المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صلاة الجمعة] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[باب صلاة الجمعة]

تَعَارَضَ الْقَصْرُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُسَافِر وَالْجَمَاعَةُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهَا إلَّا وَرَاءَ مُتِمٍّ فَمَا الْأَفْضَلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَمَاعَة فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْقَصْرُ سُنَّةٌ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ السُّنَّةِ وَأَيْضًا فَأَبُو حَنِيفَةَ الْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ الِاقْتِدَاءَ بِمُتِمٍّ فَانْدَفَعَتْ مُرَاعَاةُ خِلَافِهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَالْفِطْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الرُّخَصِ الْمُبَاحَة إذَا كَانَ الْغَرِيمُ ظَاهِرًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ مَنْ وَجَدَهُ مَثَلًا قَتَلَهُ وَأَسَرَهُ وَنَهَبَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُسَافِر الْإِقْدَام عَلَى مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ.

وَيَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّص بِجَمِيعِ الرُّخَصِ الْمُبَاحَة أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ وَلَا يَحِلُّ مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلْ ارْتِكَابُ مِثْلِ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ أَمْ لَا وَمَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَكُمْ فِي التَّرْجِيح أَيْضًا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِبَلْدَةٍ وَكَانَ بِنِيَّةِ الِارْتِحَالِ كُلَّ وَقْتٍ مِنْهَا فَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ كَالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَمْ لَا وَأَيْضًا قَدْ سُئِلَ الْمَمْلُوكُ فِي إقَامَته هَذِهِ فِيمَا إذَا شَرِبَتْ الْأَرْضُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مَثَلًا وَكَانَ لَا يَصْلُحُ وَيَحْسُنُ بَذْرُهَا إلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ اتَّفَقَ فِي الْيَمَنِ فِي السَّنَةِ هَذِهِ وَكَانَ أَهْلُهَا أَيْ: الْأَرْضُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَذْرِهَا لِشِدَّةِ الْجُوعِ وَالظَّمَإِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ أَوْ لَا. وَهَلْ الْأَرْبَعُ رَكَعَات الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ هِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ أَوْ هِيَ غَيْرُهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ غَلَبَ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ أَخْذُ الْفِرِنْجِ وَأَسْرُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ حَرُمَ السَّفَرُ فِيهِ وَكَانَ مَعْصِيَةً فَلَا يُبَاحُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَالْإِلْقَاءُ بِالنَّفْسِ إلَى الْهَلَاكِ كَبِيرَةٌ بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِي الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَمَنْ كَانَ سَفَرُهُ سَفَرًا يُبِيحُ الرُّخَصَ بِالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَنَحْوِهِمَا فَأَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُ قَضَاءَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَيُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ وَيَفْعَلَ سَائِرَ رُخَصِ السَّفَرِ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُبَاحُ الْفِطْرُ لِنَحْوِ الْحَرَّاثِ وَالضَّمَّامِ وَهُوَ مَنْ يَقْطَعُ الزَّرْعَ إذَا يَبِسَ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ فِعْلُهُ لَيْلًا وَلَا تَأْخِيرُهُ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الدَّوَابِّ فَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحُوا فِي الْفِطْرِ لِإِنْقَاذِ مَالٍ مُشْرِفٍ عَلَى تَلَفٍ وَهَذَا مِنْهُ.

وَبِفَرْضِ وُقُوعِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْفِطْرِ فِيهَا عَلَى مَا أَشَرْت إلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّأْخِيرُ لَيْلًا أَوْ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ وَسُنَّةُ الزَّوَالِ أَرْبَعٌ وَهِيَ غَيْرُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ أَيْضًا وَكَانَ صلى الله عليه وسلم رُبَّمَا جَمَعَ وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِحَسَبِ فَرَاغِهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتِغَالِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ جَمَاعَةٍ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَإِمَامُهُمْ قَارِئٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُحْسِنُهَا فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ حَيْثُ كَانَ إمَامُهُمْ قَارِئًا أَمْ لَا تَصِحُّ وَأَنَّا رَأَيْنَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ كَلَامًا لَمْ يُفْهَمْ الرَّاجِحُ مِنْهُ فَبَيِّنُوا لَنَا مَا هُوَ الرَّاجِحُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا وَبَعْضُهُمْ قَارِئًا فَإِنَّ جُمُعَتَهُمْ لَا تَصِحُّ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَعْرِفُ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْضُهُمْ يَعْرِفُ آخِرَهَا فَإِنَّ جُمُعَتَهُمْ لَا تَصِحُّ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا تُشْرَطُ لِصِحَّتِهَا وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ لَزِمَتْهُمْ كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ -

ص: 233

عَمَّا إذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ مَسْجِدٌ ثُمَّ تَعَطَّلَ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَوْ لِكَوْنِ مَا حَوْلَهُ مُتَعَطِّلًا فَأَرَادُوا أَنْ يَعْمَلُوا مَسْجِدًا آخَرَ وَالْمَسْجِدُ الثَّانِي تَحْضُرُهُ الْجَمَاعَة فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ الْكَثِيرَةِ فِي الْبَلَدِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَلَا حَجْرَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَعْدِيدُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ إلَّا إذَا ضَاقَ مَسْجِدُهَا عَنْ أَهْلِهَا فَلَهُمْ حِينَئِذٍ بِنَاءُ مَسْجِدٍ آخَرَ وَإِقَامَةُ جُمُعَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَسِعَهُمْ مَسْجِدُهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِأَجْلِ إقَامَةِ جُمُعَةٍ أُخْرَى فِيهِ لِامْتِنَاعِهَا حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِيمَنْ أَدْرَكَ إمَامَ الْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَة. بَعْدَ أَنْ فَارَقَهُ الْقَوْمُ فِيهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَهَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِصَلَاتِهِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَقَطْ فَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْأُولَى مَعَ أَرْبَعِينَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةَ الْإِمَامِ الثَّانِيَة وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَة مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَلَا نَظَرَ لِمُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِينَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِيهِمْ بَاقٍ إلَى انْقِضَاءِ الْجُمُعَةِ وَكَأَنَّهُمْ بَاقُونَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ نَعْلَمْ الرَّاجِحَ فَأَيُّهُمَا نَعْمَلُ بِقَوْلِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ بِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله وَجَزَاهُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خَيْرًا فَإِنَّهُ الْحَبْرُ الْحُجَّةُ الْمُطَّلِعُ الْمُحَرِّرُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْدَلُ عَمَّا رَجَّحَهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ كَانَ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ الْخَطِيبَ خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ هَلْ يُعَدُّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنْ يُعْتَدّ بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَتَنْعَقِدُ بِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ.

وَكَوْنُهُ حَالَةَ السَّمَاعِ عَلَى هَيْئَةٍ تُنَافِي الصَّلَاةَ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ اشْتِرَاطِ سَمَاعِهِمْ اتِّعَاظُهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَ فِي الْجُمْلَةِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ وَمَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَامَتِهَا الْمَسْجِدُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَوْ أَقَامُوهَا فِي فَضَاءٍ بَيْنَ الْعُمْرَانِ صَحَّتْ.

فَإِنْ قُلْت عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالسَّمَاعِ وَبَعْضُهُمْ بِالْحُضُورِ وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ يَجْتَمِعَانِ فِي حَاضِرٍ يَسْمَعُ. وَتَنْفَرِدُ الْأُولَى فِي حَاضِرٍ أَصَمَّ وَالثَّانِيَةُ فِي بَعِيدٍ يَسْمَعُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا قُلْت هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ السَّمَاعُ فَلَا عُمُومَ وَلَا خُصُوصَ وَقَوْلُ الشَّاشِيِّ لَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ حَتَّى لَوْ كَانُوا صُمًّا كَفَى حُضُورُهُمْ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَإِنْ تَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْت

قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمُعَةِ مُبَاهَاةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِحُضُورِهِمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى صِفَات الْكَمَالِ فَيَخْرُجُ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِحُضُورِهِ وَلَا سَمَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ أَهْلِ الْكَمَالِ. قُلْت هَذَا الَّذِي قِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِكْمَةً لِأَصْلِ الِاجْتِمَاعِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَتَخْصِيصه بِخُصُوصِيَّاتٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حِكْمَةٌ لِأَصْلِ الِاجْتِمَاعِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ جَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ إنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى. وَنُصَلِّي وَنَشْكُرُهُ فَجَعَلُوهُ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ وَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَاشْتِرَاطُ حُضُورِهِمْ وَسَمَاعِهِمْ لِأَرْكَانِ الْخُطْبَةِ

ص: 234

فَلَيْسَ أَمْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ مُطْلَقِ الْعَدَدِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مِنْ الْوَاحِدِ لَعَلَّهُ غَلَطٌ وَإِنْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوع أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ وَطَالَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَدْنَاهَا يُشْتَرَطُ اثْنَانِ وَأَعْلَاهَا يُشْتَرَطُ ثَمَانُونَ.

وَمَحَلُّ بَسْطِ الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِنَا كُتُبُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ وَفَّى بِمَا فِيهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَأَتَمَّهُ وَأَعَمَّهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته مِنْ الِاعْتِدَادِ. بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَائِدَةً أَغْرَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ وَسَتْرٍ حَالَ الْخُطْبَةِ كَالْخَطِيبِ وَكَلَامُ الْإِمَام يُفْهِمُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْجِيزِ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ.

قُلْت كَلَامُ الْجَمَاعَة سَاكِتٌ عَنْهُ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ الْكَمَالِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَوْ بِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إلَى عَدَمِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَعِلَّةُ تَوْجِيهِهِ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمْ تُرَدُّ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْإِمَامِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْكَمَالِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ دُونَ مَا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِمْ وَكَوْنُ عَدَمِ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إلَى عَدَمِ الْمُوَالَاةِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَا يَخْفَى فَاتَّضَحَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَة غَرِيبَةٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ بَلَدٍ تُسَمَّى رَاوَانَ بِهَا ثَلَاثُ قُرًى مَفْصُولَةٍ مُخْتَصَّةٍ كُلُّ قَرْيَةٍ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَةٍ وَقَرْيَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مَثَلًا فَبَنَوْا مَسْجِدًا لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي خُطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجْمِعِينَ فَصَلَّوْا فِيهِ مُدَّةً مَدِيدَةً فَحَصَلَ بَيْنَهُمْ مُقَاتَلَةٌ فَانْفَرَدَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ بِجُمُعَةٍ فِي قَرْيَتِهِمْ وَأَهْلُ الْقَرْيَتَيْنِ بَنَوْا مَسْجِدًا ثَانِيًا لِجُمُعَةٍ أُخْرَى وَيَتِمُّ الْعَدَدُ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ فَهَلْ الْجُمُعَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَوْ بَاطِلَتَانِ.

فَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَحَصَلَ بَيْنَهُمْ أَمَانٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا لِجُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى بِوُجُودِ الْأَمَانِ بَيْنَهُمْ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْحُضُورِ لِجُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلْ الْجُمُعَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَوْ بَاطِلَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى بَاطِلَةٌ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا فَهَلْ يَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إقَامَةُ جُمُعَةٍ وَإِعَادَةُ ظُهْرٍ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْقُرَى الْمَذْكُورَةُ مُتَمَايِزًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَكَانَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ لَزِمَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدِهِمْ وَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا بَلَدَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ جُمُعَةٍ فِيهَا وَيَذْهَبُوا إلَى أُخْرَى فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا إثْمًا شَدِيدًا لَكِنَّ جُمُعَتَهُمْ صَحِيحَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِذَا أَقَامَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ الْجُمُعَةَ فِي بَلَدِهِمْ خَرَجُوا عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ سَوَاءٌ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْمُتَأَخِّرَةُ.

وَإِنَّمَا يَأْتِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ عِلْمِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّعَدُّدِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ مَسْجِدٌ أَوْ فَضَاءٌ يَسَعُ أَهْلَهَا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَعَدُّدُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَحَلٌّ يَسَعُهُمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنْ زَادَ التَّعَدُّدُ عَلَى الْحَاجَةِ فَالسَّابِقَةُ إذَا عُلِمَتْ هِيَ الصَّحِيحَة وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّبْقِ رَاءُ تَكْبِيرَةِ إحْرَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ أَوْ عُلِمَتْ ثُمَّ نُسِيَتْ وَجَبَ الظُّهْرُ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ أُعِيدَتْ الْجُمُعَةُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَيُنْدَبُ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الْجُمُعَةَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ عِبَارَةِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ. وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ لَمْ يَصِحّ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ انْتَهَتْ الْمَسْئُولُ مَعْرِفَةُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْوَقْتِ فَقَدْ لَا يَعْرِفُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاء فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ فَهَلْ لَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخُطْبَتَيْنِ الِاقْتِصَار عَلَى لَفْظِ الْأَرْكَان فَقَطْ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ وَعْظٍ يُضَافُ إلَيْهَا لِتُسَمَّى خُطْبَةً؟

(فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ

ص: 235

لَا يَصِحُّ الظُّهْرُ مِمَّنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ أَقَلِّ وَاجِبٍ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَيَكْفِي فِي الْوَعْظِ اتَّقُوا اللَّهَ وَمَعَ ذَلِكَ تُسَمَّى خُطْبَةً خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِ لَا يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَخِّرُهَا أَيْ: الْجُمُعَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِإِخْبَارِهِ أَوْ بِجَرَيَانِ عَادَتِهِ بِذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الذَّهَابُ وَالْعَوْدُ وَإِدْرَاكُهُ الْإِمَامَ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَة

يَعْنِي قَبْلَ الِاعْتِدَالِ مِنْهُ جَازَ لَهُ السَّفَرُ حِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ فَرْعٌ نَفِيسٌ اهـ فَإِذَا جُوِّزَ لَهُ السَّفَرُ أَوَّلَ وَقْتِهَا اعْتِمَادًا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِتَأْخِيرِهَا بِإِخْبَارٍ أَوْ عَادَةٍ فَيُدْرِكُهَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا يُدْرِكُهَا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الظُّهْرُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوَّلَ الْوَقْتِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِإِخْبَارِ الْإِمَامِ أَوْ بِالْعَادَةِ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا بَلْ الْجَوَازُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لَا تُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَنَعْنَا مِنْهُ بِالظُّهْرِ أَوَّلَهُ ظَنًّا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقَامُ فَإِذَا أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ الظَّنِّ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَزِمَهُ إقَامَتُهَا مَعَهُمْ وَأَمَّا السَّفَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِهَا لَوْ قَدَّمُوهَا أَوَّلَهُ فَإِذَا جَوَّزُوا لَهُ السَّفَرَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُفَوِّتُهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ الَّذِي لَا يُفَوِّتُهَا بِالْأَوْلَى كَمَا تَقَرَّرَ.

وَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا سَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحِلِّ السَّفَرِ الْعِلْمُ بِإِدْرَاكِهَا قَالَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ اهـ.

وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مُرَادَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ فَإِنْ ظَنَّ كُلٌّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا فُعِلَتْ سَقَطَتْ فَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ بِالْعِلْمِ مُرَادُهُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا بَيَّنَتْهُ عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ الْمَذْكُورَةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَالِ الصَّدِيقِ إنْ عُلِمَ رِضَاهُ ثُمَّ بَيَّنُوا أَنَّ الظَّنَّ هُنَا كَافٍ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ لِلْمُعَلِّمِينَ فِي تَرْكِ التَّعْلِيم يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَثَرٌ؟

(فَأَجَابَ) أَطَالَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ حِكْمَةُ تَرْكِ التَّعْلِيم وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْغَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَرَدَ وَيَوْمُ الْعِيدِ لَا يُنَاسِبُهُ أَنْ يُفْعَلَ فِيهِ الْأَشْغَالُ وَأَيْضًا فَالنَّاسُ مَأْمُورُونَ فِيهِ بِالتَّبْكِيرِ إلَى الْمَسْجِدِ مَعَ التَّهَيُّؤِ قَبْلَهُ بِالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَجَمِيعِ مَا يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ لِمَنْ اعْتَادَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ بَقَاءُ الشَّعْرِ فَإِنَّ الْحَلْقَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ وَكَنَتْفِ الْإِبْطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالتَّكَحُّلِ وَالتَّطَيُّبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَأَفْضَلُهُ الْمِسْكُ مَعَ مَاءِ الْوَرْدِ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خُوطِبَ بِفِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مَعَ التَّبْكِيرِ بَعْدَهَا. لَا يُنَاسِبُهُ شُغْلٌ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ حِكْمَةُ تَرْكِ سَائِرِ الْأَشْغَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَذَا فِيمَا قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَالنَّاسُ مُخَاطَبُونَ بِدَوَامِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلشُّغْلِ عَلَى أَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى غُرُوبِ شَمْسِهِ لَعَلَّ أَنْ يُصَادِفُوا سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ تَرْكِ الشُّغْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جَمِيعِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ غَالِبُهُمْ أُمِّيُّونَ. وَنَحْوُ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ قُرَّاء فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْوُجُوبِ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ وَسَمِعُوا النِّدَاءَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَكَانَ بَيْنَهُمْ مُقَاتَلَةٌ فَهَلْ هُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِهَا أَوْ لَا وَهَلْ إذَا أَقَامُوهَا فِي بَلْدَتِهِمْ وَصَلَّوْا بَعْدَهَا ظُهْرًا أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ أَوْ التَّرْكُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاء مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ بِأَنْ يُخِلّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَامِّيَّ إذْ هُوَ كَغَيْرِهِ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ إمَامُهَا عَامِّيًّا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ

ص: 236

وَالصَّلَاةَ صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عُلَمَاءُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً قَالَ الْبَغَوِيّ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ الْجُمُعَةُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْبَعِينَ أُمِّيًّا وَبَعْضُهُمْ قَارِئًا أَيْ: كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً كَأَنْ أَحْسَنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُونَ اهـ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا.

وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إنْ قَصَّرُوا أَوْ قَصَّرَ بَعْضُهُمْ فِي التَّعَلُّم لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا صَحَّتْ فَيَلْزَمُهُمْ إقَامَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحّ فَيَلْزَمُ مَنْ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّم التَّعَلُّمُ حَتَّى تَصِحّ الْجُمُعَةُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهَا تُشْرَطُ لِصِحَّتِهَا وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَحَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ وَسَمِعُوا النِّدَاءَ بِشَرْطِهِ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَخْشَوْا مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَا مَالِهِمْ لَزِمَهُمْ الذَّهَابُ إلَيْهِمْ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ وَإِلَّا أَثِمُوا وَإِنْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إذَا فُقِدَ شَرْطُهَا فَلَا تَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ فَهَلْ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَذَكَّرَ حَدَثَهُ قَبْلَ دُخُولِ الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا مِنْ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَدَوْا بِالْإِمَامِ بَعْدَ الْحَدَثِ أَمْ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَة ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا امْتِنَاعه بِمَنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ بِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَوْ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّعْلِيل فِيمَنْ ابْتَدَأَ الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَة بَعْدَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ابْتِدَائِهِ الْجَمَاعَة حِينَئِذٍ أَحَدُ ذَيْنِك الشَّيْئَيْنِ الْمُمْتَنِعَيْنِ وَأَمَّا مَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الْمُحْدِثِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُمُعَتُهُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ إذْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

وَإِذَا صَحَّتْ جُمُعَتُهُ فِي صُورَتِنَا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُقْتَضَى حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ اسْتِخْلَافِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْته عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة جَوَازُ اسْتِخْلَاف أَحَدِ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَجَمَاعَتُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ بِهَذَا التَّقْرِير دَاخِلَةً فِي عِبَارَتهمْ. وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَلَا عَلَى تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ مَحْذُورٌ فَلَا يَتَّضِحُ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ هُنَا وَجْهٌ حَتَّى يُقَالَ بِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَة إلَّا فِي الثَّانِيَة فَيَجُوزُ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُتِمّ كُلٌّ جُمُعَتَهُ فُرَادَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِأَيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ فَكَيْفَ يُحْرِمُ مَنْ جَاءَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُحْرِمُ بِالظُّهْرِ فَكَيْفَ تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ شَرَحَ الْإِرْشَادَ فِيمَا وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا رحمه الله -

ص: 237

فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لَكِنْ فِي هَذَا التَّنْظِير نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إشْكَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الدَّاخِلَ يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَة؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ صُورَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحِيحَةٌ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِلَا نِزَاعٍ بِخِلَافِ أُولَئِكَ فَإِذَا كَانَ الْمُقْتَدِي ثَمَّ مُحَصِّلًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ فَكَذَا الْمُقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ.

فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ تِلْكَ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ هُنَا بِالْإِمَامِ قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ إنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ مُؤْتَمُّونَ بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ الِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا هُنَا فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَاسْتَوَى الْإِمَامُ مَعَ غَيْرِهِ فَجَازَ لِلدَّاخِلِ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي الثَّانِيَة أَتَمَّ الْخَلِيفَة ظُهْرًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ وَاقْتَدَى بِهَذَا الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ يُتِمُّ جُمُعَةً وَالْفَرْقُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْخَلِيفَة لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ إمَامٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْهُ مُدْرِكًا لَهَا وَأَمَّا الْمُقْتَدِي بِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ خَلِيفَةِ الْإِمَامِ فَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَلِهَذَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ هُوَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ اقْتَدَى بِالْخَلِيفَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ حَالٌّ مَحَلَّ الْإِمَامِ وَإِنْ لَزِمَهُ هُوَ الظُّهْرُ.

وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَيْثُ قَالَ وَعِنْدِي إنَّمَا يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ إذَا أَدْرَكَ الْخَلِيفَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَة فَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ حِينَ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اهـ. فَهَذَا اخْتِيَارٌ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْأَصْحَاب فَفِيهِ تَصْرِيحٌ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْخَلِيفَة أَمْ فِي الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَكَلَامُ الْقَاضِي السَّابِقُ يُفْهِمُهُ كَمَا عَلِمْت فَإِذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْخَلِيفَة بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْقَوْمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُرَاعَى نَظْمُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الَّتِي انْقَضَتْ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْجُمُعَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ لَمْ تَنْقَضِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُرَاعٍ لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ تَمَامِ الرَّابِطَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَقَطْ وَبَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ أَيْ: جُمُعَتُهُمْ لِفَقْدِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ مِنْ أَوَّلِ الْجُمُعَةِ إلَى آخِرهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك أَنَّهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا مَرَّ أَوَّلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا ثَمَّ بِامْتِنَاعِ الِاقْتِدَاءِ نَحْنُ قَائِلُونَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَيَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِهَا هُنَا إدْرَاكُهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا تَقَرَّرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ لِلْإِمَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ رَادًّا عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ وَلِلْمُتَطَهِّرِ أَنْ يَأْتَمّ بِالْإِمَامِ. وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ فَاتَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ فَوَاتِهِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَبَقِيَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ.

وَيَلْزَمُ مِنْ بَقَائِهَا لَهُ بَقَاؤُهَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ فَإِذَا نَوَاهَا الْمُتَطَهِّرُ وَحَصَلَتْ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ هَذَا كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْبَغَوِيِّ فَنَتَجَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَوْ بِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَوَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِهِمَا فَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ. كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ ثُمَّ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ إدْرَاكِهَا الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ وَيَنْوِي الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَأْسَ هُنَا لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْكُلِّ أَيْ: جُمُعَتِهِمْ وَبِفَرْضِ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ فَتُسْتَأْنَفُ الْجُمُعَة فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَشْكَلُوا مَا مَرَّ فِي خَلِيفَةِ الثَّانِيَة إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى بِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ

ص: 238

لَا يَجُوزُ وَغَايَةُ مَا تَمَحَّلُوا لَهُ أَنَّهُ عُذِرَ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ لَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ ظُهْرِهِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَأْبَاهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ لِلدَّاخِلِ الْجُمُعَةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا أَنْ يُقَالَ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا بِتَقْدِيرِ تَذَكُّرِ الْإِمَامِ رُكْنًا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ مَعَهُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَكَانَتْ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ عَبَثًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته عَمَّا إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادُوا إقَامَةَ جُمُعَةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْلَمُ شُرُوطَ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِمْ أَوْ لَا وَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَمَعَهُمْ أَوْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَوْ إثْمٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ أَتَى الْعَامِّيُّ بِالشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرُّكْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَلَا الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمَذْكُورِينَ إذَا كَانُوا كَذَلِكَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ. وَيُصَلِّي بِهِمْ وَمَعَهُمْ الْعَالِمُ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ بِأَنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْضَ الْأَرْكَان أَوْ الشُّرُوطِ أَوْ يَأْتُونَ بِهَا لَا عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ أَوْ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِفَرْضِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ النَّفْلِيَّةَ لَمْ يَصِحّ مِنْهُمْ جُمُعَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَلَا مَعَهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يُصَحِّحُونَ بِهِ صَلَاتَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّعَلُّمِ وَبَذْلِ أُجْرَةٍ لِمَنْ يُعَلِّمُهُمْ وَمَتَى تَرَكُوا ذَلِكَ أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ جَمِيعِ الصَّلَوَات الَّتِي صَلَّوْهَا بَعْدَ إمْكَانِ التَّعَلُّم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة وَهَلْ الطَّوَافُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ وَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِدَامَةُ الصَّلَاةِ كَابْتِدَائِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا هُنَا مِنْ إشْعَارِ الصَّلَاةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ مَوْجُودَةٌ فِي مَكَّة وَغَيْرِهَا وَعِلَّةُ النَّهْيِ إمَّا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ أَوْ مَعْقُولَته فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً هُنَا وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ثَمَّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالِاسْتِمَاعَ لَا يُنَافِيه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَالْأَشْعَارُ فِيهَا أَقْوَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ يُحْتَمَلُ حُرْمَتُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أَلْحَقُوهَا بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَتِهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهَا بِهَا ثَمَّ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا لَهَا سَبَبٌ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْفَائِتَة الْفَوْرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ اعْتَمَدَ خِلَافَهُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرهمْ بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ عَدَمُ حُرْمَةِ الِاسْتِدَامَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ اهـ.

وَإِنَّمَا حُرِّمَ التَّطْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي نَحْوِ التَّحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً بِأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ نَحْوِ الْبَصَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَصْدِ إسْقَاطِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفَارَقَ مَا لَوْ سَافَرَ بِقَصْدِ الْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ إسْقَاطَهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ بَلْ أَكْلُهُ جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ لِفَاعِلِهَا الْبُعْدَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ بِرِيحِهِ فَالْإِسْقَاطُ لَيْسَ رِفْقًا بِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ هَكَذَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِيهِمَا إسْقَاطُ صِفَةٍ أَوْ شَيْءٍ إلَى بَدَلٍ وَهُنَا فِيهِ إسْقَاطٌ لَا إلَى بَدَلٍ بِالْكُلِّيَّةِ أَمَّا الْجَمَاعَة فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَيْسَ الظُّهْرُ بَدَلًا عَنْهَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَأَيْضًا فَالْقَصْرُ وَالْفِطْرُ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بَلْ

ص: 239

أَفْضَلُ فَلَمْ يَضُرّ قَصْدُهُمَا بِخِلَافِ أَكْلِ نَحْوِ الْبَصَلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ مَكْرُوهٌ فَضُيِّقَ فِيهِ مَا لَمْ يُضَيَّقْ فِي غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَذَاكَ فِيهِ قَصْدُ تَرَخُّصٍ لَكِنْ بَعْدَ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَشَدَائِدِهِ فَلَمْ يُنْظَرْ لِلْقَصْرِ مَعَ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَهُنَا فِيهِ قَصْدُ إسْقَاطِ شَيْءٍ بِلَا مَشَقَّةٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِغَرَضِ النَّفْسِ الْمَحْضِ فَحَرُمَ وَمِثْلُ أَكْلِ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ تَعَاطِي سَائِرِ الْأَسْبَاب الْمُسْقِطَةِ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ وَحَيْثُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ أَمْكَنَهُ إزَالَةُ رِيحِهِ وَجَبَتْ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ.

(وَسُئِلَ) الْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ وَذُو الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَة هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَيُمْنَعُ مِنْ شُهُودِهِمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ الْأَبْخَرَ وَمَنْ بِهِ صُنَانٌ مُسْتَحْكِمٌ كَمَنْ أَكَلَ نَحْوَ الثُّومِ بَلْ أَفْحَشَ قَالَ وَمَنْ رَائِحَةُ ثِيَابِهِ كَرِيهَةٌ كَذَلِكَ وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ وَهُوَ مِنْ سُكَّانِ الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطَاتِ أُزْعِجَ وَأُخْرِجَ لِحَدِيثِ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» «وَأَتَاهُ صلى الله عليه وسلم مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ فَقَالَ أَمْسِكْ يَدَك فَقَدْ بَايَعْتُك» وَوَرَدَ أَنَّهُ أَكَلَ مَعَهُ. وَلَعَلَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ مَنْ بِهِ ذَلِكَ مِنْ شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمِنْ الشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَاتِ الْمُسَبَّلَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ خَلْفَ الصُّفُوفِ وَلِلْغَيْرِ مَنْعُهُ مِنْ الْوُقُوفِ مَعَهُ.

(مَسْأَلَة) هَلْ وَرَدَ قِرَاءَةُ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ فِي الْجُمُعَةِ (الْجَوَابُ) لَمْ يُحْفَظْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَ مَنْ يَقْرَؤُهُمَا فِيهَا قَوْلُ الْمَرْوَزِيِّ لَا أُحِبُّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى شَيْءٍ كَأَنْ يَقْرَأَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِالْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْعَامَّةُ وُجُوبَهُ وَحَكَوْا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ كَمَا فِي التَّوَسُّطِ. وَمَا قَالَاهُ مَفْهُومُ كَلَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْحَاب خِلَافُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّوَهُّم يَنْتَفِي بِقِرَاءَةِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك فِي جُمُعَةٍ وَالْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ فِي أُخْرَى.

(مَسْأَلَةٌ) ذَهَبَ مِنْ بَلَدِهِ لِبَلَدٍ أُخْرَى فَصَلَّى مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى أَهْلَ بَلَدِهِ لَمْ يُصَلُّوهَا وَالْعَدَدُ لَا يَكْمُلُ إلَّا بِهِ فَهَلْ يُعِيدُهَا مَعَهُمْ وَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ (الْجَوَابُ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهَا جَمَاعَةً تَكُونُ لَهُ نَفْلًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ فَيَمْتَنِعُ فِعْلُ الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) قَرْيَةٌ بَعْضُهَا بُيُوتٌ وَبَعْضُهَا خِيَامٌ لَا يَظْعَنُونَ وَبَيْنهمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ وَلَا يَتِمُّ عَدَدُ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالْفَرِيقَيْنِ فَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ (الْجَوَابُ) الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ أَنَّ أَهْلَ الْخِيَامِ لَوْ لَازَمُوا الصَّحْرَاءَ أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّحْرَاءُ فِيهِ قَيْدًا فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَعَلَيْهِ لَا تَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ الَّذِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِالْجُمُعَةِ لِذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَرْيَةٍ بِهَا كَثِيرُونَ يُقِيمُونَ بِهَا الْجُمُعَةَ وَشَعَائِر الْإِسْلَامِ ثُمَّ صَارُوا يَنْتَقِلُونَ صَارُوا إلَى مَزَارِعِهِمْ. حَتَّى خَلَتْ الْقَرْيَةُ وَعَطَّلُوهَا مِنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُمْ إلَى قَرْيَتِهِمْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ فِي الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ رَدُّهُمْ إلَى قَرْيَتِهِمْ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ وَلَا يَكْمُلُ الْعَدَدُ إلَّا بِمَنْ هُوَ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ فَهَلْ تَلْزَمُ الْكُلَّ وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا دَاخِلَ السُّورِ وَخَارِجَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِر وَكَلَامهمْ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا خَارِجَ السُّورِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ بِمُجَاوَزَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بُنْيَانٌ لَكِنَّ سُكْنَى بَعْضِهِمْ خَارِجَهُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِ إذَا أُقِيمَتْ دَاخِلَهُ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَهُ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ وَدَاخِلُهُ كَذَلِكَ فَلِلْخَارِجِينَ عَنْهُ حَيْثُ عَسِرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان دَاخِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إقَامَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِينَ مَحَلَّ سَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(سُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا صُورَتُهُ مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاء رضي الله عنهم فِي خَطِيبٍ خَطَبَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَتَى بِكُلِّ الْأَرْكَان إلَّا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمُضْمَرِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الْخُطَبَاءِ كَالْإِمَامِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَغَيْرِهِ فَهَلْ تَصِحُّ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ مُثَابِينَ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟

ص: 240

(فَأَجَابَ) سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْإِمَامُ عَلَمُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَام وَمِصْبَاحُ الظَّلَامِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ ابْنُ الْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ النَّاشِرِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَ بِهِمْ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُوَفِّقِ لِلصَّوَابِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُطَبَ قَدْ صَنَّفَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاء عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُحُولِهِمْ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ الْوَاجِبَاتِ كَالْإِمَامِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَالْإِمَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَكْثَرِ خُطَبِهِمْ إلَّا الصَّلَاةَ بِالضَّمِيرِ وَخَطَبُوا بِذَلِكَ. وَخَطَبَ بِهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَصَلَّى مَعَهُمْ كُلُّ مَوْجُودٍ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ وَبِأَحْكَامِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَلَا قَالَ بِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَوَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاء إنْكَارُهُ وَالرَّدُّ عَلَى قَائِلِهِ وَفَاعِلِهِ وَلَمْ يَسَعْهُمْ السُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ إذْ هُمْ حُجَّةُ الْأَئِمَّةِ فِي أَرْضِهِ.

وَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَنُجُومٌ لِلِاهْتِدَاءِ وَأَئِمَّةٌ لِلِاقْتِدَاءِ وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَلَوْ رَأَوْا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَظْهَرِ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبًا لَمَا جَازَ لَهُمْ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ وَلَمَا جَازَ لَهُمْ الْمُتَابَعَةِ كَغَيْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَمْ تَصِحّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَخْطُبُ بِهَذِهِ الْخُطَبِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي هَذَا الْقَرْنِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ بِسَبَبِ سُؤَالٍ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاء الْمَالِكِيَّةِ الْمُتَعَلِّقِينَ بِعِلْمِ الْأُصُولِ أَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ إلَّا عَلَى الْمُظْهَر كَالتَّشَهُّدِ.

وَاحْتَجَّ بِحُجَجٍ كُلُّهَا لَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَهُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ عُلَمَاءُ الْفَنِّ عَلَى ذَلِكَ تَعَلَّقَ أَكْثَرُهُمْ وَعَمِلُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ مِنْهُمْ فِي تَحْقِيقِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا فِيمَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ قَلَّدُوا الْمُخَالِف لِمَذْهَبِهِمْ إذْ الْمَالِكِيَّةُ لَا يُوجِبُونَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ وَيَعْتَرِضُونَ عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي إيجَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ فَكَيْفَ يُقَلِّدُونَهُ فِيمَا يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي مَذْهَبِهِمْ وَالرَّدَّ عَلَى عُلَمَائِهِمْ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ حُجَّةِ أَهْلِ مَذْهَبِهِمْ الَّتِي تَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَى الْمُخَالِف وَالِانْتِصَارَ لِمَذْهَبِهِمْ وَالذَّبَّ عَنْ الطَّعْنِ فِي عُلَمَائِهِمْ فَلَمَّا سَكَتَ عُلَمَاءُ الْيَمَنِ عَلَى ذَلِكَ وَعَمِلَ أَكْثَرُهُمْ بِمُقْتَضَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ ظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ وَالْعَوَامّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَخْطُبُ بِخُطَبِ الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَشَاعُوا فِي النَّاسِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ ظُهْرًا وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ وَمُنْكَرٌ صَرِيحٌ إذْ فِي ذَلِكَ إنْكَارٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَطَعْنٌ فِي أَقْوَالهمْ وَإِبْطَالُ تَصْدِيقهمْ فَلَمَّا وَرَدَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ أُوجِبَ الْبَحْثُ وَالْفَحْصُ عَمَّا يَكُونُ بِهِ حُجَّةَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمَا يَكُونُ بِهِ الذَّبُّ عَنْ الطَّعْنِ فِيهِمْ فَأَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ:

اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُظْهَر فِي الْخُطَبِ تَعَلَّقُوا بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى التَّشَهُّدِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ الْعُلَمَاء فِي كَلَامِهِمْ عَلَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فَقَالُوا مِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَتَعَيَّن لَفْظُهُ وَمِنْهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظِ الْحَمْدُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْكُرُ اللَّهَ أَوْ أُثْنِي عَلَى اللَّهِ بَدَلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظٍ غَيْرِ لَفْظِ الصَّلَاةِ مِثْلِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. وَلَا يَجُوزُ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمُحَمَّدٍ أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ إنْ كَانَ قَدْ مَرَّ لَهُ ذِكْرٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَدَلَ لَفْظِ الصَّلَاةِ أَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِتَعَيُّنِ اللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُظْهَر فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُظْهَر فِي التَّشَهُّدِ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ «سُؤَالُ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا

ص: 241

السَّلَامُ عَلَيْك فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ»

إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَاخْتَصَّ بِالصَّلَاةِ إذْ لَا عُمُومَ وَأَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم يَقْتَضِي الْوُجُوبَ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَنَقَلَهُ عَنْهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطَبِ فَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِي الْخُطَبِ الَّتِي هِيَ الْمَنْسُوبَةُ إلَى فُحُولِ الْعُلَمَاء الصَّلَاةُ بِالْمُضْمَرِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَعَمِلَ أَكْثَرُ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالْخُطْبَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاء اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ آخِرَ التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرُوا وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَذَكَرُوا أَقَلَّهُ الْمُجْزِئَ مِنْهُ وَكَانَ الصَّلَاةُ عَلَى الظَّاهِر أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ التَّشَهُّدِ وَلَوْ أَتَى بِالْمُضْمَرِ لَمْ يَصِحّ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ تَمَّ وَهَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُضْمَرِ عَائِدًا إلَى الْمُظْهَر قَبْلَهُ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ.

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ أَنَّهُ أَيُّ لَفْظٍ أَتَى بِهِ الْخَطِيبُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَجْزَأَهُ وَعَلَى هَذَا مَضَى أَهْلُ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَهُوَ الْمَوْجُود فِي جَمِيعِ خُطَبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ وَلَا إنْكَارٍ وَنَقُولُ إنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ يَتَعَيَّنُ وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلْحَمْدِ لَفْظًا مُتَعَيَّنًا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ مَخْصُوصًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بَلْ أَيُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالتَّعْيِينِ الِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ لَفْظِ الْحَمْدِ كَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلًا. وَكَذَلِكَ نَقُولُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَيَّنُ.

وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلصَّلَاةِ لَفْظًا مُتَعَيَّنًا مِنْ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ مَخْصُوصًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بَلْ الْمُرَادُ بِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ لَفْظٍ غَيْرِ لَفْظِ الصَّلَاةِ كَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلًا فَعَلَى هَذَا أَيُّ لَفْظٍ أَتَى بِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا إذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُضْمَرِ وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَظْهَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ.

وَتَخْصِيصه صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُضْمَرِ وَكَوْنِهِ الْأَوْلَى قَوْلُ اللَّهِ عز وجل {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَلَمْ يَقُلْ صَلُّوا عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَا عَلَى النَّبِيِّ وَكَانَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِأَفْصَحِ لِسَانٍ وَأَبْلَغِ بَيَانٍ أَوْلَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُضْمَرِ أَوْلَى عِنْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ عِنْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَمِعِينَ لِلْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لَا تَكُونُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعُهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا عَلَى مُضْمَرٍ عَائِدٍ عَلَى مُظْهَرٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ وَأَوْلَى مَعَ جَوَازِ الْجَمِيعِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَأَجَابَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَقُدْوَتُنَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بُرْهَانُ الدِّينِ أَوْحَدُ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ وَبَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ مُطَيْرٌ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَتَقْرِيره مَنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ؟

فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَنْصَارِ دِينِ اللَّهِ وَبَعْدُ فَقَدْ وَرَدَ سُؤَالٌ عَلَى شَيْخِ شُيُوخِنَا الْإِمَامِ الْعَلَّامَة حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَهْذَلِيِّ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا قَوْلُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَعْنِي إظْهَارَ الِاسْمِ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ

ص: 242

بِالضَّمِيرِ كَمَا هُوَ وَضْعُ الْخُطَبِ الْمُصَنَّفَات لِلْجُمَعِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: الْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُسْتَوْفِيًا طَرَفَيْهَا سَبَقَ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلًا وَذِكْرُ نَعْتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَفَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالضَّمِيرِ لِعَوْدِهِ عَلَى مُظْهَرٍ وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَحْرَى حِينَئِذٍ مِنْ الْإِظْهَار إذْ الْإِظْهَار يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْإِضْمَار فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَوْدِهِ عَلَى الْمَذْكُورِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّ الْمُرَجَّح عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ اشْتِرَاطُ الْإِظْهَار اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالضَّمِيرِ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. وَأَمَّا إذَا خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُخْتَصَرَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَ الْإِظْهَار لِلِاسْمِ وَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِظْهَار فَهُوَ وَهْمٌ وَغُلُوٌّ فِي الْجَرْيِ عَلَى الظَّاهِرِ كَعَادَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ بِمُجَرَّدِ مَفْهُومٍ بَعِيدٍ شَاذٍّ لَوْ قِيلَ بِهِ لَزِمَ مِنْهُ إبْطَالُ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْجُمَعِ فِي أَعْصَارٍ وَقُرُونٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ وَذَلِكَ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ الْبَوَارِدِ الَّتِي لَا يُرِيدُهَا الْمُصَنِّفُونَ وَيَسْتَرْسِلُ بِهَا فِي التَّعَلُّق بِهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ رحمه الله وَنَفَعَ بِهِ وَبِكَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى فُحُولَتِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه وَأَصْحَابه مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَافِقِينَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ بِالتَّقْلِيدِ بِحُكْمِ الِاعْتِقَادِ الْمَشْهُورِينَ بِالتَّصَانِيفِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ فِيمَا غَبَرَ مِنْ الدُّهُورِ وَالْآحَادِ لَمْ يَشْتَرِطُوا التَّصْرِيحَ بِاسْمِهِ صلى الله عليه وسلم ظَاهِرًا بَلْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا خَفَاءَ فِيهِ قَالَ فِي التَّفْقِيهِ وَقَدْ تَعَجَّبَ بَعْضُ الْمُتَأَخَّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ كَوْنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ وَالْخُطْبَةُ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الصَّلَاةِ تَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهَا فَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ مُجْمَلَةً وَقَالُوا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر.

وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْخَطِيبَ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ صَلُّوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ إذْ الْغَرَضُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْخُطْبَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر وَمَنْ صَرَّحَ مِنْ الْعُلَمَاء بِاشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ الشَّرِيفِ ظَاهِرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ إذْ يُشْتَرَطُ مَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ ذِكْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ وَقَالَ الْخَطِيبُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِطْلَاق عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ ذَكَرَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَكْفِي صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إنْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ عَلَى الضَّمِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ أَفْتَيْت هَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَخَرَجَ رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَحْوُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ رحمه الله عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ تَقْلِيد الْبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَفْظُهُ وَهَلْ يَكْفِي صلى الله عليه وسلم بِلَفْظٍ بَدَلِ الظَّاهِرِ الْمُتَّجَهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّشَهُّدِ اهـ. فَنَقُولُ النَّصُّ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَالْأَدِلَّةُ مُحْتَمِلَةٌ بِطُرُقِهَا التَّأْوِيلَ وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاع السُّكُوتِيَّ مِنْ الْعُلَمَاء فِي الْأَمْصَارِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَعْصَارِ عَلَى تَقْرِيرِ الْخَطِيبِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالضَّمِيرِ عِنْدَ سَبْقِ الذِّكْرِ وَقُرْبِهِ فَإِنْ قِيلَ الْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَار يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الِاعْتِنَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْجَانِ عِنْدَ فَوْتِ الذِّكْرِ الْمُنَافِي لِلْفَصَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ. فِي الْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّشَهُّدِ فَقَدْ يَخْتَلِفُ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ كَالتَّشَهُّدِ إذْ التَّشَهُّدُ فِي عِبَادَةٍ يُبْطِلُهَا الْكَلَامُ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِهَا.

فَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ صِحَّةُ جَوَابِ الْإِمَامِ الْأَهْذَلِيِّ رحمه الله وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ

ص: 243

فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا أَمْ مَهْجُورَةٌ فَتُلْغَى بَيِّنُوا ذَلِكَ لَنَا بَيَانًا شَافِيًا وَسُوقُوا فِيمَا أَوْقَعَ الْإِشْكَالَ وَاللَّبْسَ دَلِيلًا كَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَمُرَادُنَا الْإِفَادَةُ لَا التَّعَصُّبُ كَمَا هُوَ لِأَهْلِ الْوَقْتِ عَادَةٌ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَأَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ؟

فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَة رضي الله عنه سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ الْمَقْبُول الْأَسَدِيُّ قَاضِي قُضَاةِ أَبِي عَرِيشٍ بِالْيَمَنِ بِمَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ أَنَّ الْأَجْوِبَةَ الْمَذْكُورَةَ صَحِيحَةٌ مُنَقَّحَةٌ صَرِيحَةٌ وَأَنَّ جَوَابَ الْفَقِيهِ الْعَلَّامَة الْأَجَلِّ الْبَحْرِ الْحَبْرِ الْفَهَّامَةِ غُرَّةِ وَجْهِ الزَّمَنِ وَأَعْلَمِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بُرْهَانِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ مُطَيْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالتَّحْقِيقِ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ التَّحْرِيرِ وَالتَّدْقِيقِ.

وَلَقَدْ أَجَابَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَجَادَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ وَأَفَادَ بِجَوَابٍ طَابَقَ مَعْنَى السُّؤَالِ وَجَلَّى بِصُبْحِ فَهْمِهِ لَيْلَ الْإِشْكَال وَدَفَعَ بِيَدِ عِلْمِهِ عَنْ وَجْهِ الْحَقِّ جِلْبَابَ الْبَاطِلِ وَأَزَالَ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي تَصْحِيحِ مَقَالَتِهِ وَلَا رَدَّ لِصَرِيحِ عِبَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي جَوَابِهِ بِمَا لَمْ يُنْسَجْ عَلَى مِنْوَالِهِ، وَلَا جَرَتْ أَقْلَامُ الْفُقَهَاء الْمُعْتَبَرِينَ بِمِثَالِهِ حَيْثُ جَمَعَ جَوَابُهُ بَيْنَ كَلَامِ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ مُحَقِّقٍ عَارِفٍ فَصَدَّرَ الْكَلَامَ بِقَوْلِ الْحُسَيْنِ الْأَهْذَلِيِّ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِ زَكَرِيَّا وَذَيَّلَ فَحَلَّ بِذَلِكَ عُرَى الِالْتِبَاسِ وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ وَالْوَسْوَاسَ فَالْحَاصِلُ عِنْدَنَا صِحَّةُ الْأَجْوِبَةِ وَأَمْضَاهَا وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا فَلَا مُخَالَفَةَ لِذَلِكَ وَلَا مَزِيدَ عَلَى مَا هُنَالِكَ وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرٍ مِنْ الْفُقَهَاء الْمُجْتَهِدِينَ وَقَالَ بِهِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ إنَّهُ يَصِيرُ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا وَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ وَلَا يَسَعُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ الِاجْتِهَادُ فِي إبْطَالِ ذَلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ تَفْصِيلٍ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّر وَالْمُهَذَّبُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَاب وَأُصُولِ الْمَذْهَبِ.

وَمَا جَزَمَ بِهِ بُرْهَانُ الدِّينِ تَبَعًا لِلنَّاشِرِيِّ وَالْأَهْذَلِيِّ فِي أَثْنَاءِ الْجَوَابِ يُفْصِحُ عَنْ تَحْقِيقِ الْبَحْثِ وَإِصَابَةِ الصَّوَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُؤَيِّدُ لِمَا هُنَالِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا رحمه الله فِي بَابِ الْقَضَاءِ مِنْ شَرْحِهِ لِلرَّوْضِ مَا لَفْظُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُفْتِيَانِ جَوَابًا وَصِفَةً وَلَا نَصَّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مَعَ أَحَدِهِمَا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ وَكَذَا إذَا اُعْتُقِدَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ كَمَا يُقَدَّمُ أَرْجَحُ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقُ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْفَتْوَى بِالْعِلْمِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْوَرَعِ. فَلَوْ كَانَ ثَمَّ نَصٌّ قُدِّمَ مَنْ مَعَهُ النَّصُّ وَكَالنَّصِّ الْإِجْمَاع اهـ. لَفْظُهُ هَهُنَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَةٍ مَا لَفْظُهُ وَلَوْ تَعَارَضَ جَزْمُ مُصَنَّفَيْنِ فَكَتَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَحْثِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَلَوْ جَزَمَ مُصَنِّفَانِ بِشَيْءٍ وَثَالِثٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِهِ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ اهـ. لَفْظُهُ وَقَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ كُلَّ الِاتِّضَاحِ وَظَهَرَ بُرْهَانُ الْحَقِّ وَلَاحَ.

وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا مِنْ الْجَوَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ. الْقَدِيرِ عُمَرُ بْنُ الْمَقْبُولِ بْنِ عُمَرَ الْأَسَدِيُّ عَامَلَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَة الْبَحْرُ الْحَبْرُ الْفَهَّامَةُ الْفَقِيهُ الْهَادِي بْنُ حَسَنٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَا صُورَته الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْأَجْوِبَةُ صَحِيحَةٌ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ الْهَادِي بْنُ حَسَنٍ الصَّيْرَفِيُّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِوَالِدَيْهِ وَبِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟

(فَأَجَابَ) سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَة الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيرِهِ مُغْتَرِفٍ مِنْ بِحَارِ مَدَدِهِ وَتَيْسِيرِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ الدِّينَ بَعْدَ خَفَائِهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ كَمَالِ عَلْيَائِهِ مَا دَامَتْ شَرِيعَتُهُ الْغَرَّاءُ مُشَيَّدَةَ الْأَرْكَان بِأَئِمَّةِ التَّحْقِيق وَفُرْسَانِ الْبُرْهَانِ وَبَعْدُ فَقَدْ وَرَدَ عَلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَوِي الْفَصَاحَةِ وَاللُّسُنِ طَلَبًا لِحَلِّ إشْكَالِهِ وَإِزَالَةِ

ص: 244

غَيْهَبِ جِدَالِهِ فَقَصَدْت إلَى ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنِّي لَسْت هُنَالِكَ.

وَإِنَّمَا تَرْآبُ التَّطَفُّلِ عَلَى بِسَاطِ الْكَرَمِ أَنْتَجَ مَزِيدَ الْإِنْعَامِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّدِّ وَالتَّزْيِيفِ حَقِيقٌ أَنْ يُرْدَف بِالتَّرْصِيفِ بِتَصْنِيفٍ لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِسُوءِ الْمُقْتَرَفِ هُوَ الْمَانِعُ لِي فِي الرُّقِيِّ إلَى هَذِهِ الْغُرَفِ فَأَسْأَلُ الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِهِ إنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ رَءُوف رَحِيمٌ فَأَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا صَرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ الْإِتْيَان بِالضَّمِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ لَا يَكْفِي سَوَاءٌ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ أَمْ لَا. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْغَزِّيُّ وَابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الْكَبِيرُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَنُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ حَيْثُ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَعِبَارَته أَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ وَشُرُوطُهَا شُرُوطُ التَّشَهُّدِ وَأَنْ يَذْكُرَ عليه السلام مُظْهَرًا لَا مُضْمَرًا فَفِي الْخُطْبَةِ لَوْ قَرَأَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ أَوْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ لَمْ يَكْفِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ فِي الْخُطْبَةِ وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ فَلَوْ قَرَأَ إلَخْ الشَّامِلِ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.

وَجَزْمُهُ بِذَلِكَ مُشْعِرٌ بَلْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ بَحْثٍ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ صَرِيحًا أَوْ اقْتِضَاءً وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ الْخُوَارِزْمِيِّ فِي كَافِيهِ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ فَرَائِضُ الْخُطْبَةِ خَمْسٌ التَّحْمِيدُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَلُّهَا أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَذِكْرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ أَقَلُّ مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ النَّقِيبِ فِي جَامِعِهِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ الثَّانِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ اهـ. فَأَفْهَمَ التَّقْسِيم الْمُفِيد لِلْحَصْرِ.

وَالظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ وَإِجْزَاءُ نَحْوِ الْمَاحِي وَالْعَاقِبِ وَالْحَاشِر عُلِمَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَة أَنَّهُ لَا يَكْفِي صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ أَكْثَرِهِمْ مُقْتَضِيَةً لِذَلِكَ أَيْضًا وَكَانَ الْمُصَحَّح عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إجْزَاءَهُ أَبْرَزَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي تَوَسُّطِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ هَلْ تُجْزِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا أَجْزَأَ فِي التَّشَهُّدِ يُجْزِئُ هُنَا وَقَالَ فِي قُوَّتِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ كَفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا كَفَى مِنْهَا فِي التَّشَهُّد يُجْزِئُ هُنَا اهـ. فَأَفْهَمَ صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْخُطْبَةِ مَقِيسَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَاب كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ بَحْثَهُ الْإِجْزَاء هُنَا قِيَاسًا عَلَى الْإِجْزَاء بِالصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَتَى مَعَ الضَّمِيرِ بِلَفْظِ رَسُولٍ لِخِفَّةِ الْإِيهَامِ بَلْ عَدَمِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ كَأَنْ قَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَحَلِّ الْبَحْثِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ الْمَنْقُول صَرِيحًا أَوْ اقْتِضَاءً كَمَا قَدَّمْته.

وَلَعَلَّ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ إنَّمَا أَتَى فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِمَا تَوَهَّمَ مِنْهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي أَنَّهُ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ الْأَنْوَارِ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْته. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ عِبَارَتَهُ عِنْدَ التَّحْقِيق لَا تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ بَلْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاء هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فَلْتَجُرَّ ذَيْلَ الْمَقَالِ عَلَى ثَرَى حُجَجِ هَؤُلَاءِ الْمُجِيبِينَ وَتَزْيِيفِهَا لِئَلَّا يَغْتَرّ بِهَا ضَعِيفُ الْعَقْلِ لِمَا أَكْثَرُوهُ مِنْ تَنْمِيقِهَا بِمَا لَا يُجْدِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَاسْتِحْضَارِ الْقَوَاعِد وَالْأُصُولِ فَنَقُولُ احْتِجَاجُ الْمُجِيبِ الْأَوَّلِ بِأَكْثَرِ مَا فِي خُطَبِ ابْنِ نَبَاتَةَ مُزَيَّفٌ فَإِنَّ ابْنَ نَبَاتَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِمْ.

وَأَمَّا ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَكَانَ مَالِكِيًّا ثُمَّ تَشَفَّعَ فَيُحْتَمَلُ تَصْنِيفُهُ لِمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ مَالِكِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَرَقَّى إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِأَدِلَّةِ مَذْهَبِهِ وَلَا قَوَاعِدِهَا وَقَوْلُهُ وَخَطَبَ بِهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَصَلَّى مَعَهُ كُلُّ مَوْجُودٍ فِي كُلِّ قُطْرٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا مَضَى أَهْلُ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ الَّذِي لَا مُسْتَنَدَ لَهُ أَلْبَتَّةَ مَمْنُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ

ص: 245

حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الضَّمِيرِ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي خُطَبِ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِصْرَ وَإِقْلِيمَهَا الْمُشْتَمِلِ مِنْ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقَالِيمِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَنْ يَذْكُرُ فِي خُطْبَتِهِ الضَّمِيرَ إلَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ قَلِيلٌ وَرُبَّمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ جَمِيعِ مَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَيَتَنَزَّهُ عَنْهُ سَلِيمُ الطَّبْعِ لَا سِيَّمَا قَوْلَهُ فَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ مَا قَدَّمْته عَنْ الْأَئِمَّةِ.

وَقَوْله إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذَا الْقَرْنِ إلَخْ وَمَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ عَالِمٍ إلَّا بَعْدَ إيضَاحِ سَبِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَوْلُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ إلَخْ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ بَلْ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَقَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُظْهَر فِي التَّشَهُّدِ إلَخْ لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاء فِي الْخُطْبَةِ بِطَرِيقِ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِشُمُولِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ فَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَخْذًا مِنْ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَاب رضي الله عنهم. عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ لَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ هُنَا وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَة مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِي الْبَابَيْنِ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَصَفُّحِهِ وَقَوْلُهُ فَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ إلَخْ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ.

وَفَرْقُهُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالْخُطْبَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ وَعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى الْقَوَاعِد مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَة مِنْ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا إيهَامٍ أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ وَكَوْنُ مَا قَبْلَهُ رُكْنٌ وَهُوَ رُكْنٌ آخَرُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ إلَخْ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوع عَنْ الرَّافِعِيِّ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَالْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى اهـ فَأَفْهَمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُكْتَفِي بِالضَّمِيرِ إنَّمَا رَاعَى صِحَّةَ الْمَعْنَى وَأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ إنَّمَا رَاعَى الِاتِّبَاع لَهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا فَبَطَلَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّا

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلِلْخُطْبَةِ أَرْكَانٌ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَاشْتِمَالُهَا عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَان الْمُخْتَلِفَةِ. كَاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْكَانِهَا فَيَلْزَمُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم رُكْنًا مُسْتَقِلًّا جَارِيًا بَعْدَ تَمَامِ رُكْنِ الْحَمْدِ فَلَا فَارِقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِوَجْهٍ وَكَانَ يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُجِيبِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا وَيَحْتَجَّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِي الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوهُ ثَمَّ حَيْثُ قَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَحْمَدَ بِخِلَافِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَجْزَأَ هُنَا لَا هُنَاكَ؛ لِأَنَّ بَابَ الْخُطْبَةِ أَوْسَعُ.

فَإِنْ قُلْت فَهَذَا حِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاء فِي الضَّمِيرِ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَحْمَدَ عَلَمٌ وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهِ وَضْعًا بَلْ هُوَ فِيهِ عَرَضِيٌّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الضَّمِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ مِنْ الْعَلَمِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى لَكِنَّ رُجُوعَهُ إلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ حَتْمًا غَيْرُ وَضْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ احْتِمَالًا قَرِيبًا جَائِزًا لُغَةً فَكَانَ فِيهِ مِنْ نَوْعِ الْإِيهَامِ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَةِ أَحْمَدَ عَلَى مُسَمَّاهُ فَمِنْ ثَمَّ أَجْزَأَ أَحْمَدُ هُنَا دُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي فَرْعٍ لِاتِّضَاحِ عِلَّتِهِ الْقِيَاسُ فِي فَرْعٍ آخَرَ لَمْ تَتَّضِحْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِيهِ إيضَاحَهَا فِي ذَاكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُشَابَهَةٍ.

وَبِهَذَا التَّقْرِير يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَظْهَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ بِالْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ وَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُضْمَرُ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَتَوَهَّمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ أَيُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ

ص: 246

الْحَمْدِ أَتَى أَجْزَأَهُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَلَامٍ لِلْجِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ غَرِيبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ.

وَقَوْلُهُ وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ مُتَعَيَّنٌ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى لُغَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ وَهِيَ إهْمَالٌ.

وَقَوْلُهُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُضْمَرِ وَكَوْنِهِ أَوْلَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] إلَخْ إنْ أَرَادَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِلْجَوَازِ الْمُطْلَقِ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ أَوْ لِلْجَوَازِ فِي الْخُطْبَةِ قِيلَ لَهُ سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبٍ وَإِذَنْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ الْمَعْلُوم مِنْهُ. رَدُّ بَقِيَّةِ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ لَكِنْ مِنْ حَقِّ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُزَادَ فِي إيضَاحِهِ وَبَسْطِهِ فَنَقُولُ: قَوْلُ الثَّانِي نَقْلًا عَمَّنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَجْزَلُ إلَخْ إذَا أَرَادَ بِهِ إطْلَاقَ الْأَبْلَغِيَّةِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ قَدْ يُؤْتَى بِهِ بَدَلًا عَنْ الضَّمِيرِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِير وَالتَّمْكِينِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] وَقَدْ يُؤْتَى بِهِ لِتَعْظِيمِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 19] وَقَدْ يُؤْتَى بِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ.

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى الْآيَةُ الثَّانِيَة أَيْضًا وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء: 64] وَلَمْ يَقُلْ وَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ يُنْبِئُ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَتِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ خُصُوصِيَّةَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْأَمْكِنَةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ الْمَوَاضِع الَّتِي يَكُونُ الْإِتْيَانُ فِيهَا لَفْظًا بِالظَّاهِرِ أَجْزَلَ؛ لِأَنَّ الْبَلَاغَة فِي الْخُطْبَةِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا وَالْبَلَاغَةُ فِيهِ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوَاعِد الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا تَتَأَتَّى فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْخَطِيبِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ الْحَاشِرِ أَوْ الْمَاحِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَلَوْ بَعْدَ سَبْقِ ذِكْرِهِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْرِير وَالتَّمْكِينِ وَيَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ لَمْ يَكْتَفِ فِي التَّسْوِيَةِ بِمَزِيدِ شَرَفِهِ إلَّا بِاسْمِهِ الظَّاهِرِ دُونَ ضَمِيرٍ يَرْجِعُ لِمَا سَبَقَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ طَلَبِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُهُ أَوْ وَصْفُهُ الشَّرِيفُ مِنْ زِيَادَةِ تَحَلِّيه مِنْ مَحَامِد الْهِبَةِ أَوْ الْإِنْبَاءِ أَوْ الرِّسَالَة عَنْ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَتَمَّ ظُهُورٍ وَيَتَّضِحُ لَك أَكْمَلَ إيضَاحٍ عِلَّةُ وُجُوبِهِمْ الْإِظْهَار فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَعَدَمِ إجْزَاءِ الضَّمِيرِ إذْ عَوْدُهُ عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَتَيَقَّظُ السَّامِعُ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِنُكْتَةٍ فِيهَا مَزِيدُ تَشْرِيفٍ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عُدِلَ عَنْ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ ذِكْرُ الْمُظْهَرِ فَإِنَّ السَّامِعَ حِينَئِذٍ يَتَنَبَّهُ إلَى نُكْتَةِ الْعُدُولِ فَيَسْتَفِيدُهَا فَفِيهِ مِنْ رِعَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ مَا لَا يَخْفَى.

وَقَوْلُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِإِيضَاحِ الْفَارِقِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ هُوَ الْوَاهِمُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ بَحْثٍ وَقَوْلُهُ وَغُلُوٌّ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ هُوَ الْجُمُودُ الْمَحْضُ الْمُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مُجَرَّدُ دَعْوَى كَمَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَهُ كَمَا قَدَّمْت رَدَّهُ. وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مِنْ الْمَفْهُومَات الْبَوَارِدِ هُوَ الْبَارِدُ النَّاشِئُ عَنْ بَرْدِ الْقُطْنَةِ وَجُمُودِ الْقَرِيحَةِ وَقَوْلُ الثَّانِي وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى فُحُولَتِهِ مُجَرَّدُ تَقْلِيدٍ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه إلَخْ هُوَ مِنْ التَّهْوِيلِ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا غَبِيٌّ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ وَالْقَوَاعِدِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ التَّفْقِيه مِنْ التَّعَجُّبِ مِنْ إيجَابِ الشَّافِعِيِّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ وَقَدْ بَيَّنَ أَصْحَابُنَا دَلِيلَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ وَفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر إلَخْ. نَاشِئٌ عَنْ النَّظَرِ لِبَعْضِ كَلَامِهِمْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ بَاقِيه وَعَنْ مَدَارِكِهِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] هُوَ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِلْمُجِيبِ الْأَوَّلِ مِمَّا مَرَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْلُول كَوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ إذْ الْغَرَضُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ مَحْمُولٌ إلَخْ لَا دَلِيلَ لِهَذَا الْحَمْلِ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَهُّمُ نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ سَبْقِ مَا يَرْجِعُ

ص: 247

إلَيْهِ الضَّمِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلنِّزَاعِ حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ اخْتَصَرَهَا وَأَجْحَفَ بِمَا قَدْ يُؤَدِّي لِإِيهَامِ هِيَ سَالِمَةٌ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ مَمْنُوعٌ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاع السُّكُوتِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ كَالْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ كُلَّ الْعُلَمَاء فِي كُلِّ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ اكْتَفُوا بِالضَّمِيرِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْجَانِ إلَخْ هُوَ الْمُسْتَهْجَنُ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوَاعِدِ الْبُلَغَاء الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالتَّشَهُّدِ بِمَا ذَكَرَهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ وَحَذْفِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّلَاةِ الْمَطْلُوب فِيهَا التَّحَرُّزُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا التَّحَرُّزُ الْمَذْكُورُ بِالْأَوْلَى.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّالِثُ مِنْ اعْتِمَادِ الْأَجْوِبَةِ فَمَمْنُوعٌ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا أَيْضًا فَمَقْبُولٌ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْإِجْمَاع عَلَى جَوَازِ الضَّمِيرِ بَلْ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ الْمُخَالِف إنَّمَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَلَوْ فِي الْفَتْوَى وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ وَجَدْنَا مُجْتَهِدِينَ بِهَا مُصِرِّينَ بِالْمَنْعِ.

فَوَجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعهمْ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ بُلُوغِنَا لِمَا نَالُوهُ مِنْ عَلِيِّ الْمَسَالِك وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ جُمُعَةٍ تُقَامُ فِي بَلْدَةٍ بِشُرُوطِهَا فَقَصَّرَ حَتَّى فَاتَتْهُ ثُمَّ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدٍ أُخْرَى فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْي إلَيْهِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَجِبُ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ مِنْ بَلَدٍ أُخْرَى عَلَى مَنْ لَا جُمُعَةَ فِي بَلَدِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّ بَلَدَهُ حِينَئِذٍ لَا جُمُعَةَ فِيهَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُقَصِّرًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِلْمَعْنَى وَكَوْنُ جُمُعَةِ بَلَدِهِ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فِي حَقِّهِ فَإِذَا فَاتَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ أَدَاءً لَا قَضَاءً بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بَدَلَ عَنْ الْجُمُعَةِ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ لَكِنَّ تَعَرُّضَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلصِّحَّةِ إذَا خَرَجَ وَصَلَّاهَا مَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ الْأُخْرَى دُونَ الْوُجُوبِ قَدْ يُومِئ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْخُلَاصَةِ مَنْ سَافَرَ لَيْلَتَهَا دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ الْكَرَاهَة. وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الْجُمُعَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ قَبْلَ الْحَوْلِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَوْلَ ثَمَّ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ مَدْرَكُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَاب مَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَة.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته بِمَا صُورَته تَقَدَّمَ إحْرَامُ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ كَغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ شَرْطٌ وَتَبِعَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مُتَأَخِّرُونَ. وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي التَّأَخُّر خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَا تَفُوتُهُ بِذَلِكَ فَضِيلَةُ التَّحَرُّم فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا صُورَته صَحَّ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْخَطِيبُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ فَهَلْ هَذَا فِي كُلِّ خَطِيبٍ أَوْ لَا فَإِنَّ أَوْقَاتَ الْخُطَبِ تَخْتَلِفُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي مُنْذُ سِنِينَ حَتَّى رَأَيْت النَّاشِرِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرَهَا فِي حَقِّ آخَرِينَ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَقْتَ الْخُطْبَةِ هَلْ يُصَلِّيهَا وَيَتْرُكُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُصَلِّي الْفَائِتَة الَّتِي تَذَكَّرَهَا وَقْتَ الْخُطْبَةِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ فِي مَسْجِدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا نَحْوَ أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ

ص: 248

الْجُمُعَةَ فِيهِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنَّ بِالْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَسْجِدًا لَطِيفًا وَقُدَّامُهُ رِحَابٌ فَهَلْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْمُنْفَصِلُ مُعَدًّا مِنْ حَرِيمِ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ كَانَ كَاَلَّذِي بَيْنَ عُمْرَانِهَا فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا فَإِنْ جَاوَزَ حَرِيمَهَا كَالْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ لَمْ يَجُزْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا ثُمَّ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ أَمْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَتَانِ فَهَلْ يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ حَيْثُ عَدُّوهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُجَاوَزَةِ عُمْرَانِهِمَا فِي السَّفَرِ امْتَنَعَ تَعَدُّدُهَا وَإِلَّا جَازَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَغْدَادَ أَنَّهَا كَانَتْ قُرًى ثُمَّ اتَّصَلَتْ وَلَا فَرْقَ حَيْثُ اتَّصَلَتَا الِاتِّصَالَ الَّذِي ذَكَرُوهُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَ بَعْضِ جَوَانِبَهُمَا نَهْرٌ أَوْ لَا.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ ذَكَرُوا أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبَلَدِهِمْ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي وَهْدَةٍ أَوْ قُلَّةِ جَبَلٍ قُدِّرَتْ مُعْتَدِلَةً فَإِنْ سُمِعَتْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ الْوَهْدَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا يَجِبُ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ إذْ قَوْلُهُمْ قَبْلَ الْوَقْتِ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ السَّعْيُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ بَطِيءَ الْمَشْيِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَّا إنْ سَافَرَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ حِينَئِذٍ. وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ انْتَفَتْ عَنْهُ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَة عُذْرٌ لِلْجُمُعَةِ إلَّا نَحْوَ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ بِاللَّيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ حَيْثُ سُلِّمَ وُجُوبُ السَّعْيِ لَيْلًا يَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ بِاللَّيْلِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ فِي سِرْبٍ نَازِلٍ عَلَى الِاسْتِوَاءِ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مَعَ انْحِرَافٍ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْمُسَامِتِ لَهَا لَا عَلَى رَأْسِ السِّرْبِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا لَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهَلْ إذَا أَقَامَهَا مَنْ دُورُهُمْ خَارِجَ السُّورِ وَتَكَمَّلُوا بِوَاحِدٍ مِمَّنْ دَارُهُ دَاخِلَ السُّورِ تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذْ لَيْسَ هُوَ دَارَ إقَامَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَنْ دَارُهُ خَارِجَ السُّورِ إلَى دَاخِلِهِ انْعَقَدَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَاحْتَاجَ إلَى قَصْرٍ دَاخِلَ السُّورِ لِكَوْنِهِ فِي مَقْصِدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ الَّذِي وَرَاءَهُ لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا الْعُمْرَانُ الَّذِي خَارِجَهُ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دَارُ إقَامَتِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا صُورَتُهُ قَبَضَ الْخَطِيبُ حَرْفَ الْمِنْبَرِ الْمُعْوَجِّ وَنَحْوِهِ فَهَلْ تَبْطُلُ خُطْبَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ جَعَلَهَا عَلَى حَبْلٍ مُتَّصِلٍ بِكَلْبٍ وَإِنْ وَضَعَهَا مَعَ قَبْضٍ فَتَارَةً يَكُونُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَتَبْطُلُ خُطْبَتُهُ كَمَا لَوْ قَبَضَ حَبْلًا مُتَّصِلًا بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَسٌ وَتَارَةً يَكُونُ كَبِيرًا بِحَيْثُ لَا يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ وَلَا فَرْقَ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ حَمْلَ مَا فِيهِ ذَرْقُهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ عُفِيَ عَنْ الْوُقُوفِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَائِحٌ لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْعَفْوَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ نَقْلٌ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ وَالْمَأْمُومُونَ خَارِجَهُ فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ أَوْ لَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ بَانُوا مُحْدِثِينَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ فَفَارَقَ وَمَا ذُكِرَ بِأَنَّ صُورَةَ الْجُمُعَةِ

ص: 249

وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ فَصَحَّتْ مِنْ الْإِمَامِ رِعَايَةً لِذَلِكَ وَبِأَنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِحَّتُهَا وَبِأَنَّ أَمْرَ الْجُمُعَةِ إلَى الْإِمَامِ فَتَأْخِيرُهَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ تَبَيُّنِ حَدَثِهِمْ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُ فِيهِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِالتَّأْخِيرِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ الْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ الْفَرْقَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْعَدَدِ وَلِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْعَدَدِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْقِضَاضِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْوَقْتِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته قَالُوا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا الْكَرَاهَة بِتَأَكُّدِهِ بِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَة الْحَاثَّةِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ بِأَنْ وَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ بِطَلَبِهِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَوْ فِعْلُهُ بِالْأَوْلَى وَيَصِيرُ تَأَكُّدُ طَلَبِهِ أَوْ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْته هُنَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُكْرَهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِي وُجُوبِهَا كَالسُّورَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُهُ الْكَرَاهَة لَا يَتَمَشَّى عَلَى اصْطِلَاحِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمَكْرُوه مِنْ كَوْنِهِ مُغَايِرًا لِخِلَافِ الْأَوْلَى.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ فِي خَلِيفَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ قَبْلَ حَدَثِهِ هَلْ يَشْمَلُ الْمُتَنَفِّلَ وَغَيْرَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ أُخْرَى أَوْ إلَى جَعْلِهَا ظُهْرًا قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْمُقْتَدِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ نَاوِيًا غَيْرَهَا فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ اهـ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ تُنَازِعُ فِيهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى بَلَدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا نَحْوَ مِيلٍ بَلْ أَقَلَّ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ مِنْهَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ مَعَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ السَّفَرِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِمْ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ مَقْصِدَهُ إلَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ فِي بَلَدٍ أُخْرَى بِسَمَاعِ النِّدَاءِ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُهُمْ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْقَصْرِ لَا الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ لَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ زَوْجَةٌ يَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهَلْ يُقَالُ لَا تَلْزَمُهُ أَوْ يُقَالُ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِأَنَّهَا وَطَنٌ لَهُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ فِي الْوَطَنِ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ بِكُلٍّ مِنْ بَلَدَيْنِ بِمَا كَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطَنِ طَنِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الْجُمُعَةِ مُنْعَقِدَةً بِهِ وَأَمَّا مُطْلَقُ الْوَطَنِ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ وَالْفَقِيهَ إذَا كَانَ عَزَمَ كُلٌّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ. وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ بَلَدٍ بِهَا جَامِعَانِ قَدِيمَانِ وَأَحَدُهُمَا أَقْدَمُ وَأَصْغَرُ لَكِنَّهُ لَا يَسَعُ أَهْلَهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِيهِ لِلْجُمُعَةِ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَهْلَهَا بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فَخَالَفُوا فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَهَلْ بِمُخَالَفَتِهِمْ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ يَحِلُّ لَهُ رِقَابُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لِتَرْكِهِمْ الصَّلَاةَ وَيُفَسَّقُونَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ إذَا انْتَقَلَ أَحَدُ إمَامَيْ الْجَامِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ أَنَا عِفْت مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَتَرَكْتُهُ يُعَزَّرُ وَيَصِيرُ بِذَلِكَ مَالِكِيًّا وَهَلْ انْتِقَالُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ جَائِزٌ وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُوم الْمُقَرَّر أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَعِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاء إلَّا إنْ اُحْتِيجَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهَا الْمَسْجِدُ بَلْ مَتَى كَانَ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَجَبَتْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَعَدُّدٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ.

ص: 250

إلَيْهِ كَانَتْ الْجُمُعَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبْقِ بِالتَّحَرُّمِ لَا بِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَعَلَى مَنْ خَالَفَهُ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَيْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قَوَانِينِهَا تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ أَوْ يَحْصُلْ تَلْفِيقٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَلَّدَهُمْ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الِاجْتِمَاعُ لِلْجُمُعَةِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ حَيْثُ أَمْكَنَ.

وَمَتَى خَالَفُوا ذَلِكَ وَصَلَّوْا صَلَاةً فَاسِدَةً أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَعَزَّرَهُمْ الْإِمَامُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ إلَّا إنْ تَرَكُوا الْجُمُعَةَ وَإِنْ قَالُوا نُصَلِّي الظُّهْرَ بَدَلَهَا فَيَسْتَتِيبُهُمْ الْإِمَامُ فَإِنْ أَبَوْا قَتَلَهُمْ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوفِ فِي بَابِهِ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ اسْتَحَلُّوا تَرْكَ فَرْضِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ سَوَاءٌ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَكُونُونَ مُرْتَدِّينَ فَإِذَا قَتَلَهُمْ بِذَلِكَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ بَغَوْا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَهُ قِتَالُهُمْ كَالْبُغَاةِ إنْ وَجَدَ فِيهِمْ شُرُوطَهُمْ الْمُقَرَّرَةَ فِي بَابِهَا.

وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ الْإِمَامِ مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ بَلْ إذَا عَدَّدَ الْجُمُعَةَ مَنْ يُجَوِّزُ مَذْهَبُهُ التَّعَدُّدَ وَجَبَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ السَّابِقَةِ فَإِنْ لَمْ يُدْرَ سَبْقٌ أَوْ عُلِمَتْ مَعِيَّةٌ أَوْ سَبْقٌ دُونَ السَّابِقِ أَوْ سَبْقٌ وَسَابِقٌ وَنُسِيَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُكَّ فِي السَّبْقِ أَوْ الْمَعِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ فِيمَا عَدَا الْحَالَةَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا لِعَدَمِ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ مِنْهُمْ وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَتُهَا ظُهْرًا وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّقْلِيدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْعَمَلِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. وَقَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ الْمَذْكُورُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ إنْ أَرَادَ تَنْقِيصَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَوْ تَنْقِيصَ مِقْدَارِهِ أُدِّبَ التَّأْدِيبَ الْبَلِيغَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبٍ آخَرَ لِقَصْدِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَيُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فِي كَوْنِهِ انْتَقَلَ لَا لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ وَحَيْثُ صَحَّ تَقْلِيدُهُ لِإِمَامٍ مُجْتَهِدٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ مَا لَمْ يَرْتَكِبْ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ.

وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ مُقَلِّدِينَ لِمَنْ يُجَوِّزُ التَّعَدُّدَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَتَرْكُ التَّعَدُّدِ فَإِنْ خَالَفُوا عَزَّرَهُمْ وَأَثِمُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ. كَمَا مَرَّ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ وَلَا رِقَابُهُمْ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَمُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْوَاجِبَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي كُفْرًا وَلَا حُرْمَةَ زَوْجَةٍ وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ تَحْلِيلُ حَرَامٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ كَالزِّنَا أَوْ تَحْرِيمُ حَلَالٍ كَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ كَانَ ذَلِكَ التَّحْلِيلُ أَوْ التَّحْرِيمُ هُوَ الْكُفْرُ وَالرِّدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَرْيَةٍ لَمْ تُقَمْ فِيهَا الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِمَامُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرُهُ يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا وَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا وَصَلَّى الْجُمُعَةَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ إحْسَانِ الْقِرَاءَةِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يُبْدِلُ حَرْفًا بِآخَرَ أَوْ يَلْحَنُ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِي جُلُوسِهِ دُعَاءٌ أَوْ قِرَاءَةٌ أَوْ لَا وَهَلْ يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ. حِينَئِذٍ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِقِرَاءَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذُكِرَ فِي الْعُبَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقُلْتُ فِي شَرْحِهِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا

ص: 251

وَفَضَائِلِهَا وَخُصُوصِيَّاتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَالدُّعَاءُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ مُسْتَجَابٌ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاضِرِينَ الِاشْتِغَالُ وَقْتَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ بِالدُّعَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُسْتَجَابٌ حِينَئِذٍ وَإِذَا اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ سِرًّا لِمَا فِي الْجَهْرِ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ الْإِسْرَارَ هُوَ الْأَفْضَلُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا لِعَارِضٍ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فَأَدْرَكَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مِنْ الْمَعْذُورِينَ أَوْ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ الْإِعَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ. كَمَا جَزَمْتُ بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَتُسَنُّ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ إعَادَتُهَا عِنْدَ جَوَازِ التَّعَدُّدِ أَوْ سَفَرِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ وَرَآهُمْ يُصَلُّونَهَا وَلَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ أَوْ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ سُنَّتْ لَهُ الْإِعَادَةُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا وَكَذَا عَكْسُهُ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ انْتَهَتْ وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا نُدِبَتْ لِتَحْصِيلِ كَمَالٍ فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ يَقِينًا إنْ صَلَّى الْأُولَى مُنْفَرِدًا أَوْ ظَنًّا أَوْ رَجَاءً إنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً وَلَوْ بِجَمَاعَةٍ أَكْمَلَ ظَاهِرًا وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ كَانَتْ هِيَ فَرْضُ وَقْتِهِ فَإِعَادَتُهُ الظُّهْرَ لَا تَرْجِعُ بِكَمَالٍ عَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ وَقْتِهِ أَصْلًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي إعَادَةِ الظُّهْرِ كَمَالٌ يَرْجِعُ لِفَرْضِ الْوَقْتِ امْتَنَعَتْ إعَادَةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا عَبَثٌ وَالْعِبَادَةُ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَحَلِّ وُرُودِهَا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْخَطِيبِ إذَا اقْتَصَرَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَرْكَانِ بِأَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اتَّقُوا اللَّهَ وَقَرَأَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَيَرْحَمْكُمْ اللَّهُ هَلْ يُجْزِئُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وَأَتَى بِشُرُوطِهِمَا أَجْزَأَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ مَا الْحِكْمَةُ فِي سَنِّ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِي مُمَاسَّةِ الْمَيِّتِ تَقْذِيرًا لِلْبَدَنِ فَطُلِبَ مِنْهُ إزَالَةُ ذَلِكَ الْقَذَرِ بِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْقَذَرُ مِمَّا يَجُرُّ لِلْبَدَنِ فُتُورًا فَطُلِبَ إنْعَاشُهُ بِالْمَاءِ كَمَا أَنَّ الْحَمَّامَ لَمَّا كَانَ يَجُرُّ فُتُورًا لِلْبَدَنِ فَطُلِبَ الْغُسْلُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيُحَصِّلَ ذَلِكَ الْإِنْعَاشَ وَيَزُولَ ذَلِكَ الْفُتُورُ فَتُقْبِلُ النَّفْسُ حِينَئِذٍ عَلَى عِبَادَتِهَا وَنَحْوِهَا بِأَعْظَمِ قَابِلِيَّةٍ وَأَتَمِّ تَوَجُّهٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ لِاسْتِقْبَالِهِمْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ وَكَذَا وُقُوفُهُ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ الْأَيْمَنِ إنْ وَسِعَ فَإِذَا آثَرَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ بِالْجُلُوسِ أَوْ الْوُقُوفِ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ جِهَةَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِالْتِفَاتَ مِنْهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَصْبَحِيَّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ عَلَى يَمِينِهِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَمْ عَلَى شِمَالِهِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَجَابَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ مِنْ الصَّلَاةِ. يَكُونُ إلَى الْيَمِينِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى وَلَوْ قَاسَهُ بِالْتِفَاتِ الْإِمَامِ إلَى الْمَأْمُومِينَ بَعْدَ السَّلَامِ إلَى فَرَاغِ الدُّعَاءِ لَكَانَ أَقْرَبَ فِي الْقِيَاسِ وَهَذَا الِالْتِفَاتُ يَكُونُ إلَى الْيَمِينِ أَيْضًا فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا ذَكَرْتُهُ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ بِدْعَةٌ وَهَلْ الْأَوْلَى رَفْعُهُمَا فِي زَمَنِنَا هَذَا وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا الْفِرِنْجُ الْمَلْعُونُونَ وَقَدْ مَنَعَ مِنْ رَفْعِهِمَا بَعْضُ فُقَهَاءِ بِلَادِنَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَفَعَهُمَا لِلِاسْتِسْقَاءِ لَا غَيْرُ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ. فِي كُلِّ دُعَاءٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْفَعْهُمَا إلَّا فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَدْ سَهَا سَهْوًا بَيِّنًا وَغَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا.

وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ مَعَ شَرْحِي لَهُ (يُسَنُّ لِلدَّاعِي خَارِجَ الصَّلَاةِ رَفْعُ يَدَيْهِ الطَّاهِرَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ وَغَيْرُهُ كَمَا بَيَّنَهَا فِي الْمَجْمُوعِ.

وَقَالَ مَنْ ادَّعَى حَصْرَهَا فَهُوَ.

ص: 252

غَالِطٌ غَلَطًا فَاحِشًا. اهـ. وَهَذِهِ لِكَوْنِهَا مُثْبَتَةً مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَحَبَّ الْخَطَّابِيُّ كَشْفَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُهُمَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ فِي مُسْلِمٍ صَرِيحٍ فِيهِ رِعَايَةُ الرَّفْعِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْك حَذْوَ مَنْكِبَيْك وَنَحْوِهِمَا. وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ. وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْك جَمِيعًا وَهُوَ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ.

وَيَنْبَغِي حَمْلُ الثَّانِي أَيْ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى مَا إذَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ «مِنْ رَفْعِهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» . اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاضِرِينَ وَالْمُؤَذِّنِينَ إذَا سَمِعُوا اسْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ جَهْرًا وَيَدْعُوا لَهُمْ بِالرِّضْوَانِ وَيُؤَمِّنُوا جَهْرًا إذَا دَعَا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ أَمْ لَا أَوْ يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي فِي هَذَا الزَّمَانِ لِظُهُورِ الرَّافِضَةِ وَانْتِشَارِهِمْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ. وَشَرْحِي لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا رَفْعُ الصَّوْتِ بِلَا مُبَالَغَةٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالتَّشْمِيتِ لِأَنَّ كُلًّا سَنَةٌ فَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ ضَعِيفٌ بَلْ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فَضَجَّ النَّاسُ أَنَّ هَذَا رَفْعٌ بِمُبَالَغَةٍ وَحِينَئِذٍ فَالْكَرَاهَةُ وَاضِحَةٌ كَمَا يَأْتِي فَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ وَقَوْلُ الْكَافِي: لَا يُصَلِّي لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا وَفِي الْإِنْصَاتِ خِلَافٌ يُرَدُّ بِمَنْعِ الِاتِّفَاقِ كَيْفَ؟

وَقَدْ قَالَ أَئِمَّةٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُهُ وَفِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مَا يَدُلُّ لَهُمْ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي تَأْلِيفٍ لِي مَبْسُوطٍ فِي أَحْكَامِهَا وَفَضَائِلِهَا وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ عِنْدَ تَصْلِيَتِهِ بِجَامِعِ طَلَبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهَا فِي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا لَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ مُبَالَغَةً فَاحِشَةً وَقَوْلُهُ: لَكِنْ، يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ تَأْيِيدًا لِكَرَاهَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ لَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّعْمِيمَ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا: الْأَوْلَى تَرْكُ مَا يَفْعَلُونَهُ لِمَنْعِهِ الِاسْتِمَاعَ الْمَطْلُوبَ.

وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مَطْلُوبًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْلَى فِعْلُهُ كَالتَّشْمِيتِ وَلَا نُسَلِّمُ مَا عَلَّلَ بِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا مُبَالَغَةَ فِي الرَّفْعِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَخَرَجَ بِلَا مُبَالَغَةٍ الرَّفْعُ بِالْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَمَّا حُكْمُ التَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ أَذَكَرَ أَفَاضِلَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ أَمْ أَجْمَلَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَلَا يَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ فَعَلَ كَرِهْتُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى ذِكْرِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ كَالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ مَعَ الْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُجَازِفْ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه دَعَا فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ رضي الله عنه فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ الْبُدَاءَةُ بِعُمَرَ قَبْلَ الْبُدَاءَةِ بِأَبِي بَكْرٍ وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لِلْمُنْكِرِ: أَنْتَ أَذْكَى مِنْهُ وَأَرْشَدُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَك وَخَلِيفَتَك عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: رضي الله عنه لَوْ عَلِمْتُ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً لَخَصَصْتُ بِهَا السُّلْطَانَ فَإِنَّ خَيْرَهُ عَامٌّ وَخَيْرَ غَيْرِهِ خَاصٌّ. وَأَمَّا التَّأْمِينُ عَلَى ذَلِكَ جَهْرًا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَيُشَوِّشُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَا أَطْبَقَ

ص: 253

النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ التَّأْمِينِ جَهْرًا سِيَّمَا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ فَيَنْبَغِي تَرْكُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ لِإِسْمَاعِهِمْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمِينَ أَوْلَى.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي سَنِّ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ بِهِ قَذَرٌ وَمِنْ شَأْنِ مَاسِّهِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ تَقَذُّرٍ مِنْهُ فَسُنَّ غُسْلُ غَاسِلِهِ لِإِزَالَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ بَلْدَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلنَّصَارَى الْحَرْبِيِّينَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَوَافَقَتْ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ أَنَّ الْوَاصِلَ مِنْهُمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَافَقُوهُمْ أَنَّ الطَّالِعَ إلَى بِلَادِهِمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَالنَّصَارَى لَا يَدْفَعُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مَالًا وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ وَكَانَ مَعَهُ مَا يَسْتَحِقُّ الْعُشُورَ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْبَلَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى ثُمَّ يُقْسَمُ مَا يُجْمَعُ النِّصْفُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالنِّصْفُ لِلنَّصَارَى ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهَلْ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُونَ لَهَا فُسَّاقًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مُقِيمِهَا الْعَدَالَةُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا سَلَّمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ بِالْقَوْمِ وَخَلْفَهُ مَسْبُوقُونَ فَقَامُوا لِإِكْمَالِ صَلَاتِهِمْ فَهَلْ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاوِيًا الْجُمُعَةَ وَتَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَةُ وَوُقُوعُهَا مِنْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ بِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ. إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ وَعِبَارَتُهُ قَالَ أَيْ الْجَمَّالُ بْنُ كَبَّنَ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا جُمُعَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ وَكَذَلِكَ الرِّيمِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ انْتَهَتْ فَأَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي صُورَتِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ إذَا قَامُوا لِيُكْمِلُوا الْجُمُعَةَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ.

فَإِذَا اقْتَدَوْا بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ وَيُدْرِكَ الْجُمُعَةَ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ اقْتِدَاءَ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِيُكْمِلَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ الْغَيْرِ الْمُسْتَفْتِحِ مَعَ زِيَادَةِ أَنَّ مَا فِي صُورَتِهِمْ فِيهِ إنْشَاءُ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا كَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ لَمَّا قَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَوْ لَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا الْمُرَجِّحَةِ لِإِدْرَاكِهَا فِي صُورَتِنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ صُورَتَهُمْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إنْشَاءِ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَمَعَ ذَلِكَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فَلْيُدْرِكْهَا فِي صُورَتِنَا الَّتِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا بِالْأَوْلَى فَإِنْ قُلْت الْقَائِلُونَ بِإِدْرَاكِهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ إنَّمَا فَرَّعُوا ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ.

أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ فَلَا دَلِيلَ فِيمَا قَالُوهُ عَلَى مَا قَدَّمْته قُلْتُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمَانِعِينَ لِلِاقْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَّلُوهُ بِمَا لَا يَأْتِي فِي صُورَتِنَا وَهُوَ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ لَمَّا أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْشَئُوا بِاقْتِدَائِهِمْ بِبَعْضِهِمْ قُدْوَةً أُخْرَى فِي الْجُمُعَةِ كَانُوا مُنْشَئِينَ لِصُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُؤْتَمُّ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُدْرِكْ جُمُعَةً وَلَا اقْتَدَى قَبْلُ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي اقْتِدَائِهِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِلتَّكْمِيلِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ لَا مَعْنًى وَلَا صُورَةً وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ إنْشَاءٌ رَبْطُ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ ذَلِكَ الْمَسْبُوقِ التَّابِعِ لِلْإِمَامِ الْمُدْرِكِ لِلْجُمُعَةِ.

ص: 254

وَهَذَا الرَّبْطُ يُصَيِّرُهُ تَابِعًا لِلْإِمَامِ وَمُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً لِأَنَّ تَابِعَ التَّابِعِ تَابِعٌ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ إدْرَاكُهُ لِلْجُمُعَةِ.

وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ كَبَّنَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْإِمَامِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ التَّابِعُ رَكْعَةً فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَبَعًا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِذَا صَحَّتْ لِتَابِعِهِ فِي هَذِهِ فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةِ بِدَرْسِنَا فِي رَمَضَانَ أَثْنَاءَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى» .

فَقُلْت يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ إمَامَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ وَوَجَدَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ بِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِي بِهَذَا الْمَسْبُوقِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَطَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاسْتَشْكَلَهَا الْفُضَلَاءُ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَطْرُقْ أَسْمَاعَهُمْ إلَّا حِينَئِذٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهَا وَصَمَّمَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَّا لِقَضَاءِ عَقْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ لَمَّا رَأَى بَعْضَ مَا مَرَّ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فَرَّعْتُهُ عَلَى الْإِدْرَاكِ. الَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ لَوْ قَامَ لِيَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَهَا أَيْضًا وَهَكَذَا وَوَقَعَ الْمَيْلُ إلَى الْقَوْلِ بِالْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَكَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَدْرَكُوهُ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ وَلَا نَظَرَ لِوُقُوعِ صَلَاتِهِمْ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ بَقَاؤُهُ إلَى السَّلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ جَمَاعَةٌ مَسْبُوقُونَ لِلتَّكْمِيلِ فَاقْتُدِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ أَدْرَكَ كُلٌّ الْجُمُعَةَ.

وَفِي هَذَا تَعَدُّدٌ لِلْجُمُعَةِ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ اقْتِدَاءَ كُلٍّ مِنْ الْجَائِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اقْتِدَائِهِمْ كُلِّهِمْ بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُمْ كُلَّهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِمَسْبُوقٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَعَدُّدُ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدَ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدٌ أَصْلًا كَمَا مَرَّ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحْرَمَا بِالْجُمُعَةِ مَعَ إمَامِهَا الْأَوَّلُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّانِي أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَطْ. ثُمَّ انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَامَ سَاهِيًا أَوْ مُتَدَارِكًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ مَعَهُ، الْأَوَّلُ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّانِي لِيُدْرِكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ لِلْجَهْلِ بِحَالِ الْإِمَامِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومَانِ مَعَهُ لِيُدْرِكَ كُلٌّ مَعَهُ مَا ذُكِرَ كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ وَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا الثَّانِي وَيَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِزِيَادَةٍ كَخَامِسَةٍ سَهْوًا. لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِي فِعْلِ رَكْعَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ ظَنَّهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا انْتَظَرَهُ لِأَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا أَوْ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَصُورَةُ الْعِلْمِ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَتِمُّ بِالثَّانِيَةِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَإِذَا قَامَ وَقَامَ مَعَهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَصْلِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ.

وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَلْنَذْكُرْ عِبَارَتَهُ مَعَ طُولِهَا. لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَلَفْظُهَا مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهَا الْمُجْزِئَ أَوْ لَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ لَكِنْ يُحْرِمُ بِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ حَتْمًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فَقَوْلُ الْأَنْوَارِ جَوَازًا.

وَقَوْلُ غَيْرِهِ نَدْبًا ضَعِيفٌ إذْ يَلْغُو عَقْدُ الظُّهْرِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ الْيَأْسَ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ إذْ قَدْ

ص: 255

يَتَذَكَّرُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ لَكِنَّ تَذَكُّرَهُ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَافٍ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ عِلْمِ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِهِ لِلرُّكْنِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ قَطْعًا لِأَنَّ الثَّالِثَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى.

انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَتِمُّ بِسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهَا. اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ لِحَدَثِهِ أَوْ سَهْوِهِ بِزِيَادَتِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي الْجَمَاعَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِقِرَاءَتِهَا فَإِنْ عَلِمَ بِزِيَادَتِهَا أَوْ بِحَدَثِهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ بَلْ لَا تَنْعَقِدُ وَإِلَّا حُسِبَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا.

صَحَّتْ عَلَى الِانْفِرَادِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَمَاعَةٌ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَ رُكُوعَهَا فَقَطْ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ مُطْلَقًا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِتَأَمُّلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَمَا قَبْلَهُ يُعْلَمُ اتِّضَاحُ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُدْرِكِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُدْرِكِ التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ فِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ قِيَامَ الْإِمَامِ لِأَصْلِيَّةٍ تَابَعَهُ وَمَنْ لَا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنَّ مَنْ تَابَعَهُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ فَإِنْ أَدْرَكَ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا بِكَمَالِهَا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَنْ يَكُونَ فِي رَكْعَةٍ مَحْسُوبَةٍ لَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا اتَّفَقَ لِأَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ يَقُومُونَ فِي بُرُومَ غَالِبَ سَنَتِهِمْ.

وَذَلِكَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ السَّنَةِ ثُمَّ فِي بَاقِي السَّنَةِ يَنْتَقِلُونَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى الْهَجْلَةَ فَيُقِيمُونَ بِهَا بَاقِيَ السَّنَةِ خَوْفًا مِنْ مَحْذُورِ الْإِفْرِنْجِ وَقْتَ تَوَهُّمِ خُرُوجِهِمْ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ فَاسْتَمَرَّ حَالُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مُدَّةً مَدِيدَةً يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عِشْرِينَ سَنَةً بِحَيْثُ إنَّهُمْ قَدْ بَنَوْا بِالْقَرْيَةِ. الْمُسَمَّاةِ بِالْهَجْلَةِ دُورًا وَاِتَّخَذُوهَا لَهُمْ وَطَنًا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ فِي كِلَا قَرْيَتَيْهَا بُرُومَ وَالْهَجْلَةِ أَيْ فَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهَا وَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا بِهَا كَذَلِكَ، أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهِمَا كَذَلِكَ مَعًا لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِيطَانِ فِي إحْدَاهُمَا أَمْ تَقُولُونَ إنَّمَا تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ فَقَطْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاسْتِيطَانِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ وَالِانْتِقَالُ الْعَارِضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ. فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِهَا عَنْهُمْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ.

فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ وَتَنْعَقِدُ جُمُعَةً لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا مَحَلَّ الِاسْتِيطَانِ قُلْنَا فَمَا الْحُكْمُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ هَلْ تَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ وَإِنْ صَارَتْ خَلِيَّةً مِنْ الْمُقِيمِينَ بِهَا كَمَا أَنَّ ذَلِكَ صِفَتُهَا الْآنَ وَتُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ إنْشَاءَ سَفَرٍ إلَى بُرُومَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا كَمَا رَأَيْتَ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ قَدْ اعْتَادُوا ذَلِكَ فَنَجِدُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ يُنْشِئُونَ سَفَرًا إلَى قَرْيَةِ بُرُومَ وَيُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا اعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةً وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا وَمَضَتْ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ يَزِيدُ قَدْرُهَا فَوْقَ مَا قَدَّرْنَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ الْآنَ هُمْ بَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ مَا بَقِيَ تَخَوُّفُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَجُمْلَةُ الْحَالِ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ مُنْذُ بَدَأَ ظُهُورُ الْإِفْرِنْجِ فِي نَوَاحِي.

ص: 256

بِلَادِ الْهِنْدِ وَتَعَوَّدُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ إلَى الْآنَ ثُمَّ هُمْ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ لَا يَزَالُ دَأْبُهُمْ يَنْتَقِلُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ مَا زَالُوا يَتَوَهَّمُونَ خُرُوجَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ انْقِطَاعَ هَذَا التَّخَوُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْقِطَاعِ شَوْكَةِ الْحَرْبِيِّينَ مِنْ أَرْضِ بِلَادِ الْهِنْدِ وَذَلِكَ إمَّا بِزَوَالِ دَوْلَتِهِمْ وَذَهَابِهَا رَأْسًا أَوْ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَمِيعِ سَوَاحِلِهِمْ الَّذِينَ يُنْشِئُونَ تَجَاهِيزَهُمْ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ زَوَالَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا وَحَالَ انْتِقَالِهِمْ عَنْهَا أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهَا فِي حَقِّهِمْ فِيهَا فِي الْحَالَيْنِ أَمْ يُقَالُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ

وَمَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَشَرْطُ الْكَفِّ عَنْ اعْتِيَادِ النُّزُولِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالرِّحْلَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَلَوْ كَانُوا يَنْزِلُونَ فِي مَوْضِعٍ صَيْفًا وَيَرْتَحِلُونَ شِتَاءً وَبِالْعَكْسِ كَالْأَكْرَادِ وَالْأَتْرَاكِ فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ هَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلَا يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِهِ وَإِنَّمَا مَأْخَذُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ بُرُومَ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالتَّوَطُّنُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَعِيَادَةٍ وَخَوْفِ غَارَةٍ وَنَحْوِهَا. قُلْنَا قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَعْتَادُونَ النُّزُولَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ السَّنَةِ إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ وَقْتُ التَّخَوُّفِ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَقْتُ إقْبَالِ مَجِيءِ الْأَذْيَبِ وَأَنَّ نِيَّتَهُمْ النُّزُولُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الدَّوَامِ مَا بَقِيَ مَعَهُمْ تَخَوُّفٌ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْحَالِ مُسْتَشْعِرِينَ خُرُوجَهُمْ أَمْ لَا فَبَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ فِي الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ تَنْعَقِدُ فِي بُرُومَ فَقَطْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا فَقَطْ.

قُلْنَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِبُرُومِ فَقَطْ قُلْنَا فَهَلْ تَقُولُونَ بِجَوَازِ إقَامَتِهَا فِي بُرُومَ حَيْثُ كَانَتْ خَلِيَّةً كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ بِاسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا إنْ قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ وَمَا الْحُكْمُ فِي الَّذِينَ لَهُمْ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ الِانْتِقَالُ لِأَجْلِ الْخَرِيفِ كُلَّ سَنَةٍ وَكَانُوا يُقِيمُونَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُمْ ثَمَّ دُورًا وَضِيَاعًا وَكَانَ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ دَوَامًا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ فَهَلْ يُقَالُ إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي الْبَلَدِ الَّتِي إقَامَتِهِمْ بِهَا أَكْثَرُ.

كَمَا فِي بُرُومَ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِهَا أَمْ يُقَالُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَكَذَلِكَ الشَّخْصُ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ وَلَهُ مَالَانِ فِيهِمَا أَوْ مَالٌ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِقَامَتُهُ فِي الْبَلْدَتَيْنِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ بَلْ تَارَةً يُقِيمُ بِإِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَتَارَةً بِالْعَكْسِ.

وَتَارَةً يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَوْ قَدْ تَنْضَبِطُ إقَامَتُهُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَمَضَى لَهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ نَحْوُ خَمْسِينَ سَنَةً فَمَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَكُمْ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ فِيهِمَا وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً مُضْطَرِبَةً فَحَقِّقُوا لَنَا الْمُعْتَمَدَ عِنْدَكُمْ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْمِنْهَاجِ وَمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ. يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلٍّ شِتَاءً وَبِآخَرَ صَيْفًا لَمْ يَكُونُوا مُتَوَطِّنِينَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ مُعَيَّنَيْنِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَجَاوَزُونَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ تَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ كَذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ حَالُهُمْ فِي إقَامَتِهِمْ فِيهِمَا فَإِنَّ التَّوَطُّنَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا يُنَاطُ بِمَا يُنَاطُ بِهِ التَّوَطُّنُ فِي حَاضِرِي الْحَرَمِ وَأَفْتَى الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي أَهْلِ بَلَدٍ يُفَارِقُونَهَا فِي الصَّيْفِ إلَى مَضَايِعِهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ سَافَرُوا عَنْهَا وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ.

وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمَسَاكِنِ وَتَرَكُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا ظَعْنًا لِأَنَّهُ السَّفَرُ فَتَلْزَمُهُمْ وَلَوْ فِيمَا خَرَجُوا إلَيْهِ إنْ عُدَّ مِنْ الْخُطَّةِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَمَا قَالَهُ فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ الْمَسَاكِنِ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ وَتَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ فَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَمَا قَالَهُ فِي سَفَرِهِمْ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي مَضَايِعِهِمْ فَوَاضِحٌ نَعَمْ تَلْزَمُهُمْ إنْ أُقِيمَتْ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ أَوْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ لَوْ عَادُوا إلَيْهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ عَنْهَا لِحَاجَةٍ لَا يَمْنَعُ اسْتِيطَانَهُمْ بِهَا إذَا

ص: 257

عَادُوا إلَيْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْمَتْنُ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجُمُعَةُ نَعَمْ إنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ وَلَمْ يَخْشَوْا عَلَى أَمْوَالِهِمْ لَوْ ذَهَبُوا لِلْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ مُطْلَقًا وَانْعَقَدَتْ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ عَلَى سُكْنَى غَيْرِهَا فَامْتَثَلُوا لَكِنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الرُّجُوعِ لِبَلَدِهِمْ مَتَى زَالَ الْإِكْرَاهُ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ فِي الْأُولَى لَوْ عَادُوا إلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا عُلِمَ أَنَّ وَطَنَ الْمَذْكُورِينَ إنَّمَا هُوَ بُرُومَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُمْ أَجْرَوْا فِيمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ تَفْصِيلَ حَاضِرِي الْحَرَمِ وَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ لَوْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ.

وَقَدْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ إقَامَتَهُمْ بِبُرُومِ أَكْثَرُ فَلْتَكُنْ هِيَ وَطَنَهُمْ بِنَصِّ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ دُونَ الْهَجْلَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ بُرُومَ هِيَ وَطَنُهُمْ لَا غَيْرُ فَإِذَا خَرَجُوا عَنْهَا لِحَاجَةِ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ مُتَوَطِّنُونَ غَيْرُ أَهْلِ بُرُومَ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَزِمَ أَهْلَ بُرُومَ صَلَاتُهَا مَعَهُمْ وَلَا يُحْسَبُونَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدٍ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَإِلَّا صَلَّى الْكُلُّ الظُّهْرَ.

وَأَمَّا رُجُوعُ أَهْلِ بُرُومَ إلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا إنْ زَالَ الْخَوْفُ الَّذِي فَارَقُوا بَلَدَهُمْ لِأَجْلِهِ وَقَرُبُوا مِنْهَا. بِحَيْثُ لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْهَجْلَةِ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فِيهَا كَمَا مِلْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ مَا مَرَّ: وَلَوْ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ لِحَاجَةٍ كَالصَّيْفِ وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِوَطَنِهِمْ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَطِّلُوهَا مِنْ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ يُنْظَرَ فِي مَحَلِّهِمْ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ أَهْلُهُ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِمْ لَزِمَهُمْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ نَظَرٍ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. انْتَهَتْ. وَعُلِمَ مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حُكْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ إلَى مَضَايِعِهِمْ وَحُكْمُ مَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ بِبَلَدَيْنِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّا نَعْتَبِرُ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ فَهُوَ وَطَنُهُ دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ وَمَحَاجِيرُ أَوْلَادِهِ دُونَ نَحْوِ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِكُلٍّ أَهْلٌ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَةُ أَهْلِهِ بِهِ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِكُلٍّ مَالٌ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ مَالُهُ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِبَلَدٍ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ إذَا تَفَرَّقُوا وَسَكَنُوا فِي الْبَوَادِي. عَلَى نَحْوِ فَرْسَخٍ أَوْ فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَلْدَتِهِمْ وَيَجْتَمِعُونَ إلَيْهَا لِلْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِي بَلْدَتِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ إذَا لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمْ أَمْ لَا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ إلَيْهَا إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ سُئِلْت عَنْ بَلْدَةٍ لَا يُقِيمُ أَهْلُهَا بِهَا فِي الصَّيْفِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ إلَى مَصَايِفَ لَهُمْ هَلْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الظَّعْنَ هُوَ السَّفَرُ فَإِنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا مُتَوَطِّنِينَ. فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ عَنْ الْمَسَاكِنِ فَقَطْ وَيَتْرُكُونَ بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَأَمْتِعَتَهُمْ فَلَيْسَ هَذَا بِظَعْنٍ فَتَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ الْفَضَاءُ الَّذِي خَرَجُوا إلَيْهِ مَعْدُودًا مِنْ خُطَّةِ الْبَلَدِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُمْ فِعْلُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ. اهـ. فَافْهَمْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُمْ لَا يُفَارِقُونَ بَلَدَهُمْ إلَّا أَيَّامَ الصَّيْفِ فَقَطْ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَالتَّوَطُّنِ فِيهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ. بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ فَإِذَا ذُكِرَ هَذَا فِي هَؤُلَاءِ فَهُوَ فِيمَا فِي السُّؤَالِ أَوْلَى لِأَنَّ بُعْدَهُمْ عَنْ الْبَلَدِ نَحْوَ فَرْسَخٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ سَفَرٌ.

وَيُطْلَقُ عَلَى سَاكِنِيهِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَنْسُوبِينَ لِذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ حَيْثُ الْإِقَامَةُ وَإِنْ نُسِبُوا إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إذْ الْمُتَغَرِّبُ عَنْ مَكَّةَ مَثَلًا وَإِنْ فَحُشَ بُعْدُهُ عَنْهَا وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ يُقَالُ لَهُ مَكِّيٌّ إضَافَةً لَهُ إلَى أَصْلِ مَسْكَنِهِ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا بِمَحَلِّ غَيْرِهِ فَهُوَ مَكِّيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَيْسَ مَكِّيًّا الْآنَ مِنْ

ص: 258

حَيْثُ السُّكْنَى وَالْإِقَامَةُ وَالْعِبْرَةُ هُنَا إنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَظَاهِرُ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ إلَيْهَا إلَخْ.

أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ سُكْنَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهَا لِحَاجَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ فَإِنْ كَانَ حَالُهُمْ كَذَلِكَ فَهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ قَطْعًا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ سُكْنَاهُ بِنِيَّتِهِمْ عَدَمَ الْعَوْدِ إلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِيمَنْ يُفَارِقُونَ الْبَلَدَ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ لِرَبِيعٍ أَوْ صَيْفٍ مَعَ عَزْمِهِمْ عَلَى الْعَوْدِ عِنْدَ انْقِضَاءِ غَرَضِهِمْ وَحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَلَالُ أَنَّهُمْ إنْ بَعُدُوا عَنْهَا بِحَيْثُ يُسَمَّى سَفَرًا وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُمْ إلَيْهَا فِي السُّكْنَى فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ صَارُوا غَيْرَ مُتَوَطِّنِينَ بِهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِلَّا فَهُمْ بَاقُونَ عَلَى تَوَطُّنِهِمْ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّوَطُّنِ وَعَدَمِهِ حَتَّى يُحْسَبُوا مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَوْ لَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلُّزُومِ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِشُرُوطِهِ لَزِمَهُمْ الْحُضُورُ لِمَحَلِّهِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَلْزَمُ الْمَحْبُوسِينَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْحَبْسِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا وَلَمْ يُخْشَ مِنْ إقَامَتِهَا فِي الْحَبْسِ فِتْنَةٌ لَكِنْ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُمْ مُطْلَقًا وَقَدْ بَالَغَ السُّبْكِيّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا وَإِنْ جَازَ تَعَدُّدُهَا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَإِنْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فِي فَتَاوِيهِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْحُبُوسَ لَمْ تَزَلْ مَشْحُونَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَقَامَهَا فِي الْحَبْسِ يُمْكِنُ الْخَدْشُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي حَبْسٍ أَرْبَعُونَ شَافِعِيًّا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِمْ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَعَ تَوَفُّرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَمَنْ أَثْبَتَ هَذَا اتَّضَحَ لَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ بِالْوُجُوبِ. فَإِنَّهُ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا.

وَلَقَدْ كَانَ الْبُوَيْطِيُّ وَهُوَ فِي قُيُودِهِ فِي الْحَبْسِ يَغْتَسِلُ وَيَلْبَسُ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَيَأْتِي إلَى بَابِ السِّجْنِ فَيُشَاوِرُ السَّجَّانَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيَمْنَعُهُ فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ الْآنَ سَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَنِّي فَتَأَمَّلْ مُحَافَظَةَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَلِذَا اسْتَخْلَفَهُ فِي حَلَقَتِهِ وَأَخْبَرَهُ بِهَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ: سَتَمُوتُ فِي قُيُودِك عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ تَجِدُهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ إقَامَتُهَا فِي الْحَبْسِ لَفَعَلَهَا فِيهِ فَإِنْ قُلْت إنْ أَقَامُوهَا قَبْلَ جُمُعَةِ الْبَلَدِ أَفْسَدُوهَا عَلَى أَهْلِهَا أَوْ بَعْدَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُمْ. قُلْت مَمْنُوعٌ فِيهِمَا بَلْ عُذْرُ الْحَبْسِ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فَيَفْعَلُونَهَا مَتَى شَاءُوا قَبْلُ أَوْ بَعْدُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ.

(وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ فِيهِ أَرْبَعُونَ مُتَوَطِّنُونَ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ إقَامَتُهَا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: الشَّرْطُ أَنْ تُقَامَ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَلَا أَبْنِيَةَ هُنَا وَقِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ، وَأَفْتَى آخَرُونَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَلَا دَلِيلَ لِلْأَوَّلَيْنِ فِي تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْأَبْنِيَةِ لِأَنَّهُ لِلْغَالِبِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ أَرْبَابِهَا النُّجْعَةَ وَعَدَمَ تَوَطُّنِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبِنَاءِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ تَوَطُّنَ بِنَائِهِمْ وَعَدَمَ النُّقْلَةِ مِنْهُ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْبِنَاءِ الْوَاحِدِ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ غَلَطٌ وَاضِحٌ إذْ لَا مُسَاوَاةَ بِوَجْهٍ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ وَالْمُحْدِثِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمَا لِلْخُطْبَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ سَمَاعُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لَهُمْ خَلْفَهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُهُ وَيُفَارِقُ الْخَلِيفَةُ إذَا شَرَطْنَا سَمَاعَهُ بِأَنَّهُ يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ سَمَاعِهِ صَحَّتْ خَلْفَهُمَا إذَا زَادَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ لَا حَقِيقَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ السَّمَاعِ وَجْهٌ.

- (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» مَا مَعْنَاهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ:

ص: 259

مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ الْمُبَاحِ بِأَنْ لَا يَلْبَسَ أَرْفَعَ الْجِنْسِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَتَرَفُّعِهَا بِهِ عَلَى غَيْرِهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَإِنَّمَا السُّنَّةُ لُبْسُ أَوْسَطِ الْجِنْسِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ لُبْسُ الْخَشِنِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ «إذَا أَعْطَاك اللَّهُ مَالًا فَكَثِّرْ أَثَرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْك وَكَرَامَتِهِ» وَلِأَنَّ الْخَشِنَ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ كَالرَّفِيعِ أَمَّا لُبْسُ الْخَشِنِ وَالْمُزْرِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّفِيعِ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَهَضْمِ النَّفْسِ وَاقْتِدَائِهَا بِزُهَّادِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَبِسُوا الشِّمَالَ وَالْخَشِنَ فَهُوَ مَحْبُوبٌ. كَمَا أَنَّ لُبْسَ الرَّفِيعِ لِلْعُلَمَاءِ مَحْبُوبٌ بِقَصْدِ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَإِشَارَاتِهِمْ وَإِجْلَالِ الْعِلْمِ وَإِيقَاعِ هَيْبَتِهِ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ لِيَتَلَقَّى عَنْهُمْ مَا بَرَزَ مِنْهُمْ مِنْ الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَالزَّوَاجِرِ وَالتَّغْلِيظَاتِ وَقَدْ لَبِسَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ زِيَّ الزُّهَّادِ بِمَكَّةَ لَمَّا حَجَّ فَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ.

فَقِيلَ لَهُ: لَسْت مِنْ أَهْلِ الْإِنْكَارِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ الْعُلَمَاءُ فَلَبِسَ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ كَالطَّيْلَسَانِ وَذَوَاتِ الْأَكْمَامِ الْوَسِيعَةِ وَنَحْوِهَا فَامْتُثِلَ أَمْرُهُ وَخُضِعَ لِقَوْلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَصْلَحَةَ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْهَضْمِ الَّذِي لَا يُمْتَثَلُ مَعَهُ أَمْرٌ فَرَجَعَ إلَى لُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِأَرْجَحِ الْمَصْلَحَتَيْنِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ اقْتَصَرَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَرْكَانِ بِأَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، اتَّقُوا اللَّهَ وَقَرَأَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِالثَّلَاثَةِ وَبِيَرْحَمُكُمْ اللَّهُ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى فِي صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ آيَةً فِي الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهَا وَلَا قَصْدِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ كَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ أَوْ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] الْآيَةَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْآيَاتِ فِي أَثْنَاءِ الْوَعْظِ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يُجْزِئُ عَنْ الْآيَةِ أَوْ لَا؟ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا شَيْئًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ مُتَذَكِّرًا لِفَرْضِهَا حِينَ الْقِرَاءَةِ أَمْ لَا.

وَإِذَا تَرَكَ الْخَطِيبُ الْآيَةَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَجَلَسَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَامَ تَذَكَّرَ وَقَرَأَ الْآيَةَ مُوَافَقَةً لِعَادَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ لِلْفَصْلِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ مُوَالَاةٌ الْخُطْبَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَلَا نِيَّةُ فَرْضِيَّتِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ.

وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَقِرَاءَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَاضِي مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالْأَذْرَعِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مُشِيرٌ إلَى ضَعْفِ كَلَامِ الْقَاضِي بَلْ الْقَاضِي نَفْسُهُ إنَّمَا فَرَّعَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْآيَةِ فِي الْخُطْبَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْهَا نِيَّةُ كَوْنِهَا مِنْهَا. بَلْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِانْصِرَافِهَا إلَيْهَا بِلَا نِيَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَ نَعَمْ الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ الْخُطْبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا وَالتَّاسِعُ أَنْ يَعْلَمَ الْخَطِيبُ وَاجِبَهَا أَيْ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَلَيْسَ كَلَامُهُ بِظَاهِرٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهَا وَاجِبَاتٍ وَأَتَى بِهَا وَلَمْ يَقْصِدْ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَفْلٌ صَحَّتْ عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ بِالْأَوْلَى. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ مُتَذَكِّرًا لِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ الْآيَةَ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا النَّفْلِيَّةَ وَفِيهِ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: الْخَامِسُ أَيْ مِنْ الْأَرْكَانِ قِرَاءَةُ آيَةٍ مُفْهِمَةٍ فِي إحْدَى الْخُطْبَتَيْنِ وَتُجْزِئُ كَمَا فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَبَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا إمَّا فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَالثَّابِتُ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ نَعَمْ تُسَنُّ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْخَطِيبِ لِلْآيَةِ فِيمَا ذَكَرَ آخِرَ السُّؤَالِ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّهَا لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَحَلٌّ لَهَا كَالْأُولَى وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِالْجُلُوسِ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّ إنْ كَانَ جَاهِلًا وَقَصُرَ الْفَصْلُ وَإِلَّا ضَرَّ

ص: 260