الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَحَقَّقَ فِي مَحَلِّهِ، وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِنَحْوِ الْأَكْلِ وَاجِبَةٌ فَلَا تُقَاسُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَحِينَئِذٍ اتَّجَهَ مَا ذَكَرْته وَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْقِيَاسِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي صَلَاتِهِ مَا صُورَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْكَافِرَةِ الْمُمْتَنِعَةِ، هَلْ يَجِبُ عَلَى مُغَسِّلِهَا النِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَوْ لَا؟ وَيُفَرِّقُ، وَقَدْ نُقِلَ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَعِبَارَةُ التَّكْمِلَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ (أَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ فَيُغَسِّلُهَا الزَّوْجُ وَيَسْتَبِيحُهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ لِلضَّرُورَةِ وَقِيلَ: يَنْوِي عَنْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي مَسْأَلَةِ نِيَّةِ الْكَافِرَةِ مُتَنَاقِضٌ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَيُعْتَبَرُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي (نِيَّةُ الْكَافِرَةِ اسْتِبَاحَةُ التَّمَتُّعِ، وَالْأَوْلَى نِيَّتُهَا لِإِيهَامِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا كِتَابِيَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ وَمَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا مَحْمُولٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُمْتَنِعَةِ الْمُغْتَسِلَةِ بِإِجْبَارِ الْحَلِيلِ، وَنِيَّةِ غَاسِلِ الْمَجْنُونَةِ وَغَاسِلِ الْمُمْتَنِعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَالْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي يَنْوِي الزَّوْجُ عَنْهَا كَمَا يَنْوِي عَنْ الْمَجْنُونَةِ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا قَصْدٌ مُقَوِّمٌ لِفِعْلِهَا، وَالْكَافِرُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ النِّيَّةُ بَلْ تَلْزَمُهُ فِيمَا إذَا ظَاهَرَ، وَأَرَادَ الْإِعْتَاقَ يُرَدُّ بِأَنَّهُمْ لَوْ نَظَرُوا لِذَلِكَ أَوْجَبُوا عَلَى حَلِيلِ الْمُسْلِمَةِ الْمُمْتَنِعَةِ النِّيَّةَ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ صَيَّرَهَا كَالْمَجْنُونَةِ، وَتَصَوُّرُ النِّيَّةِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ زَوَالِ الِامْتِنَاعِ، وَحِينَئِذٍ الْمَجْنُونَةُ كَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ مِنْهَا بِتَقْدِيرِ زَوَالِ الْجُنُونِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَتْ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْمَدَارِسُ تُسَمَّى مَسَاجِدَ فَتَكُونُ لَهَا تَحِيَّةٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَدْرَسَةُ غَيْرُ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ وَاقِفَهَا جَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَتَصِيرُ مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا حِينَئِذٍ فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُهُ مِنْ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ وَقَفَهَا مَسْجِدًا فَلَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]
(وَسُئِلَ) رحمه الله أَعْرَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْمِنْهَاجِ: (سَاتِرَ) مَحَلِّ فَرْضِهِ وَمَا بَعْدَهُ أَحْوَالًا مَنْ ضَمِيرِ يَلْبَسُ هَلْ يَصِحُّ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ، وَالثَّانِي مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِيَلْبَسَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلْخُفِّ، فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ شَخْصٍ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَأَنْ اسْتَنْجَى بِالْقَلْعِ بِالْحِجَارَةِ مَثَلًا بِشُرُوطِهِ، وَكَانَ التَّيَمُّمُ وَالْقَلْعُ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَهَلْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ إذَا كَانَ الْمُتَيَمِّمُ إنَّمَا اسْتَنْجَى بِالْقَلْعِ لِأَنَّ شَرْطَ التَّيَمُّمِ طَهَارَةُ الْبَدَنِ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ فِي الطَّهَارَةِ مَحَلِّ النَّجْوِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِمْدَادِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ عَلَى الْإِسْعَادِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي كِتَابِهِ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ بِشَرْحِ مَسَائِلِ التَّعْلِيمِ، لَكِنْ هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِفَقْدِ الطَّهَارَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَلْعُ وَالتَّيَمُّمُ بِمَكَانٍ الْغَالِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ:(وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ)، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمُتَوَضِّئٍ وَلَا مُتَيَمِّمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّاشِرِيُّ فِي إيضَاحِهِ فَقَالَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَوَضِّئُ وَالْمُتَيَمِّمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ.
وَأَمَّا الْمُتَيَمِّمُ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ وَالنَّجَسُ؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَوَجَدَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي بِمَحَلِّ النَّجْوِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ، وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يَصِحُّ
هَذَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا، أَيْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَمَّا الْحَاضِرُ، أَيْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِخُبْثِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِهَا عَلَى التَّيَمُّمِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ مُوجِبَ التَّعْيِينِ ثَمَّ عَدِمُ الْإِعَادَةِ، وَهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِيهَا وَالْمَلْحَظُ هُنَا أَنَّهُ لَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ.
وَصَوَّبَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ فَقَطْ، قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ وَيَجِبُ فِي الْخَبَثِ لِقِلَّتِهِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَصَوَّرَ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ، وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ وَبَعْضِ الْحَدَثِ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مَحَلَّ بُطْلَانِ تَيَمُّمِ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهَا أَمَّا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِهَا صَحَّ قَالُوا لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُصَحِّحْ تَيَمُّمَهُ لَعَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَدَنِ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ صَحَّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَاَلَّتِي بِمَحَلِّ النَّجْوِ بِشُرُوطِهِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَاءٍ بِمَحَلِّ النَّجْوِ حِينَئِذٍ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَإِنْ غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ ثُمَّ تَيَمَّمَ صَحَّ تَيَمُّمُهُ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فَلَا إعَادَةَ وَإِلَّا فَالْإِعَادَةُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ بَطَل تَيَمُّمُهُ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، فَإِنْ أَعَادَ التَّيَمُّمَ بَعْدَ غَسْلِهَا تَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ خَشِيَ مِنْ الْغُسْلِ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ الْقَمْلَ أَوْ كَثْرَتَهُ، فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَارِفٌ ثِقَةٌ، أَوْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ كَلَامٍ ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْأَلَمِ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْقَمْلِ أَلَمًا يُسَاوِي زِيَادَةَ أَلَمِ الْمَرَضِ بَلْ يَزِيدُ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ الْحَرِيرُ لِحَكَّةٍ وَقَمْلٍ وَجَرَبٍ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّيَمُّمِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ إنَّمَا يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، وَعَدُّوا مِنْهَا فِي كُلِّ بَابٍ أَسْبَابًا يَتَّحِدَانِ فِي أَكْثَرِهَا فَلْيَتَّحِدَا فِي الْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ أَخَفُّ وَمِنْ ثَمَّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِبَادَةٌ وَوَسِيلَةٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَحْتَطْ لَهَا أَكْثَرَ وَبِأَنَّ الطُّهْرَ بِالْمَاءِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُسْقِطُ لَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّمِ: لَوْ خَشِيَ التَّأَلُّمَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْشَى مَرَضًا لَا يُخْشَى مِنْهُ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَعُمُومُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخَشْيَةِ حُدُوثِ الْقَمْلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ بِالرُّخَصِ وَتَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ أَشْبَهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ مَعَهُ مَاءٌ لَكِنَّهُ يَخْشَى الْعَطَشَ فِي الْمَآلِ، وَهُنَاكَ عَطْشَانُ فِي الْحَالِ فَهَلْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْعَطْشَانُ فِي الْحَالِ إذَا خَشِيَ مِنْ الْعَطَشِ الْهَلَاكَ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مُهْجَتِهِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ أَيِسَ فِيهَا مِنْ حُصُولِ مَاءٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ لَوْ بَذَلَ مَا مَعَهُ فَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْبَذْلِ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ وَكَذَا لَوْ خَشِيَ الْعَطْشَانُ مِنْ الْعَطَشِ فِي الْحَالِ إتْلَافَ عُضْوٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَخَشِيَ الْمَالِكُ مِنْ الْعَطَشِ فِي الْمَآلِ إتْلَافَ النَّفْسِ، فَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ أَيْضًا عَلَى الْأَقْرَبِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَ غَيْرُ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَجْمُوعِ قُلْت: لَا يَضُرُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُمَا، بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ لَمْ يَذْكُرْهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّرْجِيحِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ هَلْ الْمُرَادُ بِغُبَارِ الرَّمْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْ التُّرَابِ لَا مَا خُلِقَ
مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ بِدَلِيلِ مَا قَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ مَنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ يَتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ وَلَوْ بِرَمْلٍ، أَوْ الْمُرَادُ أَعَمُّ.
وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمَنْهَجُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغُبَارَ الْمَخْلُوقَ مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ يُسَمَّى تُرَابًا وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَحَلِّيّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَكَانَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ ضَائِعًا
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ صَرَّحَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّ غُبَارَ الرَّمْلِ لَا يُسَمَّى تُرَابًا.
وَعِبَارَةُ الْحَاوِي كَالرَّوْضِ وَالْإِرْشَادِ وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يُسَمِّيهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ شَارِحِي الْإِرْشَادِ: مَثَّلَ بِغُبَارِ الرَّمْلِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ أَوْ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا لِمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ التُّرَابِ بِالتُّرَابِ، وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ حَقِيقَةً، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسَمِّيهِ مَجَازًا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا وَأَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا، نَعَمْ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: الرَّمْلُ ضَرْبَانِ: مَا لَهُ غُبَارٌ، فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ. وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ فَلَا، لِعَدَمِ الْغُبَارِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ اسْمِ التُّرَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى تُرَابًا حَقِيقَةً إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ مَا ذَكَرَ، وَبِتَأَمُّلِ مَا تَقَرَّرَ اتَّضَحَ كَلَامُ الْمَنْهَجِ مَعَ كَلَامِ الشَّارِحِ الْمُحَقِّقِ أَعْنِي الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ، وَأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تُرَابٌ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا.
وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: لَوْ سُحِقَ رَمْلٌ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ الْمَسْحُوقِ يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ بِالرَّمْلِ النَّاعِمِ لِأَنَّهُ حَصًى مُتَصَاغِرَةٌ جِدًّا كَالْحِجَارَةِ الْمَدْقُوقَةِ فَإِنْ قُلْت: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَدْقُوقِ وَالْغُبَارِ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّمْلِ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ حَصًى مُتَصَاغِرَةً وَلَا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَنْفَصِلُ عَنْ تِلْكَ الْحَصَى بِوَاسِطَةِ الْتِصَاقِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَفِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ الْمَدْقُوقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالدَّقِّ، وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ عَنْ كَوْنِهِ حَصًى مُتَصَاغِرَةً جِدًّا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ، هَلْ يَكُونُ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ فِيمَا إذَا حَمَلَ الْمُسَافِرُونَ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِمْ تَقَدُّمُ طَلَبٍ لِلْمَاءِ، أَوْ يُقَالُ شَرْطُ الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا ثَمَّ مَاءٌ، فَمَتَى حَصَلَ لَهُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ اسْتَوَى الْفِقْدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ مَعَهُ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِيهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَاحْتَاجَهُ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَرُفْقَتِهِ وَلَوْ مَآلًا تَيَمَّمَ وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَآلِ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ أَوْ الْمُتَوَقَّعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ:(وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ الْمُخَالِطِ خَاصَّةً بَلْ لَوْ عَلِمَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِعَطَشِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ وَصَرْفُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرَدُّدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ احْتِيَاجُ أَحَدٍ مِنْ الْقَافِلَةِ إلَيْهِ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ الطَّلَبُ إلَّا إذَا تَوَهَّمَ مَاءً فِي حَدِّ الْقُرْبِ أَوْ الْغَوْثِ بِشَرْطِهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ أَوْ دَوَابُّهُمْ لِشُرْبِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ حَالًا أَوْ مَآلًا كَفَقْدِهِ الْحِسِّيِّ، وَأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ كَانَ كَفَقْدِهِ فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ الَّذِي لَا يَظُنُّ رِضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَتْرِيبُ الْكِتَابِ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُتَيَمِّمِ إذَا فَرَّقَ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ عَلَى أَعْضَائِهِ هَلْ تُجْزِئُهُ تِلْكَ النِّيَّةُ مُفَرَّقَةً قِيَاسًا عَلَى تَفْرِيقِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَتَأَتَّى تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ: التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَيْ وَالطَّهَارَةِ عَنْهُ لِأَنَّ التَّجَزِّي إنَّمَا
يَظْهَرُ فِي هَاتَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَجَزٍّ فَهَذَا صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيقٌ؛ لِامْتِنَاعِ نِيَّةِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ حَدَثٍ حَتَّى تُفَرَّقَ فِيهِ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّفْرِيقَ إذْ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ عَقِبِ فَرَاغِ كُلِّ عُضْوٍ فَجَازَ تَفْرِيقُ نِيَّتِهِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ أَمْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يُيَمَّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَتَيَمَّمُ فِي الْأُولَى وُجُوبًا، وَقَوْلُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمْ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَرَضُوهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يُرِيدُ غَسْلَهَا بِهِ وَلَا يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ لِلتَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْحَيِّ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ يَكْفِي مَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَحَدَثٌ أَصْغَرُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكْفِيه غُسْلٌ أَمْ لَا لِضَعْفِ اسْتِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَكْفِيه لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ أَنَّ خِلَافَ انْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ هَلْ يَجْرِي هُنَا بِجَامِعِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ حَصَّلَهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مُخْتَلِفَا الِاسْمِ وَالْحَقِيقَةِ؟ فَجَرَى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِي الِانْدِرَاجِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ، وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْغُسْلَ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْوُضُوءِ وَزِيَادَةً يُجَوِّزُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَلِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا التَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَالتَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَحَقِيقَتُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا وَصُورَتُهُمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَلَا يُتَخَيَّلُ حِينَئِذٍ مَعَ الِانْدِرَاجِ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَمْرِ بِتَيَمُّمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ حَتَّى يَسْتَبِيحَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ مَا يُشْبِهُ الْعَبَثَ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ اسْتَبَاحَهَا بِهِ، فَإِيجَابُ الثَّانِي عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِانْدِرَاجِ هُنَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ تَخَيُّلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ عِنْدَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْغَرُ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِخُطْبَةٍ: فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إنْ تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ اهـ كَلَامُهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ مَا لَفْظُهُ: فَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ نَفْلٌ وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ اهـ. فَهَلْ يُقَالُ تُفَارِقُ الْخُطْبَةُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا فِي أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بِانْحِصَارِهَا وَبِامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؟
(إلَّا الْجُمُعَةَ وَخُطْبَتَاهَا فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إذَا تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ. وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ وَجَّهَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ وَبَحَثَ غَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ فَرَضَ الْكِفَايَةِ كَالنَّفْلِ إنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِمَ يَسْتَبِحْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ لَهَا فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ عَكْسَهُ اسْتَبَاحَهَا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُمَا رَاعَيَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا نَائِبَتَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إذْ الضَّعِيفُ قَدْ يُرَاعَى كَمَا لَا يَخْفَى وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْخُطْبَةِ بِانْحِصَارِهَا وَامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ إلْحَاقَهَا بِفَرْضِ الْعَيْنِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ التَّيَمُّمُ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، لَكِنْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ طُهْرِهِ، وَالتَّيَمُّمُ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ دُخُولِهِ وَلِلسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَ فِعْلِ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ، فَهَلْ الْإِمَامُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَحِينَئِذٍ فَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ
لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ اسْتَبَاحَهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَبِذَلِكَ يَقْوَى مَا مَرَّ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ فَوَاضِحٌ أَوْ لِلْجُمُعَةِ فَلِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ فِعْلِهَا فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ شَيْئًا أَوَّلُهُمَا فَهَلْ يُغَلَّبُ الْمُصَحِّحُ أَوْ الْمُبْطِلُ؟ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فُرُوضٍ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَا يَتَّضِحُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُ صِحَّةِ مَا لِلنَّاسِ فِيهَا وَفَسَادِهِ فَتَأَمَّلْهَا.
وَقَوْلُهُ أَوْ لَا فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إذَا تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا لَا يُنَافِيه تَوَقُّفُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ جَرَى عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ وَالثَّانِي مُبَيِّنٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ عُمُومَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَطْشَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ مِنْ مَالِكِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ فِي أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الشَّفِيعِ وَالْمُعِيرِ وَالْمُلْتَقِطِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَيْضًا: لَا يُؤْثِرُ الْمَالِكُ عَلَى نَفْسِهِ أَحَدًا عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَى الطُّهْرِ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَظِّ النَّفْسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَلَفِ مُهْجَتِهِ، هَلْ كَذَلِكَ السَّابِقُ فِي الْمِيضَأَةِ لَيْسَ لَهُ إيثَارُ غَيْرِهِ بِتَقْدِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ إذْ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ أَمْ لَا؟ ذَلِكَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ دُونَ ضِيقِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْثَرُ بِفَتْحِ الثَّاءِ إذَا كَانَ لَهُ فَضِيلَةُ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ فَلَا يَمْتَنِعُ فِيهِ وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِهِ أَوْ كَانَ الْمُؤْثِرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ نَحْوَ صَبِيٍّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي أَخْذِهِ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَاءٍ وَطَعَامٍ وَوِقَايَةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ مِنْ مَالِكِهِ الْغَيْرِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ بَذْلِهِ وَلَوْ بِعِوَضِ مِثْلِهِ إلَى لَفْظٍ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ عَنْ هَذَا الْأَخْذِ بِالْغَصْبِ الْمُقْتَضِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ قَهْرًا حَيْثُ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا لَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ الْمُسْلِمِ، بَلْ أَوْلَى فَإِيجَابُ الْأَخْذِ وَجَعْلُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ ظَاهِرَانِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَفْظٌ، وَبِهَذَيْنِ فَارَقَ وُجُوبَ اللَّفْظِ فِي الشَّفِيعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ حَقَّ الْغَيْرِ اخْتِيَارًا مِنْهُ فَلَزِمَهُ مُقْتَضَى التَّمَلُّكِ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا عَلَى هَذَا الْإِتْلَافِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ وُجُوبُ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَالْقِيَاسُ فِي مَسْأَلَةِ السَّابِقِ إلَى الْمِيضَأَةِ أَنَّهُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ أَمْكَنَ الْمُؤْثِرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الصَّلَاةَ مَعَ حَقْنِهِ جَازَ لَهُ الْإِيثَارُ إذْ لَيْسَ فِيهِ حِينَئِذٍ تَفْوِيتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا إلَّا بَعْدَ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ فِيمَا سَبَقَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيثَارُ حِينَئِذٍ بِمَاءِ الطُّهْرِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُؤْثِرَ بِمَاءِ الطُّهْرِ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمُؤْثَرِ لَهُ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِيثَارِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَإِنْ قُلْت مَا أَفْهَمَهُ هَذَا التَّقْرِيرُ مِنْ جَوَازِ الْإِيثَارِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى لُحُوقِ ضَرَرٍ لِلْمُؤْثِرِ بِالْكَسْرِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّسَبُّبَ فِي إضْرَارِ النَّفْسِ، لَا يَجُوزُ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «ابْدَأْ بِنَفْسِك» قُلْت: مَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْرٌ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ أَمَّا مَنْ لَهُ صَبْرٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رَأَى غَيْرَهُ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآنَ وَإِلَّا لَحِقَهُ ضَرَرٌ فَيُنْدَبُ لَهُ إيثَارُهُ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ كَانَ مُسْلِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضِيلَةُ عِلْمٍ وَلَا صَلَاحٍ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] نَعَمْ قَالَ الْمُتَوَلِّي؟
(الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلدِّينِ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُؤْثِرَ غَيْرَهُ) بَلْ وَقَعَ فِي الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُؤْثَرَ بِالْفَتْحِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا الْقَبُولَ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ جَلِيٌّ إذَا كَانَ الْمُؤْثَرُ مِمَّنْ يَصْبِرُ أَيْضًا فَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ يَنْبَغِي نَدْبُ عَدَمِ الْقَبُولِ إبْقَاءً لِمُهْجَةِ الْمُؤْثِرِ بِالْكَسْرِ حَيْثُ آثَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُؤْثَرُ بِالْفَتْحِ لَا يَصْبِرُ فَلَا يَبْعُدُ وُجُوبُ الْقَبُولِ أَخْذًا مِنْ تَحْرِيمِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْثِرُ غَيْرَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ مَحَلَّ جَوَازِ الْإِيثَارِ إذَا ظَنَّ سَلَامَةَ نَفْسِهِ رَدَدْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْإِيثَارِ، وَإِنْ خَافَ هَلَاكَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ
الْجِنْسُ الْأَعَمُّ الصَّادِقُ بِالْمَنْدُوبِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ بِمَا عَلَّلَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ بِقُرْبَةٍ حَتَّى يُكْرَهَ أَوْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا رِعَايَةُ حُظُوظِ النَّفْسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا فَكَانَ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِإِيثَارِ الْغَيْرِ مَعَ الصَّبْرِ غَايَةً فِي الْقُرْبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ تَقْدِيمِ الْغَيْرِ بِمَوْضِعِهِ فِي صَفٍّ فَاضِلٍ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: (لَا يُقَالُ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمَجْرُورِ مُسَاعَدَةُ الْجَارِّ لَهُ مِنْ الصَّفِّ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ: الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا إيثَارًا بِقُرْبَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، بَلْ هُوَ تَحْصِيلُ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ فَضِيلَتِهِ؛ لِوُجُودِ خَلَفٍ عَنْهَا هُوَ فَضِيلَةُ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الْمُعَادِلَةُ لِفَضِيلَةِ مَا فَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّفِّ، وَإِنَّمَا الْإِيثَارُ بِالْقُرْبَةِ مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّفِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيُدْخِلَ غَيْرَهُ مَوْضِعَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَفْوِيتُ فَضِيلَةٍ عَلَى النَّفْسِ لَا إلَى بَذْلٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ كَتَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَفْقَهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَأُ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ مَا يَجْبُرُ فَضِيلَةَ تَقَدُّمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ لَزِمَهُ تَيَمُّمَانِ فَأَكْثَرُ لِجِرَاحَاتٍ بِأَعْضَاءٍ هَلْ يَجِبُ تَعْيِينُ مَا وَقَعَ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِهِ مِنْ جِرَاحَةِ وَجْهٍ أَوْ يَدٍ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَجْهُ فِيمَنْ عَلَيْهِ تَيَمُّمَاتٌ لِجِرَاحَاتِ أَعْضَاءٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُ كُلِّ جِرَاحَةٍ فِي تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الِاسْتِبَاحَةُ وَمِنْ ثَمَّ كَفَتْ فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ وَلِلْجَنَابَةِ وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا تَعْيِينُهُمَا بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا تَعْيِينٌ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ تَيَمُّمٍ يَقْصِدُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مَثَلًا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَقْصِدَ تِلْكَ الِاسْتِبَاحَةَ بِطُهْرِ الْيَدِ أَوْ الْوَجْهِ مَثَلًا، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ تَفْرِيقَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى أَعْضَائِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ عَنْهُ لِأَنَّ التَّجَزِّيَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي هَاتَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّجَزِّي فَلَمْ يُمْكِنْ فِيهِ التَّفْرِيقُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا اتَّضَحَ عَدَمُ تَصَوُّرِ التَّعْيِينِ فِي تِلْكَ التَّيَمُّمَاتِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ فِي الِازْدِحَامِ عَلَى الْبِئْرِ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ أَوْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُسَافِرِ كَمَا صَوَّرْته فِي الْعُبَابِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ (مُسَافِرُونَ) خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُهُ، وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ وَجِنْسُ عُذْرِهِ غَيْرُ نَادِرٍ حَتَّى فِي الْأَخِيرَةِ، أَيْ وَهِيَ قَوْلُ الْمَتْنِ (أَوْ مَقَامٌ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ الْعَاجِزَ الَّذِي مَعَهُ مَاءٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ؛ لِنُدْرَةِ عُذْرِهِ.
وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِأَنَّهُ كَمَنَ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ صَيَّرَهَا كَالْعَدَمِ.
وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ هُنَا بِعَدِّهِ قِيَاسًا عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ وَعَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا بِعَدِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ، وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَالثَّوْبَ وَالْمَكَانَ هُنَا لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّوْبُ ثَمَّ فِي قَبْضَتِهِ فَيَنْتَظِرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَوْ يَغْرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ، وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَخَرَجَ بِالْمُسَافِرِينَ فِي الْأُولَى الْمُقِيمُونَ فَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ. .. إلَخْ) انْتَهَتْ.
وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ، وَإِنْ كَانَ فَاقِدُ الْمَاءِ مُقِيمًا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ إنْ أَمِنَ مَا مَرَّ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ بِطَلَبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ ثَمَّ، أَيْ فِي مَحَلِّ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَعْلِيلِ الشَّيْخَيْنِ بِقَوْلِهِمَا؟
(لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ، أَيْ لِتَيَمُّمِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَنُدْرَةِ فَقْدِهِ ثُمَّ فَلَا يُرَدُّ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَأَفْهَمَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِمَنْ هُوَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَلَوْ مُسَافِرًا إذْ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا، فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسَافِرِ فِيمَا مَرَّ وَبِالْمُقِيمِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْمُقِيمَ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ هُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ (إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ، الثَّانِيَةُ:
أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ لَفَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَيَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ، وَلَا يَخْرُجُ الْوَقْتُ قَبْلَ وُصُولِهِ فَيَتَيَمَّمُ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِالْقَضَاءِ لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ) انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ بِقُرْبِهِ مَا صُورَتُهَا؟ وَهَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً، وَالْغَالِبُ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ لَا؟ وَيَكُونُ خَفَاؤُهَا يَجْعَلُهَا كَالْعَدَمِ أَوْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَائِلِ وَالْمَانِعِ كَالسَّبُعِ وَخَوْفِ الْوُقُوعِ لَوْ اسْتَقَى رَاكِبُ السَّفِينَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَوَّرَهَا فِي الشَّامِلِ بِأَنْ تَكُونَ بِبِسَاطٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا عَلَامَةَ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ اُتُّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ، وَمَا الْغَالِبُ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا وَغَيْرِهَا لِأَنَّ مَلْحَظَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ عَدَمُ تَقْصِيرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ خَفِيَّةً كَمَا ذَكَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ أَلْبَتَّةَ، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْمَعْدُومَةِ كَرَحْلِ الْمَضْلُولِ فِي رِحَالٍ وَقَدْ أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُهَا بِالطَّلَبِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي الطَّلَبِ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا تَيَمَّمَ وَكَانَ الْمَاءُ بِحَدِّ الْقُرْبِ مِنْهُ وَلَوْ سَعَى إلَيْهِ خَرَجَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّيَمُّمُ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَمْ لَا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ لَوْ خَافَ الْغَرَقَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرُوا أَنَّهُ مَتَى تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ؟ أَهُوَ مَوْضِعُ الْغَوْثِ وَمَا حَوْلَهُ مِمَّا هُوَ بَعْدَ الْمَاءِ لَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ تَحْتَ حَوْزَتِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ أَمْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِحَدِّ الْقُرْبِ فَمَا دُونِهِ؟ فَإِنْ قُدِّرَ بِحَدِّ الْقُرْبِ وَقَدَّرْنَا وُجُودَهُ، وَكَانَ لَوْ سَعَى إلَيْهِ مِنْ مَحَلِّ الْقُرْبِ خَرَجَ الْوَقْتُ، هَلْ يُقَالُ الْقَضَاءُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً أَمْ لَا يَجِبُ أَوْ يَجِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا؟
(فَأَجَابَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ عُلُومِهِ - بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ أَوَّلَ السُّؤَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَا فَمِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ قَوْلُهُمْ: وَمَنْ زُوحِمَ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ تَنَاوَبَهَا جَمْعٌ وَعَلِمَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ، وَجِنْسُ عُذْرِهِ غَيْرُ نَادِرٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ وَعَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ، وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُهُ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ هُنَا لَيْسَتْ فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّوْبَ ثَمَّ فِي قَبْضَتِهِ فَيَنْتَظِرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ.
وَقَوْلُهُمْ: لَوْ ضَلَّ رَحْلُهُ فِي رِحَالٍ، وَفِيهِ الْمَاءُ وَأَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ أَوْ أُدْرِجَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ هُنَاكَ أَوْ ضَلَّ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْمَاءِ أَوْ غُصِبَ رَحْلُهُ، وَفِيهِ الْمَاءُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِمَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الَّذِي يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ مِنْهُ أَوْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ لِوُجُودِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَنِسْبَتُهُ فِي إهْمَالِهِ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرٍ.
وَقَوْلُهُمْ: يَحْرُمُ الطُّهْرُ بِالْمُسَبَّلِ وَالْمُودَعِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمَغْصُوبِ، بَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ
بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ كَسَبُعٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِسَفِينَةٍ، وَخَافَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَالْعَدَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبَ ثَمَّ وُجُودُ الْمَاءِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِأَنَّهُ كَمَنَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ صَيَّرَهَا كَالْعَدَمِ، وَقُلْت فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ؟
(وَلَا قَضَاءَ إذَا تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إذَا تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ قَضَى مُقَيَّدٌ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ) اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ فَقْدُهُ هُوَ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قُلْت فِيهِ فِي الْأَعْذَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَضَاءِ: (أَوْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ وَلَوْ مُسَافِرًا لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحَلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ فِيهِ أَوْ اسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَلَوْ مُقِيمًا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي غَلَبَةِ الْفَقْدِ وَعَدَمِهَا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ) اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يَقْضِ لِفَقْدِهِ لَهُ عِنْدَ التَّيَمُّمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، فَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَحَلُّ الْغَوْثِ، وَكُلُّ مَحَلِّ نُسِبَ إلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ، وَذَلِكَ الْمَحَلُّ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الْمَحَلَّ الَّذِي يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ وَيُسَمَّى حَدَّ الْغَوْثِ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الرُّفْقَةُ اسْتِغَاثَتَهُ مِنْهُ مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ
وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَهَذَا دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَدُّوهُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُهُ الرُّفْقَةُ لِلِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، قَالُوا: وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ مَا ذَكَرْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَدُّ الْقُرْبِ لَا حَدَّ الْغَوْثِ، وَعِبَارَتُهُ (وَلُغِيَ بَيْعُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ وَلُغِيَ تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَوُجُوبِ اسْتِرْدَادِهِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِحَدِّ الْقُرْبِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُوهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَجِبُ قَبُولُهُ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ، وَهُوَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَا إنَّمَا أَلْغَى مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَدَّى بِنَحْوِ بَيْعِهِ مَعَ احْتِيَاجِهِ لَهُ لِلتَّطَهُّرِ بِهِ فَلَزِمَهُ حَيْثُ كَانَ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ طَلَبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لِتَيَقُّنِهِ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَلَبِهِ لَهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَصُورَتُهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا مَاءً بِمَحَلِّ غَوْثٍ وَلَا قُرْبٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلَبُهُ
وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ وُجُودِهِ فِيهِ أَوْ غَلَبَةُ فَقْدِهِ بِحَيْثُ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْفَقْدِ فِيهِ، وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ إلَى حَدِّ الْغَوْثِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْوُجُودِ أَوْ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، فَالِاعْتِبَارُ هُنَا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيمَا مَرَّ بِحَدِّ الْقُرْبِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الطَّلَبِ بِشَرْطِ تَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ وَإِلْغَاءِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، فَالْمَلْحَظُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْك إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -: فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ. .. إلَخْ، وَعَنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَدَّرَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إلَى آخِرِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ جَوَابُهُ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مُقَدَّرًا بِحَدِّ الْقُرْبِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ وُجُودِهِ فِي الْأَوَّلِ بَلْ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَلَبَةِ الْفَقْدِ أَوْ الْوُجُودِ وَلَا فِي الثَّانِي، بَلْ الْمُرَادُ فِيهِ وُجُودُهُ وَلَوْ وَهْمًا فِي حَدِّ الْغَوْثِ وَحَقِيقَةً فِي حَدِّ الْقُرْبِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى نَحْوِ مَالٍ وَمَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا لَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَبَرِئَ هَلْ يَحِلُّ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ دُونَ غَسْلِ الْجَرِيحِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ حَدَثَ الْمُتَيَمِّمِ لِلْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ يَنْقُضُ طُهْرَهُ الْأَصْغَرَ دُونَ الْأَكْبَرِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَطْرَأَ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ؟
(وَلَا يُعْرَفُ جُنُبٌ تُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ أَوْ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا هَذَا) اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ إنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ جَازَ لَهُ
الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَإِنْ بَرِئَ لِمَ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْءَ يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ التُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ بَعْدَ إيصَالِهِ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحِينَئِذٍ فَلَوْ انْفَصَلَ فَبَادَرَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ) اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ؟ (وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ، وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ وَصَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى بَاقِي بَدَنِ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ بِلَا فَرْقٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ مَا تَوَهَّمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ) اهـ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَلَامٌ سَقِيمٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْفَهْمِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَقَوْلُهُ؟ (وَعَلَى مُقْتَضَاهُ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ امْتَنَعَ الْإِجْزَاءُ بِهِ حَتَّى عِنْدَ الرَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا ثَالِثًا: فَقَوْلُهُ: (بَلْ الصَّوَابُ. .. إلَخْ) فِيهِ خَلْطُ طَرِيقَةٍ بِطَرِيقَةٍ إذْ هَذَا التَّصْوِيبُ إنَّمَا يَلِيقُ بِطَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ لَا بِطَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا رَابِعًا: فَقَوْلُهُ؟ (كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ) غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ طَرِيقَتِهِمَا.
وَأَمَّا خَامِسًا: فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا يَتَّضِحُ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ اسْتِفَادَةِ أُمُورٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ بِسَوْقِ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ مَتْنِهِ، وَهِيَ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِمُسْتَعْمَلٍ وَهُوَ مَا وَصَلَ لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فِي حَالَةِ التَّيَمُّمِ، وَإِنْ تَنَاثَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ عُضْوِهِ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَنَاثِرِ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ بِجَامِعِ أَنَّهُ قَدْ تَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ، نَعَمْ قَدْ يُؤَيِّدُ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ جَوَازُ رَفْعِ الْيَدِ وَوَضْعِهَا الْآتِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَفِي تَكْلِيفِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ مَشَقَّةٌ وَبِخِلَافِ هَذَا.
وَقِيلَ: الْمُتَنَاثِرُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لِكَثَافَتِهِ إذَا عَلِقَتْ مِنْهُ صَفْحَةٌ بِالْمَحَلِّ مَنَعَتْ الْتِصَاقَ غَيْرِهَا بِهِ، وَمَا يَلْتَصِقُ بِهِ لَا يَتَنَاثَرُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لِرِقَّتِهِ يُلَاقِي جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ وَالْمُتَنَاثِرَ تَرَدَّدَانِ حَالَ الْمَسْحِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ، فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالْجَمِيعِ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ الْخِلَافَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ إذْ تَعْلِيلُ الرَّاجِحِ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْعُضْوَ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي عَكْسَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ اتِّصَالَهُ بِالْعُضْوِ وَلَا عَدَمَهُ، فَالضَّعِيفُ يَنْظُرُ إلَى الْكَثَافَةِ فَيَحْكُمُ بِوَاسِطَتِهَا عَلَى الْمُتَنَاثِرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَالرَّاجِحُ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ وَالِاتِّصَالَ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ، وَإِنَّمَا تَنَاثَرَ بَعْدَ أَنْ لَاقَى مَا لَصِقَ بِهِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ بِاتِّفَاقِ الضَّعِيفِ وَمُقَابِلِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُلْصَقَ بِالْمَحَلِّ مُسْتَعْمَلٌ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ، لَكِنْ حُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْمَاءِ مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَادِمِ: الْمُرَادُ بِالْمُلْتَصِقِ الْمُلْتَصِقُ بِالْعُضْوِ ثُمَّ يَنْفَصِلُ أَمَّا الْمُلْتَصِقُ حَالَ الْتِصَاقِهِ فَكَالْمَاءِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا إذْ لَهُ إمْرَارُهُ عَلَى مَا لَمْ يَمَسَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ لِتَعَذُّرِهِ لِذَلِكَ لِلْفَرْضِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِالِاتِّصَالِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ لِوَاحِدٍ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى فَوَائِدَ يَعْرِفُهَا مَنْ تَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ نَذَرَ الْوَتْرَ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ الضُّحَى ثَمَانِيَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ الْوَتْرِ أَوْ كُلَّ الضُّحَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إذْ يُقَالُ: إنَّهُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ فَرِيضَةٌ لَا فَرَائِضَ، وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَا تَصِيرُ بِهِ الْفَرِيضَةُ فَرَائِضَ، وَإِنْ دَخَلَهَا التَّعَدُّدُ صُورَةً أَمْ لَا، وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ الضُّحَى وَالْوَتْرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ التَّيَمُّمِ بِتَكْرِيرِ الْفُصُولِ مِنْ نَحْوِ الْوَتْرِ أَوْ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَنْذُورَةً وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّ