المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب شروط الإمامة وما يتعلق بها] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[باب شروط الإمامة وما يتعلق بها]

الْعَوْدُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْبَقَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَلَا كَذَلِكَ فِي التَّشَهُّد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا حَضَرَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الَّذِي صَلَّى أَوْ لَا أَنْ يَؤُمّهُمْ كَذَلِكَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَهَلْ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ اللَّذَيْنِ صَلَّيَا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِعَادَة لَا تَجُوزُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَدْبِهَا مَرَّةً بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَمْ لَا. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى هُوَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة أَمْ لَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَة الْأُولَى إمَامًا وَمَأْمُومًا فَقَطْ سُنَّ لَهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا إعَادَتُهَا ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى هُوَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة لَكِنْ تَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَة فِي الْمُعَادَة فِي وَقْتِ الْكَرَاهَة.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا وَقَدْ حَرَّرْت ذَلِكَ مَعَ فَوَائِدَ نَفِيسَةٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَاصِلُ بَعْضِهَا وَتُسَنُّ الْإِعَادَة وَلَوْ فِي صُبْحٍ أَوْ عَصْرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَلَبَهَا إيمَاءً فِي الصُّبْحِ وَصَرِيحًا فِي الْعَصْرِ وَتُسَنُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إمَامُ الْأُولَى أَكْمَلَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَلَبَهَا مَعَ كَوْنِهِ الْإِمَامَ فِي الْأُولَى وَلَا نَظَرَ لِوَقْتِ الْكَرَاهَة؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ لَهَا سَبَبٌ وَهُوَ حِيَازَةُ الْجَمَاعَة لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَرَجَاءُ حِيَازَةِ فَضِيلَةٍ أُخْرَى لِمَنْ صَلَّى جَمَاعَةً وَقَضِيَّته أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِ الْإِعَادَة إذَا لَمْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِ الْمُعَادَة فَإِنْ كُرِهَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لَمْ تَجُزْ الْإِعَادَة خَلْفَهُ لِعَدَمِ الْفَضِيلَة حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ مُبْتَدِعًا أَمْ فَاسِقًا أَمْ غَيْرَهُمَا إذْ كُلُّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة يَمْنَعُ فَضِيلَتَهَا.

وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مَحَلَّ سَنِّ الْإِعَادَة مَعَ جَمَاعَةٍ إذَا كَانُوا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ تُكْرَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ ثَانِيًا وَمَحَلَّ نَدْبِهَا مَعَ الْمُنْفَرِدِ إذَا اعْتَقَدَ الْمُنْفَرِدُ إبَاحَتَهَا أَوْ نَدْبَهَا وَإِلَّا امْتَنَعَتْ لِانْتِفَاءِ الْفَرْضِيَّةِ. إذْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُخَالِف مَكْرُوهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة وَيَلْزَمُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إمَامًا لِأُخْرَى وَقْتَ الْكَرَاهَة نِيَّةُ الْإِمَامَة؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِلْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ حَوْزُ الْفَضِيلَة وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نِيَّةِ الْإِمَامَة فَمَعَ عَدَمِهَا يَكُونُ نَفْلًا لَا سَبَبَ لَهُ بَلْ لَا يُبْعِدُ وُجُوبَ نِيَّةِ الْإِمَامَة مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِعَادَة فِي هَذِهِ حَوْزُ الْفَضِيلَة وَهُوَ مُنْتَفٍ حَيْثُ انْتَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَة أَمَّا لَوْ أَعَادَ مَعَ مُنْفَرِدٍ أَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَعَادَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَلَا يَلْزَمُ نِيَّةُ الْإِمَامَة فِيهِمَا؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْأُولَى وَحُصُولُ صُورَةِ الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة مَطْلُوبٌ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا مُخْرِجًا لِصَلَاتِهِ الْمُعَادَة عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا لَا سَبَبَ لَهُ أَوْ لَا مُقْتَضَى لِإِعَادَتِهَا ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيُّ.

قَالَ لَوْ دَخَلَ إلَى مَحَلٍّ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَوْ الْعَصْرَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامًا وَيُصَلِّيَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنِفٌ لِصَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَة بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا اهـ. وَيَتَعَيَّن حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة لِمَا قَدَّمْته وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِجَمَاعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة لَمْ يُسْتَحَبّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعِيدًا مُنْفَرِدًا بِلَا سَبَبٍ وَالْأَذْرَعِيُّ سَبَقَهُ لِذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فَقَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا مَعَ جَمَاعَةٍ تُقَامُ وَيَكُونُ هَذَا إمَامَهُمْ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بِهِ الْإِعَادَة عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا أَنْ يَنْوِي الْإِمَامَة إذْ لَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَة مُنْفَرِدًا بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِيهَا اهـ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَة مُطْلَقًا وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَة وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْيَمَنِيِّينَ اهـ. حَاصِلُ مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِمَزِيدِ الْفَائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ بَابٌ نَافِذٌ مَفْتُوحٌ عُلْوِيٌّ يَمْنَعُ الْمُرُورَ أَوْ كَانَ بِهِ شُبَّاكٌ يُغْلَقُ عُلْوِيٌّ أَوْ سُفْلِيٌّ يَمْنَعُ الْمُرُورَ أَيْضًا أَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ سُفْلِيٌّ مَفْتُوحٌ لَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ وَلَا الرُّؤْيَةَ ثُمَّ جُعِلَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ دُونَ الْمُرُورِ أَوْ رُدَّ بَعْضُهُ أَوْ سُتِرَ بَعْضُهُ بِالثَّوْبِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَهَلْ تَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَأْمُوم بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ خَلْفَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا إذَا كَانَ يُعْلَمُ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْخَوْخَةَ كَالشِّبَاكِ

ص: 218

فَتَكُونُ مِمَّا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَكِنْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ عَالِيَةٍ فِي الْجِدَارِ لَا يُتَطَرَّقُ مِنْهَا عَادَةً إذْ الْمَدَارُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ الْعَادِيِّ وَحَيْثُ وُجِدَ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَيْضًا إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى السَّهْلِ وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْجَبَلِ فَإِنْ كَانَ الْجَبَلُ يُمْكِنُ صُعُودُهُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا كَانَ مَكَانُ الِارْتِقَاءِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ.

وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ السُّورِ الْمُنَيَّفِ يَقِفُ عَلَيْهِ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامُ عَلَى الْقَرَارِ اهـ. فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّورِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِسُهُولَةِ الِاسْتِطْرَاقِ لَا بِإِمْكَانِهِ عَلَى بُعْدٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ فِيمَا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ بِسَطْحِ دَارِهِ وَعَلَى الطَّرِيقَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِطْرَاقِ إلَيْهِمَا وَلَا تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ كَانَ الْمُرُورُ مُمْكِنًا لَكِنْ بِانْعِطَافٍ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَإِلَّا لَصَحَّتْ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَصُّل إلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بِانْعِطَافٍ وَبِتَسَوُّرِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ صَحَّحُوا بُطْلَانَ الْخَارِجِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْمُسَامِت لِجِدَارِهِ.

وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ لِحَيْلُولَةِ الْجِدَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَيْ: وَإِنْ أَمْكَنَ رُقِيُّهُ وَالْوُصُولُ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِطْرَاقًا عَادِيًّا. فَإِنْ قُلْت يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ لَوْ كَانَا عَلَى سَطْحَيْنِ صَحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ عَرِيضٌ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّهْرِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ. قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يُعَدَّانِ مُجْتَمِعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَغَايُرَ بَيْنَ بِنَائِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ فِي بِنَاءِ جِدَارِهِ جِدَارُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ مُخْتَلِفٌ فَاشْتُرِطَ سُهُولَةُ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْ تِلْكَ الْخَلْوَةِ فِي ذَلِكَ الْجِدَارِ وَلَمَّا تَغَايَرَ بِنَاءُ مَنْ بِالسَّطْحِ وَمَنْ بِقَرَارِ الْمَسْجِدِ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ الِاسْتِطْرَاقِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْقَمُولِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَكِنَّ إطْلَاقَهُ الْبُطْلَانَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ لِلْمَسْجِدِ. إلَّا بِنَحْوِ انْعِطَافٍ وَازْوِرَارٍ أَيْ: مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ.

وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ التِّلْمِسَانِيِّ أَنَّ السِّتْرَ الْمُرْخَى كَالْبَابِ الْمَرْدُود؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ بِهِ تَمْنَعُ الِاجْتِمَاعَ بِخِلَافِ حَيْلُولَةِ نَحْوِ الشَّارِعِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَة غَيَّرَ بَعْضَ حُرُوفِهَا فَيَقُولُ فِي الْمُسْتَقِيمِ الْمُصْطَقِيمَ هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَمْ لَا إذَا وُجِدَ أَقْرَأُ مِنْهُ؟ .

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ أَبْدَلَ حَرْفًا مِنْ الْفَاتِحَة لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ بِأَنْ كَانَ يُبْدِلُ ذَلِكَ الْحَرْفَ الَّذِي يُبْدِلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَقُولُ الْمُصَلِّي أُصَلِّي سُنَّةَ الْعِيدِ. وَكَذَا فِي الْوِتْرِ أُصَلِّي صَلَاةَ الْوِتْرِ وَكَذَا الضُّحَى أَصَلَّى صَلَاةَ الضُّحَى وَكَذَا سُنَّةُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَكَيْفَ يَنْوِي صَلَاةَ الْجِنَازَة وَمَا أَحْسَنَ مَا يَقُولُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ سُنَّةُ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ الضُّحَى أَوْ الْكُسُوفِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوْلَى نِيَّةُ الْوِتْرِ ضَعِيفٌ وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّ الْعِيدَ الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ وَأَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ وَكَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْجِنَازَة أُصَلِّي عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ إنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَرْضَ كِفَايَةٍ مَأْمُومًا إنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ شَخْصٍ لَهُ بَيْتٌ مُلَاصِقٌ لِجِدَارِ الْمَسْجِدِ. وَلَهُ بَابٌ يُفْتَحُ وَيُغْلَقُ مِنْ جِهَةِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ حَالَ الصَّلَاة وَالْقُدْوَة بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ فَتَحَ الْبَابَ لَكِنْ فِي مَوْقِفِهِ لَمْ يَرَ الْإِمَامَ وَلَا بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْمُبَلِّغَ فَقَطْ بِالتَّكْبِيرِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا التَّبْلِيغ كَافٍ مِنْ الْمُؤَذِّن أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ وَيَكُونُ الْحُكْمُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْإِمَامُ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهُ بِالشَّارِعِ الْمَطْرُوق أَوْ بِالْفَضَاءِ بِشُرُوطِهِ يَكْفِي التَّبْلِيغ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِلْإِمَامِ أَوْ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ الْمَأْمُوم فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَتُهُ لِلْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ كَالْوَاقِفِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَكْفِي هُنَا سَمَاعُ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه مَا حَقِيقَةُ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرِيمِهِ وَهَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ حَقِيقَةِ هَذِهِ الرَّحْبَةِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ أَنَّهَا

ص: 219

مَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَسْجِدِ مُحْجَرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ وَأَنَّهَا مِنْهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ صَلَّى فِيهَا مُقْتَدِيًا بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ كَمَا مَرَّ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي بِبَابِ جَامِعِ دِمَشْقَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّاعَات رَحْبَةٌ وَخَالَفَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَاهِبًا إلَى أَنَّهَا صَحْنُ الْمَسْجِدِ وَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَتَأَمَّلْت مَا صَنَعَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاسْتِدْلَالَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى الْمَقْصُودِ اهـ. وَلَيْسَتْ تُوجَدُ لِكُلِّ مَسْجِدٍ وَصُورَتُهَا أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ بُقْعَةً مَحْدُودَةً مَسْجِدًا ثُمَّ يَتْرُكَ مِنْهَا قِطْعَةً أَمَامَ الْبَابِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَحْبَةٌ وَكَانَ لَهُ حَرِيمٌ أَمَّا لَوْ وَقَفَ دَارًا مَحْفُوفَةً بِالدُّورِ مَسْجِدًا فَهَذَا لَا رَحْبَةَ لَهُ وَلَا حَرِيمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِجَانِبِهَا مَوَاتٌ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَحْبَةٌ وَحَرِيمٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ تَمْيِيزُهَا مِنْهُ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ دُونَهُ وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ الْقِمَامَاتِ وَالزِّبَالَاتِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَسْوِسِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاكِّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ إنَّهَا خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي أَفْعَالِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ جَمَاعَةً قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ عَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إمَامًا بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ الْإِمَامَةِ اهـ.

وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ عَزْلُهُ حَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَأْمُومِينَ بِإِبْطَاءٍ أَوْ تَطْوِيلٍ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالشَّكِّ بِأَنَّهُ يَكُونُ بِعَلَامَةٍ كَتَرْكِ ثِيَابٍ مِنْ عَادَتِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ عَادَتُهُ التَّسَاهُلُ فِي إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الطَّهَارَةُ قَدْ عَارَضَهُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ وَالِاحْتِيَاطُ هُنَا مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ الْوَسْوَسَةِ فَإِنَّهَا الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ بِأَنْ لَمْ يُعَارِضْ الْأَصْلَ شَيْءٌ كَإِرَادَةِ غَسْلِ ثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ اشْتَرَاهُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَالِاحْتِيَاطُ حِينَئِذٍ تَرْكُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ وَبِأَنَّ الْمُوَسْوِسَ يُقَدِّرُ مَا لَمْ يَكُنْ كَائِنًا ثُمَّ يَحْكُمُ بِحُصُولِهِ كَأَنْ يَتَوَهَّمَ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ بِثَوْبِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِوُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ الْوَسْوَسَةُ تَقْدِيرُ مَا لَمْ يَكُنْ إنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِكَوْنِهِ كَائِنًا حَتَّى يَكُونَ الْوَاجِبُ غَسْلَهُ عِنْدَهُ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُحْرِمُ وَهَكَذَا وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ حَرَامَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنْ كَانَتْ قَدْ صَحَّتْ حَرُمَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ رَأَى عَلَى نَحْوِ بَدَنِ فَاسِقٍ نَجَاسَةً ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَهَلْ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ ثَوْبِهِ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْمَسْبُوقِ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ هَلْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَمْ بِقِرَاءَةٍ مُعْتَدِلَةٍ إذَا كَانَ هُوَ بَطِيءَ الْقِرَاءَة؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَسْبُوقِ وَالْمُوَافِقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْء وَاَلَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَيَّنْته فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُوَافِقَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ كَأَنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ يَتَخَلَّفُ لِإِتْمَامِهَا مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ اعْتَبَرُوا قِرَاءَةَ نَفْسِهِ لَكَانَ مَسْبُوقًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّف.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُوَافِقًا أَوْ مَسْبُوقًا مَاذَا يَفْعَلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا شَكَّ الْمَأْمُومُ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَوْ مَسْبُوقٌ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا مُنْذُ سِنِينَ مَعَ تَطَلُّبِهِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي الْآنَ فِيهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعَارَضَ مَعَهُ وَاجِبَانِ وَأَصْلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ وَقَضِيَّته وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَعَدَمُ جَوَازِ التَّخَلُّف لِإِتْمَامِهَا كَمَنْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَالْأَصْلُ أَيْضًا أَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالْفَاتِحَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ حَتَّى يَتَحَقَّق أَنَّهُ مَسْبُوقٌ

ص: 220

وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِ الْفَاتِحَةِ وَعَدَمُ جَوَازِ الْمُتَابَعَةِ وَإِذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ وَوَاجِبَانِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ مُرَجِّحُ أَحَدِهِمَا ضَعِيفًا أَوْ أَمْكَنَ إلْغَاؤُهُمَا وَالْعَمَلُ بِغَيْرِهِمَا وَجَبَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِع كَثِيرَةٍ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ وَتَكُونُ مُفَارَقَةً بِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ عَلَيْهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْبُوقًا عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَوَّتَ وُجُوبَ تَكْمِيلِ الْفَاتِحَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي أَوْ مُوَافِقًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي فَوَّتَ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا مَخْرَجَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ. فَإِنْ قُلْت إسْقَاطُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَإِدْرَاكُهُ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُوَافِقًا قُلْت وَاغْتِفَارُ تَخَلُّفِ الْمُوَافِقِ بِأَكْثَر مِنْ رُكْنَيْنِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا صُورَتُهُ فَرِّقْ مَنْ يَأْتِي بَيْنَ الشَّكِّ وَالْوَسْوَاسِ؟ فَقَالَ إنَّ مَا يَخْتَصُّ وُقُوعُهُ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَهُوَ وَسْوَاس لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ الشَّكُّ وَكُلّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ وَلَيْسَ بِسَهْوٍ وَحُكْمُ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ تَدَارُكُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ.

وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِيَادِ شَيْءٍ بِالتَّكْرَارِ وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَّات فَمَا فَوْقُ وَالْعِبَادَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ امْتِثَالِ الْأَوَامِر وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي وَالْأَوَامِرُ هِيَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنَاهِي الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِنْ قَرُبَ الْعَهْدُ بِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْبَسْمَلَةَ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الرُّكُوعَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ فِي الِاعْتِدَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِذَا شَرَعَ الْمُصَلِّي فِي الْإِقَامَةِ ذَاكِرًا لِلصَّلَاةِ الَّتِي يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِيهَا فَلَا تَعْزُبُ تِلْكَ النِّيَّةُ وَلَا يُمْكِنُ نِسْيَانُهَا إلَّا لِهُجُومِ حَادِثٍ عَظِيمٍ وَمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ حِفْظَ أَشْيَاء وَذَكَرَهَا ثُمَّ اعْتَرَاهُ نِسْيَانٌ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَعْتَادُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ حِفْظِ أَشْيَاء وَعَدَمِ نِسْيَانِهَا فَذَلِكَ مِثْلُهَا وَمُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ كَافٍ فِي انْعِقَادِ الصَّلَاةِ اهـ. مَا أَوْرَدَهُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ الْعَلَّامَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مُحَرِّمُهُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَرَحِمَهُ مِنْ الضَّابِطِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ سَيِّدِي حَفِظَهُ اللَّهُ وَزَادَهُ عِلْمًا وَنُورًا وَتَوْفِيقًا وَكَمَالًا أَنْ يَشْرَحَ جَمِيعَ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ بِبَسْطٍ وَإِيضَاحٍ وَتَمْثِيلٍ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِ.

وَكُلُّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ. وَقَوْلِهِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ إلَخْ وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْجَامِعَةِ لِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاء مَا لَفْظُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَكُّهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْتَادُهُ وَيَتَكَرَّرُ لَهُ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ اهـ. وَقَوْلِهِ فِي الضَّابِطِ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ إلَخْ هَلْ مُرَادُهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ الشَّكُّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ أَوْ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَرْكُهُ أَوْ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ شَكَّ لَمْ يَبْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ.

وَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّكُّ بِسَبَبِ مُشَوِّشٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ الشَّكُّ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ فَأَكْثَرُهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ تَخْصِيصَهُ الْوَسْوَاسَ وَالشَّكَّ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَجْرِي فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ الْوَسْوَاسَ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَا غَلَبَ إلَخْ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسُ إمَّا مَذْمُومٌ وَهُوَ الْعَمَلُ بِكُلِّ مَا طَرَقَ الذِّهْنَ أَوْ يَتَخَيَّلهُ الْوَهْمُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْأَئِمَّةُ النَّكِيرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَكْثَرُوا مِنْ ذَمِّهِ وَتَقْبِيحِ طَرِيقِهِ وَذَمِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ بَلْ شَبَّهَ بَعْضُهُمْ مَنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ بِقَوْمٍ مِنْ كُفَّارِ الْهِنْدِ الْمُتَغَالِينَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى أَنْكَرُوا جَمِيعَ الْحَقَائِق الْمَوْجُودَة الْمُشَاهَدَةِ بِالْحِسِّ وَقَالُوا إنَّهَا كُلَّهَا خَيَالٌ وَبَاطِلٌ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ الْقَبَائِح الشَّنِيعَةِ الَّتِي يَبْرَأُ عَنْهَا السَّمْعُ وَلَا يَقُولُ بِهَا عَاقِلٌ مَا إهْمَالُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.

ص: 221

فَالْمُوَسْوِسُونَ كَهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مِنْهُمْ كَمَا شَاهَدْنَاهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُ يَدَهُ أَوْ بَدَنَهُ دَاخِلَ الْمَاءِ وَلَا يَزَالُ يَغْمِسُهَا الْمَرَّات الْكَثِيرَةَ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ ارْتِفَاعَ حَدَثِهَا بَلْ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا يَتَيَقَّنُ رَفْعَ حَدَثٍ كَمَا حَكَى لِي بَعْضُ الثِّقَات أَنَّ مُوَسْوِسَيْنِ أَجْنَبَا فَخَرَجَا إلَى بَحْرِ النِّيلِ لِيَغْتَسِلَا فِيهِ فَوَصَلَا إلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ انْزِلْ انْغَمِسْ فِي الْمَاءِ وَأَنَا أَعُدُّ لَك وَأُخْبِرُك هَلْ عَمَّ الْمَاءُ رَأْسَك أَوْ لَا فَنَزَلَ وَاسْتَمَرَّ يَنْغَمِسُ وَذَلِكَ يَقُولُ لَهُ بَقِيَ عَلَيْك شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ رَأْسِك لَمْ يَعُمّهُ الْمَاءُ فَلَا زَالَ كَذَلِكَ إلَى قُرْبِ الظُّهْرِ فَتَعِبَ وَطَلَعَ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ رَفْعَ جَنَابَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ انْزِلْ وَأَنَا أَعُدُّ لَك فَنَزَلَ وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ وَاسْتَمَرَّ إلَى قُرْبِ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَيْضًا رَفْعَ جَنَابَتِهِ فَطَلَعَ وَرَجَعَا شَاكَّيْنِ فِي بَقَاءِ جَنَابَتِهِمَا وَتَرَكَا صَلَاةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَذَا يُشْبِهُ طَرِيقَةَ الْكَفَرَةِ الْمَذْكُورِينَ وَاعْتِقَادَهُمْ بَلْ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ وَقَدْ قَوِيَ الْوَسْوَاسُ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَدْرَكْته حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ عِيَالِهِ وَأَوْلَادِهِ فَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فِي الْبَرَارِي فَلَمْ يُدْرَ لَهُ الْآنَ مَكَانٌ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ خَبَرٌ وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ دَاءٌ عُضَالٌ قَلَّ مَنْ يَقَعُ فِي وَرْطَتِهِ وَيَنْجُو مِنْهَا وَالْجُنُونُ دُونَهُ بِكَثِيرٍ فَإِنَّهُ يُنْحِلُ الْبَدَنَ وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ بَلْ وَالْإِدْرَاكَ وَالْفَهْمَ وَيَصِيرُ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْبَهِيمَةِ لَا يَهْتَدِي لِخَيْرٍ قَطُّ.

وَلَا تَصِحُّ لَهُ عِبَادَةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَى فِكْرِهِ وَجَعْلِهِ سُخْرِيَةً وَهُزُءًا يَلْعَبُ بِهِ كَيْفَ أَرَادَ وَقَدْ شَاهَدْت أَيْضًا مَنْ لَهُ فِطْنَةٌ وَذَكَاءٌ وَفَهْمٌ دَقِيقٌ فِي الْعُلُومِ وَجَمَالٌ مُفْرِطٌ اُبْتُلِيَ بِهِ حَتَّى انْتَحَلَ وَتَغَيَّرَتْ صُورَتُهُ الْآدَمِيَّةُ وَتَوَحَّشَ وَاعْتَزَلَ النَّاس جُمْلَة وَلَمْ يَصِرْ لَهُ مَأْوًى إلَّا بُيُوت الْأَخْلِيَةِ وَالْمَاء الَّذِي عِنْدهَا فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَبَالَغُوا فِيهِ وَهُوَ حَقِيقٌ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوع مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ.

وَقَدْ قَالُوا يُكْرَهُ إمَامَةُ الْمُوَسْوِسِ. وَأَمَّا مَحْمُودٌ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ بِأَنْ لَا يُوقِعَهَا إلَّا عَلَى وَجْهٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي الْوَرَعُ فِي الْعِبَادَاتِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ فَقَدْ كَانُوا يَمْشُونَ حُفَاةً وَيُصَلُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ وَقَدْ أَكَلَ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَانِي الْمَجُوسِ وَلَبِسَ جُبَّةً مِنْ نَسْجِهِمْ وَأَحْوَالُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ شَهِيرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُوَفَّقِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَأُحِبُّ أَنْ يُغْسَلَ حَصَى الْجِمَارِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْن غَسْلِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ مَذْمُومًا مَا لَمْ يَغْلِبْ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَالظَّنُّ إلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ الطَّوَافُ الرَّاجِحُ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجْحَان نَشَأَ مِنْ التَّكْرَارِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إلَخْ صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَة فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ التَّذْكِيرِ وَلَا أَنْ يُخْطِرَهُ بِبَالِهِ.

وَأَمَّا إذَا وَقَعَ التَّذَكُّرُ فَوَاضِحٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُبْهَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فَإِنْ زَالَ فَوَاضِحٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ وَكَانَ فِي وَاجِبٍ تَعَيَّنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَهْمًا أَيْ: طَرَفًا مَرْجُوحًا أَمْ ظَنًّا أَيْ: طَرَفًا رَاجِحًا أَمْ شَكًّا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ سَوَاءٌ أَنَشَأَ مِنْ سَبَبٍ مُشَوَّشٍ أَمْ لَا وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ.

وَقَوْلُهُ وَإِذَا شَرَعَ الْمُصَلِّي إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعَ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّم وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُقَارَنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوص وَقَدْ تَعْزُبُ النِّيَّةُ لِشِدَّةِ اشْتِغَالِ النَّفْسِ أَوْ تَعَلُّقِهَا بِمَأْلُوفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلِذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْمُقَدِّمَاتِ بَلْ اشْتَرَطُوا وُجُودَهَا حَقِيقَةً عِنْدَ أَوَّلِ الْمَقَاصِدِ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفَ نَفْسَهُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ حَصْرَهُ الْوَسْوَاسَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِتَعْرِيفِهِ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْقُدْوَةِ بِمَنْ شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ لِأَجْلِ قِلَّةِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا هَلْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الْقُدْوَةَ تَصِحُّ بِمَنْ ذُكِرَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مُبْطِلًا لِصَلَاتِهِ فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ

ص: 222

شَخْصٍ رَأَى مُصَلِّيًا جَالِسًا فَظَنَّ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ وَأَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَجَلَسَ مَعَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ جُلُوسَ ذَلِكَ الْمُصَلِّي بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَقَامَ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَسْبُوقِ أَوْ حُكْمَ الْمُوَافِقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّهِيرَة بِطُولِ النِّزَاعِ فِيهَا وَهِيَ أَنْ يَظُنّ عِنْدَ سَمَاعِ التَّكْبِيرِ أَنَّهُ لِلتَّشَهُّدِ فَيَجْلِسُ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ. فَأَفْتَى شَيْخُنَا خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَالْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْعُبَابِ وَالْكَمَالُ الْقَادِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ وَأَفْتَى السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَالشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ كَالْمُوَافِقِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالسَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَالسَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَهُ ذِكْرٌ فَغَلَطُهُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ يُرَدُّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُوم فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَبَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة فَإِنَّ السَّاهِيَ عَنْهَا أَدْرَكَ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ فَلَزِمَهُ التَّخَلُّف لَهَا وَغَايَةُ عُذْرِهِ أَنَّهُ مَنَعَ الْبُطْلَانَ بِتَخَلُّفِهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُوم فِي مَسْأَلَتنَا وَنَظِيرَتهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ الْإِمَامَ جَالِسًا لِلتَّشَهُّدِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ الْإِتْيَان بِالْجُلُوسِ فَانْتِقَاله إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمَزْحُوم لِلْجَرْيِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَزْحُوم بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّجُودِ يَكُونُ كَالْمَسْبُوقِ لِعُذْرِهِ بِإِلْزَامِهِ بِالتَّخَلُّفِ الْمُفَوِّت عَلَيْهِ مَحَلَّ الْقِرَاءَة كَذَلِكَ الْمَأْمُوم فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَخَلَّفَ لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ فَإِذَا فَاتَ بِسَبَبِهِ إدْرَاكُ مَحَلِّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَة سَقَطَتْ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَزْحُوم بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّف حَتَّى فَاتَ مَحَلُّ الْقِرَاءَة.

فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْمَزْحُوم مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِظَنِّهِ فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ بَانَ خَطَؤُهُ وَالظَّنّ وَحْده لَا عِبْرَة بِهِ فِي الْعِبَادَات وَإِنْ لَمْ يَبِنْ خَطَؤُهُ فَمَا بَالُك وَقَدْ بَانَ خَطَؤُهُ قُلْت مَحَلُّ عَدَمِ اعْتِبَارِ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ.

وَأَمَّا مَا سَقَطَ بِهِ كَالْفَاتِحَةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الظَّنُّ إذَا مَنَعَهُ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَار وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة وَعَنْ الْقُدْوَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَدْرَكَ مَحَلَّهَا بِالْفِعْلِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ السَّهْوُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَانَ غَايَةُ الظَّنِّ أَنَّهُ كَالسَّهْوِ. وَأَلْحَقْنَاهُ بِالسَّهْوِ عَنْ الْقُدْوَةِ كَالْقِرَاءَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ شَامِلٌ لِمَنْ ظَنَّ الزَّحْمَةَ فَتَخَلَّفَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا زَحْمَةَ فَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَة أَوْ وَالْإِمَامُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُهَا وَحِينَئِذٍ فَيَنْدَفِعُ الْقَوْلُ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَصْلِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ نَامَ مُتَمَسِّكًا فِي تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَانْتَبَهَ فَوَجَدَ إمَامَهُ رَاكِعًا تَخَلَّفَ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْبُوقًا. وَلَا فِي حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَتنَا وَرُبَّمَا يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَقْصِير وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ.

وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ لِإِكْمَالِ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ إمَامِهِ فَلَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ التَّخَلُّف لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْفَاتِحَة لِتَقْصِيرِهِ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ فَهُوَ أَشَدُّ تَقْصِيرًا مِنْ مَأْمُومٍ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَة سَهْوًا فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُوم بِذَلِكَ فَتَابَعَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ بِظَاهِرِ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا أَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِنِسْبَتِهِ إلَى نَوْعِ تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ

ص: 223

لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة نَظِيرَ مَا قَالُوهُ أَيْضًا لَوْ اقْتَدَى الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ الْإِمَامُ سَاهِيًا فِي إتْيَانِهِ بِزَائِدَةٍ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ جَاهِلًا زِيَادَتَهَا وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ أَشْكَلَ الثَّانِي وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي أَشْكَلَ الْأَوَّلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ بَانَ أَنَّ إمَامَهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَام وَلَوْ سَهْوًا لَزِمَ الْمَأْمُوم الْإِعَادَة بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام لَا يَخْفَى فَيُنْسَبُ الْمَأْمُوم إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ تَرْكِ النِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْفَاتِحَة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِذَا أَلْزَمُوهُ بِالْإِعَادَةِ فِي تَرْكِ التَّحَرُّم وَلَوْ سَهْوًا فَكَذَلِكَ نُلْزِمُهُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ تَرْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْفَى سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً إذْ التَّحَرُّم لَا فَرْقَ فِي تَرْكِهِ بَيْنَ السِّرِّيَّة وَالْجَهْرِيَّة لَا يُقَالُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّحَرُّم يُوجِبُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَة؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ لَسَاوَى النِّيَّةَ. وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا تَخْفَى بِخِلَافِهِ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَة كَتَرْكِ التَّحَرُّم.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالنَّصُّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا لِمَرَضٍ فَزَالَ فِي أَثْنَائِهَا فَلَمْ يَقُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَهُمْ وَإِنْ دَامُوا عَلَى مُتَابَعَته مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مَعْرِفَةُ قُدْرَتِهِ بِنَحْوِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِ فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مُبْطِلٍ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ كَنِيَّةِ الْقَطْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُوم بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا كَسُرْعَةِ الْحَرَكَةِ الدَّالَّةِ. عَلَى زَوَالِ الْمَرَضِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَة.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاء بِالْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّة وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهِ أَيْ: لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاع عَلَى حَالِهِ عَادَةً بِخِلَافِ نَحْوِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَقَوْلُهُمْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَجْهُولِ الْحَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ مَا لَمْ يُسِرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ أَعَادَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع إذْ الظَّاهِرُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ لِلْجَهْرِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَة لِخَرَسٍ فَارَقَهُ وُجُوبًا. بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهُ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ.

فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ لَحَنَ إمَامُهُ لَحْنًا مُغَيِّرًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالْمُصَلِّي خَلْفَ جُنُبٍ قُلْت هَذِهِ مَقَالَةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحهمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ وَاللَّحْنُ الْمُغَيِّر أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ فِي نَفْسهَا صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ لَحْنًا يُغَيِّرُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ إتْيَانُهُ بِزَائِدَةٍ وَلَوْ عَمْدًا عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ فَإِنْ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَلْ وَتُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ بِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ ظَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الظَّنُّ إلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْقَرَائِن الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ لِزَائِدَةٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ تَرَكَهُ لِلتَّحَرُّمِ أَوْ لِلْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ قَرَائِنُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّرْكِ حَالَ وُجُودِهَا وَلَمْ يَقُمْ فِي نَفْسِ الْمَأْمُوم مَا يُحِيلُ الْمُبْطِلَ فَكَانَ مُقَصِّرًا فَلَزِمَهُ الْإِعَادَة.

وَأَمَّا هُنَا فَلَا تَقْصِيرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. لِمَا قَرَّرْته أَنَّهُ لَا قَرَائِن يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا سِيَّمَا وَقَدْ قَامَ فِي نَفْسِهِ مَا يُحِلُّ الزِّيَادَة وَهُوَ ظَنُّهُ أَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَمَعَ هَذَا الظَّنِّ لَا يُتَصَوَّر وُجُودُ قَرِينَةٍ عَلَى الزِّيَادَة وَإِلَّا لَمْ يَظُنّ أَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ تَعْلِيلُهُمْ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ هُنَا بِعَدَمِ التَّقْصِير مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ صِحَّتِهَا فِي تَرْكِ التَّحَرُّم بِأَنَّهَا لَا تَخْفَى فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ وَهَذَانِ وَإِنْ تُوُهِّمَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحَكُّمٌ لَكِنْ عِنْدَ تَأَمُّلِ مَا قَرَّرْته يَظْهَرُ وَجْهُهُمَا وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ التَّوَهُّم فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِمْ يُرَاعِي الْمَسْبُوق نَظْمَ الْمُسْتَخْلِف فَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْفَاتِحَة وَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَة فَهَلْ عَلَى الْخَلِيفَة الرُّكُوعُ وَيَأْتِي

ص: 224

بَعْدَ سَلَامِهِ بِرَكْعَةٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَة فَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ أَمْ لَا تُحْسَبُ لِكَوْنِ قِرَاءَتِهِ لَيْسَتْ مَحَلَّ قِرَاءَةِ إمَامِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَة وَتُحْسَبُ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ التَّشَهُّد إذَا جَلَسَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى بَقَاءِ إمَامِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَجِبْ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوق قِرَاءَةُ التَّشَهُّد اهـ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَوْ بَقِيَ إمَامُهُ قَرَأَ الْفَاتِحَة خَلْفَهُ فَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقْرَؤُهَا فِي مَحَلِّهَا بِفَرْضِ بَقَاءِ الْإِمَامِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِرِعَايَةِ هَذَا الْفَرْضِ أَعْنِي فَرْضَ بَقَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْمَأْمُوم إذَا كَانَ بَعِيدًا أَوْ بِهِ صَمَمٌ وَقَرَأَ سُورَةً بَعْدَ الْفَاتِحَة وَلَمْ يَرْكَعْ إمَامُهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ أَوْ يَسْكُتَ أَوْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ أَوْرَادِهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بِأَنَّ فِي الْمَجْمُوع يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآتِيَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ بِالنَّدْبِ إذْ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ صَرِيحٌ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ الرَّبِيعِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فَقَالَ نَعَمْ وَأَفْعَلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ. الَّتِي كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ كُلُّ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِهِ السُّورَةَ الْوَاحِدَة فَلَوْ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّةِ الْقِرَاءَة وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَرَأَ فِي الصُّبْحِ إذَا زُلْزِلَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ جَلَسَ هُوَ وَإِمَامُهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ إمَامُهُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُكْمِلَهُ وَإِذَا كَمَّلَهُ وَقَامَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ فَهَلْ يَكُونُ مَسْبُوقًا فَمَا حُكْمُهُ أَوْ مُوَافِقًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ إمَامَهُ لِلْقُنُوتِ حَيْثُ قَالُوا يُسَنُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَفِي الْمَسْبُوقِ حَيْثُ قَالُوا يُسَنُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالِافْتِتَاحَ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَ الْفَاتِحَةِ لَوْ أَكْمَلَهُ وَلَحِقَ الْإِمَامَ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَسْبُوقٍ اشْتَغَلَ بِنَحْوِ الِافْتِتَاحِ فَرَكَعَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ فَإِذَا قَرَأَ بِقَدْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ وَكَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَهَلْ يَكُونُ كَالْمُوَافِقِ يَجْرِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ أَوْ يُتَابِعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ الْأَوَّلُ وَمَشَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِي لِلرَّوْضِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَادِمِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فَهُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ لَكِنْ مَشَى جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَاب مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الثَّانِي.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا صُورَته مَا ضَابِطُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَهَلْ يَقْطَعُهُ تَخَلُّلُ نَحْوِ مِنْبَرٍ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّ الْمِنْبَرَ يَقْطَعُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ الْمَمْدُوحَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا وَسَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَقْتَضِيه ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ ثُمَّ نَقَلَ فِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهُ نَحْوُ مَقْصُورَةٍ وَآخَرَ أَنَّهُ الَّذِي سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ وَغَلَّطَهُمَا وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةٌ كَانَ الْمُقَابِل لَهَا مِنْ الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ مَثَلًا صَفًّا أَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَيْهَا. وَإِلَّا فَوُقُوفُهُ دُونَهَا مَكْرُوهٌ إذْ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ فِي صَفٍّ قَبْلَ إكْمَالِ الَّذِي يَلِيهِ

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ يُكْرَهُ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مُتَّجَهٌ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي الْأَوَّلِ بِمَا إذَا بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ

ص: 225

تَصْوِيرِ ابْنِ الْأُسْتَاذِ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ بِحَنَفِيٍّ افْتَصَدَ بِمَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مُتَّجَهٌ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ حَتَّى فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَيْفَ يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِهِ لَكِنَّ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ.

(وَسُئِلَ) رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ رَجُلٍ اقْتَدَى بِخُنْثَى مُعْتَقِدًا أَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَانَ أَنَّهُ خُنْثَى ثُمَّ بَانَ رَجُلًا فَهَلْ تَصِحُّ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ اقْتَدَى الْخُنْثَى بِامْرَأَةٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى حَيْثُ صَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْإِعَادَة؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَة فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَة وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى اعْتَقَدَ مَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَمْ تَجِبْ الْإِعَادَة إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَظَنِّ الْمُكَلَّف وَهُنَا تَطَابَقَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَة فَقَدْ اعْتَقَدَ غَيْرَ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأُلْغِيَ هَذَا الِاعْتِقَادُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا ذُكِرَ وَإِذَا لُغِيَ لَزِمَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَة.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ جَرَّ شَخْصًا مِنْ الصَّفِّ لِيُحْرِم مَعَهُ فَهَلْ تَفُوتُهُ سُنَّةُ الصَّفِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِمُطَاوَعَتِهِ لِجَارِّهِ فَلَمْ يَتْرُكْ قُرْبَةً إيثَارًا لِغَيْرِهِ بِهَا بَلْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ فَضِيلَةُ الصَّفِّ لَمْ تَفُتْهُ وَإِنْ قُلْنَا بِفَوْتِ ثَوَابِ الْجَمَاعَة لِمَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيَنْبَغِي أَنَّ ثَوَابَ مُطَاوَعَتِهِ أَعْلَى مِنْ ثَوَابِ الصَّفِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الصَّفِّ هَلْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الصَّفِّ أَوْ الْجَمَاعَة؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَة لِقَوْلِهِمْ كُلُّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة يَفُوتُ ثَوَابُهَا أَيْ: وَإِنْ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً حَتَّى لَا كَرَاهَةَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا مَعَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة مَا تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهَا بِأَنْ لَا يُتَصَوَّرَ وُقُوعُهُ مِمَّنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه صَلَّى صُفُوفٌ وَرَاءَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ فُرْجَةٍ فِيهِ تَسَعُ جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا فَهَلْ يَفُوتُ غَيْرَ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ عَدَمُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَحَيْثُ تَرَكُوا فُرْجَةً فَلَا تَسْوِيَةَ وَهَذَا مَكْرُوهٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة فَتَفُوتُ فَضِيلَتُهَا وَهَلْ تَفُوتُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ كُلِّهِمْ مَا عَدَا أَهْلَ الصَّفِّ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْمَجِيءُ إلَى تِلْكَ الْفُرْجَةِ أَوْ عَلَى مَنْ يَلِيهَا مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي فَقَطْ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالْأَقْرَب فَوَاتُهَا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا وَأَمْكَنَهُ الْمَجِيءُ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي وَغَيْرِهِمْ لِتَقْصِيرِ الْكُلِّ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ خَرْقِ الصُّفُوفِ لِلْفُرْجَةِ وَالْمُرُورِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِمْ وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِصَفَّيْنِ لِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ مِثْلُ التَّخَطِّي فِي الْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِمَّنْ جَلَسَ وَبَيْنَ يَدِهِ فُرْجَةٌ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ دُونَ إمَامِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَنَتَ دُونَهُ مُصَلِّي الظُّهْرَ وَرَاءَهُ أَوْ غَيْرُهُ فَمَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ التَّخَلُّف لِسُنَّةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَحْدَثَ جُلُوسًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَة فَإِنَّمَا طَوَّلَ قِيَامًا فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُحْدِثْ قِيَامًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَمِنْ ثَمَّ جَلَسَ الْإِمَامُ وَلَوْ لِكَلِمَةٍ مِنْ التَّشَهُّدِ كَانَ لِلْمَأْمُومِ التَّخَلُّف لِإِتْمَامِهِ كَالْقُنُوتِ فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ مَا ضَابِطُ الْمَسْبُوقِ وَالْمُوَافِقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ضَابِطِهِمَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُوَافِقَ مَنْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ آخَرُونَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقُ بِخِلَافِهِ.

وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ مَعَ الْإِمَامِ مَسْبُوقٌ وَإِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَضْعَافَهُ وَالْتِزَامُ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالْمُنَافَاةِ لِكَلَامِهِمْ وَمِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَنَا مَسْبُوقٌ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِأَنَّ التَّعْبِير بِالْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُوَافِقُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ قُلْت هَلْ

ص: 226

يُمْكِنُ رَدُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ قُلْت نَعَمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِالْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ وَمِثْلُهُ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لِمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَثَلًا إذْ لَا يَظُنُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسَكَةٍ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوَافِقٍ جَزْمًا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِمَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مِنْ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ؟ احْتِمَالَات لَمْ أَرَهَا وَالْأَخِيرُ مِنْهَا أَقْرَبُ وَأَضْبَطُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ بَطِيئًا وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَأَكْثَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَوْ الزَّمَنُ الْمُعْتَدِلُ دُونَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَلِمَا يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْبَطِيءَ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ يَكُونُ دَائِمًا مَسْبُوقًا وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ يَسَعُ الْفَاتِحَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ لَزِمَتْهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلِهَا مِنْ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ وُقُوفٍ بِقَدْرِهَا.

فَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَةِ مُوَافِقٍ فَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ وُصُولِهِ لِإِيَّاكَ نَعْبُدُ مَثَلًا قَامَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا أَوْ مَسْبُوقًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْقِيَامِ الثَّانِي اتِّسَاعُهُ لِقِرَاءَةِ مَا بَقِيَ وَعَدَمُهُ لَا لِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا.

(وَسُئِلَ) عَنْ مَأْمُومٍ تَشَهَّدَ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَقَامَ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَهَلْ هُوَ حِينَئِذٍ مَسْبُوقٌ أَوْ مُوَافِقٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَفْتَى جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لَوْ لَمْ يَظُنّ مَا ذُكِرَ فَغَايَةُ ظَنِّهِ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِلْبُطْلَانِ لَا مُسْقِطًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَالْأَقْرَب الثَّانِي وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَامَ وَجَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ حُرْمَةُ التَّقَدُّمِ عَلَى إمَامِهِ بِفِعْلٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ فِي نَحْوِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهَا الْإِمَامُ وَيَتْرُكُهَا الْمَأْمُومُ أَوْ عَكْسُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَائِمِ عَامِدًا وَسَاهِيًا بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْعَوْدِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ حَيْثُ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ إلَى فَرْضٍ آخَرَ وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَمُقْتَضَى صِحَّةِ الْقَصْدِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فِيهِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ لَا تَقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَخَلَ وَقْتُهُ بِإِتْمَامِ السُّجُودِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ مُخَالِفٍ لِلرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رُكْنٍ بَلْ فِي مُقَدِّمَةِ الرُّكْنِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَأْمُومُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ وَعَكْسِهِ حَيْثُ حَرُمَ وَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لَا غَرَضَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا لِسُنَّةٍ مَعَ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا فَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ أَوْ الْمُوَافِقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُحْتَمَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْ الْمَأْمُومِ مَا لَزِمَهُ وَلِأَنَّ إدْرَاكَ الْمَسْبُوقِ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ فَلَا يُنَاطُ مَعَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلِأَنَّ التَّخَلُّف عَنْ الْإِمَامِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ مِنْ تَرْكِ إكْمَالِهَا وَمُتَابَعَة الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ هَاوِيًا هَلْ يَصِحُّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى أَنْهَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَام قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ أَقْرَبَ إلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ عَارٍ أَفْقَهَ وَمَسْتُورٍ فَقِيهٍ مَنْ الْمُقَدَّم مِنْهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَارِيَ مُقَدَّمٌ إذْ لَا نَقْصَ فِيهِ يُعَارِضُ فَضِيلَتَهُ الَّتِي زَادَ بِهَا وَأَيْضًا فَفَضِيلَتُهُ ذَاتِيَّةٌ وَذَاكَ كَمَالُهُ بِالسَّتْرِ عَرَضِيٌّ لَا ذَاتِيٌّ وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ مُقَدَّمٍ اخْتَلَّ فِيهِ شَرْطٌ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَة كَالتَّيَمُّمِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه.

ص: 227

عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا شَرَعَ فِي الرَّابِعِ وَالْمُوَافِقُ لَمْ يَرْكَعْ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَابَعَته هَلْ يَشْمَلُ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ وَالْقِيَامَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَشْمَلُهُمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْمُرَادِ بِالشُّرُوعِ هَلْ هُوَ الْأَخْذُ فِي مُقَدِّمَتِهِ فَحَيْثُ شَرَعَ فِي الْجُلُوسِ أَوْ الْقِيَامِ وَجَبَتْ مُتَابَعَته وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَامِ وَإِلَى السُّجُودِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّشَهُّدِ أَقْرَبَ أَوْ الِانْتِهَاءِ إلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَلِيلُ انْحِنَاءٍ. كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَهُوَ الْأَوْجَهُ ثُمَّ هَلْ مُرَادُهُمْ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ الرُّكْنُ أَوْ مَا يَشْمَلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الرُّكْنِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَعَلَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ مُتَابَعَته حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَيَشْرَعَ فِي الْقِيَامِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي اعْتِدَاله بِغَيْرِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيُتَابِعهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْتَفَرُ لَهُ هُنَا تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى جَوَازَ تَطْوِيلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَته فِيهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ سَاجِدًا وَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ إلَّا فِي سَجْدَةِ الْإِمَامِ الثَّانِيَة. مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة فَسَجَدَهَا مَعَهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَمِرّ فِيهَا حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَيَسْجُدَ الْأُخْرَى وَأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْجُدَ الْأُخْرَى وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِي هَذِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مَرْدُودٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ سَجَدَ ثُمَّ إنْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ حَصَّلَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَجْلِسُ مَعَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ إمَامٍ اقْتَدَى بِهِ جَمَاعَةٌ ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ آخَرِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَكَيْفَ صَحَّ اقْتِدَاءُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى عِلْمِكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ عَنْ الْجَمَاعَة ثُمَّ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْجَمَاعَة الْمَذْكُورِينَ بِهِ أَوْضِحُوا لَنَا كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامٍ آخَرَ سَوَاءٌ نَوَى مُفَارَقَةَ الْمَأْمُومِينَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ آخَرَ إلَّا إنْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ الْأَوَّلِ. وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَإِذَا اقْتَدَى الْإِمَامُ بِإِمَامٍ آخَرَ بَطَلَ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِينَ بِهِ فَإِنْ عَلِمُوا فَوْرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ مُفَارَقَته فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ تَابَعُوهُ فِي فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي سَلَامٍ بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ وَكَذَا إنْ جَهِلُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى مُتَابَعَته؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ.

فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ وَإِنْ ظَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَإِذَا بَطَلَ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِينَ بِهِ فَلَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِمَنْ اقْتَدَى إمَامُهُمْ بِهِ وَلَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا مُنْفَرِدِينَ وَهَذَا أَعْنِي جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِإِمَامٍ آخَرَ وَبُطْلَانَ الْأَوَّلِينَ بِهِ وَجَوَازَ اقْتِدَائِهِمْ بِمَنْ اقْتَدَى إمَامُهُمْ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ «فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَاءَ وَتَأَخَّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَنَوَى النَّاسُ مُفَارَقَةَ أَبِي بَكْرٍ وَالِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا فَنَتَجَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا قُلْنَاهُ.

وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ خَلَفَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه» فَقَالَ فِيهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ نِيَّةِ الْمُنْفَرِدِ الِاقْتِدَاءَ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِ بِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورَةِ وَبَيَّنُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمَامَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ وَبِمَا رَوَاهُ

ص: 228

أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَحْرَمَ فَأَحْرَمَ النَّاسُ خَلْفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ خَرَجَ وَاغْتَسَلَ وَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ وَتَحَرَّمَ بِهِمْ» .

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَنْشَئُوا اقْتِدَاءً جَدِيدًا لِانْفِرَادِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلَا يُنَافِيه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ إذَا نَوَى شَخْصٌ الِاقْتِدَاءَ بِرَجُلٍ ثُمَّ نَوَاهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَة بِالْأَوْتَارِ وَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَات. وَنَوَى بِكُلٍّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ قَالُوا: لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّانِيَة تَتَضَمَّنُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْصُلُ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ خَارِجًا بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلًا بِهِ فِيهَا فَهَلْ يَأْتِي هَذَا التَّوْجِيهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَيْضًا فِي حُصُولِ النِّيَّةِ الثَّانِيَة لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَة قَدْ حَصَلَ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى أَوْ ثَمَّ فَرْقٌ بَيْنَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ فَتَفَضَّلُوا بِهِ جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا؟

فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ تَكْرَارَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَا يَقْتَضِي دُخُولًا فِي الْجَمَاعَة وَلَا خُرُوجًا مِنْهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَات وَنَوَى بِكُلٍّ الِافْتِتَاحَ بِأَنَّ نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ تَقْتَضِي قَطْعَ مَا هُوَ فِيهِ إذْ لَا يَكُونُ افْتِتَاحًا إلَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِرّ شَيْءٌ فَمَفْهُومُ الِافْتِتَاحِ يُنَافِي مَا هُوَ فِيهِ فَأَبْطَلَهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ الِاقْتِدَاءِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِلْأُولَى فَهِيَ تَزِيدُهَا قُوَّةً؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لَهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَكِّدَةٍ فَتَكُونَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ فَيَلْغُو فَهِيَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا تَقْتَضِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَة تَقْبَلُ التَّأْكِيد، بِخِلَافِ نِيَّةِ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ مِنْ نِيَّات الِافْتِتَاحِ مُنَاقِضَةٌ لِلْأُخْرَى؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَقْتَضِي الدُّخُولَ وَأُخْرَى تَقْتَضِي الْخُرُوجَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى التَّأْكِيد فَلِذَا قَالُوا إنَّهُ يَدْخُلُ بِالْأَوْتَارِ وَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ وَأَمَّا نِيَّةُ الْجَمَاعَة فَلَا تُنَاقِضُ الْجَمَاعَة السَّابِقَةِ بَلْ تُوَافِقُهَا فَكَانَتْ مُؤَكِّدَةً لَهَا أَوْ لَغْوًا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ انْتِظَاره فَلَوْ انْتَظَرَهُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَسَجَدَ مَعَهُ لِلسَّهْوِ أَيْ: جَاهِلًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَامَ. الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ يُخَيَّرُ الْمَأْمُومُ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُهُ وَاغْتَرَّ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَضُرُّ الِانْتِظَارُ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ غَيْرِ الْمُقَصِّرِ بَلْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْخَفِيَّة وَالتَّعَلُّمُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا فِي الْفُرُوعِ الظَّاهِرَة دُونَ الْخَفِيَّة.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَبَقَ الصِّبْيَانُ الرِّجَالَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ كَانُوا قُعُودًا فِيهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الرِّجَالُ فَهَلْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ وَيَكُونُ الصِّبْيَانُ أَحَقَّ بِهِ لِسَبْقِهِمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بِالْمُحَقِّقِ وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَاب فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِينَ فِيمَا إذَا حَضَرُوا جَمِيعًا.

أَمَّا إذَا حَضَرَ الصِّبْيَانُ أَوَّلًا قَبْلَ الرِّجَالِ فَلَيْسَ لَهُمْ إزَالَتُهُمْ عَنْ مَوْضِعِهِمْ هَلْ الْمُرَادُ بِالْحُضُورِ مَجِيئُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعًا أَمْ الْمُرَادُ الْحُضُورُ فِي الْمَسْجِدِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصِّبْيَانَ مَتَى سَبَقُوا الْبَالِغِينَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ كَمَا جَزَمْت بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَته (وَ) نُدِبَ أَنْ يَقِفَ (ذُكْرَانٌ) وَلَوْ غَيْرَ بَالِغِينَ، أَوْ بَالِغًا وَصَبِيًّا قَصَدَا الِاقْتِدَاءَ بِمُصَلٍّ أَوْ تَأَخَّرَا عَنْهُ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَرَّ أَوْ رِجَالٌ قَصَدُوا ذَلِكَ (خَلْفَهُ) صَفًّا (ثُمَّ) إنْ ضَاقَ صَفُّ الرِّجَالِ وَقَفَ (صِبْيَانٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ ضَمُّهُ خَلْفَهُمْ وَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بِعِلْمٍ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَضِقْ صَفُّ الرِّجَالِ كُمِّلَ بِالصِّبْيَانِ وَلَوْ حَضَرَ الصِّبْيَانُ أَوَّلًا لَمْ يُنَحَّوْا لِلْبَالِغِينَ (ثُمَّ) يَقِفُ (خَنَاثَى) خَلْفَ صَفِّ الصِّبْيَانِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ صَفُّهُمْ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ وَلَمْ يُكَمَّلْ بِهِمْ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِمْ (ثُمَّ نِسَاءٌ) خَلْفَ الْخَنَاثَى وَإِنْ لَمْ يَضِقْ عَنْهُمْ أَيْضًا وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْبَالِغَاتِ مِنْهُنَّ

ص: 229