الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيْرِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ غَفْلَةً عَنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا بِجَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بِفَصٍّ وَبِدُونِهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ أَعْنِي حَصْرَ الْخَاتَمِ فِيمَا لَهُ فَصٌّ لَوْ صَحَّتْ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَانَتْ مُؤَوَّلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ أَوْ الْأَشْهَرِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ مَا لَيْسَ لَهُ فَصٌّ فَاسْتِدْلَالُ مَنْ ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ بِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ وَغَلَطٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو دِيَانَةٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى تَحْرِيمٍ بِمُجَرَّدِ إشَارَةِ عِبَارَةٍ لِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيم كَمَا تَقَرَّرَ؟ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاحْذَرْ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْحَلْقَةُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ فَلُبْسُ الرِّجَالِ لَهَا تَشَبُّهٌ بِهِنَّ فَيَحْرُمُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قُلْت زَعْمُ أَنَّ لُبْسَهَا مِنْ شِعَارِهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَوُجُودُهُ فِيهِنَّ فَقَطْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ كَمَا حَرَّرْت هَذَا الْمَبْحَثَ أَعْنِي التَّشَبُّهَ بِهِنَّ وَمَا ضَابِطُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى شَنُّ الْغَارَةِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةَ تَقَوُّلِهِ فِي الْخَنَا وَعَوَارِهِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْكُسُوفِ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْقَمَرَيْنِ أَوْ لَا كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ بِتَصَوُّرِهِ فَمَا عَلَامَتُهُ وَهَلْ تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ فُحُولِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ وَهَلْ وَقَعَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ بِأَنَّ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ مَا عَدَا كُسُوفِ النَّيِّرَيْنِ مَا لَوْ انْكَسَفَتْ النُّجُومُ فَالْقِيَاسُ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ وَأَوْلَى لِأَنَّهَا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ قِيَاسُهَا عَلَى الْقَمَرِ أَنَّهُ يُصَلِّي لَهَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى رُكُوعَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَنَصُّ الْأُمِّ الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ يَرُدُّ مَا زَعَمَهُ وَلَفْظُهُ: وَلَا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا تُصَلَّى سَائِرُ الصَّلَوَاتِ. اهـ. فَانْظُرْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الشَّامِلِ لِانْكِسَافِ النُّجُومِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَقَالَ: وَلَا يُصَلِّي عَلَى هَيْئَةِ الْخُسُوفِ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِتَغْيِيرِ الصَّلَاةِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَرِدْ إلَّا فِي النَّيِّرَيْنِ. وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَأَوْلَى شَهَادَةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ يُرَدُّ بِأَنْ لَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّ النَّيِّرَيْنِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ وَلَهُمَا مِنْ الظُّهُورِ فِي الْعَالَمِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ النُّجُومِ.
فَإِذَا وَقَعَ بِهِمَا تَغَيُّرٌ كَانَ ذَلِكَ آيَةً مُخَوِّفَةً سَائِرَ أَهْلِ هَذَا الْعَالَمِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فَشُرِّعَتَا لَهُمَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِتُنَاسِبَ تَمَيُّزِهِمَا عَنْ سَائِرِ الْكَوَاكِبِ فَكَيْفَ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ يُقَالُ إنَّ النُّجُومَ أَوْلَى بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ الْقَمَرِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَرِهَ اسْتِقْبَالَ الْقَمَرَيْنِ. لَمْ يَقُلْ بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ بَقِيَّةِ النُّجُومِ وَفَرَّقَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ انْكِسَافَ النُّجُومِ بِمَنْزِلَةِ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَيَأْتِي فِيهَا حُكْمُهَا مِنْ الصَّلَاةِ فُرَادَى عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ حَذَرًا مِنْ الْغَفْلَةِ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ فَتَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.
وَقَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ نَافِلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ لَمْ يُرِدْ الشَّيْخَانِ إضَافَةَ الصَّلَاةِ لِتِلْكَ الْآيَاتِ وَكَوْنَهَا سُنَّةً لَهَا حَتَّى تَكُونَ ذَاتَ سَبَبٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ رُجُوعًا إلَى اللَّهِ وَاجْتِنَابًا لِلْغَفْلَةِ عِنْدَ تَذْكِيرِهِ عز وجل وَتَخْوِيفِهِ بِآيَاتِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَاقَ عِبَارَاتٍ قَدْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، الَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ أَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُرَادَهُمَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّ نَدْبَ الصَّلَاةِ عِنْدَ حُدُوثِ تِلْكَ الْآيَاتِ فِيهِ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ السَّبَبِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ، فَمَنْ ادَّعَى خُرُوجَ هَذِهِ عَنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ مَعَ صِدْقِ تَعْرِيفِهَا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمَسُوقَةُ كَمَا تَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ تَحْتَمِلُ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا
شَاهِدَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَاهِدٌ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى حَدِّهِمْ لِذَوَاتِ السَّبَبِ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ فَتَحِلُّ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي انْكِسَافِ النُّجُومِ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ غَالِبَ النُّجُومِ لَا تَنْكَسِفُ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ إشْكَالًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ.
وَقَالَ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ سَبَبَ خُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ أَكْبَرُ مِنْ كُرَةِ الْأَرْضِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ مَرَّةً وَأَنَّ الشَّمْسَ إذَا انْحَطَّتْ لِلْغُرُوبِ امْتَدَّ لِلْأَرْضِ ظِلٌّ عَلَى شَكْلٍ مَخْرُوطٍ صَنَوْبَرِيٍّ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّمْسَ أَكْبَرُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يَزَالُ مَخْرُوطُ الْأَرْضِ يَمْتَدُّ وَيَسْتَدِقُّ إلَى أَنْ تَنْحَطَّ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ عُطَارِدًا إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْقَمَرِ فِي ذَلِكَ الظِّلِّ مِنْ غَيْرِ تَنَافٍ وَلَا تَأْثِيرٍ بِحَيْثُ يَحْجُبُ نُورَ الشَّمْسِ فَهُوَ خُسُوفُهُ وَعَلَى حَسَبِ تَرْكِهِ فِي مَخْرُوطِ الظِّلِّ يَكُونُ زِيَادَةُ الْخُسُوفِ وَنَقْصُهُ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْقَمَرُ فِي السَّيْرِ وَالظِّلُّ فِي الْمَيْلِ إلَى حَالَةِ الِانْجِلَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ الثَّابِتَةَ فِي تِلْكَ الْبُرُوجِ أَيْضًا يُكْتَسَبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَاكْتِسَابِ نُورِ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ لَا تَنْكَسِفُ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ بِحَيْلُولَةِ مَخْرُوطِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ قَالُوا: لِأَنَّ الظِّلَّ يَنْمَحِقُ دُونَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: وَلِمَ قُلْتُمْ بِانْمِحَاقِ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا قَالُوا لِأَنَّهَا تَنْكَسِفُ وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.
قَالَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ بَلْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ الْكَوَاكِبُ الثَّابِتَةُ فِي فَلَكِ الْبُرُوجِ وَكَذَلِكَ زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخُ مُضِيئَةٌ بِأَنْفُسِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْكَسِفْ بِمَخْرُوطِ الظِّلِّ مَعَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّهُ بِسَبَبِ سَتْرِ الْقَمَرِ لَهَا عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ وَلِهَذَا لَا يُعْهَدُ كُسُوفُهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ قَدْ يُقَارِنُ الشَّمْسَ الْمُقَارَنَةَ الْعَمِيمَةَ كَذَلِكَ الزُّهْرَةُ وَعُطَارِدُ فَمَا لَهُمَا لَا يَحْجُبَانِ الشَّمْسَ عَنْ أَبْصَارِنَا فِي وَقْتِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاع كَمَا فِي الْقَمَرِ لَمْ يَجِدُوا إلَى الْفَرْقِ سَبِيلًا. اهـ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلَهُمْ إنَّ سَبَبَ كُسُوفِ الشَّمْسِ سَتْرُ الْقَمَرِ لَهَا بِأَنَّ الشَّمْسَ عِنْدَهُمْ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فِي الْجِرْمِ فَكَيْفَ يَسْتُرُ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ الْجِرْمَ الْكَبِيرَ إذَا قَابَلَهُ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ اتَّسَعَ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ لِلْمُقَابَلَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مُحَاذَاةِ النَّاسِ الْقِبْلَةَ مَعَ قِلَّةِ عَرْضِ سَمْتِهَا وَبُعْدِ عَرْضِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قِيَاسًا عَلَى النَّارِ الْمَرْئِيَّةِ مِنْ بُعْدٍ وَعَلَى عَرْضِ الْمَرْمَاةِ وَالشَّمْسِ فِي الْفَلَكِ الرَّابِعِ وَالْقَمَرِ فِي الْفَلَكِ الْأَوَّلِ فَلِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا حَجَبَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْمُقَابَلَةِ أَوْ بَعْضَهَا عِنْدَ عَدَمِ تَمَامِهَا وَإِنْ كَانَ جِرْمُهُ صَغِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الْكَوَاكِبَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ نُورُهَا مُكْتَسَبٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ فَهُمْ قَائِلُونَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ وَإِنْ لَزِمَهُمْ مَا مَرَّ عَنْ الْآمِدِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ مَلْحَظُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْكِسَافِ الْكَوَاكِبِ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ وَالْوُجُودُ وَسَبَبُهُ انْمِحَاقُ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِانْمِحَاقِ عَدَمُ وُقُوعِ الِانْكِسَافِ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْآمِدِيُّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُضِيئَةٌ بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ مُكْتَسِبَةً مِنْ الشَّمْسِ فَعَدَمُ انْكِسَافِهَا وَاضِحٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّبَ مَا قَالُوهُ مِنْ اسْتِمْدَادِهَا مِنْ الشَّمْسِ لِأَنَّ الْقَمَرَ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَجْلَى إذَا كَانَ نُورُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ كَثِيرُونَ فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ لَا تَحْقِيقًا بَلْ ظَنًّا بِوَاسِطَةِ تَسْلِيمِ أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَيَبْعُدُ أَنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِهَا وَنُورُ الْكَوَاكِبِ لَيْسَ مِنْ نُورِهَا وَالْبَحْثُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَا جَدْوَى لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيق وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَصَوَّرَ انْكِسَافَ الْكَوَاكِبِ صَلَّى لَهَا صَلَاةً، نَحْوُ
الزَّلَازِلِ لَا صَلَاةِ الْكُسُوفِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِمَا مَرَّ لَك مَبْسُوطًا.
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الْقَمَرَيْنِ وَمَا حَقِيقَةُ هَذَا الَّذِي يَسْتُرُ الْقَمَرَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَكْمُلَ ثُمَّ يَنْجَلِي أَوَّلَ الشَّهْرِ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ خَاصَّةً؟
(فَأَجَابَ) أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاخْتِلَافِ الْقَمَرِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَغَيْرَهُمَا فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ قَالُوا: وَمِمَّا يَعْرِضُ لِلْقَمَرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِالْقِيَاسِ إلَى الشَّمْسِ. وَهُوَ الْمَحَاقُ وَالزِّيَادَةُ وَالْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ وَكَسْفُهُ الشَّمْسَ وَالْخُسُوفُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جِرْمَ الْقَمَرِ كَثِيفٌ كَمَدٍ مُظْلِمٍ لَا نُورَ لَهُ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ صَقِيلٌ يَسْتَضِيءُ بِضِيَاءِ الشَّمْسِ كَالْمِرْآةِ الْمَصْقُولَةِ إذَا حُوذِيَ بِهَا الشَّمْسُ فَيَكُونُ النِّصْفُ مِنْ الْقَمَرِ الْمُوَاجِهِ لِلشَّمْسِ مُضِيئًا أَبَدًا بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُظْلِمًا مِنْهُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ وُصُولِ الضَّوْءِ مِنْ الشَّمْسِ إلَيْهِ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَمَرِ مَعَ الشَّمْسِ يَكُونُ الْقَمَرُ مُتَسَاوِيًا بَيْنَ الشَّمْسِ لِأَنَّ فَلَكَهَا فَوْقَ فَلَكِهِ إذْ هِيَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ نِصْفُهُ الْمُظْلِمُ مُوَاجِهًا لَهُ وَنِصْفُهُ الْمُضِيءُ مَسْتُورًا عَنَّا بِالنِّصْفِ الْمُظْلِمِ فَلَا نَرَى شَيْئًا مِنْ ضَوْئِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحَاقُ.
فَإِذَا بَعُدَ الْقَمَرُ عَنْ الشَّمْسِ مِقْدَارًا قَرِيبًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى اخْتِلَافِ أَوْضَاعِ الْمَسَاكِنِ وَعُرُوضِ الْقَمَرِ وَكَثْرَةِ الْبُخَارِ وَحِدَّةِ الْإِبْصَارِ مَالَ نِصْفُهُ الْمُضِيءُ إلَيْنَا شَيْئًا يَسِيرًا فَيُرَى مِنْهُ وَهُوَ الْهِلَالُ، ثُمَّ كُلَّمَا ازْدَادَ بُعْدُهُ عَنْ الشَّمْسِ ازْدَادَ مَيْلُ الْمُضِيءِ إلَيْنَا فَإِذَا قَرُبَ الْبُعْدُ مِنْ رُبُعِ الدَّوْرِ يَرَى الْقَمَرَ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ وَهَكَذَا يَزِيدُ الْمَيْلُ فَيُرَى شَكْلًا إهْلِيجِيًّا حَتَّى إذَا قَابَلَ الْقَمَرُ الشَّمْسَ وَصَارَ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَ الدَّوْرِ صِرْنَا نَحْنُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَصَارَ مَا يُوَاجِهُ الشَّمْسَ مِنْ الْقَمَرِ يُوَاجِهُنَا. فَيُرَى الْقَمَرُ كَدَائِرَةٍ تَامَّةٍ وَهُوَ الْكَمَالُ وَيُسَمَّى الْقَمَرُ حِينَئِذٍ بَدْرًا فَإِذَا انْحَرَفَ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَالَ إلَيْنَا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُظْلِمِ وَاسْتَتَرَ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُضِيءِ فَيَظْهَرُ فِي صَفْحَةِ الْقَمَرِ ثُلْمَةٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الظَّلَامُ فِي الزِّيَادَةِ وَالضِّيَاءُ فِي النُّقْصَانِ فَيُرَى الْقَمَرُ عَلَى شَكْلٍ إهْلِيجِيٍّ ثُمَّ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ ثُمَّ عَلَى شَكْلِ الْهِلَالِ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ حَتَّى يَنْمَحِقَ وَيَسْتَتِرَ عَنَّا نِصْفُهُ الْمُضِيءُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَكُونُ الْقَمَرُ مُظْلِمًا لَا يَسْتَضِيءُ إلَّا وَجْهُهُ الْمُقَابِلُ لِلشَّمْسِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى مَدَارِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. وَذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَتَيْ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ إذْ لَا عَرْضَ لِلْقَمَرِ هُنَاكَ فَيَكُونُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مَدَارُ الشَّمْسِ حَالَ الْقَمَرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا وَهُوَ كُسُوفُ الشَّمْسِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ عُرُوضِ الْبُلْدَانِ شِمَالًا وَجَنُوبًا وَقِلَّةِ الْعُرُوضِ وَكَثْرَتِهَا وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ الْخُطُوطُ الشُّعَاعِيَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْأَبْصَارِ إلَى الشَّمْسِ إمَّا جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا إمَّا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ التَّامُّ أَوْ لَا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ الْغَيْرُ التَّامِّ وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي وَجْهِ الشَّمْسِ حَالَةَ الْكُسُوفِ وَهُوَ لَوْنُ جِرْمِ الْقَمَرِ. وَلِكَوْنِ كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ لِحَيْلُولَةِ الْقَمَرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ السَّوَادُ الْمُشَاهَدُ إنَّمَا هُوَ لَوْنُ الْقَمَرِ يَبْتَدِئُ سَوَادُ الشَّمْسِ فِي الْكُسُوفِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْقَمَرُ يَمُرُّ بِالشَّمْسِ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْهَا يَبْتَدِئُ الْجَلَاءُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ لِلُحُوقِ الْقَمَرِ إيَّاهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى أَحَدِ الْعُقْدَتَيْنِ أَوْ حَوَالَيْهَا بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَكَسْرٍ عِنْدَ الِاسْتِقْبَالِ حَالَ الْأَرْضُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَوَقَعَ ظِلُّهَا عَلَى الْقَمَرِ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَيَبْقَى عَلَى ظَلَامِهِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ خُسُوفُ الْقَمَرِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَرْضَ كَثِيفَةٌ مَانِعَةٌ نُفُوذَ الضَّوْءِ فِيهَا وَحَيْثُ كَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ الشَّمْسِ يَسْتَضِيءُ بِضَوْئِهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا وَيَقَعُ لَهَا ظِلٌّ فِي مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَخْرُوطُ الشَّكْلِ يَسْتَدِقُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَنْتَفِي فِي أَفْلَاكِ الزُّهْرَةِ فَلِلظِّلِّ عِنْدَ فَلَكِ الْقَمَرِ غِلَظٌ مَا فَإِذَا قَطَعَ هُنَاكَ سَطْحٌ مُسْتَوٍ مُوَازٍ
لِقَاعِدَةِ مَخْرُوطِ الظِّلِّ حَصَلَ دَائِرَةٌ مَرْكَزُهَا فِي سَطْحِ الْبُرُوجِ وَفِي جُزْءٍ مِنْهَا يُقَابِلُ جُزْءَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ الْمَرْكَزُ يَتَحَرَّكُ بِمِقْدَارِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ عَدِيمَ الْعَرْضِ وَقَعَ فِي دَائِرَةِ الظِّلِّ وَانْخَسَفَ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ ذَا عَرْضٍ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى صَفْحَتِهِ شَيْءٌ مِنْ دَائِرَةِ الظِّلِّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُسُوفٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ انْخَسَفَ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي دَائِرَةِ الظِّلِّ وَابْتِدَاءُ خُسُوفِ الْقَمَرِ وَانْجِلَاؤُهُ مِنْ الْمَشْرِقِ عَكْسُ الْكُسُوفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَلْحَقُ ظِلَّ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْ الظِّلِّ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَيَصِلُ طَرَفُهُ الشَّرْقِيُّ أَوَائِلَ الظِّلِّ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ الطَّرَفُ فِي السَّوَادِ أَوَّلًا. وَيَكُونُ الْقَمَرُ يَلْحَقُ الظِّلَّ مِنْ الْمَغْرِبِ يَكُونُ مُرُورُ طَرَفِهِ الشَّرْقِيِّ بِالظِّلِّ أَوَّلًا فَكَمَا أَنَّ طَرَفَهُ الشَّرْقِيَّ يَصِلُ أَوَّلًا إلَى الظِّلِّ كَذَلِكَ هَذَا الطَّرَفُ يُجَاوِزُهُ أَوَّلًا فَيَبْتَدِئُ مِنْهُ الِانْجِلَاءُ كَمَا ابْتَدَأَ مِنْهُ الِانْخِسَافُ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ أَمْرٌ عَارِضٌ لَهُ يَتَحَقَّقُ فِي ذَاتِهِ لَا بِالْقِيَاسِ إلَى الْإِبْصَارِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا فِي أَوَاسِطِ الشَّهْرِ وَأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِحَسَبِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ فِي ذَاتِ الشَّمْسِ تَغَيُّرٌ أَصْلًا وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي زِيَادَةِ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ هِيَ أَنَّ الْكُسُوفَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ يُخَوِّفُ بِهَا عَبِيدَهُ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَنَاسَبَ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَ غَيْرِهَا إذْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «عَنْ عَلِيٍّ أَوَّلُ صَلَاةٍ رَكَعْنَا فِيهِ الْعَصْرُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا هَذَا قَالَ: بِهَذَا أُمِرْت» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ الظُّهْرَ وَصَلَّى قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَكَوْنُ الصَّلَاةِ السَّابِقَةِ بِلَا رُكُوعٍ قَرِينَةً لِخُلُوِّ صَلَاةِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْهُ. اهـ.
وَفِيهِ مَا فِيهِ وَقَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنَّهُ لَا رُكُوعَ فِي صَلَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِذَا أَمَرَهُمْ بِالرُّكُوعِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. اهـ. وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ هُنَا مُطْلَقُ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ وَأَفْرَدَ السُّجُودَ بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُرْبِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ إقَامَةُ الطَّاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وَبِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ لِقَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] وَبِالرُّكُوعِ الْخُضُوعُ. فَإِذَا قُلْنَا بِمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الرُّكُوعَ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَاسَبَ حِينَئِذٍ زِيَادَتُهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِطَلَبِ رِضَاهُ تَعَالَى وَحَذَرًا مِنْ خَوْفِ سَطْوَتِهِ وَعِقَابِهِ وَكَانَ الرُّكُوعُ فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ التَّخْوِيفِ وَفِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ نَاسَبَ حِينَئِذٍ زِيَادَتُهُ تَوَسُّلًا بِأَخَصِّ نِعَمِهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِأَخَصِّ النِّعَمِ لَهُ وَقْعٌ وَمَزِيدُ دَفْعٍ لِلْفِتَنِ وَالْمِحَنِ، هَذَا إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهَا فَحِكْمَةُ زِيَادَتِهِ أَنَّهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَالْوَسِيلَةِ لِلسُّجُودِ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ خُضُوعٌ لَكِنَّهُ فِي السُّجُودِ أَعْظَمُ وَكَانَ كَالْمَقْصِدِ، وَالرُّكُوعُ كَالْوَسِيلَةِ لَهُ وَلِهَذَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِدَالِ حَتَّى تَتَمَيَّزَ الْوَسِيلَةُ عَنْ الْمَقْصِدِ وَإِذَا كَانَ الرُّكُوعُ كَالْوَسِيلَةِ فَنَاسَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالزِّيَادَةِ إعْلَامًا أَمَا بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْإِكْثَارُ مِنْ الْوَسَائِلِ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى الْمَقَاصِدِ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ وَسَائِلِ الْخَيْرِ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقَاصِدِ وَهِيَ دَفْعُ اللَّهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْمَخُوفَةِ لِعِبَادِهِ. وَأَيْضًا فَالرُّكُوعُ أَشَقُّ مِنْ السُّجُودِ وَكَانَ فِي تَكْرِيرِهِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَإِلْزَامُ النَّفْسِ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مِنْ فِعْلِهَا لِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِمَشَاقَّ كَثِيرَةٍ مِنْ الْخَيْرَاتِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ اتِّفَاقُ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ
الْمُبَالَغَةُ فِي تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي السُّجُودِ هَلْ يَطُولُ أَوْ لَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا إشَارَةً لِمَا ذَكَرْتُهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ بِتَكْلِيفِ النَّفْسِ سَائِرَ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي لَهَا عَلَيْهَا نَوْعُ قُدْرَةٍ لَعَلَّ أَنْ يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا حَلَّ بِهِمْ هَذَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ الرُّكُوعُ وَحْدَهُ بَلْ تَكَرَّرَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالِاعْتِدَالُ أَيْضًا فَحِكْمَةُ تَكْرِيرِ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَزِمَهُمْ مِنْ تَكْرِيرِ الرُّكُوعِ تَكْرِيرُهُ فَتَكْرِيرُهُ تَبَعٌ لِتَكْرِيرِ الرُّكُوعِ. وَأَمَّا تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَامِعِ صِفَاتِهِ الْكُلِّيَّةِ وَعَلَى اللَّجَاءَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأُمُورِ فَنَاسَبَ تَكْرِيرُ ذَلِكَ لِيَكُونَ سَبَبًا لِرَفْعِ مَا حَلَّ بِالنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْإِزْعَاجِ وَالتَّخْوِيفِ الْعَظِيمِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ زَلْزَلَةِ الْأَرْضِ الْمَعْهُودَةِ الْمُسَمَّاةُ بِالرَّاجِفَةِ؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ الزَّلْزَلَةِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ق مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ وَعُرُوقُهُ إلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً أَمَرَ ذَلِكَ الْجَبَلَ فَحَرَّكَ الْعِرْقَ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ فَيُزَلْزِلُهَا وَيُحَرِّكُهَا فَمِنْ ثَمَّ تُحَرَّكُ الْقَرْيَةُ دُونَ الْقَرْيَةِ وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ قَالَ: جَبَلُ ق مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَقَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ مِنْهُ الْجِبَالَ وَشَبَّكَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِعُرُوقِهِ كَالشَّجَرَةِ كَالْأَوْتَادِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ أَرْضًا أَوْحَى إلَى ق فَحَرَّكَ الْعِرْقَ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَلَغَ الْجَبَلَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ق نَادَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا هَذَا الْجَبَلُ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ ق وَهُوَ أُمُّ الْجِبَالِ وَالْجِبَالُ كُلُّهَا مِنْ عُرُوقِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً حَرَّكَ مِنْهُ عِرْقًا وَقَدْ يُعَارِضُ هَذِهِ الْآثَارَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ أَبْدَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ لِلْأَرْضِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزَلْزَلَتْ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَرْضَ كُلِّ أَرْضٍ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ ذَلِكَ وَالْأَرْضُ السَّابِعَةُ فَوْقَ الثَّرَى وَاسْمُهَا تُخُومٌ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ الثَّرَى فَوْقَ الصَّخْرَةِ وَالصَّخْرَةُ عَلَى الثَّوْرِ وَالثَّوْرُ لَهُ قَرْنَانِ وَلَهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ يَبْتَلِعُ مَاءَ الْأَرْضِ كُلِّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالثَّوْرُ عَلَى الْحُوتِ وَذَنَبُ الْحُوتِ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَدِيرٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى وَطَرَفَاهُ مُنْعَقِدَانِ تَحْتَ الْعَرْشِ.
«وَأُخْبِرْت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَاءِ الْحُوتُ قَالَ عَلَى مَاءٍ أَسْوَدَ وَمَا أَخَذَ مِنْهُ إلَّا كَمَا أَخَذَ حُوتٌ مِنْ حِيتَانِكُمْ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِحَارِ» . وَحَدِيثُ «أَنَّ إبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إلَى الْحُوتِ فَعَظَّمَ لَهُ نَفْسَهُ وَقَالَ لَيْسَ خَلْقٌ بِأَعْظَمَ مِنْك غِنًى وَلَا أَقْوَى فَوَجَدَ الْحُوتُ فِي نَفْسِهِ فَتَحَرَّكَ فَمِنْهُ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ إذَا تَحَرَّكَ فَبَعَثَ اللَّهُ حُوتًا صَغِيرًا فَأَسْكَنَهُ فِي أُذُنِهِ فَإِذَا ذَهَبَ يَتَحَرَّكُ تَحَرَّكَ الَّذِي فِي أُذُنِهِ فَيَسْكُنُ» وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ فَنَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَحَرُّكَ عِرْقٍ مِنْ جَبَلِ ق وَظُهُورَ بَعْضِ آثَارِ الْقُدْرَةِ لِلْأَرْضِ وَتَحَرُّكَ الْحُوتِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْشَأُ عِنْدَ الزَّلْزَلَةِ، فَتَارَةً يَكُونُ عَنْ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى عَنْ الثَّانِي وَأُخْرَى عَنْ الثَّالِثِ. وَهَذَا الْجَمْعُ مُتَعَيَّنٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ جَمِيعِ الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابِيِّ مِمَّا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَمَّا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي فَمِنْ بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْهُ أَنَّ السَّبَبَ تَحَرُّكُ ق وَفِي بَعْضِهَا عَنْهُ أَنَّهُ التَّجَلِّي أَنَّ كُلًّا سَبَبٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ إنْ صَحَّا وَإِلَّا فَمَا صَحَّ مِنْهُمَا وَبِهَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا رُدَّ عَلَى الْحُكَمَاءِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الزَّلَازِلَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ الْأَبْخِرَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ وَاجْتِمَاعِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهَا بُرُودَةٌ حَتَّى يَصِيرَ مَاءً وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَدْنَى حَرَارَةٍ لِكَثْرَتِهَا وَيَكُونُ وَجْهُ الْأَرْضِ صُلْبًا بِحَيْثُ لَا تَنْفُذُ الْبُخَارَاتُ مِنْهَا وَإِذَا صَعِدَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَنْفَذًا اهْتَزَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ وَاطَّرَبَتْ كَمَا يَطَّرِبُ بَدَنُ الْمَحْمُومِ.