المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب سجود السهو] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[باب سجود السهو]

الْآيَةَ عَلَى الذِّكْرِ حَالَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ أَنْ تُرْفَعَ عِنْدَهُ الْأَصْوَاتُ، وَيُقَوِّيه اتِّصَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] . . . إلَخْ.

قِيلَ: وَكَأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْإِنْصَاتِ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْلَادَ إلَى الْبَطَالَةِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّكُوتِ بِاللِّسَانِ - فَتَكْلِيفُ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ بَاقٍ حَتَّى لَا يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] وَبِأَنَّ السَّادَةَ الصُّوفِيَّةَ قَالُوا: الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ خَاصٌّ بِهِ صلى الله عليه وسلم الْكَامِلُ الْمُكَمَّلُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ - مِمَّنْ هُوَ مَحَلُّ الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ - فَمَأْمُورٌ بِالْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِهَا، وَيُؤَيَّدُ بِحَدِيثِ الْبَزَّارِ:«مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ بِاللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَتَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ» وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ، وَأَنَّهُ يَنْطَرِدُ بِجَهْرِهِ بِقِرَاءَتِهِ عَنْ دَارِهِ، وَعَنْ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهُ - فُسَّاقُ الْجِنِّ وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ.

وَأَمَّا تَفْسِيرُ الِاعْتِدَاءِ فِي {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] بِالْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ - فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا.

وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» فَهَذَا تَفْسِيرُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ لَا فِي الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ بِخُصُوصِهِ الْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِسْرَارُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ.

وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُهَلِّلُونَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أُرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ بَلْ لَمْ يَرِدْ؛ وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَنْهَى عَنْ الذِّكْرِ؛ مَا جَالَسْتُ عَبْدَ اللَّهِ مَجْلِسًا قَطُّ إلَّا ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا لَفْظُهُ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ وَمَرَاسِيلَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَمَا حُكْمُ كَرَاهَتِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا حَمْلُ كَرَاهَتِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَاصِدًا الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ مُتَطَهِّرًا، كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد:«إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ كَانَ مُصَلِّيًا» . وَحِكْمَةُ الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَبَثٌ لَا يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ النَّوْمَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ، وَمَعَ أَنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:«وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» وَحَمْلُ إبَاحَتِهِ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَخْصِيصُ النَّهْيِ بِالصَّلَاةِ لَا غَيْرُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا.» زَادَ الْبَيْهَقِيّ: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.»

[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ -: فِيمَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَشَكَّ الْمَأْمُومُ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَشَكَّ أَثَانِيَةٌ هِيَ أَمْ أُولَى؟ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَأْتِي بَعْدَ السَّلَامِ بِبَاقِي صَلَاتِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ الْمُتَابَعَةُ فَيَنْتَظِرُهُ قَائِمًا أَوْ يُفَارِقُهُ؟

(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ - بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ؛ وَلِاشْتِمَالِ عِبَارَتِهِ عَلَى فَوَائِدَ أَحْبَبْت ذِكْرَهَا - وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً - وَهِيَ: وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ؛ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَعَلِمَ حُرْمَةَ مُتَابَعَتِهِ؛ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ - نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ، فِي الْجَنَائِزِ -: وَلَا انْتِظَارُهُ بَلْ يُسَلِّمُ، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ عَادَ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ انْتِظَارُهُ؛ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ تَنَحْنَحَ إمَامٌ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ؛ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ

ص: 177

لِخَامِسَةٍ سَجَدَ إنْ فَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِ لَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ بِهِ هُنَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ انْتِظَارَهُ لَيْسَ مُتَابَعَةً كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: قَوْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ - صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَابَعَةِ الْحِسِّيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْقُدْرَةِ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَنْظُومِ وَيُتَابِعَهُ فِيهِ فَإِنَّ الْقُدْوَةَ تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَتُهُ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ إلَّا إذَا أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ فِي رَدِّ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ عَلَى مَا رَجَّحْته مَا يَأْتِي مِنْ وُجُوبِ الْمُفَارَقَةِ عَلَى مَنْ اقْتَدَى فِي الْمَغْرِبِ بِمُصَلِّي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَجَبَتْ ثَمَّ؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا وَجُلُوسًا لَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ، بِخِلَافِهِ هُنَا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ - فِيمَا لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا لِ (ص) أَنَّ لَهُ مُفَارَقَتَهُ وَانْتِظَارَهُ؛ كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ، وَرَأَيْته فِيهِ أَيْضًا صَرَّحَ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ عَلِمَ بِقِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ وَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِعَيْنِهَا، وَفِي رَدِّ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُتَابَعَةِ وُجُوبُهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ، بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ.

وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: زِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَلَوْ قَعَدَ إمَامُهُ يَتَشَهَّدُ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَنِّ الْمَأْمُومِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مَعَهُ؛ عَمَلًا بِظَنِّ الْإِمَامِ ثُمَّ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ عَمَلًا بِظَنِّهِ أَوْ لَا؛ لِقَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ؟ أَوْ يُفَصَّلُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ خَطَأَهُ فَلَا يَجُوزُ أَوْ يَظُنُّهُ فَيَجُوزُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.

وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَيْنِ؛ فِيمَا لَوْ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا هَلْ يُسَبِّحُ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ كَالْيَقِينِ بِدَلِيلِ اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؟ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ خَطَأَهُ فَلَا يُشَكِّكْهُ وَرَجَّحَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ الثَّانِيَ ثُمَّ قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَوْ فَارَقَهُ حَالًا عَلَى الثَّانِي بَعْدَ مَا سَبَّحَ لَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ إنْ كَانَ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ اهـ وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ: وَلَوْ فَارَقَهُ. . . إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ، فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا رَجَّحَهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ، لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَنْوَارِ - لَيْسَ لَهُمْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِيمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَتَبْطُلُ بِهَا بَلْ تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ.

وَالِانْتِظَارُ فِي رُكْنٍ طَوِيلٍ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِالنَّقْصِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَنَحْوِهَا؛ فَيُوَافِقَ حِينَئِذٍ الثَّالِثَ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِي الْمَسْبُوقَ بِمَا مَرَّ - مَا لَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَتَابَعَهُ بِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لَهُ إنْ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ؛ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

وَلَوْ سَجَدَ إمَامُهُ مِنْ قِيَامٍ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخَادِمِ بِمَا إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ حَمْلًا عَلَى السَّهْوِ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ - كَمَا عَلِمْت - مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَوَابِ مَا فِي السُّؤَالِ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ خَطَأَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ جَازَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَفِي الْحَالَيْنِ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ قَائِمًا، وَهُنَا زِيَادَةٌ نَفِيسَةٌ يَتَعَيَّنُ تَفَهُّمُهَا وَحِفْظُهَا لِغَرَابَتِهَا نَقْلًا وَتَحْقِيقًا.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي شَخْصٍ شَافِعِيٍّ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ حَنَفِيٍّ، وَتَابَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ؛ خَوْفًا مِنْ عَدَمِ إدْرَاكِهِ فِي السُّجُودِ، وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِتَرْكِ قُنُوتِ نَفْسِهِ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْعَامِّيِّ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ؛ لِخَفَائِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّ مَحْضَ سُجُودِهِ لِتَرْكِ الْإِمَامِ فَقَطْ؛ بِأَنْ قَصَدَ بِهِ جَبْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَوْ لِتَرْكِ نَفْسِهِ فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَبْرَ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ سَهْوِهِ اللَّاحِقِ لِلْمَأْمُومِ - لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ

ص: 178

بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ شَخْصٍ مَأْمُومٍ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ؛ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ مِنْ حِينِ حَدَثَ الشَّكُّ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ - كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ -؟ أَوْ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَوْ يَقُومُ وَيُتِمُّ قَائِمًا بِلَا مُفَارَقَةٍ فَرُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ أَنَّهُ سَهَا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَحَلٌّ لِلتَّشَهُّدِ؛ كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ حَنَفِيٍّ فَسَجَدَ لِ (ص) لَا يَسْجُدُ مَعَهُ بَلْ يُتِمُّ قَائِمًا فَهَلْ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ؛ فَإِنَّهُ حَكَى فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَبِّحُ لِإِمَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ كَالْيَقِينِ بِدَلِيلِ اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ لَا؟ وَالثَّانِي لَا يُسَبِّحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ خَطَأَهُ فَلَا يُشَكِّكْهُ. وَلَوْ فَارَقَهُ حَالًا عَلَى الثَّانِي بَعْدَ مَا سَبَّحَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَأَفْهَمَ التَّرَدُّدَ فِي التَّسْبِيحِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَوْ فَارَقَهُ. . . إلَخْ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ لَا تَجِبُ، وَإِلَّا لَمَا سَاغَ ذَلِكَ التَّرَدُّدُ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرْته، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ مُفَارَقَتُهُ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْجَنَائِزِ - ضَعِيفٌ وَإِنْ تَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ؛ فَفِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ لِ (ص) جَازَ لَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ، كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ.

وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ عَلِمَ قِيَامَ إمَامِهِ لِخَامِسَةٍ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي ضَعْفِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِضَعْفِهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: لَوْ عَادَ إمَامُهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ لِلْمَأْمُومِ انْتِظَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى؛ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ السَّهْوِ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ كَسُجُودِ الْحَنَفِيِّ لِ (ص) ، وَلِكَوْنِ جِنْسِ السُّجُودِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُغْتَفَرًا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْظَرْ هُنَا لِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ نَظِيرُ مَا لَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فَقَصَّرَ فِيمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْمُفَارَقَةُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَأْمُومِ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ فِي صُورَتِنَا، فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يُنْتَظَرُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مَحْسُوبٌ لَهُ فَلَمْ يُحْدِثْ مَا يُنَافِي صِحَّةَ صَلَاتِهِ؛ لِاسْتِمْرَارِهِ فِي الْقِيَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ وَفِي الْجُلُوسِ فِي غَيْرِهَا، وَهُمَا مَحْسُوبَانِ لَهُ؛ فَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلْإِمَامِ لَا مُتَابِعٌ لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ؛ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي صُورَةِ الْجُلُوسِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فِي ظَنِّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَابِعًا لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا مُنْتَظِرًا لَهُ، وَمُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ. قُلْت: لَنَا فِي الِانْفِصَالِ عَنْ ذَلِكَ مَسْلَكَانِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَقُولُ لَا يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا بَلْ يَقُومُ وُجُوبًا ثُمَّ يَنْتَظِرُهُ فِي الْقِيَامِ إنْ شَاءَ.

وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ مَا ذُكِرَ، وَمِنْ تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهَا، وَتَطْوِيلُهَا مُبْطِلٌ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؛ وَالثَّانِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا؛ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ؛ فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْكِفَايَةِ: (وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ) - صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَابَعَةِ الْحِسِّيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْقُدْوَةِ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَنْظُومِ وَيُتَابِعَهُ فِيهِ بِأَنَّ الْقُدْوَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَتُهُ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ؛ إلَّا إنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ اهـ.

وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِإِيجَابِهِمْ الْمُفَارَقَةَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى فِي الْمَغْرِبِ بِمُصَلِّي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثَمَّ أَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا أَوْ جُلُوسًا لَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَإِنْ قُلْتَ مَا الَّذِي يَتَّجِهُ؛ هَلْ هُوَ وُجُوبُ الْقِيَامِ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الِانْتِظَارَ، أَوْ جَوَازُهُ جَالِسًا؟ قُلْتُ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِظَارُ جَالِسًا بَلْ يَلْزَمُهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ فَوْرًا ثُمَّ إنْ شَاءَ فَارَقَ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَمَّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ.

وَإِنَّمَا

ص: 179

أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لَا مُنْتَظِرٌ، وَلَا يُنَافِيه مَا قَدَّمْته عَنْ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حِسِّيَّةٌ لَا حُكْمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَابَعَهُ فِيمَا لَا يُحْسَبُ لَهُ بِخِلَافِ انْتِظَارِهِ لَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ لِتَبَايُنِهِمَا حِسًّا، وَكَذَا انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّهُ مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ عَلَى أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَقَطْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ قَيَّدَ جَوَازَ الْمُتَابَعَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ تُؤَدِّ إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ، وَهِيَ هُنَا تُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَتَطْوِيلُهَا كَتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فِي الْبُطْلَانِ كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ قُلْت: تَطْوِيلُهَا هُنَا لِلْمُتَابَعَةِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ.

قُلْت: هِيَ مُتَابَعَةٌ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ امْتِنَاعُهَا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته مِنْ امْتِنَاعِهَا فِي التَّشَهُّدِ - قَوْلُ الْمَجْمُوعِ السَّابِقُ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي امْتِنَاعِهِ فِي صُورَتِنَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْته. وَيُؤَيِّدُ وُجُوبَ الْقِيَامِ الَّذِي قُلْنَاهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ انْتَصَبَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ بِلَا تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ، وَإِنْ عَادَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَوْ قَامَ وَعَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَكِنْ مَتَى عَلِمَ أَوْ تَذَكَّرَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ فَوْرًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ فَمَنْعُهُمْ لَهُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي الْجُلُوسِ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْهَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ شَخْصٍ خُوطِبَ بِسُنَّةٍ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ مَا صُورَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صُورَتُهُ مَا إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ لِأَجْلِ السُّجُودِ، وَبِعَوْدِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، فَهَذَا خُوطِبَ بِسُنَّةٍ، وَهِيَ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ؛ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَعُدْ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ الَّذِي لَا يُشْرَعُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَطْرَأَ الشَّكُّ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا بِالْعَوْدِ نَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه أَيْضًا عَنْ شَخْصٍ صَلَّى الظُّهْرَ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَثَمَانِ قِيَامَاتٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، فَمَا صُورَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِذَا رَجَعَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ صَدَقَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَفِي السُّجُودِ يُسَنُّ لَهُ الْعَوْدُ أَيْضًا أَوْ يَجُوزُ. وَعَلَيْهِ فَيُزَادُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيُقَالُ بِثَمَانِ رُكُوعَاتٍ وَثَمَانِ سَجَدَاتٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ ثُمَّ الرُّكُوعُ ثُمَّ الْعَوْدُ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ جَوَازُهُ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً مَا لَمْ تَتَوَالَ أَفْعَالُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ بَدَلُ ثَمَانِ رُكُوعَاتٍ سِتَّةَ عَشَرَ رُكُوعًا أَوْ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سُجُودًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ فَارَقَ إمَامَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ الرُّكُوعُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رُكُوعٍ ثَانٍ فِيهِ نَظَرٌ؟ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْإِمَامِ فِيهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الرُّكُوعِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - عَنْ إمَامٍ سَجَدَ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ الثَّانِيَةَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - هَلْ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَوْرًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجِبُ ذَلِكَ؛ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَرَائِطِ السُّجُودِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالشَّرَائِطِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السَّجْدَةِ فَعَادَ فَوْرًا إلَى الْقُعُودِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَجَدَ قَاصِدًا عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَوْ طَرَأَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السُّجُودِ وَاسْتَمَرَّ فِيهِ وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الصِّحَّةَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ قَامَ

ص: 180

قَبْلَ إمَامِهِ سَهْوًا مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ قِيَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ قَامَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِتَقْصِيرِ الْإِمَامِ بِجُلُوسِهِ حِينَئِذٍ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ الْعَوْدُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ صَلَّى مِنْ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى لَغَا مَا أَحْرَمَ بِهِ وَبَنَى عَلَى الْأُولَى إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِصَلَاةٍ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ يُلْغِي إحْرَامَهُ الثَّانِيَ، وَيَعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ فَلِأَيِّ مَعْنًى لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا هُنَا أَوْ لَمْ يُلْغِ مَا هُنَا كَمَا هُنَاكَ؟

(أَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَتَى بِمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْ صَلَاةٍ أُخْرَى مُغَايِرَةٍ لِلْأُولَى فَكَانَ ذَلِكَ صَارِفًا عَنْ الِاعْتِدَادِ بِهِ عَمَّا بَقِيَ مِنْهَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَمَا أَتَى بِهِ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا فَأَلْغَى إحْرَامَهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ سَهْوًا وَاعْتَدَّ بِمَا أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا صَارِفَ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّجَافِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ حَصَلَ رِيحٌ كَرِيهٌ أَوْ رُؤْيَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَوْ نَظَرُ مَا يُلْهِيه فَهَلْ يَكُونُ الصَّفُّ الثَّانِي أَوْ غَيْرُهُ إذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَاتِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا - أَنَّ الصَّفَّ الثَّانِيَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا خَلَا عَمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَوْ نَحْوِهِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ حَصَلَ لَهُ مِنْ نَحْوِ الزَّحْمَةِ وَرُؤْيَةِ مَا ذَكَرَ مَا يَسْلُبُ خُشُوعَهُ أَوْ يُنْقِصُهُ، وَإِلَّا فَفِي كَوْنِ الصَّفِّ الثَّانِي الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالتَّجَافِي أَفْضَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ الدُّخُولُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ بَلْ مَا يَسَعُهُ لَوْ تَضَامَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فَوَاتُ التَّجَافِي أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَرِ مَا يُلْهِيه وَنَحْوِهِ أَنَّ نَظَرَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَرْكِ التَّجَافِي عَلَى مَا حَقَقْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ حَمْلِ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ يُكْرَهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَأَكَّدَةِ كَالْأَبْعَاضِ أَوْ الَّتِي قِيلَ بِوُجُوبِهَا أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَبَيَّنَ كَوْنَهُ مُحْدِثًا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَالِكِيٍّ مَثَلًا فَلَا يُبَسْمِلُ ثُمَّ تَبَيَّنَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ فَمَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ فِيهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رضي الله عنه يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ وَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْعَقِيدَةِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهَا الْبَحْثَ عَنْهَا، وَيُطَّلَعُ عَلَيْهَا غَالِبًا فَكَانَ الْمَأْمُومُ هُنَا صَادِرًا مِنْهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فَأُمِرَ بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْكَرَاهَةُ لَكِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمَهَا أَخْذًا مِنْ نَصٍّ فِي الْأُمِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَهُ نَصٌّ آخَرُ بِكَرَاهَةِ الِارْتِفَاعِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ كَرِهَ رضي الله عنه صَلَاةَ الْإِمَامِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، وَالْمَأْمُومُونَ خَارِجُهَا وَعَلَّلَهُ بِعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ فَقَدْ تَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ نَصَّيْنِ أَخَذَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا النَّصِّ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ وَتَرَكُوا النَّصَّ الْآخَرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ؛ إذْ ارْتِفَاعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُخِلُّ نِظَامَ تَمَامِ الْمُتَابَعَةِ الْمَطْلُوبَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأُمِّ لَيْسَ نَصًّا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ فِي الْعُلُوِّ لِحَاجَةٍ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِنَفْيِ الْحُرْمَةِ وَنَفْيِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِعُلُوِّ الْمُؤَذِّنِينَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ عَلَى مُخَالَفَةِ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

((وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ إتْيَانِ الْمُصَلِّي بِرُكْنٍ كَالْقِرَاءَةِ حَالَةَ النِّسْيَانِ هَلْ تُحْسَبُ لَهُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ أَتَى بِهِ حَالَةَ الشَّكِّ، وَلَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ فَقَامَ وَأَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ نَاسِيًا وَأَتَى بِالسُّجُودِ عَلَى قَصْدِ النَّافِلَةِ هَلْ يُحْسَبُ عَنْ سُجُودِ الرُّبَاعِيَّةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْسَبُ مَا قَرَأَهُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ لَا الشَّكِّ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مَنْسُوبٍ لِتَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الشَّاكِّ، وَتُحْسَبُ تِلْكَ السَّجْدَةُ، وَإِنْ أَتَى بِهَا

ص: 181

عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا مِنْ النَّافِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَائِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: لَا تُحْسَبُ وَانْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالنَّفَلِ الْمُسْتَقِلِّ أَوْلَى بِعَدَمِ الِاحْتِسَابِ مِنْ سَجْدَةِ الِاسْتِرَاحَةِ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ اشْتِمَالِ النِّيَّةِ عَلَى تِلْكَ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَسِيَ كَانَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَمَا بَعْدَهُ لَغْوًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَحَلِّ السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ فَتُحْسَبُ لَهُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَتَى بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي نَافِلَةٍ أُخْرَى لِعُذْرِهِ بِنِسْيَانِهِ الْمُتَسَبِّبِ عَنْهُ هَذَا الظَّنُّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّ هَذِهِ فَعَلَهَا لِعَارِضٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَكَانَ ذَلِكَ صَارِفًا لِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تُحْسَبْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْ سُجُودِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا صَارِفًا غَيْرَ مَعْذُورٍ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُسْبَانِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ لَحِقَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ مَثَلًا وَسَجَدَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ نَاسٍ فَذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً وَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ هَلْ يَسْجُدُهَا أَوْ يَسْجُدُ الْجَمِيعَ إذَا لَمْ يَسْجُدْ أَوْ يَتْرُكْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي فِي شَرْحِي لِلْمِنْهَاجِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لَهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ وَيَصِيرُ كَالرُّكْنِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَاهِيًا عَنْهُ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِلَّا تُعَادَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ مِنْهَا رُكْنًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِسُجُودِ إمَامِهِ لِلتِّلَاوَةِ إلَّا وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ لَمْ يُتَابِعْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ فَاتَ مَحَلُّهُ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ مَأْمُومٍ سَلَّمَ إمَامُهُ فَقَامَ لِإِتْيَانِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَرَأَى فِي قِيَامِهِ سُجُودَ إمَامِهِ لِلسَّهْوِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلسُّجُودِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ أَوْ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلسُّجُودِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خَطَأَهُ فِي عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ يَعُودُ إلَى الصَّلَاةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ تَحَلُّلٌ لِمَا قَرَّرُوهُ أَنَّ السَّلَامَ مَتَى شُرِعَ بَعْدَهُ الْعَوْدُ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ سَلَامِ التَّحَلُّلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ لِلصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ بَانَ أَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ وَالْمَأْمُومُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ لِلْإِتْيَانِ بِمَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَلَّمَ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ بِذَلِكَ إلَّا وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ وَيُلْغِي مَا أَتَى بِهِ ثُمَّ يَقُومُ وَيَأْتِي بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ لَوْ قَامَ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا إذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إتْمَامِهِ إيَّاهُ وَالْمَأْمُومُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ بَعْدُ أَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ وَتَرْكُ الْبَقِيَّةِ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ أَمْ لَهُ الْقُعُودُ لِلْإِتْمَامِ إتْيَانًا بِمَا أُمِرَ بِهِ أَوْ يُقَالُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْمُكْثُ بِقِرَاءَةِ الْبَقِيَّةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ فَهَلْ الْأَوْلَى الْمُتَابَعَةُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: اضْطَرَبَتْ فِي ذَلِكَ فَتَاوَى مَشَايِخِنَا وَأَهْلِ عَصْرِهِمْ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةِ التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الْقُنُوتُ عِنْدَ تَرْكِ إمَامِهِ لَهُ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْإِمَامُ، وَإِنَّمَا أَدَامَ مَا كَانَ فِيهِ الْإِمَامُ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ إتْيَانِهِ بِالتَّشَهُّدِ عِنْدَ تَرْكِ إمَامِهِ لَهُ لِمَا فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَمَنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالتَّخَلُّفِ لِلْإِتْمَامِ وَالْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ فَلَا يُقَاسُ الْإِتْمَامُ بِأَصْلِ الْإِتْيَانِ فَتَدَبَّرْهُ لِيَظْهَرَ لَك ضَعْفُ مَنْ مَنَعَ التَّخَلُّفَ لِلْإِتْمَامِ كَالتَّخَلُّفِ لِلْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا سَوَّوْا بَيْنَ التَّخَلُّفِ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالتَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهَا فِي امْتِنَاعِهِمَا عِنْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُورَةَ لَهُ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْ الْمَأْمُومِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ السُّورَةِ نَعَمْ قَيَّدَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَ التَّخَلُّفِ لِذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّفَ إلَى إنْ قَامَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَخَلُّفِهِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِسُنَّةٍ وَالتَّخَلُّفُ بِهِمَا وَلَوْ لِسُنَّةٍ مُبْطِلٌ وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ

ص: 182

فَالْأَوْلَى الْمُتَابَعَةُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَا يَشْتَغِلُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ كَالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَنَّهُ هُنَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ سُنَّ لَهُ التَّخَلُّفُ لِلْإِتْمَامِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْقُنُوتِ فَإِنْ قُلْت: إذَا تَخَلَّفَ لِلْإِتْمَامِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُوَافِقِ أَوْ الْمَسْبُوقِ قُلْت إذَا تَخَلَّفَ لِذَلِكَ فَإِنْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مِنْ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ الْمُوَافِقُ فَيَتَخَلَّفُ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ فَيَقْرَأُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَغَلَ الْمَسْبُوقُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ بِجَامِعِ تَقْصِيرِ كُلٍّ بِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّةٍ عَنْ فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفَاتِحَةُ كُلُّهَا مُطْلَقًا فَيَتَخَلَّفُ لَهَا مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ ثُمَّ إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِمَّا لَزِمَهُ فَإِنْ أَتَمَّهُ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ بِشَرْطِهِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا فَإِنْ فَرَغَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ فَإِنْ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْهُوِيَّ لِلسُّجُودِ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ فَقَدْ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبَانِ إكْمَالُ مَا فَوَّتَهُ وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ فَتَلْزَمُهُ، هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مَعْذُورٌ فَيَتَخَلَّفُ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ كَالْمُوَافِقِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ نَقَلَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ إلَى السُّجُودِ أَوْ عَكَسَ هَلْ يُسَنُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوْ لَا فَرْقَ إلَّا فِي الْأَعْلَى وَالْعَظِيمِ أَوْ لَا وَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ كَمَا فِي الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ التَّسْبِيحِ يَقْتَضِي السَّهْوَ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا سُجُودَ لِنَقْلِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا لَكِنْ كَلَامُ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي السُّجُودَ وَبِأَنَّهُ لَا يُقَاسُ نَقْلُ نَحْوِ التَّسْبِيحِ عَلَى نَقْلِ نَحْوِ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ الْأَبْعَاضَ آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَتْ السُّورَةُ بِالْفَاتِحَةِ لِتَأَكُّدِهَا وَشِبْهِهَا بِهَا اهـ.

وَلَمَّا ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قُلْت عَقِبَهُ: قَدْ تَتَبَّعْت مَا نُقِلَ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي مَظَانِّهِ فَلَمْ أَرَهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَنَقْلُ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إلَى غَيْرِ مَحَالِّهَا الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّسْبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَالِافْتِتَاحِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ. . . إلَخْ وَلَا كَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ أَوْ بَدَلَهُ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَقْلِ التَّسْبِيحِ الْمُخْتَصِّ بِمَحَلٍّ كَسُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ، وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي السُّجُودِ مَثَلًا، وَالْقِيَامُ لَيْسَ مَحَلًّا لِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وَمُخْتَلَفٌ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا وَيُبْطِلُ مَا ذَكَرَهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ بِنِيَّتِهِ مُقْتَضٍ لِلسُّجُودِ مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ مَحَلٌّ لِلدُّعَاءِ فِي الْجُمْلَةِ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ بِالنِّيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَقْلِ نَحْوِ التَّسْبِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ أَنَّ هَذَا تَسْبِيحٌ نَحْوُ الرُّكُوعِ كَالْقُنُوتِ بَلْ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت الْفَتَى وَشَيْخَنَا زَكَرِيَّا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. بَحَثَا ذَلِكَ وَسَوَاءٌ فِي نَقْلِ مَا مَرَّ النَّقْلُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا أَمْرًا مُتَأَكَّدًا كَتَأَكُّدِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ نَقْلَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَى السُّجُودِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَعَكْسِهِ يَقْتَضِي السُّجُودَ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَذْكُورَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِي: الْمُخْتَصِّ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نَقْلٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي أَحَدِهِمَا يَقَعُ فِي مَحَلِّهِ.

وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا فِي تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ

ص: 183