَطْعُ فَظَهَرَ بِهِ، وَصَارَ ظَاهِرًا يَجِبُ غَسْلُهُ. قُلْت: إذَا اسْتَحْضَرْت أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ خُشِيَ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورُ التَّيَمُّمِ ظَهَرَ لَك أَنَّ اللَّحْمَ أَوْ الْجِلْدَ بُنِيَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُخْشَى ذَلِكَ الْمَحْذُورُ إلَّا حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا بُنِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَجَبَ غَسْلُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِهِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا مَرَّ، وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ شَيْءٌ هُوَ آيِلٌ إلَى الْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ بَعْضُهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ نَحْوُ اللَّحْمِ أَوْ كُلُّهُ إنْ عَمَّهُ عُضْوًا مَغْسُولًا، وَبِهَذَا فَارَقَ وُجُوبَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ بَدَلًا عَمَّا أَخَذْته مِنْ أَطْرَافِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آيِلَةً إلَى الْعُضْوِيَّةِ بَلْ هِيَ بِصَدَدِ الزَّوَالِ فَلَمْ يُنْتَظَرْ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَسْحَهَا كَالْخُفِّ رُخْصَةً فَلَا تَجْرِي فِي غَيْرِهِمَا لِامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَخَرَجَ بِقَوْلِي:(مَحَلُّ الْقَطْعِ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ. .. إلَخْ) بَاطِنُ الْأَنْفِ الْمُسْتَتَرُ بِالْقَصَبَةِ وَالْمَارِنِ، فَهَذَا لَوْ فُرِضَ ظُهُورُهُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَاطِنًا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ بِفَرْضِ ظُهُورِهِ فَمَا سَتَرَهُ مِنْ أَنْفِ النَّقْدِ أَوْلَى إذْ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْأُنْمُلَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ظَهَرَ يَجِبُ غَسْلُهُ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَطْعِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ، وَبَاطِنُ الْأَنْفِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْبَاطِنِيَّةِ مَعَ تَأَتِّي غَسْلِهِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ إيجَابِهِمْ غَسْلَ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ دُونَ مَا كَانَ مُسْتَتَرًا بِالْقَصَبَةِ وَالْمَارِنِ، وَكَذَا بَاطِنُ الْفَمِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُهُ كَالْجَبِيرَةِ مَعَ سَتْرِ كُلٍّ لِمَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَ الْقِيَاسِ سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته عَلَى أَنَّهُ تَوَقَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا بَحْثُهُ مِنْ وُجُوبِ الْمَسْحِ كَالْجَبِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَنْبَغِي إنْ الْتَحَمَ جَانِبُ الْأَنْفِ وَجَبَ غَسْلُ الْمُلْتَحِمِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ أَنْفِ النَّقْدِ تَبَعًا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ فَالْتَحَمَ جَانِبَاهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُ غَسْلِ الْجَمِيعِ وَقِيَاسًا عَلَى انْكِشَاطِ جِلْدَةِ الْعَضُدِ وَالْتِصَاقِهَا بِالسَّاعِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ مَا يُحَاذِي الْفَرْضَ مِنْهَا مَعَ مَا تَحْتَهُ إنْ تَجَافَتْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ

ص: 60