الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَهُ قَدْ أَسْقَطَتْ الْفَرْضَ، فَكَذَلِكَ هُنَا، هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْفِعْلِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالْغُرُوبِ أَوْلَى اهـ.
وَمَا رَجَّحَهُ فِي الْخَادِمِ مُتَّجِهٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَيْضًا بِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْإِمْسَاكِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَيْسَ بِصَوْمٍ حَقِيقِيٍّ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِمْسَاكِ قَدْ عُهِدَ وُجُوبُهُ فِي الصَّوْمِ فِي نَحْوِ مَنْ أَصْبَحَ وَقَدْ نَسِيَ النِّيَّةَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ وُلِدَ أَصَمَّ أَعْمَى أَخْرَسَ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ؛ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بَعْدَ عِلْمٍ فَحَيْثُ انْتَفَى عَنْ هَذَا الْعِلْمُ بِالشَّرْعِ مِنْ أَصْلِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
[بَابُ الْأَذَانِ]
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ نَصَّ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ الْإِقَامَةِ
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوَّلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عَقِبَ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ. .. إلَخْ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ؛ فَإِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَأَبْلِغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ فِي الْجَنَّةِ، دَخَلَ فِي شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَوْ نَالَتْهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَالنُّمَيْرِيُّ وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْمُسْتَجْمِعَةِ الْمُسْتَجَابِ لَهَا، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَزَوِّجْنَا مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، قُلْنَ الْحُورُ الْعِينُ: مَا كَانَ أَزْهَدَك فِينَا. رَوَاهُ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ وَالنُّمَيْرِيُّ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ جَمَاعَةٍ مُقِيمِينَ بِبَعْضِ الْقُرَى يُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَسْجِدِهَا، وَيُؤَذِّنُ بَعْضُهُمْ قُبَيْلَ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَذَانَ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْمَعْرُوفِ مِنْ اللَّيْلِ، فَهَلْ يُجْزِئُ - أَيْ: ذَلِكَ الْأَذَانُ الثَّانِي - عِنْدَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ
وَإِذَا أَذَّنَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ هَلْ تَحْصُلُ لَهُ الْفَضِيلَةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ - مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ سَمِعُوهُ مَا حَضَرَ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ -
؟ وَإِذَا أَذَّنَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ يُجْزِيه أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ؛ كَمَا وَرَدَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَهَلْ تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ لِلْأَوَّلِ وَالْآخِرِ جَمِيعًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: يُجْزِيه الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَذَانِ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَذِّنَ مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَرَّةً بَعْدَهُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَإِذَا أَذَّنَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ؛ فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُقِيمِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَطْ كَفَاهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى وَإِسْمَاعُ الْحَاضِرِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ بِصَوْتٍ عَالٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانُوا لَوْ سَمِعُوهُ لَحَضَرُوا أَمْ لَا. وَاَلَّذِي وَرَدَ عَنْ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الْأَذَانَ لِإِسْمَاعِ النَّاسِ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّا لَوْ سَمِعَ بَعْضَ الْأَذَانِ هَلْ يُجِيبُ فِيهِ فِيهِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ؛ فَإِذَا سَمِعَ مِنْ آخِرِهِ فَهَلْ يُجِيبُ فِيهِ ثُمَّ يُعِيدُ جَوَابَ مَا مَضَى، ثُمَّ يَدْعُو، أَوْ يَبْتَدِئُ الْجَوَابَ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يُتِمَّهُ، ثُمَّ يَدْعُوَ؟ وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ
وَإِذَا سَمِعَ الْمُتَوَضِّئُ الْأَذَانَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا
وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَهَلْ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ، أَوْ لَا وَهَلْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَسْنُونَةٌ قَبْلَ الْأَذَانِ كَمَا هِيَ بَعْدَهُ، أَوْ لَا وَهَلْ الْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِي سَنِّهَا، أَوْ لَا وَهَلْ يُسَنُّ أَنْ يُقَالَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْأَذَانِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ لَا وَهَلْ يُنْهَى عَنْهُ وَعَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام -
قَبْلَ الْأَذَانِ، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَوْ سَمِعَ بَعْضَهُ أَجَابَ فِيهِ، وَفِيمَا لَا يَسْمَعُهُ تَبَعًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي إجَابَتِهِ فِي التَّرْجِيعِ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ، انْتَهَتْ، وَظَاهِرُ عَطْفِهِمْ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ: أَجَابَ فِيهِ وَفِيمَا لَا يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيبَ فِيمَا سَمِعَهُ آخِرًا، ثُمَّ يُعِيدَ جَوَابَ مَا مَضَى، ثُمَّ يَدْعُوَ، وَأَنْ يُجِيبَ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَوَّلِهِ، ثُمَّ يُتِمَّهُ فَتَحْصُلَ السُّنَّةُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ تَبَعًا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَغِلَ حَالَ الْإِجَابَةِ بِشَيْءٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ مِنْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَثَلًا، ثُمَّ أَجَابَ مَا قَبْلَهَا حِينَئِذٍ كَانَ مُشْتَغِلًا عَنْ إجَابَةِ مَا يَسْمَعُهُ بِغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِإِجَابَةِ مَا يَسْمَعُهُ إلَى أَنْ فَرَغَ، ثُمَّ أَجَابَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْأَكْمَلَ حِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنَّهُ يُجِيبُ مَا سَمِعَهُ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ أَجَابَ، مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ. .. إلَخْ وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَافَقَ فَرَاغُ وُضُوئِهِ فَرَاغَ الْمُؤَذِّنِ: بِأَنَّهُ يَأْتِي بِذِكْرِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ بِذِكْرِ الْأَذَانِ قَالَ: وَحَسُنَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَهَادَتَيْ الْوُضُوءِ، ثُمَّ بِدُعَاءِ الْأَذَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ اهـ.
، وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا كَمَا عَلِمْت، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِجَابَةِ حَالَ الْوُضُوءِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْوُضُوءَ وَيُجِيبُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ، ثُمَّ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الطَّوَافِ؛ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ لِلطَّائِفِ؛ كَالتَّالِي، وَالْمُدَرِّسِ قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ لِلْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ، وَالْإِجَابَةُ تَفُوتُ. وَوَجْهُ قِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى الطَّوَافِ؛ أَنَّ كُلًّا لَهُ أَذْكَارٌ فِي أَثْنَائِهِ؛ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، فِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ نَدْبِهِ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ لَا تَخْلُو عَنْ كَذَّابٍ، أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ، وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَالْإِرْشَادِ فَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ الْمُتَّفَقُ عَلَى نَدْبِ ذِكْرِهِ يُسَنُّ لَهُ قَطْعُهُ إلَى فَرَاغِ الْإِجَابَةِ، فَأَوْلَى الْوُضُوءُ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ فَهَلْ يُرَاعِي ذِكْرَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَدْبِهِ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْإِجَابَةِ،، أَوْ يُرَاعِيهَا فَيُقَدِّمُهَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، لَكِنْ الْأَوْجَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا آكَدُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَدْبِهَا بِخِلَافِ أَذْكَارِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا تَقْدِيمُ ذِكْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَلَى الْإِجَابَةِ، قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الذِّكْرَ عَقِبَ الْوُضُوءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، كَالذِّكْرِ عَقِبَ الْأَذَانِ فَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ مَا هُوَ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهَا بِكَمَالٍ آخَرَ عَقِبَ فَرَاغِهَا، وَهُوَ أَكْمَلُ مِمَّا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ؛ وَأَمَّا ذِكْرُ الْأَذَانِ فَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ؛ فَلِذَا أَخَّرَهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ الْوُضُوءِ؛ وَأَمَّا ذِكْرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَمُخْتَلَفٌ فِي نَدْبِهِ؛ بَلْ الرَّاجِحُ عَدَمُ نَدْبِهِ كَمَا مَرَّ
فَإِذَا تَعَارَضَ هُوَ وَالْإِجَابَةُ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّهُمَا مَنْدُوبَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَمِمَّا جَاءَ بِهِ ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ تَعَالَى لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ هُوَ أَنَا، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ سَأَلَهَا لِي حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَخَبَرُ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا: «مَنْ قَالَ - حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي -: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنْهُ رِضًا لَا سَخَطَ بَعْدَهُ؛ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ.» وَفِي رِوَايَةٍ - فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ -: «مَنْ قَالَ - حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ -: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَأَعْطِهِ الْوَسِيلَةَ وَالشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي.» وَخَبَرُ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ - إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُقِيمُ - اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآتِهِ سُؤْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَانَ يُسْمِعُهَا مَنْ حَوْلَهُ، وَيُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ
ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ؛ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ:«كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ عِنْدَ هَذَا النِّدَاءِ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِيهِمَا صَدَقَةُ السَّمِينُ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ الثَّانِي: مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ. أَنَّهُ يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ حَالَ سَمَاعِهِ الْأَذَانُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ وَمُقَيَّدٌ وَهُمَا مُطْلَقَانِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا، وَمَعْنَى حَلَّتْ: وَجَبَتْ، كَمَا صَحَّ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ. فَمُضَارِعُهُ: تَحِلُّ؛ بِكَسْرِ الْحَاءِ،، أَوْ اسْتَحَقَّتْ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِ، فَمُضَارِعُهُ بِضَمِّهَا؛ لَا مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلَامُ " لَهُ " بِمَعْنَى: عَلَى؛ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: حَلَّتْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِقَائِلِ ذَلِكَ؛ أَعْظَمُهَا - أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ شَفَاعَتَهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ مَخْصُوصَةٌ؛ إذْ شَفَاعَتُهُ صلى الله عليه وسلم الْعَامَّةُ تَشْمَلُ مُذْنِبِي أُمَّتِهِ قَبْلُ، وَلَا يَنَالُ هَذَا الثَّوَابَ إلَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا مُسْتَحْضِرًا إجْلَالَهُ صلى الله عليه وسلم، لَا مَنْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَنَحْوِهِ.
وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْحُفَّاظِ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَوْ أَخْرَجَ الْغَافِلَ اللَّاهِي لَكَانَ أَشْبَهَ. وَفَائِدَةُ طَلَبِ الْوَسِيلَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ يَرْجُوهَا، وَرَجَاؤُهُ لَا يَخِيبُ - عَوْدُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ عَلَيْنَا؛ بِامْتِثَالِ مَا أُمِرْنَا بِهِ فِي جِهَتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ؛ حَيْثُ يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبَ الْعَبْدِ الْمُحْتَاجِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي صَلَاتِنَا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّهَا لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الْجَلِيلَةِ؛ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاعْتَنِ بِحِفْظِهِ وَتَحْقِيقِهِ. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ، وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ.
(فَائِدَةٌ) قَدْ أَحْدَثَ الْمُؤَذِّنُونَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَقِبَ الْأَذَانِ لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ؛ إلَّا الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى الْأَذَانِ؛ وَإِلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ غَالِبًا لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَكَانَ ابْتِدَاءُ حُدُوثِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ وَبِأَمْرِهِ فِي مِصْرَ وَأَعْمَالِهَا. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمَخْذُولَ لَمَّا قُتِلَ أَمَرَتْ أُخْتُهُ الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي حَقِّ وَلَدِهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الطَّاهِرِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ السَّلَامُ عَلَى الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ إلَى أَنْ أَبْطَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ وَجَعَلَ بَدَلَهُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنِعْمَ مَا فَعَلَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَلَقَدْ اُسْتُفْتِيَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُؤَذِّنُونَ فَأَفْتَوْا بِأَنَّ الْأَصْلَ سُنَّةٌ وَالْكَيْفِيَّةُ بِدْعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَتَانِ مُتَرَتِّبَتَانِ بِأَذَانٍ سَابِقٍ لَهُمَا فَهَلْ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَضِيلَةُ الْأَذَانِ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُؤَذِّنِ، أَوْ دُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنْ قَصَدَ الْأُولَى مَثَلًا، أَوْ صَلَّى مَعَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْأَذَانِ، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: سُقُوطُ
الطَّلَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِسُقُوطِ الْكَرَاهَةِ الْمُتَرَتَّبَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ، وَالثَّانِي: حُصُولُ فَضِيلَةِ الْأَذَانِ؛ فَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَكْفِي أَذَانٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ؛ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي فَلَا يَكْفِي الْأَذَانُ الْوَاحِدُ إلَّا عَنْ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ.
وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: تَحْصُلُ سُنَّةُ الْأَذَانِ بِظُهُورِهِ مِنْ نَحْوِ بَلَدٍ صَغِيرٍ، أَوْ مَوَاضِعَ مِنْ كَبِيرٍ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ أَصْغَى لَهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِيَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ؛ قَالَ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ - عَنْ جَمْعٍ -: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهِ سَقَطَ بِفِعْلِهِ لِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ، ثَمَّ صَوَّبَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ؛ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثَمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَصَلَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ فَرْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْخَادِمِ فَارِقًا بِأَنَّ الشِّعَارَ الْمَفْرُوضَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ، وَالْإِعْلَامَ الْمَنْدُوبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْخَمْسِ، فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أُقِيمَتْ بِمَحَلٍّ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ الشِّعَارُ لَمْ يَكْفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ هُنَا فِي الْجَانِبِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ حُصُولُهَا، قُلْت: الْقَصْدُ بِظُهُورِ الشِّعَارِ فِي الْجَمَاعَةِ تَعَدُّدُهَا بِمَحَالٍّ؛ بِحَيْثُ يَسْهُلُ حُضُورُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهَا؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى حِدَتِهِ لِتَأَتِّيه مِنْهُ؛ فَلِذَا حَصَلَتْ سُنَّتُهُ وَسَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَقَطْ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ.
وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَفِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ إلَيْهَا، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. وَأَيْضًا مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ كَوْنِهِمَا وَسِيلَةً، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ.
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا نَظِيرُ ذَلِكَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت: تَعْبِيرُهُمْ بِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ بِمَا تَقَرَّرَ يُنَافِي مَا اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ فَقَطْ قُلْت: لَا يُنَافِيه بَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ تَحْصُلُ سُنَّةُ التَّحِيَّةِ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ آخَرَ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْحُصُولِ ثَمَّ سُقُوطُ الطَّلَبِ تَارَةً وَحُصُولُ الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ أُخْرَى، فَكَذَا هُنَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ نَدْبِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا - بَعْدَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ -: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَفَرَّعَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ لِجَمْعٍ لَمْ يُسَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ نَدْبُهُ لِكُلٍّ، كَمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. وَإِذَا أَتَى بِهَا أَحَدُ الْآكِلِينَ لَا نَقُولُ لِلْبَقِيَّةِ لَا يُسَنُّ لَكُمْ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَالُ لَهُمْ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ -: سَقَطَ عَنْكُمْ حَرَجُ تَرْكِهَا فَقَطْ، وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ.
وَفِيهَا كَاَلَّذِي قَبْلَهَا أَوْضَحُ شَاهِدٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ بَلْ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْمُصْغِي إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالثَّانِي - أَعْنِي أَنَّ الْأَذَانَ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ وَثَوَابُهُ إلَّا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ - قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ -: وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ لِجَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ أُرِيدَ إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعِ مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ مَطْرُوقًا وَأُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ، أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى وَانْصَرَفُوا؛ فَيُسَنُّ حِينَئِذٍ الْأَذَانُ لَكِنْ بِلَا مُبَالَغَةٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يُوهِمَ السَّامِعِينَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَتَبِعَ فِي نَفْيِ الْمُبَالَغَةِ دُونَ أَصْلِ الرَّفْعِ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا فِي الْخَادِمِ.
وَكَذَا الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِلَا رَفْعٍ بَالِغٍ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ اهـ.
وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ التَّحْقِيقِ: وَحَيْثُ لَا يَرْفَعُ. قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَالْإِمَامَ مِنْ عِنْدِهِ، لَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَلَا قَوْلُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَيُسِرُّ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ.
أَمَّا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ فَيُسَنُّ لَهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى؛ وَلَا إيهَامَ، وَحَيْثُ
سُنَّ الرَّفْعُ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْرَهَ؛ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْرُوقٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ يَأْذَنْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ، أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَنَّ الْأَذَانُ لَهَا، وَكَيْفَ يُسَنُّ الدُّعَاءُ إلَيْهَا مَعَ كَرَاهَتِهَا وَمَعَ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ؛ إذْ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْإِسْرَارِ بِشَيْءٍ مِنْهُ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِذَاتِ الْجَمَاعَةِ؛ بَلْ الْأَمْرُ خَارِجٌ عَنْهَا، كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا غَائِبًا.
وَإِنَّمَا يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ فَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُ نَدْبَ الْأَذَانِ لَهَا كَمَا لَوْ أُقِيمَتْ فِي نَحْوِ حَمَّامٍ، وَبِأَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ عَلَى الْجَدِيدِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ؛ وَعَلَيْهِمَا فَلَيْسَ وَسِيلَةً لِلْجَمَاعَةِ، أَوْ حَقًّا لِلْجَمَاعَةِ، عَلَى مَا فِي الْإِمْلَاءِ؛ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي مَا ذَكَرُوهُ، وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. فَيُسَنُّ الرَّفْعُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِتَنْظِيرِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى؛ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) أَغْرَبَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَطَعَ بِتَحْرِيمِ إقَامَةِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ بِوِلَايَةِ سُلْطَانٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقَاطُعِ وَشَقِّ الْعَصَا وَتَفْرِيقِ الْجَمَاعَاتِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ اهـ.
كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمْعٌ، وَعِبَارَتُهُ: لَمْ يَجُزْ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِحَمْلِهَا عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوقِ؛ أَمَّا الْمَطْرُوقُ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَكَالْجَوَامِعِ فَلَا يُكْرَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا مِرَارًا. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ -: بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَطْرُوقِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَسُقْتهَا مَعَ طُولِهَا؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ سِيَّمَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا مَعَ النَّظَرِ لِمَا قَدَّمْته فِي بَيَانِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةً فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا وَثَالِثًا.
وَهَكَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالْأَوَّلِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَتَأَمَّلْ أَيْضًا رَدَّ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ. .. إلَخْ تَجِدْهُ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ أَيْضًا.
وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا -
(وَيُسَنُّ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ) وَفِي الْقَدِيمِ - عَلَى نِزَاعٍ فِي ثُبُوتِهِ - بَلْ غَلِطَ فِي التَّنْقِيحِ مَنْ أَثْبَتَهُ، لَا يُسَنُّ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ - أَيْ: الْقَدِيمِ - بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ عَمَلٌ بِقَضِيَّةِ الْأَذَانِ؛ إذْ هُوَ الدُّعَاءُ لِلصَّلَاةِ فَوَقَعَ أَذَانُ الْغَيْرِ مُجْزِئًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَهُ بِخِلَافِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ فِي الْفَائِتَةِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْهُ وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِمَّا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ؛ وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ قَوْلَهُ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ عَلَى مَا إذَا فُعِلَتْ جَمَاعَةً؛ قَالَ: لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا؛ فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، كَيْفَ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ؛ حَتَّى مِنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ حَكَى مُقَابِلَهُ قَوْلَيْنِ؛ عَدَمُ الْأَذَانِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ (وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ) كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهُ يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهَ لَهُ تَرْكُهُمَا؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا لَهُ، وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ خِلَافُهُ، ثَمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ
أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثَمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته. وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا مَرَّ. انْتَهَتْ، وَفِيهِ أَيْضًا: وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ؛ وَوُجِّهَ بِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لَهَا بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّهَا. وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِهَا أَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِهَا تَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ. انْتَهَتْ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَصْحَابِ: يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ وَحُمِلَ الْإِجْزَاءُ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّرْكِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا جَمَعْتُ بِهِ بَيْنَ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ - تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَقَامَيْنِ: إسْقَاطُ الطَّلَبِ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ؛ وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ مُتَفَرِّقَاتُ كَلِمَاتِهِمْ الْمُوهِمَةُ لِلتَّنَافِي عِنْدَ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي سِيَاقِهَا وَمَدَارِكِهَا، فَإِنْ قُلْت صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي إيجَازِهِ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَجَابَهُ وَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ بِهَذَا الْأَذَانِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إسْقَاطِ الطَّلَبِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ تَكْرَارِ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ قُلْت: كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَرْدُودٌ
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ نَدْبَ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ يَخْدِشُهُ؛ أَيْ: لِأَنَّ قِيَاسَ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا يَقْتَضِي نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ، وَلَا يُنَافِيه عَدَمُ نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُ قَصْدًا؛ وَكَلَامُنَا هُنَا فِيمَنْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُعَادَةٍ لَكِنْ سَمِعَهُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَهَلْ هَذَا الْأَذَانُ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى يُسَنَّ لَهُ إجَابَتُهُ، أَوْ لَا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَبَعِيَّتُهُ لِغَيْرِهِ لَا اسْتِقْلَالًا؛ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْت: كَانَ قِيَاسُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ تَكْرِيرُ الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ أَيْ الْمُتَوَالِيَةِ وَالْمَجْمُوعَتَيْنِ أَيْ: الْمُتَوَالِيَتَيْنِ، قُلْت: عَارَضَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَالَى بَيْنَهُمَا كَانَ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ فَلَمْ يُفْرَدْ بِأَذَانٍ ثَانٍ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ لِمَ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا. فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ؛ أَنَّ الْعَصْرَ فِي حُكْمِ التَّابِعَةِ لِلظُّهْرِ هُنَا. قَالَ: وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِنَدْبِ الْأَذَانِ لِلْكُلِّ غَلَطٌ. فَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَادِمِ هُنَا، وَفِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا. وَنَظَرُ الْإِسْنَوِيُّ فِي نَدْبِ الْأَذَانِ فِي وَقْتِ الْأُولَى؛ أَيْ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إذَا نَوَى جَمْعَ التَّأْخِيرِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ أَيْ: الْمَفْرُوضَةِ، وَفِي الْجَدِيدِ غَيْرِ الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ. وَتُقَاسُ الْفَوَائِتُ بِالْمَجْمُوعَتَيْنِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حَقًّا لِلْفَرْضِ لَا لِلْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْجَمَاعَةِ؟ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ؛ بَلْ نَفْيُ تَقَيُّدِهِ بِالْجَمَاعَةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُنْفَرِدُ، وَإِثْبَاتُ تَقَيُّدِهِ بِالْفَرْضِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمُعَادَةُ؛ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَنْقَدِحُ. .. إلَخْ فَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْقَدِحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَدَارَ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الطَّلَبِ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّوَابِ عَلَى وُقُوعِ الْأَذَانِ مِنْ كُلٍّ سَوَاءٌ الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ إلَّا فِيمَا مَرَّ فِيمَنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْجَمْعِ بِمَا قَدَّمْته. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ مَدَارَ الْإِسْقَاطِ وَالثَّوَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ اُتُّجِهَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا بِدُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَذَّنَ لَهَا، نَعَمْ، الظَّاهِرُ أَنَّ أَذَانَهُ لَا يَقَعُ لِلْجَمَاعَةِ حَتَّى يُثَابُوا عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَأْمُرُوهُ بِالْأَذَانِ لَهُمْ، أَوْ يَتَسَبَّبُوا فِيهِ وَيُؤَذِّنُ بِقَصْدِهِمْ؛ أَمَّا لَوْ أَذَّنَ بِقَصْدِ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِهِمْ وَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَأْذِينِهِ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ، أَوْ تَسَبَّبَ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى حُصُولِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِهَا مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ
اعْتَبَرُوا قَصْدَ الْمُؤَذِّنِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ كَانَ أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ وَاحِدٍ جَمِيعَ كَلِمَاتِهِ مَا عَدَا التَّرْجِيعَ؛؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ الْإِعْلَامُ، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ نَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الذِّكْرُ لَا الْإِعْلَامُ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْقِدَاحِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ، قُلْت: لَا نُسَلِّمُ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا يَرْجِعُ لِلصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ دُونَ غَيْرِهِ، فَاعْتِبَارُهُمْ الْقَصْدَ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِهِ مُطْلَقًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي مَحَلٍّ صَغِيرٍ، أَوْ مُتَعَدِّدُونَ فِي كَبِيرٍ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُؤَذِّنُ إلَّا نَفْسَهُ، وَسِرُّهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إنْ كَانَ نُصِّبَ لِلْأَذَانِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ أَذَانِهِ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنَصَّبْ لَهُ، أَوْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَيَبَرُّ لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن جَمَاعَةً وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَقَعَ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي فَضَاءٍ مُنْفَرِدًا، مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ: صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنَظِيرِهِ؛ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي حَلْقَةِ ذِكْرٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَا لَوْ جَلَسَ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَحَلَفَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ صلى الله عليه وسلم بِكَوْنِ الرَّوْضَةِ مِنْ الْجَنَّةِ.
أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُصَلِّي فِي الْفَضَاءِ وَالْجَالِسِ فِي الْحَلْقَةِ، أَوْ الرَّوْضَةِ لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا فِي الْجَنَّةِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا حَقِيقَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَهُ؛ هَلْ هُوَ مَعَ اقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي عَيْنِ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَتَعَبَّدُونَ وَرَاءَهُ لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَةُ صَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ، أَوْ يَدْعُونَ لَهُ؟ إذْ الصَّلَاةُ لُغَةً: الدُّعَاءُ؛ فَلَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا دَرْكُ ذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ نَزَّلْنَاهُ مُنْفَرِدًا.
وَقُلْنَا: لَيْسَ لَك أَنْ تَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ فَعَلْت بَطَلَتْ صَلَاتُك؛ لِأَنَّك مُنْفَرِدٌ يَقِينًا، وَالِاقْتِدَاءُ بِك مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَك نِيَّةُ الْإِمَامَةِ مَعَ الشَّكِّ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَنِي اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْمُنْفَرِدِ إذَا صَلَّوْا بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الْجَمَاعَةُ هَلْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ؛ أَخْذًا مِنْ. قَوْلِ الْإِسْنَوِيّ؟
(وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ) أَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ.
وَإِنَّمَا يُقَالُ: إنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ وَحْدَهُمْ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَجَاءَ شَخْصٌ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجَمَاعَةَ بِأَذَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ أَذَانٍ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْخُذُ حُكْمَ أَذَانِهِمْ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ؛ وَهِيَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا: هَلْ الْأَذَانُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: الثَّانِي؛ وَمِنْ ثَمَّ يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ.
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهَا يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ بَلْ لِإِثْبَاتِهِ؛ إذْ هَذَا هُوَ شَأْنُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا، وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَنَّهُ: إنْ كَانَ سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ.
وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَأَكَّدُ حَتَّى لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ، أَوْ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ