الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يُسْتَحَبَّا لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ، فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْجَمْعِ الثَّانِي بَيْنَ تَنَاقُضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ: الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَدْبِ الْإِتْيَانِ بِالْأَذَانِ مُطْلَقًا.
وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي نَدْبِ الرَّفْعِ لَهُمْ، فَإِنْ انْصَرَفَ الْأَوَّلُونَ فَلَا رَفْعَ لِلْإِيهَامِ، وَإِلَّا سُنَّ. وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيّ التَّقْيِيدَ بِانْصِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ - يُرَدُّ بِأَنَّ الْإِيهَامَ فِي حَقِّهِمْ أَشَقُّ لِحُضُورِهِمْ، فَرُوعُوا دُونَ غَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ، إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْته، وَالْوَجْهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى، عَلَى أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ يُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْمَسَاجِدُ، وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا إحْيَاءً لَهُ وَتَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ، إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا، وَأَحَطْت بِهِ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ: إذَا صَلَّى بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ جَمَاعَةٌ، أَوْ وَاحِدٌ سُنَّ لِلْبَاقِينَ الْأَذَانُ ثَانِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ وَصَلَّوْا بِالْأَوَّلِ وَقَدْ سَمِعُوهُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِهِ لِلْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّينَ. وَاتَّضَحَ لَك أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ وَإِنَّمَا يُقَالُ. .. إلَخْ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ مُطْلَقًا. لَكِنْ إنْ كَانَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَأَكَّدْ لَهُمْ؛ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ وَإِلَّا تَأَكَّدَ لَهُمْ، وَكُرِهَ لَهُمْ تَرْكُهُ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِحُكْمِ أَذَانِ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ الْمَفْهُومُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ الْأَذَانَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا كُرِهَ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ ثَانِيًا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِأَخْذِ حُكْمِ أَذَانِهِمْ نَدْبَهُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي تَرْكِهِمْ لَهُ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ فَحَيْثُ وُجِدَ أَجْزَأَ عَمَّنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ، وَلَا تُؤَثِّرُ صَلَاتُهُ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]
سُئِلَ - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، مَا حَدُّهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَالْبَغَوِيُّ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءَ. وَبَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، لَا يُقَالُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْقَصْرِ مِنْ جَوَازِهِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ، أَوْ الْعُمْرَانِ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مِيلًا وَلَا مَحَلًّا لَا يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ، وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ بِخُطًى يَسِيرَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا اشْتِبَاهٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقْصِدِ الَّذِي يُسَافِرُ إلَيْهِ، فَفِي نَحْوِ الْقَصْرِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِي نَحْوِ التَّنَفُّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى مِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْقَصْرِ بِمُجَاوَزَةِ مَا ذُكِرَ - فَمِثْلُهُ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَاوَزَتِهِ، فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُجَاوَزَةِ السُّورِ وَنَحْوِهِ، وَيَخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْصِدِ فَبَطَل مَا تُوُهِّمَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَعْمَى أَنْ يَمَسَّ الْقِبْلَةَ إذَا أَمْكَنَهُ أَوْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَيْهَا أَوْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ؛ بِأَنْ أَخْبَرَهُ جَمَاعَةٌ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْكَعْبَةِ، أَوْ الْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ، وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ؛ مَا لَمْ يَصِلْ لِعَدَدِ التَّوَاتُرِ، أَوْ يَكُونُ نَشَأَ بِمَكَّةَ، أَوْ بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَارْتَسَمَ فِي ذِهْنِهِ مِنْ الْأَمَارَاتِ مَا يَحْصُلُ لَهُ الْيَقِينُ الْجَازِمُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسُّ أَخْذًا مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ؛ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: لِلضَّرِيرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الرُّجُوعُ إلَى خَبَرِ الْمُعَايِنِ لِلْكَعْبَةِ إنْ كَانَ جَمْعًا يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ.
وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَشَرْطُنَا الِاسْتِقْبَالُ بِكُلِّ بَدَنِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِكُلِّ بَدَنِهِ إلَّا أَنَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ خَارِجٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَضُرُّ طَرَفُ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ حَتَّى لَا يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالُ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا بِحَرَكَتِهِ كَمَا فِي السُّجُودِ أَوْ لَا يُفَرَّقَ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ، أَوْ لَا يَضُرُّ طَرَفَ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ بَدَنُهُ خَاصَّةً
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْبَدَنِ لَا بِالثَّوْبِ، فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ عَنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ مُطْلَقًا؛ فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ رحمه الله أَنَّ الثَّوْبَ كَالْبَدَنِ فِي مُحَاذَاةِ هَوَاءِ الْبَيْتِ حَتَّى يَبْطُلَ طَوَافُهُ؛ قُلْت: لَا يُنَافِيه لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْمُسَامَتَةِ؛ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْبَدَنِ لَا بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْعِبْرَةُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ بِخُرُوجِ الطَّائِفِ وَمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عَنْ الْبَيْتِ وَهَوَائِهِ، وَالثَّوْبُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ عَنْ السَّمْتِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْهَوَاءَ لَمْ يَكْفِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّائِفِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ دُخُولُ يَدِهِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ، وَمَا هُوَ مِنْهُ وَلَوْ ظَنًّا كَالشَّاذَرْوَانِ، أَوْ غَيْرَ ظَنِّيٍّ كَهَوَاءِ حَائِطِ الْحَجَرِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالِاسْتِقْبَالِ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا - زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا - وَمَنْ تَعَدَّى وَفَعَلَ هَلْ يُهْدَمُ مَا فَعَلَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ؛ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَةِ الْحِجْرِ وَتَعْلِيَةِ بَابِ الْبَيْتِ وَسَدِّ بَابِهِ الْغَرْبِيِّ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ فِيهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ تَغْيِيرِهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكًا رضي الله عنه فِي تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ.
قَالَ مَالِكٌ: نَشَدْتُك اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَجْعَلْ هَذَا الْبَيْتَ مِلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ، لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ؛ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ. وَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِهِ؛ فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تَغْيِيرِ بِنَائِهَا؛ بَلْ نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ هَدْمَ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ - لَمَّا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ هُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قُرَيْشٍ بِكُفْرٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَجَعَلْتهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، فَمَنَعَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ ذَلِكَ نَظِيرُ مَنْعِ مَالِكٍ الرَّشِيدَ.
وَمَنْ تَعَدَّى وَزَادَ فِي الطُّولِ، أَوْ الْعَرْضِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَيَسَّرَ هَدْمُ مَا زَادَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا إخْلَالٍ بِبِنَائِهَا الْأَوَّلِ وَجَبَ وَإِلَّا امْتَنَعَ؛ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي امْتِنَاعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ.
وَفِي مُفْهِمِ الْقُرْطُبِيِّ: مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ صَوَابًا، وَقَبَّحَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ؛ لَقَدْ جَهِلَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ - حِينَ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ -: لَوْ سَمِعْت ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُهْدَمَ لَتَرَكْته عَلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا بِالتَّثَبُّتِ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَاسْتَعْجَلَ، فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَمُجَازِيهِ، وَلَقَدْ اجْتَرَأَ عَلَى بَيْتِ اللَّهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ اهـ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه لِمَ أَحَبَّ صلى الله عليه وسلم التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالتَّوَجُّهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الرِّضَا بِالْمَأْمُورِ وَمَحَبَّتُهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ بِتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا أَحَبَّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِمَصَالِحَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ؛ وَهِيَ كَوْنُهَا قِبْلَةَ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ - وَكَوْنُ الْعَرَبِ يُعَظِّمُونَهَا؛ فَرَجَا إسْلَامَهُمْ بِهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَوْنُ الصَّلَاةِ إلَيْهَا أَفْضَلَ، عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ السُّبْكِيّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا أَطْوَلُ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكُلَّمَا كَانَ طَلَبُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّاسِخُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْسُوخِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي مَحَبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم التَّوَجُّهَ إلَيْهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَنَسْخِهِ لِغَيْرِهِ، فَالْأَحْسَنُ: الْجَوَابُ الثَّانِي، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَا. أَحَبَّ صلى الله عليه وسلم الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ