الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَلُّمَ الْجُنُبِ فَرْضًا عَيْنِيًّا كَالْفَاتِحَةِ يَكْفِي فِيهِ تَيَمُّمٌ، فَكَمَا لَمْ يُوجِبُوا هُنَا التَّيَمُّمَ لِكُلِّ آيَةٍ مَعَ انْفِصَالِهَا عَنْ غَيْرِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا تُسَمَّى بِالنِّسْبَةِ لِتَعَلُّمِهَا فَرْضًا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ الْوَتْرُ الْمَنْذُورُ يُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً، وَإِنْ فُصِلَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؟
(وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ فُرِضَ تَعَيُّنُهَا لِخَوْفِ نِسْيَانٍ فَهَلْ يَسْتَبِيحُ مِنْهَا بِتَيَمُّمِهِ لَهَا مَا نَوَاهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ أَوْ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا، أَوْ مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْإِعْرَاضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ الثَّالِثُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ قِرَاءَةَ كُلِّ آيَةٍ فَرْضٌ فَيَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ آخَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُطَاقُ) انْتَهَتْ.
[بَابُ الْحَيْضِ]
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمُتِّعَ بِحَيَاتِهِ فِيمَا إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي بَاطِنِ فَرْجِهَا هَلْ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي طُرُوِّهِ، وَلَا يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِهِ إذَا بَقِيَ بَعْدَ ظُهُورِهِ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِمَا وَقَعَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَمَا حَدُّ الْبَاطِنِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: الْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ، فَأَكْثَرُ النِّسَاءِ أَوْ كُلُّهُنَّ إذَا رَأَيْنَ الدَّمَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ ثُمَّ فَتَرَ وَبَقِيَ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ يَحْكُمْنَ بِأَنَّهُ كُلَّهُ حَيْضٌ، وَرُبَّمَا يُفْتَى بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّمَ فَتَرَاتٌ فَتَارَةً يَكُونُ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَتَارَةً فِي حَدِّ الْبَاطِنِ بَيِّنُوا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا يُرْخَى فِيهِ عَنَانُ الْعِبَارَةِ مُسْتَوْفًى فِيهِ لَطَائِفُ الْإِشَارَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الدَّمَ فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ وَعِبَارَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ (هُمَا فِيمَا إذَا كَانَ النَّقَاءُ زَائِدًا عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ، فَأَمَّا الْفَتَرَاتُ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يَضْبِطُوا الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْ الْفَتَرَاتِ وَالنَّقَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي تَأَكَّدَ الِاعْتِنَاءُ بِهَا، وَيَتَأَكَّدُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا، وَيَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ وَوَجَدْت ضَبْطَهُ فِي أَشَدِّ مَظَانِّهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَكْمَلِهَا وَأَجْوَدِهَا فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ، أَيْ الْمُهَذَّبِ فِي تَعَالِيقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى لَوْنٌ خَفِيفٌ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا قُطْنَةً لَخَرَجَ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّمِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَيْضٌ قَوْلًا وَاحِدًا طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ، وَالنَّقَاءُ هُوَ أَنْ يَصِيرَ فَرْجُهَا بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةَ فِيهِ لَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ، فَهَذَا مَا ضَبَطَهُ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالشُّيُوخُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي وُضُوحِهِ وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ مِنْ الْوُثُوقِ بِقَائِلِهِ اهـ.
الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ حَيْضٌ إذَا وُجِدَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى رُطُوبَةِ الْفَرْجِ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا نَظَرَ لِمَا لَا يُدَلُّ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: (أَيْضًا النَّجَاسَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الظَّاهِرِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ قُلْت: لَا مُنَافَاةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَدَنِ وَمَا اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ وَعَدَمِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي نَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ فِي حُكْمِهَا بِأَنْ اتَّصَلَ بِهَا مَا ذُكِرَ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ بِحَدَثِ الْحَيْضِ وَأَحْكَامِهِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، فَمَدَارُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ دَمٍ فِي الْفَرْجِ يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا بِحَيْثُ إنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ حُكِمَ بِالْحَيْضِ وَحَيْثُ لَا فَلَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالْحَيْضِ أَنَّ النَّجَاسَةَ دَائِمَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَلَوْ ثَبَتَ لَهَا التَّنَجُّسُ لَتَعَذَّرَ تَطْهِيرُهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الْحَيْضُ فَهُوَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي الْفَرْجِ حَكَمْنَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي الْحُكْمِ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَتَعْلِيلُهُمْ حُرْمَةَ وَطْءِ الْحَائِضِ بِتَلَوُّثِ الذَّكَرِ بِالدَّمِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِي الْفَرْجِ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ هُنَا وُجُودُ الدَّمِ إلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ عَلَى نَحْوِ قُطْنَةٍ أَوْ أُصْبُعٍ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ ظَاهِرٌ فَيَكُونُ كَالنَّجَاسَةِ الْبَاطِنَةِ
إذَا اتَّصَلَ بِهَا ظَاهِرٌ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَنِيَّ لَوْ نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَحَبَسَهُ حَتَّى ارْتَدَّ إلَى مَحَلِّهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمٌ فَهَلَّا كَانَ الْحَيْضُ كَذَلِكَ؟ قُلْت: فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمَنِيَّ إذَا ارْتَدَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا الْحَيْضُ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ بِبَاطِنِ الْفَرْجِ فَعَرَفَتْهُ بِالْخُرُوجِ عَلَى نَحْوِ قُطْنَةٍ ظَهَرَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا يُقَاسُ هَذَا بِذَاكَ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا تَحَيَّرَتْ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ إذَا صَامَتْ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَرَى طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ حَيْضًا أَوْ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَلَمْ تَعْرِفْ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَاشْرَحُوا لَنَا - شَرَحَ اللَّهُ صُدُورَكُمْ - قَوْلَهُ فِي الْمِنْهَاجِ؟ (تَصُومُ شَهْرَيْنِ يَصِحُّ لَهَا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتَصُومُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الثَّالِثِ. . . إلَخْ) وَمَا صُورَةُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ أُرِيدَ بِهَا النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا سَوَاءٌ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا نَقَاءً وَيَوْمًا حَيْضًا أَوْ عَكْسَهُ أَمْ لَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا مَا يَلْزَمُ الطَّاهِرَةَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ كَالْحَائِضِ فَيَلْزَمُهَا فِعْلُ الصَّلَوَاتِ وَقَضَاؤُهَا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ، وَيَلْزَمُهَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِذَا صَامَتْهُ حَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إنْ كَمُلَ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ إنْ نَقَصَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَنَّهُ يُقْبِلُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَصُومُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمَانِ، وَلَهَا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِمَا صُوَرٌ مِنْهَا:
أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمًا وَخَامِسَهُ وَعَاشِرَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَحَادِي عَشَرَيْهِ أَوْ تَصُومُ يَوْمًا وَثَالِثَهُ وَخَامِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ أَوْ يَوْمًا وَرَابِعَهُ وَسَادِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَيَوْمَ الْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ تَضِيقُ الْوَرَقَةُ عَنْهُ فَإِنْ صَامَتْ عَلَى غَيْرِ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ لَمْ تَبْرَأْ كَأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ أَوْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ وَحَادِي عَشَرَيْهِ أَوْ صَامَتْ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ الْأَوَّلَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَثَامِنَ عَشَرِهِ أَوْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَخَامِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَثَامِنَ عَشَرِهِ، وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ امْرَأَةٍ عَادَةُ حَيْضِهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَرَأَتْ الدَّمَ فِي دَوْرِ حَيْضِهَا الْمُعْتَادِ ثُمَّ طَهُرَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ ثَمَانِيًا وَانْقَطَعَ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا فَمَا حُكْمُ الدَّمِ الَّذِي رَأَتْهُ بَعْدَ الْأَحَدَ عَشَرَ هَلْ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ أَوْ نَأْخُذُ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَكْمِلَةً لِلطُّهْرِ وَالْبَاقِي حَيْضٌ؟ أَفْتُونَا مَعَ التَّوْضِيحِ، فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأَصَحُّ فِيهَا أَنَّ أَرْبَعَةً مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ طُهْرٌ وَالْبَاقِي حَيْضٌ أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَالْعَزِيزِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ؟
(أَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فَفِيهِ صُوَرٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ رُدَّتْ إلَى هَذِهِ أَبَدًا اتِّفَاقًا، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ حَيْضًا وَثَلَاثُونَ طُهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ حَيْضَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُبْتَدِئِ، وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ جَعَلْنَا دَوْرَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ، وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ طُهْرِهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ، وَانْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ، وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرَ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى حَيْضٌ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الطُّهْرُ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَهُوَ عِشْرُونَ وَإِلَّا فَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ثُمَّ اسْتَحَاضَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّمُ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَحَاصِلُ مَا تَخَرَّجَ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا
تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ، وَهَكَذَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا، وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:
أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي يَلِيه حَيْضٌ، وَمَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَكَذَا أَبَدًا.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ جَمِيعَ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَيُفْتَتَحُ دَوْرُهَا الْقَدِيمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ السَّابِقِ) انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ مُلَخَّصَةً، وَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ فِيهَا الْمَحْكِيُّ فِيهَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ نَظِيرَةُ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَيَجْرِي فِي تِلْكَ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذِهِ مِمَّا تَقَرَّرَ كَمَا أَشَرْت إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي أَوَّلًا؟
(الْأَصَحُّ فِيهَا أَنَّ أَرْبَعَةً. .. إلَخْ) وَمَا عَبَّرْت عَنْهُ بِالطُّهْرِ عُبِّرَ عَنْ نَظِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِالِاسْتِحَاضَةِ وَلَا تَنَافِي؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الِاسْتِحَاضَةِ أَيَّامُ طُهْرٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - فِي امْرَأَةٍ مُعْتَادَةٍ غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَهِيَ تَعْلَمُهُمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَعَادَتُهَا تَحِيضُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَطْهُرُ ثُمَّ جَاوَزَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا غَيْرَ الْعَادَةِ شَهْرًا، ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثُ كَذَلِكَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ هَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى مَا لَا يَنْتَهِي هَلْ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا الْأُولَى قَدْرًا وَوَقْتًا وَهِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؟ فَإِذَا قُلْتُمْ: نَعَمْ تَغْتَسِلُ بَعْدَ السَّبْعِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي مَثَلًا أَوْ تَصْبِرُ حَتَّى تُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي مَا عَلَيْهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ بَعْدَ السَّبْعَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِمْ: تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ، وَالْحَالُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِمَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ؟ وَمَا الْحُكْمُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اضْطَرَبَ عَلَيْهَا وَصَارَ مَرَّةً يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَرَّةً لَا يُجَاوِزُهَا؟
(فَأَجَابَ) - أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ - بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَعَقِبَهَا تَغْتَسِلُ وَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهَا وَلَا تُمْسِكُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، وَالِاسْتِحَاضَةُ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ، فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَمَتَى انْقَطَعَ فِي دَوْرٍ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ أَوْ دُونَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ فَتُعِيدُ الْغُسْلَ وَتَقْضِي مَا صَامَتْهُ مَعَ الدَّمِ لِبُطْلَانِهِ.
وَلَا تَأْثَمُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الْعَادَةِ، وَإِنْ بَانَ وُقُوعُهَا فِي الْحَيْضِ بِأَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلَةً أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَنَ حَيْضٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِالِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَلْ كَانَتْ مَأْمُورَةً بَعْدَ السَّبْعِ بِنَحْوِ الصَّلَاةِ ظَنًّا أَنَّ دَمَهَا يُجَاوِزُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَهُ، فَلَمَّا انْقَطَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهَا أَلْزَمْنَاهَا بِحُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فِيمَا بَعْدَ الرَّدِّ، وَهِيَ السَّبْعَةُ هُنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤَثِّمَهَا لِعُذْرِهَا كَمَا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي امْرَأَةٍ تَحِيضُ فِي نِصْفِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَوْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ مَعَهَا بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ، ثُمَّ أَخَلَّ بِهَا فَصَارَ يَطْرُقُهَا فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ، ثُمَّ أَخَلَّ بِهَا أَيْضًا فَصَارَ يَطْرُقُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً خَمْسَةُ أَيَّامٍ كَالْعَادَةِ وَمَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمَرَّةً يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمَرَّةً يَكُونُ الطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتَحَيَّرَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَصَارَتْ لَا تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا قَدْرًا وَلَا وَقْتًا، فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهَا كَالْمُتَحَيِّرَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا الْأُولَى وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي نِصْفِ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَيْفَ تَعْرِفُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَصِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَكَمْ تَصُومُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَكَمْ يَبْقَى عَلَيْهَا أَوْضِحُوهُ لَنَا وَبَيِّنُوهُ لَنَا بَيَانًا شَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) - مَتَّعَنَا اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - بِقَوْلِهِ لَهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ، فَتَعْمَلُ أَعْمَالَهَا وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَا لَمْ تَحْفَظْ مِقْدَارَ دَوْرِهَا، فَإِنْ حَفِظَتْهُ أَوْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةٍ مَثَلًا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَدْوَارٍ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَيُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ وَإِلَّا فَثَلَاثَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْأَسْوَأَ أَنْ يُقَدَّرَ ابْتِدَاءُ الدَّمِ فِي يَوْمٍ وَانْقِطَاعُهُ فِي آخَرَ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ أَكْثَرُ
الْحَيْضِ فَيُفْسِدُ عَلَيْهَا مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ امْرَأَةٍ تَحِيضُ، وَهِيَ حَافِظَةٌ لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهَا أَوْقَاتُهُ فَمَرَّةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَرَّةً فِي وَسَطِهِ وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ وَمَرَّةً يَنْقُصُ عَنْ الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ، وَلَكِنَّهُ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَمَرَّةً يَزِيدُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا حُكْمُهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَطْءِ فَكَيْفَ يُعْرَفُ حَيْضُهَا مِنْ طُهْرِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَحَيِّرَةً؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: الْحَافِظَةُ الْمَذْكُورَةُ إذَا وَقَعَ لَهَا تَمْيِيزٌ أَوْ انْقِطَاعٌ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ نَقْصٌ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَلَا زِيَادَةٌ عَلَى أَكْثَرِهِ تَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّمْيِيزِ أَوْ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِالْعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَكُلٌّ مِنْ ذَيْنِكَ الْمَذْكُورَيْنِ أَقْوَى مِنْهَا فَقُدِّمَا عَلَيْهَا فَإِذَا انْقَطَعَ دُونَ قَدْرِ الْعَادَةِ لَزِمَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ قَدْرَ الْعَادَةِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَهَا أَنْ تَبْقَى عَلَى أَحْكَامِ الْحَائِضِ لِمَا قَرَرْته أَنَّهُ عَارَضَ الْعَادَةَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فَقُدِّمَ عَلَيْهَا، وَمَتَى انْقَطَعَ وَعَادَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَانَ أَنَّ الْعَادَةَ حَيْضٌ فَتَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ عَادَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا رضي الله عنه عَنْ امْرَأَةٍ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ تَقْعُدُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَأْتِهَا الطُّهْرُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَدَتْ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لَمْ تَنْظُرْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَرْبَعِينَ فَهَلْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ، وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا أَيَّامًا، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَمَا الْحُكْمُ فِيمَا صَلَّتْهُ، هَلْ تَقْضِيه أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ تَصْنَعُ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ، ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ مَرَضٍ وَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَقَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ؟ أَفْتُونَا؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّهُ حَيْثُ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ بِأَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةَ إلَى فَرْجِهَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُصَلِّيَ وَجَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا سَوَاءٌ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ عَادَتِهَا أَمْ لَا، فَإِذَا عَادَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهَا أَوْ حَيْضِهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ أَيَّامَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ فَلَا تَقْضِي صَلَوَاتِ تِلْكَ الْأَيَّامِ إنْ كَانَتْ أَثِمَتْ وَتَرَكَتْهَا.
وَأَمَّا إذَا عَادَ فِي مَسْأَلَةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ حَيْضٌ، وَزَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرٌ فَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ إنْ فَاتَتْهَا، وَإِنْ عَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ مِنْ حِينِ انْقِطَاعِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهُوَ حَيْضٌ جَدِيدٌ.
وَمُدَّةُ الِانْقِطَاعِ طُهْرٌ فَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ إنْ تَرَكَتْهَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، وَمَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إذَا لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ طَاهِرٌ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ إنْ لَزِمَتْهَا وَهِيَ حَائِضٌ هَذَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَتَصْبِرُ لِذَلِكَ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا سُنُونَ كَثِيرَةٌ حَتَّى تَيْأَسَ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً فَحِينَئِذٍ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَعْتَادُ الِانْقِطَاعَ وَالْعَوْدَ، وَيَسَعُ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَهَلْ وُضُوءُهَا فِي زَمَنِ الِانْقِطَاعِ وُضُوءُ ضَرُورَةٍ حَتَّى لَا تَكْفِيَهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَمْ وُضُوءُ رَفَاهِيَةٍ فَتَكْفِيَهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ؟
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: إنَّ وُضُوءَهَا وُضُوءُ رَفَاهِيَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ وَعِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (وَيَجِبُ عَلَيْهَا انْتِظَارُ انْقِطَاعٍ اعْتَادَتْهُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ إنْ وَثِقَتْ بِانْقِطَاعِهِ فِيهِ بِحَيْثُ تَأْمَنُ خُرُوجَهُ لِاسْتِغْنَائِهَا حِينَئِذٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَإِنْ رَجَتْ انْقِطَاعَهُ فِيهِ وَلَمْ تَثِقْ، فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ، وَالسَّلِسُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه أَيْضًا وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ إذَا بَالَ لَا يَنْقَطِعُ بَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ حِينٍ أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ حَتَّى لَوْ بَالَ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ أَوْ قُبَيْلَ الطُّلُوعِ لَا يَنْقَطِعُ بَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِب أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهَلْ لَهُ حُكْمُ دَائِمِ الْحَدَثِ؟ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْصِبَ وَيُصَلِّيَ أَوْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً لَهُ فِي إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ طُهْرَ
السَّلِسِ بِشُرُوطِهِ، وَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ مَعَ حَدَثِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَضَابِطُ السَّلِسِ الَّذِي ذَكَرُوا فِيهِ الْعَصْبَ وَالْحَشْوَ وَالْمُوَالَاةَ وَغَيْرَهَا هُوَ مَنْ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ الطُّهْرَ وَالصَّلَاةَ بِلَا حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ كَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْآخَرِ وَهَكَذَا أَمْ اخْتَصَّ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ رَعَفَ وَدَامَ رُعَافُهُ فَهَلْ يُصَلِّي مَعَهُ أَوْ يَنْتَظِرُ انْقِطَاعَهُ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَالسَّلِسِ فَحَيْثُ ظَنَّ خُلُوَّ قَدْرِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ مِنْ الْوَقْتِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَإِلَّا صَبَرَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَنَحْوَ طُهْرِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَعَ النَّجَاسَةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ مُتَحَيِّرَةٍ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَصَامَتْ مُفَرِّقَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ وَخَامِسَهُ وَحَادِي عَشَرِهِ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ فَهَلْ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى صَوْمِهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْآخِرِ سَابِعَ عَشَرَ نَظِيرُهُ وَلَا خَامِسَ ثَانِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهَا صَامَتْ سَابِعَ عَشَرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ نَظِيرَ الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى خَامِسَ عَشَرَ أَوْ الْحَادِيَ عَشَرَ فَتَصُومُهُ أَوْ تَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْعِشْرِينَ، فَجَوَازُ التَّأْخِيرِ لِخَامِسَ عَشَرَ الثَّانِي لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ صَوْمُهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَايَةٌ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ إلَى مَا بَعْدَهُ، فَصَوْمُهَا الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ هُنَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَ خَامِسَ عَشَرَ ثَانِي الْخَامِسِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ امْرَأَةٍ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ سِتًّا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَتَطْهُرَ بَاقِيهِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَحَاضَتْ سِتَّتَهَا ثُمَّ طَهُرَتْ إلَى سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ، وَرَأَتْ الدَّمَ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بِلَيْلَتِهِ، ثُمَّ نَقِيَتْ يَوْمَ الثَّانِي أَرْبَعًا، ثُمَّ دَمِيَتْ سِتًّا، فَهَلْ حَيْضُهَا السِّتُّ الْأُوَلُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِكَوْنِهَا بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٌ؟ وَيَوْمًا مِنْهَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ لِتَأَخُّرِهَا وَقُرْبِهَا مَعَ اتِّصَالِ دَمِهَا أَوْ آخِرُ الدَّمِ الْأَوَّلِ يَوْمًا وَيَوْمًا أَوَّلَ الْأَخِيرِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ لِكَوْنِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ: السِّتُّ الْأَخِيرَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَوَّلُهَا مِنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ بِأَنْ رَأَتْهُ يَوْمَ سَبْعٍ يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْ الْأَوَّلُ لِأَنَّ يَوْمًا مِنْهُ مِنْهَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِهَذَا فَكَانَ مِنْ أَوَّلِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتٍّ بِأَنْ رَأَتْهُ لِثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ إلَى الْحَادِي كَمَا ذُكِرَ فَهَلْ تَحِيضُ السِّتَّ الْأَخِيرَةَ مِنْهَا لِيَكُونَ مِنْهَا يَوْمُ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْأَخِيرِ؛ لِقُرْبِهِ أَوْ يَوْمُ الْعَادَةِ أَوَّلُ الثَّلَاثِينَ فَقَطْ، وَحَيْثُ غَلَبَ يَوْمُ الْعَادَةِ مَعَ غَيْرِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَيْلَةٌ انْغَلَبَ لِتَمَامِهِ بِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ كَالْعَدَمِ فَيُنْظَرُ إلَى الْأَقْرَبِ أَوْ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا عَرَفْت قَاعِدَةَ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَيْضُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَحَاضَتْ عَادَتَهَا، ثُمَّ بَعْدَ طُهْرِهَا عِشْرِينَ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الشَّهْرِ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، لِأَنَّ حَيْضَهَا يُقَدَّمُ عَنْ وَقْتِهِ بِخَمْسَةٍ فَتُرَدُّ إلَيْهِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ سَوَاءٌ أَطَهُرَتْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ عِشْرِينَ أَيْضًا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَمْ لَمْ تَطْهُرْ بَعْدَهَا بَلْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَتَحِيضُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَخَمْسَةً مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا أَبَدًا اهـ.
وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ فَرْعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَعَادَتُهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَلَهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا وَبَاقِيهِ طُهْرٌ.
وَقَدْ أَجَبْتُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَكَذَا مَعَ الْبَسْطِ فِيهِ فِي إتْحَافِ أَهْلِ الْفِطْنَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِحَلِّ مُشْكِلَاتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْقَرِيبِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْبَعِيدِ؛ لِنُدْرَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ تَعَارَضَ دَمَانِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا مَا ذَكَرْت إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت الْجَوَابَ عَنْ جَمِيعِ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ سِتَّتَهَا الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مَثَلًا، فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَهَا
وَاسْتَمَرَّ، فَحَيْضُهَا السِّتَّةُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ كَمَا أَنَّ حَيْضَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتهَا الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الشَّهْرِ وَتَوْجِيهُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - لِكَوْنِ الْحَيْضِ السِّتَّ الْأَخِيرَةَ بِقُرْبِهَا، وَاتِّصَالُ دَمِهَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ حَاصِلِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ الدَّالَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.
وَهُوَ إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا، فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ، وَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَمَا يَلِيه نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا وَهَكَذَا، وَجَازَ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَيْضُهَا أَيَّامَهَا الْقَدِيمَةَ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثَالَ التَّأَخُّرِ فَقَالَ: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا مَا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى.
وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدُّمًا أَوْ تَأَخُّرًا، فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا، فَإِنْ وُجِدْنَ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا، وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ.
فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ تَعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي حَيْضِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ يَعْتَبِرُ التَّقَدُّمَ عَلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ فَحِينَئِذٍ هُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا السِّتَّةُ مِنْ يَوْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّانِي فِي ابْتِدَاءِ حَيْضِهَا الثَّانِي إذَا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ مُتَقَطِّعًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ حُكْمَهُ أَنَّ التَّقَطُّعَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ: أَوْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَقَوْلُهُ: أَوْ آخِرُ الدَّمِ الْأَوَّلِ. .. إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْتُمْ: السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا عَرَفْت قَاعِدَةَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَاعِدَةَ ذَلِكَ لَيْسَتْ فِي ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَعْقُبُهُ وَالْحَيْضَةِ الَّتِي تَعْقُبُ هَذَا الطُّهْرَ فَاتَّضَحَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ جَمِيعُ مَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تُعَوِّلْ عَلَى سِوَاهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ رحمه الله مِنْ أَنَّ ذَاتَ الْقُرْءِ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَا
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْبَارِزِيِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الَّذِينَ هُمْ أَجَلُّ مِنْهُ قَدْرًا، وَأَوْسَعُ مِنْهُ عِلْمًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَالصَّوَابُ لِمَنْ أَلْجَأَتْهَا الضَّرُورَةُ أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى أَهْلِ مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ كَمَالِكٍ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَدَ رضي الله عنهم وَتُقَلِّدُ مَنْ تَرَى لَهَا فُسْحَةً عِنْدَهُ فَإِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْتِزَامِ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجًا وَمَخْرَجًا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه وَنَفَعَ بِهِ - عَمَّا قَالَهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مَا لَفْظُهُ (وَتَقْتَصِرُ أَعْنِي الْمُتَحَيِّرَةَ فِي أَفْعَالِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ، هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَمُشْكِلٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَلْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ عَدَمُ جَوَازِ النَّافِلَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، نَعَمْ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْعُبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ التَّثْلِيثِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ
وَاحِدَةٍ مُبَادَرَةً لِلصَّلَاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ؟
(وَتَقْتَصِرُ فِي أَفْعَالِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ) تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ بَحْثِ الزَّرْكَشِيّ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ، فَالْوَجْهُ عَدَمُ وُجُوبِ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ هُنَا بَلْ هُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ كَيْفَ وَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهَا التَّأْخِيرُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ - فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهَا الْإِتْيَانُ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ هِيَ عَلَيْهَا، بَلْ مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ السُّورَةِ وَهُوَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْبَحْثِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَائِضٍ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالدِّينَارِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ فَصَلُوا فِي نَدْبِهَا بَيْنَ كَوْنِ الْوَطْءِ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارٍ لَهُ فَيُنْدَبُ، وَبَيْنَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْحَلِيلَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي يُتَصَوَّرُ فِي وَطْئِهَا فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ تَارَةً يَحْرُمُ فَيُنْدَبُ وَتَارَةً لَا يَحْرُمُ فَلَا يُنْدَبُ، وَأَمَّا الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ وَطْؤُهَا إلَّا حَرَامًا وَلَوْ مِنْ مُكْرِهٍ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الزِّنَا، وَإِنْ أُسْقِطَ حَدُّهُ لِلشُّبْهَةِ وَجَاهِلٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَجْهَلُ حُرْمَةَ الزِّنَا إلَّا النَّادِرُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْمَعُ بِأَخْبَارِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ وُجُوبِهَا خِلَافًا لِلْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لَهَا بِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ؛ لِلْأَذَى فَلَمْ يَجِبْ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ، فَقَوْلُهُمْ: مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى مُخْرِجٌ لِوَطْءِ الزِّنَا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ، فَلَمْ يُنْدَبْ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْحَلِيلَةِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لِذَاتِهِ فَإِذَا طَرَأَ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَأَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ مَنْدُوبَةً نَظَرًا لِحِلِّهِ فِي الْأَصْلِ لَا وَاجِبَةً، وَبِذَلِكَ فَارَقَ وُجُوبَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِذَاتِهِ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى اللِّوَاطِ نُدِبَ التَّصَدُّقُ فِيهِ.
قُلْتُ: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ كَمَا فُهِمَ مِمَّا قَرَرْته لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ رَدٌّ لِلْوُجُوبِ، وَأَمَّا إثْبَاتُ السُّنِّيَّةِ فَهُوَ لِمَا قَرَرْته أَنَّهُ وَطْءٌ مُبَاحٌ أَصَالَةً ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مُحَرِّمٌ لِعَارِضٍ هُوَ الْأَذَى فَكَفَّرَ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ إلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ.
الثَّالِثُ: قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحِكْمَةُ فِي اخْتِلَافِ قَدْرِ الْكَفَّارَةِ بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجِمَاعِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ بَعِيدُ عَهْدٍ بِهِ فَخُفِّفَ عَلَيْهِ فِيهَا لِعُذْرِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَيْسَ مُرَادًا هُنَا إذْ لَا عُذْرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ أَوَّلَ الدَّمِ أَوْ آخِرَهُ، بَلْ وَلَا مَعَ عَدَمِ الدَّمِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يُمْكِنُ أَنَّ لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ حِكْمَةٌ أُخْرَى أَظْهَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ لِأَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ الْغَالِبُ فِيهِ النَّتْنُ وَمَزِيدُ الْقَذَارَةِ فَكَانَ التَّعَدِّي بِالْوَطْءِ فِيهِ أَقْبَحَ فَغُلِّظَ فِي كَفَّارَتِهِ بِخِلَافِهِ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ خَفَّ الْأَذَى فَخُفِّفَ فِي كَفَّارَتِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهَذَا مَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ إلَى الْغُسْلِ، وَإِنْ زَالَ الْأَذَى لِأَنَّ زَوَالَهُ حِسِّيٌّ لَا شَرْعِيٌّ؛ لِبَقَاءِ قَذَارَةِ الْبَدَنِ إلَى الْآنَ فَنُدِبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا.
الرَّابِعُ: أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا فِيهِ الْحَدُّ، وَهُوَ يُغْنِي عَنْ الْكَفَّارَةِ إذْ لَا يَجْتَمِعَانِ غَالِبًا فَإِنْ قُلْتَ: الْبَعِيدُ اجْتِمَاعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ الْحَدَّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَطْءَ زِنًا، وَالْكَفَّارَةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَطْئًا فِي حَيْضٍ قُلْتُ: إنَّمَا يَظْهَرُ مُلَاحَظَةُ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَوْ طَرَأَ بِهَا تَحْرِيمُ حَلَالٍ كَمَا فِي الْحَلِيلَةِ، أَمَّا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَحْسُنُ مُرَاعَاتُهَا، فَإِنَّهَا لَمْ يُقَدَّرْ تَجَدُّدُ تَحْرِيمٍ يُنَاطُ بِهِ طَلَبُ كَفَّارَةٍ.
الْخَامِسُ: الْقِيَاسُ عَلَى مُسَافِرٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالزِّنَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَحْدَهُ، بَلْ لِأَجْلِ الزِّنَا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَمْ يُنَاسَبْ مُخَاطَبَتُهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَجْلِ الصَّوْم، فَكَذَا يُقَالُ هُنَا: الزَّانِي فِي الْحَيْضِ لَمْ يَأْثَمْ لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَحْدَهُ فَلَمْ يُنَاسَبْ مُخَاطَبَتُهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَجَلِ الْحَيْضِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْقِيَاسَ، فَإِنَّهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ الْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحَلِيلِ فِي نَدْبِ الْكَفَّارَةِ، قُلْتُ: الْقِيَاسُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا رَفَعَتْ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ الذَّاتِيِّ بَقِيَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ الْعَرَضِيِّ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَنَاسَبَ جَبْرَهُ بِطَلَبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى تَوَاتُرِ نَعْمَائِهِ وَتَوَارُدِ آلَائِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَفٌ وَمَجْدٌ (اعْلَمْ) وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ سَيِّدَنَا وَشَيْخَنَا الْإِمَامَ الَّذِي خَضَعَتْ لِرَفِيعِ مَنْصِبِهِ مَنَازِلُ النَّيِّرَيْنِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَالْعَالِمَ الَّذِي أَعْرَبَتْ بَدَاهَتُهُ عَمَّا اسْتَعْجَمَ عَلَى الْقُوَّتَيْنِ الْفِكْرِ وَالْحَدْسِ، وَالْفَهَّامَةَ الَّذِي أَزَاحَتْ سَوَاطِعُ فَهْمِهِ غَيَاهِبَ الظُّلْمَتَيْنِ الشَّكِّ وَاللَّبْسِ، وَالْعَلَّامَةَ الَّذِي كُلِّفَ بِالْعِلْمِ حَتَّى صَارَ مَلْهَجَ لِسَانِهِ وَرَوْضَةَ أَجْفَانِهِ وَمُنْتَزَهَ جَنَانِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ حَجَرٍ الشَّافِعِيَّ الْأَنْصَارِيَّ لَا زَالَتْ ذَاتُهُ كَعْبَةً يَطُوفُ بِهَا كُلُّ عَالِمٍ وَيَقِفُ بِأَبْوَابِهَا كُلُّ فَاضِلٍ، وَلَا بَرِحَتْ رِحَابُهُ الزَّكِيَّةُ مُنَاخَ مَطَايَا أَرْبَابِ الْفَضَائِلِ أَرْسَلَ لَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُؤَلَّفًا كَتَبَهُ فِي الْحَيْضِ جَمَعَ فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَضَمَّ إلَيْهَا أَبْحَاثًا مِنْ عِنْدِهِ وَإِشْكَالَاتٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ بِتَقْرِيرِ مَا فِيهِ أَوْ رَدِّهِ وَإِصْلَاحِ خَطَئِهِ وَخَطَلِهِ؛ لِصُعُوبَةِ بَابِ الْحَيْضِ وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ لِلْأَكَابِرِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ.
وَقَالَ فِي ظَهْرِ كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ: يَقُولُ مُلَخِّصُهُ رحمه الله وَعَفَا عَنْهُ - كَتَبْتُ هَذِهِ النُّبْذَةَ بِحَسَبِ جَهْدِي وَأَرْسَلْتهَا لِفَقِيهِ الْعَصْرِ وَمُفْتِيهِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ الْخَائِفِ الرَّاجِي ذِي الْعَقْدِ السَّلِيمِ وَالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ وَوَفَّقَهُ لِلصَّوَابِ وَالْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا نَحَاهُ وَجَعَلَهُ مِمَّنْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَكَانَ لَهُ وَتَوَلَّاهُ وَوَفَّقَهُ وَأَعَانَهُ وَوَالَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَافَاهُ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ وَبِعُلُومِهِ لِيَنْظُرَهَا فَيُصْلِحَ فَسَادَهَا إنْ كَانَ وَيُتَمِّمُ نَاقِصَهَا وَيَحُلُّ مُشْكِلَهَا كَانَ اللَّهُ لَهُ وَجَزَاهُ عَنَّا خَيْرًا فَإِنَّ بِضَاعَتَنَا مُزْجَاةٌ، وَجِهَتُنَا خَالِيَةٌ عَنْ أَمْثَالِهِ مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ.
فَلَمَّا عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ رَأَى الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنَةً؛ لِصُعُوبَةِ هَذَا الْبَابِ وَكَثْرَةِ التَّخْلِيطِ وَالْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلِكَوْنِ هَذَا الْمُؤَلَّفِ صَارَ لِمَا ذَكَرْته فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى ذَكَرْته فِيهَا هُنَا بِجَمِيعِ رُمَّتِهِ، ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَهُ مَا كَتَبَهُ شَيْخُنَا - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ مَا فِيهِ مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَحْقِيقَاتٍ مُهِمَّاتٍ وَكَشَفَ عَوِيصَاتٍ وَمُعْضِلَاتٍ لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا إلَّا الْمُوَفَّقُونَ، وَلَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ، قَالَ مُؤَلِّفُ ذَلِكَ الْكِتَابِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ وَبَعْدُ، فَهَذِهِ مَسَائِلُ مُلْتَقَطَةٌ مِنْ كِتَابِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رحمه الله مُنَبِّهٌ بِهَا عَلَى أُمُورٍ قَدْ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَأْخُذُ عِلْمَ بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُقَدِّمٌ عَلَيْهَا قَوَاعِدَ الْبَابِ لِيُتَنَبَّهَ بِهَا عَلَى وَجْهِ خَفَائِهَا أَوْ مُخَالَفَتِهَا لَهَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اعْلَمْ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ، وَأَقَلُّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ تِسْعُ سِنِينَ تَقْرِيبًا فَكُلُّ دَمٍ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ حَيْضًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَمْنَعُ الْعِبَادَةَ وَالْوَطْءَ وَهِيَ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَضِدُّ الْحَيْضِ الطُّهْرُ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ عَلَى الْفَرْجِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً لَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ يَوْمًا فَأَقَلَّ ثُمَّ، وَلَدَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ، فَالدَّمُ الَّذِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَمَا بَعْدَهَا نِفَاسٌ، وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ نَفِسَتْ أَكْثَرَ النِّفَاسِ ثُمَّ طَهُرَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ
فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَمَا بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَنْقُولِ فِي مَسْأَلَةِ حَدِّ طُهْرِ الْحَيْضِ مِنْهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ وَأَخَذَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ لِمُصَنِّفِهِ مِنْ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلٍ فِي الْعَزِيزِ ثُمَّ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ لِسَنَةٍ حَكَمْنَا بِهِ حَيْضًا فَتَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْوَطْءَ، فَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ بَعْدُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ الْمَرَدَّ الْآتِيَ بَيَانُهُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ حَكَمْنَا بِهِ طُهْرًا كَالنَّقَاءِ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ حَيْضًا فَتُعِيدُ مَا صَامَتْهُ فِيهِ إنْ كَانَ فَرْضًا، وَلَا إثْمَ بِمَا فَعَلَتْهُ لِجَهْلِهَا، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ
ذَلِكَ الْمُبْتَدِئَةُ وَالْمُعْتَادَةُ ثُمَّ الْمُسْتَحَاضَةُ تَكُونُ مُبْتَدَأَةً وَتَكُونُ مُعْتَادَةً وَتَكُونُ مُتَّفِقَةَ الدَّمِ وَمُخْتَلِفَتَهُ فَهُمَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْأُولَى مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ بِأَنْ تَرَى دَمًا مُسْتَوِيًا فَوْقَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَطُهْرَهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَيْهَا، فَإِنْ زَادَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضٌ وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَكَذَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ أَوْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ، وَمِثْلُهَا مَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، لَكِنْ فَقَدْت شَيْئًا مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الْآتِيَةِ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ نَسِيَتْ هَذِهِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْهُ كَأَنْ رَأَتْهُ فِي جُنُونِهَا فَأَفَاقَتْ وَهُوَ بِهَا فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ يَأْتِي حُكْمُهَا.
الثَّانِيَةُ: مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ تَرَى دَمًا قَوِيًّا وَضَعِيفًا وَيَزِيدَانِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَالْقَوِيُّ هُوَ الْحَيْضُ إنْ كَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالضَّعِيفُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرُ مُتَّصِلًا أَوْ مَعَهُ نَقَاءٌ يُتِمُّهَا كَأَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ أَوْ مَعَ نَقَاءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ فَهُوَ طُهْرٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الدَّمُ إنْ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ وَلَوْ سِنِينَ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ، وَصِفَاتُ الْقُوَّةِ ثَلَاثٌ: اللَّوْنُ بِالسَّوَادِ ثُمَّ الْحُمْرَةِ ثُمَّ الشُّقْرَةِ ثُمَّ الصُّفْرَةِ ثُمَّ الْكُدْرَةِ، وَثِخَنُ الدَّمِ، وَنَتْنُ رِيحِهِ فَمَا تَجَرَّدَ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ وَقَعَتَا فِيهِ، فَقُوَّتُهُ بِاللَّوْنِ فَقَطْ وَمَا اتَّفَقَ لَوْنُهُ وَوَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ إحْدَاهُمَا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ كَأَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ ثَخِينٍ أَوْ مُنْتِنٍ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَآخَرُ لَوْنُهُ بِغَيْرِ ثِخَنٍ وَلَا نَتْنٍ وَيَزِيدُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَاَلَّذِي فِيهِ الثِّخَنُ أَوْ النَّتْنُ أَقْوَى، فَهُوَ الْحَيْضُ وَالْآخَرُ طُهْرٌ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَكَذَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَنْ الصِّفَاتِ أَكْثَرُ هُوَ الْأَقْوَى كَأَسْوَدَ نَتْنٌ ثَخِينٌ مَعَ أَسْوَدَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ وَكَأَحْمَرَ مُنْتِنٍ ثَخِينٍ مَعَ أَسْوَدَ مُجَرَّدٍ عَنْهُمَا فَالْأَحْمَرُ أَقْوَى فَإِنْ اسْتَوَتْ الْمَرْتَبَتَانِ، فَالْأَقْوَى هُوَ السَّابِقُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَأَقَرُّوهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَتَبِعَهُ خَلْقٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ وَجَاوَزَهَا الْأَخِيرُ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَقْوَى وَصَلُحَ لِلْحَيْضِ، فَهُوَ الْحَيْضُ كَخَمْسَةٍ أَشْقَرَ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَحْمَرَ ثُمَّ عَشْرَةٍ أَسْوَدَ فَالْحَيْضُ الْأَسْوَدُ وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَقْوَى فَهُوَ حَيْضٌ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَلِيه أَقْوَى مِنْ الثَّالِثِ وَلَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُمَا مَعًا حَيْضٌ كَخَمْسَةٍ سَوَادٍ ثُمَّ خَمْسَةٍ حُمْرَةٍ ثُمَّ سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ شُقْرَةٍ
فَلَوْ كَانَ الثَّالِثُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي كَخَمْسَةٍ سَوَادٍ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَشْقَرَ ثُمَّ عَشَرَةٍ حُمْرَةٍ، فَالْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ دُونَ الْأَشْقَرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ قِيَاسًا مَا لَوْ رَأَتْ سَبْعَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ الْأَوَّلَ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَسْوَدُ الْأَوَّلُ مَعَ الْحُمْرَةِ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَسَائِلَ تَأْتِي عَنْهُ، وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ فِي الْأُولَى قَاضٍ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي هَذَا لِتَسَاوِيهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي عُبَابِ الْمُزَجَّدِ فِي هَذِهِ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْأَقْوَمُ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَمِثْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، فَالْحَيْضُ السَّوَادُ الْأَوَّلُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مَعَ الْحُمْرَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ، قَالَ: وَحُكْمُهَا يُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ الْأَسْوَدَيْنِ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضًا لِتَفَاصُلِهِمَا، وَالْأَحْمَرُ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْحَيْضُ وَالْقَوِيُّ بَعْدَهُ طُهْرًا؟ بَلْ يَكُونَانِ كَدَمٍ مُتَّحِدٍ فَرُجِّحَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَسِتَّةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ بَعْدَهُ أَسْوَدَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كُلَّهُ طُهْرٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِمَا مَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ أَوَّلَ شَهْرٍ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَالْمَذْهَبُ فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ حَيْضٌ بِالْعَادَةِ وَبَقِيَّةُ الْأَحْمَرِ طُهْرٌ لِصَلَاحِيَّتِهِ وَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ لِقُوَّتِهِ وَأَنْ يَكُونَا كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبِهَا، وَهِيَ أَنَّ الْأَسْوَدَ
لَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَدْ فُقِدَ شَرْطُ التَّمْيِيزِ
فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ كَامِلٌ، ثُمَّ هَلْ تُكْمِلُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ مِنْ الْأَسْوَدِ طُهْرًا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ كَوْنَهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّكْمِيلَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ أَوَّلَ السَّوَادِ حَيْضٌ جَدِيدٌ فَهِيَ مُبْتَدِئَةٌ فَيَكُونُ مِنْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمُبْتَدِئَةِ وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهَا مُعْتَادَةً بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَالطُّهْرِ الْأَوَّلِ، وَبِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا جَزَمَ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ، وَبِكَوْنِهَا مُعْتَادَةً، وَأَظُنُّهُ أَخَذَ بِكَلَامٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي آخِرِ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْهَمَ فِيهِ أَنَّهُ صَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَمَا أَوْهَمَ فَقَدْ صَرَّحَ قَبْلُ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ الْآنَ، وَتَصْحِيحُهُ الْأَخِيرُ رَاجِعٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَعْرِفُهُ مَنْ اسْتَوْفَى تَدَبَّرْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قِيَاسُ الْمُعْتَادَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا احْتَمَلْنَاهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ أَصْلٌ بُنِيَ عَلَيْهِ فَأَخَذْنَا بِهِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ، ثُمَّ حُدُوثُ الْقَوِيِّ وَقَعَ بَعْدَ طُهْرٍ كَامِلٍ فَكَأَنَّهُ دَمٌ وَقَعَ بَعْدَ نَقَاءٍ يَصْلُحُ طُهْرًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا إنْ كَانَ صَلَحَ لِلْحَيْضِ وَإِلَّا، فَمُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا أَوَّلَهُ وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ فِيهِ، مِثَالُهُ: رَأَتْ شَهْرًا أَحْمَرَ فَقَطْ أَوْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْهُ نَقَاءٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا أَسْوَدُ أَوَّلَ الثَّانِي، فَلَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الْأَسْوَدُ لِدُونِ عَشْرٍ فَكُلُّهُ حَيْضٌ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ دَمٌ أَضْعَفُ مِنْهُ حَتَّى جَاوَزَهَا، فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَتَنْتَقِلُ لِحُكْمِ التَّمْيِيزِ، فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ ثُمَّ تَرَى غَيْرَهُ أَوْ يَتَغَيَّرُ بِأَقْوَى فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ الْأَسْوَدُ بَعْدَ النَّقَاءِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَجَاوَزَ، فَلَهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ، وَتَكُونُ بِهِ مُعْتَادَةً حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَطُهْرُهَا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ حَيْضَتَيْهَا فِي هَذَا، وَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ.؟
(تَنْبِيهٌ) الدَّمُ إذَا كَانَ أَحْمَرَ وَفِيهِ خُطُوطٌ سُودٌ كَالْأَسْوَدِ الْخَالِصِ الْمُتَّصِلِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَكَذَا مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْأَسْوَدَيْنِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ نَقَاءٍ إذَا جُعِلَا كَالْمُتَّصِلِ كَمَا ذَكَرُوهُ.
(خَاتِمَةٌ) إذَا فَرَّعْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ رَأَتْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً سَوَادًا بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، فَمَا بَعْدَ الْحَيْضِ طُهْرٌ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِلَا شَكٍّ أَنْ يَحْدُثَ سَوَادٌ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ حَيْضًا آخَرَ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُمَيِّزَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّهَا فِي الْأَصْلِ مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ السَّبْعِ الْأُولَى بِمُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ:(إنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَرْجِيحِ السَّبْقِ) فَيَكُونُ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ، وَطُهْرُهَا بَاقِيهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمُخْتَصَرَاتِ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ فِيمَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ أَسْوَدَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَكَذَا حُكْمُ مَنْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا.
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ كَمَا قُلْنَا آخِرَ الشَّهْرِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْأَسْوَدِ الْأَوَّلِ حَيْضًا، وَإِنْ كَثُرَ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَوْنَهُ حَيْضًا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَئِمَّةِ وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَوِيَ الْإِشْكَالُ، وَاَللَّهُ يُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ حَلَّ إشْكَالَهَا تَصْرِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ نَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَيْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُرَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَجْمُوعِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ، فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ إذْ لَا يَصْلُحُ الْأَسْوَدُ لِلْحَيْضِ وَحْدَهُ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ الْأَحْمَرَ كَذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُمَا حَيْثُ حَكَمْنَا بِكَوْنِ السَّوَادِ الْأَوَّلِ حَيْضًا
أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً حَتَّى لَوْ زَادَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ حَيْضًا كُلَّهُ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا، فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ، فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَخِيرُ بِالِاتِّفَاقِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ وَالثَّانِيَةُ دَمُ فَسَادٍ لِكَوْنِهَا تَمَامَ قَدْرِ الطُّهْرِ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَوَّلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ طَهُرَتْ، وَرَأَتْ دَمًا قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِ الطُّهْرِ، وَانْقَطَعَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُ الدَّمَيْنِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا، فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ عَلَى الْحَاصِلِ مِنْ رَاجِحِ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ هَذَا النَّوْعَ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ آخِرَ الْحَيْضِ، وَفِي أَوَّلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا، فَحَيْضُهَا الْحُمْرَةُ كَذَا ذَكَرَهُ وَتَبِعَهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَقَدَّمَ الْأَسْوَدُ نِصْفَ يَوْمٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ إذْ فَقَدَتْ شَرْطَ التَّمْيِيزِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافًا.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً وَانْقَطَعَ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعُوا بِهِ وَفِي الْحُمْرَةِ السَّابِقَةِ وَجْهٌ فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً، ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ، وَجَاوَزَ الْأَكْثَرَ فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ نِصْفَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ كَذَا خَمْسًا ثُمَّ السَّادِسَ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ وَجَاوَزَتْ، فَالسَّادِسُ وَمَا قَبْلَهُ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَكَذَا كُلُّ سَوَادَيْنِ حَكَمَ بِهِمَا حَيْضًا، فَالضَّعِيفُ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ، فَهَذِهِ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَوِيِّ أَنْ لَا يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَكَذَا لَوْ تَقَطَّعَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لَمْ تَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذَكَرَهُ فِيهِ فَلَوْ نَقَصَ كُلٌّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَنَمَا بِنَقَاءٍ فَلَا حَيْضَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْكُلُّ دَمُ فَسَادٍ فَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزٌ كَأَنْ تَقَطَّعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا أَحْمَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ أَوْ قَبْلَهُ، فَالسَّوَادُ كُلُّهُ وَمَا تَخَلَّلَهُ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ.
(مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ دَمًا أَحْمَرَ فَتُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُهُ حَيْضًا كَمَا مَرَّ فَلَوْ بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ أَسْوَدَ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْأَوَّلِ فَسَادًا فَتَتْرُكُهَا أَيْضًا فَلَوْ اسْتَمَرَّ السَّوَادُ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَأَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرَيْنِ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الثَّانِي، ثُمَّ تَقْضِي صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الْأَوَّلِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ (وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ أَوَّلًا خَمْسَةَ عَشَرَ كُدْرَةً مُجَرَّدَةً ثُمَّ صُفْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ شُقْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا ثُمَّ رَأَتْ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ ثَخِينًا بِلَا نَتْنٍ ثُمَّ كَذَلِكَ مَعَ النَّتْنِ أَنْ تُؤْمَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَثِيرًا لِقُوَّةِ كُلٍّ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا تَعْمَلُ بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ سَبَقَ الْأَقْوَى زَمَنٌ يَصْلُحُ لِمَرَدِّ حَيْضِ الْمُبْتَدِئَةِ وَطُهْرِهَا، وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ إذَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ حَيْضًا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَائِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْأَصْحَابُ حُكْمَ مَا لَمْ يَدُلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ كُلِّ دَوْرٍ شَهْرًا رَدًّا لِلْغَالِبِ، فَلْيَكُنْ حَيْضُهَا فِي مَسْأَلَةِ تَعَاقُبِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَبَاقِيهِ طُهْرًا، ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَهَا حُكْمٌ آخَرُ حَتَّى لَوْ حَدَثَ الدَّمُ الثَّالِثُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ.
وَقَدْ مَضَى مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ طُهْرًا وَحَيْضًا يَكُونُ الْحُكْمُ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَيُتَمَّمُ الشَّهْرُ طُهْرًا؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الثَّالِثِ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي، لِأَنَّ بِهِ ضِعْفَ الثَّانِي ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي قَطْعًا حُكْمُ عَدَمِ التَّمْيِيزِ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ بَاقِيهِ لِتَبَيُّنِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ؛ لِظَاهِرِ دَوَامِ الدِّمَاءِ فَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا الثَّالِثُ بِنَقَاءٍ أَوْ دَمٍ أَضْعَفَ، وَقَدْ بَلَغَ أَوَّلَ الثَّالِثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَهُوَ الْحَيْضُ فَإِنْ كَانَ حُدُوثُ الْقَوِيِّ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْحَيْضُ وَمَا قَبْلَهُ كُلُّهُ فَسَادٌ.
وَإِنْ وَسِعَ حَيْضًا وَطُهْرًا بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا قَبْلُ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا يَصْلُحُ حَيْضًا، وَكَذَا فِيمَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَوَّلِ لَوْ أَطْبَقَ السَّوَادُ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ فَلَوْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهَا،
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْحُمْرَةِ طُهْرٌ مُتَّحِدٌ وَيُبْتَدَأُ لِلْأَسْوَدِ حُكْمٌ جَدِيدٌ وَيُجْعَلُ مَا قَبْلَهُ دَوْرًا كَامِلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلَهُ حَيْضًا، وَبَاقِيهِ فَقَطْ طُهْرٌ جَعَلْنَا لِلثَّالِثِ هُنَا حُكْمًا جَدِيدًا وَمَا قَبْلَهُ دَوْرًا كَامِلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلَهُ حَيْضًا، وَبَاقِيَهُ طُهْرًا وَتَكُونُ بِهِ مُعْتَادَةً عَلَى مَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ تَأْخُذُ بِهِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ تَمْيِيزٌ مُعْتَبَرٌ.
وَإِنْ كَانَ حُدُوثُ الثَّالِثِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ مَضَى الْأَوَّلُ بِدَوْرِهِ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ شَهْرًا دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ حَدَثَ لَهَا أَسْوَدُ بَعْدَهُ أَنَّ لَهَا فِي الْأَوَّلِ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، وَفِي هَذَا الثَّانِي نَنْظُرُ فِي دَمِهَا إنْ كَانَ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ - فَمُمَيِّزَةٌ وَإِلَّا فَكَمَنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَةُ دَمِهَا الثَّانِي أَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ امْرَأَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ إذْ لَوْ كَانَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ نَسْخِ الدَّمِ لِمَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرُوا صِفَاتِ الْقُوَّةِ، وَطَوَّلُوا أَمْثِلَتَهَا بِمَا لَا يَكَادُ يَقَعُ حِرْصًا عَلَى الْبَيَانِ.
الثَّالِثُ: مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا عَنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حُكِمَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ وَجُعِلَ قَوِيُّ دَمِهَا حَيْضًا، وَأَنَّ مَا لَحِقَهُ طُهْرٌ، وَإِنْ تَطَاوَلَ زَمَنُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِسَبَبِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا بِمُغَيِّرٍ إذْ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ فِي حَقِّهَا، فَهِيَ كَمَنَ حَاضَتْ أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ سَنَةً أَمَّا مَنْ لَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِتَمْيِيزٍ فَحُكْمُهَا يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الطَّبِيعَةِ، وَأَنَّ دَمَهَا الصَّالِحَ لِلْحَيْضِ فِي وَقْتِهِ حَيْضٌ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ رَأَتْ خَمْسًا حُمْرَةً ثُمَّ سِتَّةَ عَشَرَ سَوَادًا فَأَكْثَرَ جَعَلْنَا حَيْضَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَلَا نُلْغِيه لِمَا عَقِبَهُ مِنْ السَّوَادِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ.
وَقَدْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا أَعْنِي مَسْأَلَةَ تَعَاقُبِ الدِّمَاءِ فِي الْأَشْهُرِ أَنَّ كُلَّ دَمٍ عَقِبَهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ، الْحُكْمُ لِلْأَقْوَى إنْ كَانَ لَمْ يَعْقُبْهُ أَقْوَى مِنْهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَيَكُونَانِ كَدَمٍ مُبْهَمٍ وَتَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهَا مَا لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ تَمْيِيزٍ أَوْ صِحَّةِ نَقَاءٍ، وَحَيْثُ اسْتَمَرَّتْ بِدَمٍ وَاحِدٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيْضًا وَتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا كَمَا سَبَقَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَيَكُونُ حَيْضُهَا الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ إذْ مَضَى لَهَا حَيْضٌ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ سَبَبَهُ اخْتِلَافُ دَمِهَا، وَنَسْخُ الْأَقْوَى مَا حَكَمَ بِهِ طُهْرًا بِاسْتِوَاءِ دَمِهِ فَهُوَ كَالْحُكْمِ بِالدَّوْرِ بِتَمْيِيزٍ كَامِلٍ هَذَا مَا ظَهَرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَتُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ أَيْضًا فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَسْوَدَ كَذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِي الدَّمَيْنِ حَيْضَتَيْنِ، وَأَنَّ أَوَّلَ الْأَحْمَرِ حَيْضٌ وَحَكَمُوا فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّ لَهَا طُهْرًا وَحَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَصْلُحْ الْأَسْوَدُ؛ لِكَوْنِهِ حَيْضًا خَالِصًا.
وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنَّ أَوَّلَ الْحَيْضِ الثَّانِي أَوَّلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ كَمَا سَبَقَ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَوَّلُ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ لَوْ انْقَطَعَ الْأَسْوَدُ بِأَقْوَى مِنْهُ لِثِخَنٍ أَوْ نَتْنٍ، وَتَصْرِيحُ ابْنِ سُرَيْجٍ بِاجْتِمَاعِ الْحَيْضَتَيْنِ فِي الشَّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى إطْبَاقِهِمْ عَلَى مُرَاعَاةِ ثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِدَمٍ صَالِحٍ لَهُ كَغَالِبِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ عِلَّةِ الِاسْتِحَاضَةِ.
(بَيَانُ مَا يُشْكِلُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ) اعْلَمْ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَأْخَذِ، وَوُجُوهُ اخْتِلَافِهَا عَلَى أَنْمَاطٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلُهَا: مَسْأَلَتُنَا مَنْ رَأَتْ سَبْعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَبْعَةً أَسْوَدَ وَمَنْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْحَيْضَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَحْمَرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَسْأَلَةُ ثَمَانِيَةٌ أَسْوَدُ ثُمَّ ثَمَانِيَةٌ أَحْمَرُ ثُمَّ ثَمَانِيَةٌ أَسْوَدُ، فَالثَّلَاثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ الصَّالِحَ لِلْحَيْضِ إذَا سَبَقَ ثُمَّ لَحِقَهُ مِثْلُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا وَبَيْنَهُمَا ضَعِيفٌ، فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ بِالسَّبْقِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْأَخِيرِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَمِثْلُهَا مَا لَوْ كَانَ الْقَوِيُّ الْأَوَّلُ دُونَ الْحَيْضِ وَالْآخَرُ قَدْرَهُ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَيْضًا كَنِصْفِ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفِهِ أَحْمَرَ، وَكَذَا ثَلَاثَةٌ أَحْمَرُ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدُ، فَالْأَخِيرُ هُوَ الْحَيْضُ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَجْهُهَا وَاحِدٌ وَإِشْكَالُهَا مِنْ فَقْدِ شَرْطِ التَّمْيِيزِ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا بِمَا تَخَلَّلَهُ إنْ كَانَ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِ، وَجَوَابُهُ الْحُكْمُ لِمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ حَيْضٌ بِالْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَبِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْحَيْضِ دُونَ الْأَوَّلِ لِقِلَّتِهِ فِي الْأَخِيرِ
وَالْمُتَخَلِّلُ غَيْرُ مُلْحَقٍ بِهِ فَهُوَ طُهْرٌ لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ فِي الثَّلَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُوَّةَ بِالسَّبْقِ قَالَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَكَمُوا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ السَّوَادَ الْمَذْكُورَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَثُرَ فَلْيَكُنْ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذِهِ دَلِيلًا لِلْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ وَبَقِيَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ أَيْضًا إشْكَالٌ بِمَا فِي النَّمَطِ الثَّانِي. ثَانِيهَا: مَنْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ الْأَحْمَرَ كَذَلِكَ وَمَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ وَدَامَ وَمَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ حَتَّى جَاوَزَتْ، وَمَنْ رَأَتْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ كَذَلِكَ أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ وَتَكَرَّرَ حَتَّى جَاوَزَ، وَمَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَسْوَدَ بِلَا نَتْنٍ ثُمَّ مِثْلَهَا مُنْتِنًا حَيْثُ قُلْنَا فِي الْكُلِّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ ثُمَّ تَطْهُرُ بَاقِيَ الشَّهْرِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَإِشْكَالُهَا فِي مَسْأَلَةِ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ مَثَّلَهَا بِمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ مِثْلُهَا أَوْ أَكْثَرُ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ لَهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيْضًا فَهَلَّا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِيهِ، فَلَا إشْكَالَ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ دَلِيلٌ لَهُ وَإِشْكَالُ مَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ
فَإِنَّ الْأَسْوَدَ الْأَوَّلَ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ وَلَا يَصْلُحُ جَمْعُهُ مَعَ الْأَخِيرِ فَلْتَكُنْ مُمَيِّزَةً بِالْأَوَّلِ مِثْلَهُنَّ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ كُلُّهُ حَيْضًا، أَوْ لِتَكُنْ الثَّلَاثُ مِثْلَهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كُلُّهُنَّ مِنْ أَوَّلِ الدِّمَاءِ بِحُكْمِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَمِثْلُ هَذِهِ مَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ وَتَكَرَّرَ حَتَّى جَاوَزَ، فَإِنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ سَابِقٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ، فَقِيَاسُ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَيْضُ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يُضَمُّ إلَيْهِ كُلُّ سَوَادٍ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حُمْرَةٍ لِصَلَاحِيَتِهِمَا جَمِيعًا لَهُ وَانْفِصَالِ مَا بَعْدَهَا عَنْهُ مَعَ قُوَّةِ الْأَوَّلِ بِالسَّبْقِ، لَكِنْ بَيْنَ صُورَتَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ السَّوَادَ هُنَا تَكَرَّرَ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ أُولَئِكَ، فَلَعَلَّهُمْ لِتَكَرُّرِهِ فِيهَا جَعَلُوهُ كَالْمُتَّصِلِ الْمَحْضِ وَأَلْحَقُوهُ بِمَا بَعْدَهَا لِاتِّحَادِ صِفَةِ الدِّمَاءِ، مَعَ أَنَّ عَوْدَ الدَّمِ بِصِفَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا دَمًا وَاحِدًا فَلْيُحَرَّرْ، وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ بِثِخَنٍ حَيْثُ حُكِمَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، مَعَ أَنَّ سَوَادَهَا صَالِحٌ لِلْحَيْضِ لَكِنَّهُ بِقُوَّةِ مَا عَقِبَهُ صَارَ ضَعِيفًا بِالْحُكْمِ إذْ لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ حُكِمَ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ حَيْضٌ فِي الثَّانِي وَاتَّصَلَ حَيْضَانِ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ بَيْنَهُمَا نَعَمْ قَدْ قُلْنَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَقِبَهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَانْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ بِنَقَاءٍ أَوْ ضَعِيفٍ، فَهُوَ الْحَيْضُ وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ، وَكَذَا لَوْ عَقِبَ الْأَوَّلَ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْ نَقَاءٌ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ.
فَالْأَوَّلُ حَيْضُ هَذَا الشَّهْرِ بِالتَّمْيِيزِ كَمَا سَبَقَ وَلْيَرُدَّ النَّظَرَ فِيهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَد ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَحْمَرُ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِشْكَالُهَا مِنْ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْقُوَّةَ بِالسَّبْقِ حَيْثُ حَصَلَ بَيْن الدَّمَيْنِ مَا يُخَالِفهُمَا لَكِنَّهُ هُنَا أَقْوَى، فَلَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ قُوَّتُهُ جُعِلَ كَدَمٍ أَحْمَرَ أَوْ نَقَاءٍ، وَكِلَاهُمَا لَا تَمْيِيزَ مَعَهُ. ثَالِثُهَا: مَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا، وَانْقَطَعَ أَوْ يَوْمًا فَأَقَلَّ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ حَيْثُ حَكَمُوا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ فِي الْأُولَى الدَّمُ الْأَوَّلُ وَفِي الْأَخِيرَةِ الْأَخِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْإِشْكَالُ فِي الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ لَمْ تُمَيِّزْ، فَلْيَكُنْ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضًا وَبَاقِيهِ طُهْرًا، وَقَدْ قَالَ فِيهَا الْمَرَاغِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ شَيْخُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ يُعْطِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مَشْهُورَانِ، وَلَكِنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقِلَّةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُصَنَّفَاتِ بِعَيْنِهَا يُخَالِفُهُ، وَتَحَيُّضُهَا الثَّلَاثَ دَلِيلٌ لِقُوَّةِ السَّبْقِ كَمَا فِي مَسَائِلِ النَّمَطِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَا إلْغَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِاجْتِمَاعِهِ بِبَعْضِ الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِيَكُونَا حَيْضًا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ لِقِلَّتِهِ يَكُونُ كَالنَّقَاءِ، وَأَنَّ الدَّمَ الْمُتَّصِلَ أَوْلَى بِكَوْنِ حُكْمِهِ وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ عَشْرَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ أُلْغِيَ الْأَخِيرُ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا فَقَطْ أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةً أَحْمَرَ فَلَا حُكْمَ لِلسَّوَادِ بِلَا شَكٍّ كَمَا سَبَقَ وَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً وَبَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ أُلْغِيَ، وَجُعِلَ الْأَحْمَرُ كُلُّهُ حَيْضًا وَلَمْ يُذْكَرُ فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ مُشْكِلٍ إذْ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَدَمٍ أَحْمَرَ فَيَكُونَ كَمَنَ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَحْمَرَ، فَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ كَالْأُولَى فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ فَعُدِمَ الْخِلَافُ فِيهَا وَفِي مَسْأَلَةِ أَوَّلِ هَذَا النَّمَطِ فِيهِ بِقُوَّتِهِ لِمَا فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ مِنْ كَوْنِ اخْتِلَافِ الدِّمَاءِ وَانْفِصَالِهَا لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ إعْطَاءِ الْمُتَّصِلِ حُكْمًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأُولَى بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ لِكَوْنِ الْأَحْمَرَيْنِ كَالْوَاحِدِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَالْعَدَمِ فَهَذَا فَارِقٌ بَيْنَهُمَا.
(خَاتِمَةٌ) قَدْ يُؤْخَذُ بِالتَّأَمُّلِ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ كُلَّ دَمٍ مُتَطَرِّفٍ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ مَا يَتَّصِلُ بِهِ بِغَيْرِ صِفَتِهِ يَكُونُ كَالنَّقَاءِ الْمَحْضِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ، وَمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً مَعَ نِصْفِ يَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَسْوَدَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِيهِنَّ حَيْضٌ، وَأَنَّ مَا تَوَسَّطَ دَمَيْنِ دُونَهُ فَهُوَ مِثْلُهُمَا كَمَسْأَلَةِ خَمْسًا حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ حَيْثُ جَعَلُوهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَإِنَّ الدِّمَاءَ إذَا تَكَرَّرَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ فَصْلِ نَقَاءٍ أَوْ ضَعِيفٍ بَيْنَهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ جَمْعُهَا حَيْضًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَكَرُّرُهَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَلَا قُوَّةَ لِلْأَوَّلِ كَمَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَسْوَدَ ثُمَّ كَذَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ قَالَ: هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ تَطْهُرُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَفَصَلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ نَقَاءٌ أَوْ ضَعِيفٌ.
فَإِنْ صَلَحَ أَحَدُهُمَا لِلْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ، فَهُوَ الْحَيْضُ كَمَسْأَلَةِ يَوْمٍ بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثًا دَمًا حَيْثُ جَعَلُوا الْحَيْضَ الْأَخِيرَ، وَأَنَّ الدَّمَ الْمُتَّصِلَ أَوْلَى مِنْ لَفْقِ بَعْضِهِ بِغَيْرِهِ دُونَ بَعْضِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ عَادَتُهَا فِي الْمُعْتَادَةِ، وَإِنْ صَلُحَا لِلْحَيْضِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَيْضُ دُونَ الْبَاقِي كَمَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ ثَلَاثًا دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثًا دَمًا حَيْثُ قَالُوا الْحَيْضُ الْأَوَّلُ، وَمَسْأَلَةُ سَبْعٍ وَسَبْعٍ وَسَبْعٍ وَثَمَانٍ وَثَمَانٍ سَوَادًا بَيْنهمَا سَبْعٌ حُمْرَةٌ حَيْثُ جَعَلُوا السَّوَادَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ حَيْضًا، وَزَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْحُمْرَةَ الْمُتَخَلِّلَةَ مَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ.
الثَّالِثَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ يَحْدُثُ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ دَمَانِ أَوْ دِمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا فِي الْمُبْتَدِئَةِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْعَادَةِ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ أَوَّلَهُ خَمْسًا أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ أَوْ رَأَتْ أَوَّلَهُ ثَلَاثًا أَسْوَدَ ثُمَّ بَاقِيَهُ أَحْمَرَ، وَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا النَّادِرَ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ فِيهَا كَالْمُبْتَدِئَةِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ، فَحَيْضُهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّوَادُ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَأَنْ رَأَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَهُ الْآخَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا، فَحَيْضُهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْأَسْوَدُ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَ الْأَوَّلَ أَسْوَدَ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ أَحْمَرَ، أَوْ فِي آخِرِهِ شَيْئًا أَسْوَدَ فَحَيْضُهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ وَقْتَهُمَا وَقَدْرَهُمَا فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لَهَا ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّم أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ حَتَّى لَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ صَارَتْ عَادَةً لَهَا تَعْمَلُ بِهَا فِيمَا بَعْدُ كَأَنْ رَأَتْ شَهْرًا أَوَّلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَامِسَهُ أَسْوَدَ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ رَأَتْ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا، فَحَيْضُهَا سِتٌّ مِنْ أَوَّلِهِ، أَيْ الْأَسْوَدِ وَبَعْدَهَا عِشْرُونَ طُهْرًا وَيَصِيرُ دَوْرُهَا سِتًّا وَعِشْرِينَ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ خَمْسًا أَحْمَرَ ثُمَّ عِشْرِينَ نَقَاءً ثُمَّ دَمًا مُسْتَمِرًّا بِأَيِّ صِفَةٍ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِهِ
وَكَذَا لَوْ كَانَ مَا بَعْدَ الْخَمْسِ الْأُوَلِ أَشْقَرَ إلَى عِشْرِينَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا وَيَكُونُ طُهْرُهَا فِيهِمَا عِشْرِينَ، فَلَوْ رَأَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ سَبْعًا أَحْمَرَ ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَشْقَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ، فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ السَّوَادِ، وَطُهْرُهَا الشُّقْرَةُ ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ الْأَحْمَرِ الثَّانِي ثَمَانِيَةً عَادَةَ الْحَيْضِ بِالتَّمْيِيزِ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا عَادَتَهَا بِهِ ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ كَذَلِكَ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ مَا لَمْ يَقْطَعْهُ نَقَاءٌ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا مَعَ انْتِظَامٍ كَأَنْ تَرَى حَيْضًا ثَلَاثًا وَحَيْضًا خَمْسًا وَحَيْضًا سَبْعًا وَتَطْهُرُ بَاقِيَ الشَّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا كَذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ، فَيُحْكَمُ لَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا مَضَى بِتَرْتِيبِهِ إنْ كَانَ تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ حَيْضًا وَطُهْرًا كَمَا مَثَّلَنَا.
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ تُكَرَّرْ أَوْ تَكَرَّرَتْ، وَلَمْ تَنْتَظِمْ رُدَّتْ إلَى آخِرِهَا كَأَنْ حَاضَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سِتًّا ثُمَّ ثَلَاثًا ثُمَّ يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى السَّبْعِ وَكَذَا فِي الطُّهْرِ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ بِعَادَةٍ عُمِلَ بِهَا وَلَوْ مُخْتَلِفًا إنْ كَانَ انْتَظَمَتْ وَتَكَرَّرَتْ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى آخِرِ دَوْرٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ، وَتَطْهُرُ آخِرَهُ فَحَاضَتْ فِي شَهْرٍ آخِرَهُ خَمْسًا وَانْقَطَعَ، فَطُهْرُهَا حِينَئِذٍ عِشْرُونَ ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسًا عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَطُهْرُهَا ثَلَاثِينَ بِالْعَادَةِ الْأَخِيرَةِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَتَغَيَّرُ الْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مَعًا بِلَا انْتِظَامٍ فَتَعْمَلُ بِالْأَخِيرِ كَمَا قُلْنَا فِيهِمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَحَاضَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَهِيَ الْخَمْسُ الثَّالِثَةُ مِنْ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَطُهْرُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ.
فَالتَّغَيُّرُ قَدْ يَكُونُ فِي الْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ فِي الْحَيْضِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ رَأَتْ ذَاتُ الْخَمْسِ أَيَّامٍ عَادَتَهَا، وَزَادَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ تُسْتَحَاضُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَكُونُ حَيْضُهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا سَبْعًا وَطُهْرُهَا كَالْأَوَّلِ فَلَوْ رَأَتْ مَكَانَ الْخَمْسِ ثَلَاثًا نَقَصَ حَيْضُهَا يَوْمَيْنِ وَهِيَ فِي الطُّهْرِ بِعَادَتِهَا، وَقَدْ يَتَغَيَّرَانِ مَعًا كَأَنْ تَرَى ذَاتُ الْخَمْسِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ الثَّانِي نَقَاءً إلَى عَشْرٍ ثُمَّ تَحِيضُ إلَى عِشْرِينَ ثُمَّ تَطْهُرُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُسْتَحَاضُ، فَأَصْلُ عَادَتِهَا خَمْسُ أَوَّلُ الشَّهْرِ، وَطُهْرُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آخِرَهُ فَتَغَيَّرَتْ فِي الْأَخِيرِ بِعَشْرٍ حَيْضًا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ الْعَشْرُ الْوُسْطَى، وَصَارَ الطُّهْرُ بَيْنَهُمَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ صَارَ طُهْرُهَا بَعْدَ الْعَشْرِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ.
فَتَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَخِيرُ وَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ عَشْرًا، وَطُهْرُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَكَرَّرَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ كَأَنْ يَكُونَ كُلُّ طُهْرٍ فِي مَسَائِلِنَا دَمًا ضَعِيفًا، وَحَيْضُهُ دَمًا ضَعِيفًا ثُمَّ تُسْتَحَاضُ فَتَعْمَلُ بِعَادَتِهَا عَلَى صِفَةِ التَّمْيِيزِ فَإِنْ انْتَظَمَ بِهِ عَادَاتٌ وَتَكَرَّرَتْ عَمِلَتْ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي النَّقَاءِ، وَمِنْ مَسَائِلِ النَّقْلِ: أَنَّ مَنْ عَادَتُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَ الْأَخِيرَةَ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ:
أَحَدُهُمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ سُرَيْجٍ: حَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَيَصِيرُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ بَعْدَ طُهْرٍ كَامِلٍ فَتَحِيضُ مَا دَامَتْ الِاسْتِحَاضَةُ كَذَلِكَ خَمْسًا، وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا الْخَمْسُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي مُرَاعَاةً لِوَقْتِ عَادَتِهَا إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ الْحُكْمِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا بِنَاسِخٍ، وَمَا قَبْلَهَا فِي آخِرِ الْأَوَّلِ دَمُ فَسَادٍ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدَّمَ الثَّانِيَ لَوْ انْقَطَعَ بِخَمْسٍ كَانَ هُوَ الْحَيْضُ وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ فِي حَيْضٍ، وَعِشْرُونَ فِي طُهْرٍ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ مُسْتَمِرًّا بَعْد عِشْرِينَ نَقَاءً أَخَذْنَا لَهَا مِنْ أَوَّلِهَا خَمْسًا حَيْضًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا.
وَهَكَذَا مَا دَامَتْ الِاسْتِحَاضَةُ، فَتَغَيُّرُ الزَّمَانِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا تَكَرَّرَ وَانْسَحَبَ الدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ التَّمْثِيلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَوَّلِ شَهْرٍ وَلَا آخِرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَعْتَادُ الْخَمْسَ الْأُولَى مِرَارًا ثُمَّ رَأَتْهَا فِي شَهْرٍ نَقَاءً وَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسًا مِنْهُ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ حَتَّى جَاوَزَ الْأَكْثَرَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَنْ يَنْسَحِبُ دَمُهَا أَوْ يَتَقَطَّعُ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطُّهْرِ لِمَا لَا يَقَعُ طُهْرًا كَأَنْ تَحِيضَ خَمْسَةَ الْعَادَةِ، ثُمَّ تَطْهُرُ عَشْرًا ثُمَّ تَرَى الدَّمَ مُسْتَمِرًّا فَإِنَّ حَيْضَهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ الطُّهْرِ الْمُعْتَادِ، وَأَمَّا مَنْ يَتَكَرَّرُ تَقَطُّعُ دَمِهَا بِنَقَاءٍ
مُتَكَرِّرٍ بَيْنَ الدِّمَاءِ، وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ بِهَا عَلَى أَوَّلِ دَوْرٍ آخَرَ، فَلَهَا حُكْمٌ يَطُولُ شَأْنُهُ وَسَيَأْتِي ثُمَّ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ هُوَ الْأَصَحُّ.
وَمُرَاعَاةُ الْأَخِيرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ كَمَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ وَلَنَا وَجْهٌ بِاشْتِرَاطِ تَكَرُّرِهَا مَرَّتَيْنِ وَوَجْهٌ بِهِ ثَلَاثًا، وَلَنَا وَجْهٌ بِمُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَعْنِي وَلَوْ قَبْلَ عَادَةِ الْحَيْضِ كَمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَرِيبًا فَلْنَذْكُرْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ رَفْعِ الْإِشْكَالِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، فَنَأْتِي بِكَلَامِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْهُ ثُمَّ نَذْكُرُ الْمُشْكِلَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي رَوْضَتِهِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ فِيهِ غَالِبًا فِيمَنْ تَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا أَوَّلَهُ إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْخَمْسِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، وَهَكَذَا مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَحَاضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسِ الْأَخِيرَةِ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ رَأَتْ دَوْرَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ دَمًا وَنَقَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَحَاصِلُ مَا يُخَرَّجُ طُرُقُ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَفِي نَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا: تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ أَبَدًا، وَالثَّانِي: تَحِيضُ خَمْسًا وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ
وَالثَّالِثُ: تَحِيضُ عَشْرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْخَمْسَ الْأَخِيرَةَ، وَهِيَ أَوَّلُ الدَّمِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ بَعْدَهَا خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ، فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ اسْتِحَاضَةٌ كَالْأَوَّلِ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ ذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسٍ مِنْ الْآخَرِ حَيْضٌ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسٌ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ، وَهَكَذَا أَبَدًا، وَالرَّابِعُ: جَمِيعُ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى هَذَا مُخْتَصِرُ الرَّوْضَةِ وَصَاحِبُ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَارِحُ رَوْضِ ابْنِ الْمُقْرِي الشَّيْخُ زَكَرِيَّا بَلْ قَرَّرَهُ بِمَا يُزِيدُ الْإِشْكَالَ الْآتِي، وَمِثْلُهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا دُورٌ هُوَ عِشْرُونَ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَقِبَ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ خَمْسِ الْعَادَةِ عَشْرًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا بِلَا خِلَافٍ فَكَيْفَ يُقْدَحُ فِي عَدَدِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ.
وَحَدُّهَا التَّكْمِيلُ بِيَوْمِ الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ تَحَكُّمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَقِيَاسُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُصَوَّرَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا إنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِهَا فَتَطْهُرُ سِتًّا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، ثُمَّ تَحِيضُ خَمْسًا فَدَوْرُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِيهَا وَيَخْتَلِفُ الْخِلَافُ فِيهَا، فَإِنَّ لِهَذِهِ عَادَةً قَدْ تَكَرَّرَتْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْبُوقَةً بِهَا، بَلْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَهُ خَمْسًا فَرَأَتْهَا فِي شَهْرٍ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ كَمَا وَقَعَ التَّصْوِيرُ بِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ وَافَقَ وَمَنْ اسْتَشْكَلَ، فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ وَقَاعِدَتُهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَلَى الْأَصَحِّ خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ بَلْ تَنَبَّهَ لَهُ شُيُوخُنَا رحمهم الله وَرَأَوْا الرَّدَّ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْقَوَاعِدُ وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ فِيهَا كَلَامًا سَقَطَ أَوَّلُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُهُ فِي تَنَقُّلِ الْعَادَةِ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ قَدْ يَتَغَيَّرُ قَدْرُ الطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ، فَذَكَرَ صُورَةً مِنْ دَوْرِهَا ثَلَاثُونَ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَطُهْرُهَا مِنْهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ عِشْرِينَ مِنْهُ فَنَقَصَ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ بِالصِّفَةِ
الْأَخِيرَةِ فَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، بَلْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الطُّهْرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ رُدَّتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا انْقِطَاعًا بِأَقَلَّ، فَقِيَاسُ سِيَاقِ كَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ انْقَطَعَ وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى مَا صَوَّرْتُهُ، وَهَذَا عِنْدِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ.
وَأَظُنُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ شَبِيهٌ بِمَا فَهِمَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ الرَّوْضَةِ فِيمَنْ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مُرْتَفَعٍ، وَهُوَ لَا يُحَاذِيه بِجُزْءٍ مِنْهُ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ وَالْقُرْبِ وَهِيَ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَبِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ وَالْجُمْهُورِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ فَعَلْت كَذَا فَمَا لِي صَدَقَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ فَعَلَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا يُسَمَّى فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ، وَلَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤْخَذُ مِنْ طَيِّ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَتَبِعَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ لَعَلَّ مَا ظَنَنَّاهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْعَزِيزِ الَّتِي اخْتَصَرَ مِنْهَا الرَّوْضَةَ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا سَقِيمَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلسَّقْطِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الْعَزِيزِ نَقَلَ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا وَرُوِيَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَعَكْسُهُ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ؟
(يُسَنُّ فِي الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ قَالُوا، وَسَبَبُهُ سِقَمُ نُسْخَتِهِ مِنْ الْعَزِيزِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ النَّشَائِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ وَأَشْيَاءُ غَيْرُ ذَلِكَ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلْنُبَيِّنْ مَا بَنَيْت عَلَيْهِ الْوُجُوهَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِتَعْرِفَ صِحَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ، فَفِي الْأُولَى وَهِيَ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْهُ وَاسْتُحِيضَتْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَجْهُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَأَنَّ مَنْ اخْتَلَفَتْ أَدْوَارُهَا تَأْخُذُ بِالْأَخِيرِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً أَوَّلَهُ لِتَكَرُّرِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الطُّهْرُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ تَكَرُّرِهَا، وَوَجْهُ الثَّالِثِ تَحِيضُ عَشَرَةً اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ الدَّمِ فِي خَمْسٍ وَمُحَافَظَةً عَلَى وَقْتِ الْأُولَى لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا.
وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ مُرَاعَاةً لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مِرَارًا فَتَرْجِعُ لِلْقَدِيمَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ فِيمَنْ لَهَا خَمْسٌ حَيْضٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ، وَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ دَمِهَا اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسٌ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَاعْتِمَادُ الْأَخِيرَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَكَرَّرَ بِهَا وَتَطْهُرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذَا لَمْ تَرَهُ زَمَنَ الصِّحَّةِ إلَّا مَرَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِهَا، وَهُوَ كَالثَّانِي فِي الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّانِي هُنَا أَنَّهَا تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَشَرًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ مُرَاعَاةً لِأَوَّلِيَّتِهِ، وَخَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُرَاعَاةً لِوَقْتِ عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ لِتَكَرُّرِهَا فِيهِ وَهُوَ عَلَى نَمَطِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْأُولَى، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ هُنَا يُرَاعِي الْعَادَةَ الْقَدِيمَةَ فِي وَقْتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي حَلِّ إشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَالْفِكْرِ فِيهَا مَعَ عَدَمِ مَنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِمَدَدٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَعْد اللَّجْءِ إلَيْهِ فِيهِ فَأَلْهَمَنِي فَهْمَ مَا سَقَطَ مِنْ تَصْوِيرِهَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَبِذَلِكَ أَيْ - رُدَّ السَّاقِطُ فِي مَحَلِّهِ - يَنْتَظِمُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي فَضْلٍ؟
(وَلَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لِهَذَا الْإِشْكَالِ إلَّا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَمْ يَحُلَّهُ) اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا عَرَفَتْ عَادَةً ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ عَمِلَتْ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ كَانَتْ تَحِيضُ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسِهَا خَمْسًا دَمًا أَقْوَى مِنْ دَمِ خَمْسِهَا، فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسًا
وَعِشْرِينَ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الْقَوِيَّ بَعْدَ خَمْسِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَقْوَى مِنْ دَمِهَا خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ضَعُفَ وَاسْتَمَرَّ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ: الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ بِالْعَادَةِ ثُمَّ النَّقَاءُ طُهْرٌ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوِيُّ حَيْضًا لِصَلَاحِيَّةِ كُلٍّ لِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا أَحْمَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ أَسْوَدُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّوَادَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا، فَحَيْضُهَا هُنَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ، فَاعْرِفْ هَذِهِ الْأَخِيرَةَ فَقَدْ تَخْفَى عَلَى الْمُتَفَقِّهِ فَيَحْسَبُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِلْحَيْضِ خَمْسُ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهِ كُلُّهُ حَيْضًا وَيَصِيرُ دَوْرُهَا فِي الْأَوَّلِ مَعَ الْخَمْسِ عِشْرِينَ، وَفِي هَذِهِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ إنْ كَانَ لَمْ يَحْصُلْ تَمْيِيزٌ بَعْدُ مُعْتَبَرٌ أَوْ انْقِطَاعُ، هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا أَوْ انْقَطَعَ وَانْسَحَبَ الدَّمُ عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَأَمَّا ذَاتُ الْمُتَقَطِّعِ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّقَاءَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْمَحْكُومِ بِكَوْنِهِمَا حَيْضًا وَاحِدًا حُكْمُهُمَا كَالدَّمِ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ كَنَقَاءِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ الَّذِي بَيْنَ دَمَيْ مَنْ جَاوَزَهَا فِيمَا حُكِمَ بِهِمَا حَيْضًا لِتَمْيِيزٍ أَوْ عَادَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ، كَأَنْ رَأَتْ دِمَاءً مُتَقَطِّعَةً فِيهَا سَوَادٌ يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَقَطَّعَ أَحْمَرَ فَقَطْ، فَالسَّوَادُ وَمَا تَخَلَّلَهُ مِنْ دَمٍ أَوْ نَقَاءٍ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ حَتَّى يَتَغَيَّرَ بِأَقْوَى يَصْلُحُ حَيْضًا آخَرَ، وَأَمَّا مَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا بِصِفَةٍ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَكُلُّهُ اسْتِحَاضَةٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَرَدُّ السَّابِقُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَمَا يَلِيهِ دَمًا أَوْ نَقَاءً، فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَخَذَتْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدِئَةً فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ أَوْ أَثْنَائِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا، الْأَوَّلُ حَيْضٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ أَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْحَيْضِ، فَلَوْ تَقَطَّعَ الدَّمُ بِأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كُلُّهُ كَيَوْمٍ دَمٌ وَلَيْلَةٍ نَقَاءٌ، فَلَا حَيْضَ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهَا مَنْ عَادَتُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَانْطَبَقَ الدَّمُ عَلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ، فَهِيَ الْحَيْضُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ سَبَقَهَا دَمٌ وَتَأَخَّرَ عَنْهَا دَمٌ أَخَذْنَا قَدْرَ عَادَتِهَا مِنْ أَوَّلِ أَقْرَبِ الدَّمَيْنِ إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ كَأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ سِتًّا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهَا ثُمَّ رَأَتْ سِتًّا آخِرَهُ وَنَقَاءً أَوَّلَ الثَّانِي ثُمَّ دَمًا لِثَمَانٍ مِنْهُ فَإِنَّ حَيْضَهَا السِّتُّ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ بِيَوْمٍ، فَإِنْ اتَّفَقَتَا فِي الْقُرْبِ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُتَأَخِّرَةِ، كَمَا لَوْ رَأَتْهُ فِي مِثَالِنَا السَّبْعَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَحَيْضُهَا الْأَخِيرَةُ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ فِي شَهْرٍ آخَرَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَاسْتَمَرَّ سَبْعًا أَوْ تَقَطَّعَ بِنَقَاءٍ فِي خِلَالِهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِتًّا فَقَطْ وَلَوْ بِنَقَاءٍ فِي أَوْسَاطِهَا حَيَّضْنَاهَا سِتًّا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ الدَّمُ عَنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ فَإِنَّا نُتِمُّ الْعَادَةَ مِمَّا بَعْدَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَمْ تَرَ الدَّمَ هَذِهِ إلَّا لِعَشْرٍ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّا نَأْخُذُ لَهَا سِتًّا مِنْهُ حَيْضًا بِمَا تَخَلَّلَهَا، وَيَزِيدُ طُهْرُهَا تِسْعًا فَتَثْبُتُ عَادَتُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ كَانَ اتَّصَلَ، وَحَيْثُ حُكِمَ لَهَا بِابْتِدَاءِ الْحَيْضِ مِنْ دَمٍ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ الْعَادَةِ إلَّا بِنَقَاءٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ نَقَصَ حَيْضُهَا كَأَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ أَوَّلَهُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَوْمًا نَقَاءً ثُمَّ يَوْمًا دَمًا وَهَكَذَا فَحَيْضُهَا الْأَرْبَعُ الْأُولَى دُونَ النَّقَاءِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَوِشْهُ دِمَاءُ حَيْضٍ إذْ لَوْ حَيَّضْنَاهَا السَّادِسَ لَزِدْنَا عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَرَهُ إلَّا ثَانِيَةً وَتَقَطَّعَ يَوْمًا دَمًا فَيَوْمَيْنِ نَقَاءً، فَحَيْضُهَا الثَّانِي وَثَلَاثٌ بَعْدَهُ لَا الْأَوَّلُ إذْ لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ وَلَا مَا بَعْدَهَا لِمَا سَبَقَ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي أَوَّلَ الثَّلَاثِينَ حَيَّضْنَاهَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا يَصِيرُ نَقَاءً وَلَهَا مَعَ التَّقَطُّعِ عَادَةٌ، وَهَكَذَا مَا دَامَ التَّقَطُّعُ فَنَأْخُذُ مَا انْطَبَقَ عَلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا، فَأَوَّلُ حَيْضِهَا أَقْرَبُ أَوَّلِ الدَّمَيْنِ إلَى أَوَّلِهَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَخِيرَةُ كَمَا سَبَقَ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ خَمْسًا كَمَا ذُكِرَ فَرَأَتْهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثَةً نَقَاءً وَاسْتَمَرَّ، فَحَيْضُهَا الْأَرْبَعُ مِنْ يَوْمِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَا مِنْ يَوْمِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ لِأَوَّلِ دَمَ الْعَادَةِ وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الثَّلَاثِينَ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا أَصْلًا، وَكَذَا تَدُورُ بِمُرَاعَاتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ فَلَوْ رَأَتْ هَذِهِ يَوْمَيْنِ
وَيَوْمَيْنِ فَاتَّفَقَ أَوَّلُ دَمِهَا يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَيَوْمَ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ حَيَّضْنَاهَا مِنْ الثَّانِي لِاسْتِوَاءِ أَقْرَبِهِمَا وَتَأَخُّرِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هِيَ كَالْمُبْتَدِئَةِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَتُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضًا فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ أَوَّلَهُ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا أَبَدًا، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا، وَكَذَا النَّفَلُ فِي الْأَصَحِّ وَتَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ، وَمِثْلُهَا فَرْضًا وَنَفْلًا الصَّوْمُ وَالطَّوَافُ وَتَدْخُلُ لَهُ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْجَمَاعَةُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ أَوْ صَلَاةِ نَفْلٍ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتٍ مَا اغْتَسَلَتْ لَهُ فِي الْأَصَحِّ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَكَرَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ دَمِهَا كَوَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ تَغْتَسِلْ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ كُلَّ يَوْمٍ وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَقْضِيهِ مَرَّةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ بَعْضِهِ فِي الْحَيْضِ فَتَحْتَاطُ، وَهَلْ يَلْزَمُهَا قَضَاءٌ؟ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَا، وَنَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَ جَمْعٌ وُجُوبَهُ، أَيْ قَضَاءَ صَلَاةٍ مُبْهَمَةٍ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَفَرَاغِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَلِقَضَائِهَا صِفَةٌ طَوِيلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَعَرَفَتْ أَوَّلَ دَمِهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَحْتَاطُ كَالْمُتَحَيِّرَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَعْدَهَا هِيَ طَاهِرَةٌ إلَى يَوْمِ أَوَّلِ الْعَادَةِ، وَمَنْ عَرَفَتْ قَدْرَهَا وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَدْرِ أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مُدَّةٍ مَعْرُوفَةٍ مَكَثَتْ سِتَّةً أَوَّلَ الدَّمِ قَدْرَ الْعَادَةِ تُصَلِّي كُلَّ فَرْضٍ بِوُضُوءٍ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْمُتَحَيِّرَةُ أَبَدًا، وَإِنْ عَرَفَتْهُ فِي زَمَنٍ مَعْرُوفٍ طَوِيلٍ كَشَهْرٍ، وَلَمْ تَعْرِفْ عَيَنَهُ مِنْهُ لَا أَوَّلَهُ وَلَا آخِرَهُ صَلَّتْ بِالْوُضُوءِ أَوَّلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ حَتَّى يَمْضِيَ قَدْرُ الْحَيْضِ ثُمَّ تَحْتَاطُ إلَى أَوَّلِ مِثْلِهِ وَتَغْتَسِلُ لِلِاحْتِيَاطِ كَالْمُتَحَيِّرَةِ إلَى حَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ انْقِطَاعُ الدَّمِ عَادَةً، فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَحَيْثُ عَرَفَتْ وَقْتَ الِانْقِطَاعِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْغُسْلِ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّهُ أَمْثِلَةٌ هَذَا أَصْلُهَا وَمَنْ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ فِي الِاسْتِحَاضَةِ لِأَقَلِّهَا فِي الْحَيْضِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْمُتَحَيِّرَةُ إلَى أَنْ يَمْضِيَ قَدْرُ أَكْثَرِ عَادَاتِهَا ثُمَّ هِيَ طَاهِرَةٌ إلَى مِثْلِ وَقْتِ حَيْضِهَا ثُمَّ هَكَذَا، وَلَا يَخْفَى قِيَاسُ مَنْ اخْتَلَفَتْ عَادَةُ طُهْرِهَا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(خَاتِمَةٌ) قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ، وَتَزِيدُ بِتَحْرِيمِ الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعُبُورِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ نَظَرُ عَوْرَتِهَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ سُرَّةِ زَوْجِهَا وَرُكْبَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَوِيٌّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ خِلَافُهُ وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ، وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا الْمُتَحَيِّرَةَ، فَحَيْثُ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ مُطْلَقًا فَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا لَكِنَّهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا إذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْحَيْضِ لِرَجَاءِ انْقِطَاعِهِ فِيهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا فَإِذَا جَاوَزَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا طُهْرٌ، فَتَقْضِي صَلَاتَهُ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي إذَا مَضَتْ عَادَةُ حَيْضِهَا، وَبِهَا الدَّمُ تَغْتَسِلُ وَيُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَإِنْ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ تُبُيِّنَ كَوْنُهُ كُلُّهُ حَيْضًا هَذَا إنْ كَانَ مُتَّصِلًا، وَكَذَا إنْ كَانَ مُتَفَاصِلًا بِنَقَاءٍ لَا يَكُونُ طُهْرًا مُسْتَقِلًّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَضِدُّهُ أَنَّ مَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا فَلَهَا حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ إنْ كَانَ رَأَتْ الدَّمَ وَالطَّاهِرَةُ مِنْهُ إذَا انْقَطَعَ وَتَغْتَسِلُ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَثُرَتْ الْأَدْوَارُ كَذَلِكَ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(خَاتِمَةٌ) لِلْخَاتِمَةِ الْمُسْتَحَاضَةُ حَيْثُ أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِهِ تَتَوَضَّأُ كَسَلِسِ الْبَوْلِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا ثُمَّ تَحْشُوهُ بِنَحْوِ قُطْنٍ طَاهِرٍ ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ الدَّمَ كُلَّهُ عَصَبَتْ عَلَيْهِ بِعِصَابَةٍ إنْ كَانَ لَمْ يُؤْذِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً كَفَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ الْحَشْوِ وَيُبَادِرَانِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ انْتَظَرَا جَمَاعَةً أَوْ أَخَّرَا لِنَحْوِ