الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِمَا يَثُورُ فِي بَاطِنِهِ مِنْ بُخَارَاتِ الْحَرَارَةِ وَرُبَّمَا يُشَقُّ ظَاهِرُ الْأَرْضِ وَيَخْرُجُ مِنْ الشَّقِّ تِلْكَ الْمَوَادُّ الْمُحْتَبَسَةِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَيَكُونُ احْتِبَاسُ تِلْكَ الْأَبْخِرَةِ عَلَامَةً عَلَى تَحَرُّكِ " ق " أَوْ الْحُوتِ وَالْمُشَاهَدَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ وَخُرُوجِ تِلْكَ الْمَوَادِّ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الزَّلَازِلِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا مَضَى فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لِكَلَامِهِمْ وَجْهًا وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ كَلَامَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ الْأُصُولَ لَا بِدَعَ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَهَذَا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. إذْ مَا قَالُوهُ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ تِلْكَ الْآثَارَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا اُتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ الْعِلْمُ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِدُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا. فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامِ لَآلِئَ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا فَشَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَةٌ يَحِلُّ بِهَا خَمْسٌ إذَا أُكِلَ الرِّبَا كَانَتْ الزَّلْزَلَةُ وَالْخَسْفُ وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ جَعَلَ اللَّهُ عَذَابَ أُمَّتِي فِي الدُّنْيَا الْقَتْلَ وَالزَّلَازِلَ وَالْفِتَنَ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا حَدِيثَ «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَرَجْفٌ وَقِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجْفَةٌ يَهْلِكُ فِيهَا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَجْعَلُهَا اللَّهُ عِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَابًا عَلَى الْكَافِرِينَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا بِلَفْظِ «يَهْلِكُ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافٍ عِشْرُونَ أَلْفًا ثَلَاثُونَ أَلْفًا» وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «خَرَابُ مِصْرَ مِنْ جَفَافِ النِّيلِ وَخَرَابُ الْحَبَشَةِ مِنْ الرَّجْفَةِ» وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: " إنَّمَا تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ إذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَتُرْعِدُ فَزَعًا مِنْ الرَّبِّ جل جلاله أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهَا " وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي سَبَبِ الزَّلْزَلَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه مَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِسَعْدِ الْمَنَازِلِ وَبِحُسْنِهَا وَمَا يَكُونُ جَوَابُ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ يَوْمِ كَذَا يَصْلُحُ لِنَقْلَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَضَافَ التَّأْثِيرَ إلَى الْمَنَازِلِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ الْبُرُوجِ أَوْ الْأَيَّامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَادَتَهُ الْإِلَهِيَّةِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نَحْوَ الْمَنْزِلِ أَوْ الْكَوْكَبِ مُؤَثِّرٌ بِنَفْسِهِ كَفَرَ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِيمَنْ يَقُولُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ يَوْمٍ يَصْلُحُ لِنَحْوِ نَقْلَةٍ. يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ حَيْثُ الْيَوْمُ بَلْ يَأْمُرُ بِالِاسْتِخَارَةِ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا إنْ انْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَخِلَافُ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْجَهَلَةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عِلْمِ الرَّمْلِ وَأَمْثَالِهِ هُوَ الْبِدْعَةُ الْقَبِيحَةُ الْمُحَرَّمَةُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ فِي نَدْبِ الْبُرُوزِ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ أَوْ الْعَامِ فَرْقٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِنْ أَمْكَنَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ يَجِبُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهَلْ يَعُمُّ الْمُسَافِرَ وَغَيْرَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمُخَالَفَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَنْهَى عَنْ وَاجِبٍ فَشَمِلَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهَ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ وَجَبَ فِعْلُهُ إذْ لَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً إذْ أَمَرَ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ عَيَّنَ فِي أَمْرِهِ
قَدْرًا فَهَلْ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهُ أَوَّلًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ تَعْيِينَ ذَلِكَ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ تَعَنُّتًا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالصَّدَقَةِ حَاصِلٌ بِخُرُوجِ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ: إذَا صِيمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ مُضِيِّ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ شَعْبَانَ فَسُقُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ فَخَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَالْخُطْبَةِ فَهَلْ هَذَا الْخُرُوجُ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالصَّوْمِ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَمْ لَا لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ وَزَوَالِ السَّبَبِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ لِذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حَتَّى لَوْ سُقُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ حَالَ الصَّوْمِ لَا يَخْرُجُونَ فِيمَا عَدَا الرَّابِعَ وَالسَّابِقُ لِفَهْمِ الْفَقِيرِ أَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ إكْمَالِ الصَّوْمِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ لِذَلِكَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ ثُمَّ وَقَعَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَيَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ أَوْلَى فَمَا الَّذِي تُعْطِيهِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ شَيَّدَ اللَّهُ أَرْكَانَهَا الْغَرَّاءَ بِكُمْ وَلَا زِلْتُمْ فِي نِعَمٍ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ فِي صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَاتَّفَقَ تَرْكُهُ مِنْ شَخْصٍ هَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ يَصِحُّ وَيَكُونُ آثِمًا بِتَرْكِ التَّبْيِيتِ فَقَطْ.
؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَا وَقْتٍ وَأَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ كَوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلشُّكْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَتَكَرَّرُ هَذَا الْخُرُوجُ هُنَا خِلَافًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِذَا أَصَابُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَسُقُوا سُنَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي بَقِيَّتِهِ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَاقِيًا وَسَهُلَ اجْتِمَاعُهُمْ وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَحَيْثُ خَرَجُوا فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الْغَدِ مَا يُسَنُّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَالسُّنَّةُ إذَا خَرَجُوا أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ وَإِلَّا كَانَ وَاجِبًا وَكَذَا إذَا أَمَرَهُمْ بِصَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ مُنَازِعُونَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّبْيِيتُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا أَنَّ الصَّوْمَ صَارَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ لَا لِحَيْثِيَّةِ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى النِّيَّةِ. وَقَدْ أَوْجَبُوهَا فَمَنْ تَرَكَ التَّبْيِيتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِمْ وَحَيْثُ وَجَبَ الصَّوْمُ هُنَا أَوْ سُنَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ وَقَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ هُوَ تَعَاطِي صَوْمٍ لَا سَبَبَ لَهُ وَهَذَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ مُقَارِنٌ فَهُوَ كَإِبَاحَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاللَّفْظُ لِلْإِرْشَادِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ صَلَّوْا شُكْرًا وَيَتَكَرَّرُ بِتَأَخُّرِهِ هَلْ الْمُرَادُ أَنْ يُؤْتَى بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا بِجَمِيعِ سَابِقِهَا وَلَاحِقِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الْإِسْعَادِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ صَائِمِينَ وَلَا يَسْتَأْنِفُونَ صَوْمَ الثَّلَاثِ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّخْصِيصِ وَالتَّفْصِيلِ وَلَوْ اتَّفَقَ احْتِيَاجُ النَّاسِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ فَمَا حُكْمُ الصِّيَامِ ابْتِدَاءً وَتَكْرَارًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرِيحُ لَفْظِهِ فَيُتَحَرَّمُ بِهَا شُكْرًا لَا اسْتِسْقَاءً؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَصَلَّوْا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَخَطَبَ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: شُكْرًا مِنْ زِيَادَتِي وَإِذَا فَعَلُوا مَا مَرَّ فَلَمْ يُسْقَوْا تَكَرَّرَ بِتَأَخُّرِهِ أَيْ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ الْغَيْثِ جَمِيعُ مَا مَرَّ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَا خُطْبَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الصَّوْمُ عَلَى مَا يَأْتِي، فَإِذَا لَمْ يُسْقَوْا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَرَّرُوا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يُسْقَوْا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ كُلِّ خُرُوجٍ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ.
وَلَا خِلَافَ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالثَّانِي عَلَى الْجَوَازِ وَحَيْثُ عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ انْتَهَتْ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَحْوَ ذَلِكَ حَيْثُ قُلْت قَوْلُهُ: كَرَّرُوا. . . إلَخْ يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَالْخُطْبَةُ هُوَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ.
وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَرِّرُوا صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا أَشَدُّ. قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ انْقَطَعَتْ مَصَالِحُهُمْ. . . إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ الْخُرُوجِ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَمَرَّةً عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى ذَلِكَ فَنُزِّلَ عَلَى حَالَيْنِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ فَجَزْمُ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ التَّوَقُّفِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ضَعِيفٌ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَلْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالثَّانِي عَلَى الْجَوَازِ وَحَيْثُ عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ أَنْ يَكُونُوا فِيهِ صَائِمِينَ. اهـ. وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِفَوَائِدِهِ هَلْ الْمُرَادُ إلَخْ وَعَنْ قَوْلِهِ صَرِيحُ لَفْظِهِ. . . إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ شُكْرًا مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِنَدْبِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِشَيْءٍ مِنْ الِانْحِصَارِ فِيهِ.
وَمِنْ ثَمَّ قُلْت عَقِبَهُ وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الشُّكْرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْأَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الشُّكْرُ عَلَى النِّعَمِ السَّابِقَةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ النِّعَمَ اللَّاحِقَةَ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ فَنِيَّةُ الشُّكْرِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِنِيَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ إنْ تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فَلَا يُقَالُ صَرِيحُ لَفْظِهِ أَنَّهُ يَتَحَرَّمُ بِهَا شُكْرًا لَا اسْتِسْقَاءً بَلْ صَرِيحُ لَفْظِهِ يَفْعَلُهَا لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَإِذَا تَحَرَّمَ بِهَا جَازَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّتِهِ. وَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا طَلَبَ الْمَزِيدِ وَإِذَا اتَّفَقَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ جَازَ الصَّوْمُ ابْتِدَاءً وَتَكَرُّرًا لِأَنَّهُ بِسَبَبٍ سِيَّمَا إنْ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا فَإِنْ قُلْت هَلْ يُقَالُ هُنَا بِنَظِيرِ مَا قَالُوهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ وَالْمُتَأَخِّرِ قُلْت نَعَمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قِيَاسُهُمْ الْحُرْمَةَ بِتَفْصِيلِهَا يَوْمَ الشَّكِّ وَنَحْوِهِ عَلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمُقَدَّمِ وَغَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ لَا الْوَقْتِ وَمَنْ قَسَّمَ الْمُقَارِنَ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ ثَمَّ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ يُجَوِّزُ الصَّلَاةَ فَكَذَا الصَّوْمُ.