المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب أحكام المساجد] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[باب أحكام المساجد]

بِالِاسْتِحْبَابِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ كَخُطْوَتَيْنِ إنَّمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُهُ إنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَبَثٌ، وَالْفِعْلُ الْخَفِيفُ؛ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ بِسُبْحَةٍ أَوْ عَدِّ فِعْلِهِ بِلَا حَاجَةٍ لِذَلِكَ - خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَبَثَ فِي الْقَلِيلِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ: لَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ كُرِهَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَدِّهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا صُورَتُهُ: عَمَّرَ إنْسَانٌ مَسْجِدًا وَلَمْ يُوقِفْ آلَتَهُ فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ؟ وَلَوْ الْتَمَسَ مِنْ النَّاسِ آلَةً لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَهَلْ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ: إنَّ الْآلَةَ فِي الْأُولَى عَارِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ، وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الثَّانِيَةِ: إنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى إنْشَاءِ وَقْفٍ؛ كَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْبَحْرِ مُتَّجِهٌ، وَأَمَّا كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ فِي الْوَقْفِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا فَقَطْ؛ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ فِي مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إمَّا عَلَى مِلْكِ مُعْطِيهَا أَوْ آخِذِهَا، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَلَفُّظِ مَالِكِهَا بِالْوَقْفِ، وَإِلَّا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ.

قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُشْكِلُ عَلَى الْعَبَّادِيِّ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّ مُرِيدَ الصُّوفِيَّةِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ فَيُعْطَى؛ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يُوصِلُهُ لَهُمْ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَا يُشَارِكُونَهُ فِيهِ، قَالَ: وَقِيَاسُهُ مِلْكُ هَذَا؛ لِمَا أَخَذَهُ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ دَافِعَ الْآلَاتِ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَأَيْضًا فَمُلْتَمِسُ الْآلَاتِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا فَأُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَزَعِيمُ الصُّوفِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ.

نَعَمْ، إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ خَاصَّةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَالِكِ لَهُ وَلَهُمْ أَوْ قَالَ الْمَالِكُ: نَوَيْت ذَلِكَ - اشْتَرَكُوا فِيهِ؛ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: لَوْ أُعْطِيَ دَنِسُ الثِّيَابِ صَابُونًا لِغَسْلِهَا تَعَيَّنَ لَهَا، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الشَّهَادَاتِ: لَهُ الصَّرْفُ فِيمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَالِكِ التَّصَرُّفَ فِي غَسْلِ الثِّيَابِ لَا غَيْرُ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَجُوزُ رَمْيُ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَيَّةً وَمَيْتَةً، وَقَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ؟ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَبَثٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ؟ وَإِذَا وَقَعَ وَنِيمُ الذُّبَابِ عَلَى الْوَرَقِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ؟ وَإِذَا كَانَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دَمُ بَرَاغِيثَ لَمْ يَزُلْ بِالْمَاءِ وَلَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ الْبَشَرَةَ هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَيَجِبُ غَسْلُ الدَّمِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ رَمْيُ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَيْتَةً، وَرَمْيُهَا فِيهِ حَيَّةً خِلَافُ الْأَوْلَى، خِلَافًا لِجَمْعٍ؛ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْعِمَادِ، وَيَجُوزُ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ؛ حَيْثُ لَمْ يَلْزَم مِنْهُ إمْسَاكُ جِلْدِهَا فِيهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَبَثٌ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، وَكَذَا إنْ رَآهُ فِيهِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَيُعْفَى عَنْ الْوَنِيمِ الْمَذْكُورِ. وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَيُعْفَى عَنْ اخْتِلَاطِ مَائِهِ بِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِاللَّبِنِ الْمَعْجُونِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ قَوْلِهِ:(بِنَاءُ الْمَسْجِدِ) يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بِهِ ثُمَّ وَقَفَهُ مَسْجِدًا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْبِنَاءِ وَهُوَ مُتَّجِهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ مِنْ أَنْ تُنْشَدَ الضَّالَّةُ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا ضَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ؟ أَوْ هُوَ عَامٌّ فِيمَا ضَلَّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِوَضْعِ الْمَسْجِدِ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْإِضْلَالُ فِيهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، وَلِكَوْنِ الْعِلَّةِ ذَلِكَ نُدِبَ أَنْ يُقَالَ لَهُ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ بِمَسْجِدٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُ النَّاسِ بِهَا أَوْ مَنْ قَصَدَ مَكَانَهَا فَقَطْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ إزَالَتُهَا فَوْرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِهَا، وَعِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ:

ص: 175

وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إزَالَةُ بُصَاقٍ رَآهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ كَمَنْ رَأَى نَجَاسَةً فِيهِ أَيْ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا كَذَرْقِ الطَّيْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا إزَالَتُهَا فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ، انْتَهَتْ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ مَسْجِدٍ لَا مُرْتَفَقَ لَهُ إلَّا مَحَلٌّ بِرَحْبَتِهِ يَبُولُ النَّاسُ فِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هَذَا حَادِثٌ مَمْنُوعٌ عَنْهُ أَوْ أَصْلِيٌّ اسْتَثْنَاهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي عُرِفَ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَهَلْ يَسُوغُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، يَجُوزُ بَقَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا جُذُوعًا عَلَى جِدَارِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ هَلْ وُضِعَتْ بِحَقٍّ أَوْ لَا - أَبْقَيْنَاهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهَا بِحَقٍّ، فَلَا تُزَالُ إلَّا إنْ عُرِفَ تَعَدِّي وَاضِعِهَا، وَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ حَكَمُوا فِيهَا بِبَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ تَعَدِّي وَاضِعِهِ، فَكَذَا هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَعَدِّي النَّاسِ بِذَلِكَ فَيُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَفْتَى أَبُو مَخْرَمَةَ بِأَنَّ الْجِرَارَ وَالْخَوَابِيَ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فِيهَا الْمَاءُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِلشُّرْبِ أَوْ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ - يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى مَا عُهِدَ فِيهَا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَمَحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ، وَكَأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ كَذَلِكَ اهـ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ رحمه الله بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَسْجِدٌ فِيهِ قَنَاةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ إلَى أَمَاكِنَ، وَفِيهِ مَكَانٌ تَصْلُحُ مِنْهُ الْقَنَاةُ بِوَضْعِ الزِّبْلِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْقَنَاةَ عُمِّرَتْ قَبْلَ الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْدَهُ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عُمِّرَتْ قَبْلَهُ؛ فَلَيْسَ لِنَاظِرِهِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ إدْخَالِ الزِّبْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُكَلَّفُ أَصْحَابُ الْقَنَاةِ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَكْفِي اسْتِمْرَارُ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْوِيلَهُ عَلَى الْقَرِينَةِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ مَرَّ مُسَافِرٌ بِخَابِيَةِ مَاءٍ مُسَبَّلٍ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَحُكْمُ الْقَرِينَةِ هُنَا؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ وَضْعِ الْخَابِيَةِ بِطَرِيقِ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لِشُرْبِهِ لَا لِوُضُوئِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ بِمَسْجِدٍ هَلْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُ النَّاسِ بِهَا أَوْ بِمَحَلِّهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ إزَالَتُهَا فَوْرًا، وَمَتَى قَصَّرَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَرَاخَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَمَنْ رَأَى مُصَلِّيًا بِنَجَسٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ - لَزِمَهُ إعْلَامُهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ نَاسٍ لَهُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ - أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يُسَنُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْلَامُهُ بَلْ يُسَنُّ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا اعْتَادَهُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ عَقْدِ حِلَقِ الذِّكْرِ وَالْجَهْرِ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ هَلْ فِيهِ كَرَاهَةٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ نَحْوَ:«وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَلَّذِي فِي الْمَلَإِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْرٍ، وَكَذَا حِلَقُ الذِّكْرِ وَطَوَافُ الْمَلَائِكَةِ بِهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ: «مَرَّ بِرَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَائِيًا، قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ أَوَّاهٌ وَأُخْرَى اقْتَضَتْ طَلَبَ الْإِسْرَارِ؛» بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، كَمَا جَمَعَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الطَّالِبَةِ لِلْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالطَّالِبَةِ لِلْإِسْرَارِ بِهَا؛ فَحِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ أَلْبَتَّةَ؛ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ بَلْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إمَّا صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ خَبَرَ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ، كَمَا لَا يُعَارَضُ أَحَادِيثُ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ بِخَبَرِ «السِّرُّ بِالْقُرْآنِ كَالسِّرِّ بِالصَّدَقَةِ» ، وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى بِهِ مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ.

وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى لِلسَّامِعِينَ؛ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ؛ فَكَذَلِكَ الذِّكْرُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.

وقَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] الْآيَةَ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَآيَةِ الْإِسْرَاءِ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] وَقَدْ نَزَلَتْ حِينَ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فَيَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ؛ فَيَسُبُّونَ الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، فَأُمِرَ بِتَرْكِ الْجَهْرِ؛ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ كَذَلِكَ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى، أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَبِأَنَّ بَعْضَ شُيُوخِ مَالِكٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِمَا حَمَلُوا

ص: 176