المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في النفاس وما يتعلق به] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ١

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

الفصل: ‌[فصل في النفاس وما يتعلق به]

سَتْرٍ وَأَذَانٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ، وَيَنْوِيَانِ بِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مَعَ ذِكْرِ الْفَرِيضَةِ فِي الْفَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ الْوَجْهِ، وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَيَنْبَغِي ضَمُّهَا لِلْأَوَّلِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا وَيُعِيدَانِ التَّعْصِيبَ وَالْوُضُوءَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيَتْبَعُهُ كُلُّ نَفْلٍ فِي وَقْتِهِ لَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

ِ النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) هُوَ دَمُ الْوِلَادَةِ، وَأَقَلُّهُ مَجَّةٌ، وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ:(وَفِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ: مِنْ عِنْدِ الطَّلْقِ، وَالثَّانِي: عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّ مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ رَأَتْهُ، فَابْتِدَاؤُهَا يُحْسَبُ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ) اهـ. وَهَذَا لَفْظُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ النِّفَاسِ عَلَى سَقَمٍ فِي نُسْخَتِهِ: وَأَقَرَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ: لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْهُ، فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ النِّفَاسِ مِنْ رُؤْيَتِهِ أَوْ مِنْ الْوِلَادَةِ؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَصَحُّهُمَا: مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَذَا صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَقَدْ يُوهِمُ تَنَاقُضٌ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا وَكَلَامِ الرَّوْضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ مِنْ الْوِلَادَةِ، أَيْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ السِّتِّينَ، وَأَنَّ النِّفَاسَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَهَا فَإِنْ تَأَخَّرَ فَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ طُهْرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ: أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ، أَيْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْأَةِ أَحْكَامُهُ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الدَّمِ، وَلَهَا قَبْلَهُ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا قُلْنَا: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمُرَادُنَا بِالْأَوَّلِ قَدْرُ زَمَنِ الدَّمِ، وَإِنْ تَفَرَّقَ وَبِالثَّانِي مُطْلَقُ الزَّمَنِ حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَهُ غَيْرَ حَيْضٍ وَإِنْ لَمْ تَرَ قَبْلَهُ إلَّا قَدْرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُفَرَّقًا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَرَى تَلْفِيقَ الدِّمَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا حِكَايَتَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَنْ الْإِمَامِ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِأَيَّامٍ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ وَضَعَّفَهُ، وَكَذَا أَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ أَنَّ النِّفَاسَ مِنْ الدَّمِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالدَّمِ. فَالْمَقْصُودُ بِتَصْحِيحِهِ كَوْنُهُ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مُقَابِلًا لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَنَّهُ مِنْ الطَّلْقِ، أَوْ مُقَارِنُ الْوِلَادَةِ لَا كَوْنُهَا نِفَاسًا بَعْدَهَا، وَإِنْ لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَلْ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِهِمَا اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَرَهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ دَمَ الطَّلْقِ أَوْ مُقَارِنَ الْوِلَادَةِ إنْ كَانَ وُجِدَا، فَإِنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ يَسْتَمِرُّ مِنْ حِينَئِذٍ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا فَإِنَّمَا النِّفَاسُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَابْتِدَاءِ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الدَّمُ عَنْهَا حَتَّى يَجِيءَ فَمَا تَرَى بَعْدَ السِّتِّينَ مِنْهَا حُكْمُ مَا جَاوَزَ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ اهـ. فَلْنُفَرِّعْ عَلَى ذَلِكَ فَنَقُولُ: مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ - فَهُوَ نِفَاسٌ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَكَذَلِكَ مَا تَخَلَّلَهُ مِنْ نَقَاءٍ عَلَى الْأَظْهَرِ فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمَ السِّتِّينَ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ بِهَا بِأَنْ رَأَتْ النَّقَاءَ بَعْدَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ الدَّمُ - فَهُوَ حَيْضٌ إنْ كَانَ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى مَا سَبَقَ، وَكَذَا إنْ كَانَ رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ السِّتِّينَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ حُكْمُهَا كَهِيَ فِي الْحَيْضِ، وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهَا تَكُونُ مُمَيِّزَةً وَغَيْرُهَا مُبْتَدِئَةً أَوْ مُعْتَادَةً. الْأُولَى: الْمُبْتَدِئَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا، فَالْقَوِيُّ هُوَ النِّفَاسُ إنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِزْ السِّتِّينَ، وَإِلَّا فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَالضَّعِيفُ طُهْرٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ نَعَمْ إنْ كَانَ سَبَقَ الدَّمَيْنِ نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، فَالْقَوِيُّ حَيْضٌ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ دَمًا أَحْمَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ نَقَاءً دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ دَمًا أَحْمَرَ يُتِمُّهَا ثُمَّ أَسْوَدَ دُونَ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ، فَقِيَاسُ كَوْنِ الضَّعِيفِ طُهْرًا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ حَيْضًا لِتَقَدُّمِ مُدَّةِ الطُّهْرِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمَانِ الْأَوَّلَانِ نِفَاسًا لِوُجُودِ الْوِلَادَةِ وَصَلَاحِيَّتهمَا لَهُ، وَانْقِلَابُ الدَّمِ

ص: 95

بَعْدَ السِّتِّينَ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ، وَهَذَا الْأَمْرُ أَيْضًا يَعُمُّ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَضْعَفَ مِنْ الْأَخِيرِ الَّذِي بَعْدَ السِّتِّينَ كَأَنْ تَرَى أَوَّلًا عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا أَشْقَرَ ثُمَّ أَرْبَعِينَ أَسْوَدَ ثُمَّ دَمًا أَحْمَرَ فَيَكُونُ الْأَوَّلَانِ نِفَاسًا دُونَ الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ الْأَخِيرَ قَبْلَ السِّتِّينَ، وَجَاوَزَهَا مُتَّصِلًا فَهُوَ طُهْرٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ: ابْتِدَاءُ حُكْمِ النِّفَاسِ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعُمُومِهِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ وَهِيَ لَوْ رَأَتْ نَقَاءً ثُمَّ حَدَثَ الدَّمُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ، بَلْ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ مَنْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مُتَّصِلًا، أَوْ بَعْدَ قُرْبٍ دَمًا ضَعِيفًا وَرَأَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوِيًّا وَجَاوَزَ، الْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ طُهْرًا وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنْ لَا نِفَاسَ لَهَا، وَيَكُونُ الْقَوِيُّ حَيْضًا أَوْ يَكُونُ هُوَ وَمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ نِفَاسًا فَيَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَأَتْ الْقَوِيَّ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْلَى، وَهَذَا عِنْدِي أَقْرَبُ فَهْمًا لِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ الدَّمَ إذَا وَقَعَ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ يَكُونُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ نِفَاسًا، وَلِتَصْوِيرِهِمْ مَسْأَلَةَ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ بِمَا سَبَقَهُ نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا مَا رَآهُ بَعْضُ أَفَاضِلِ الْعَصْرِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَوْ رَأَتْ قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا، ثُمَّ أَضْعَفَ مِنْهُ كَأَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ ثُمَّ أَصْفَرَ، وَجَاوَزَ السِّتِّينَ فَهُوَ طُهْرٌ، وَالْأَوَّلَانِ نِفَاسٌ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْحَيْضِ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ فِيهِمَا ثُمَّ أَشْقَرَ وَجَاوَزَ فَهُوَ طُهْرٌ، وَالْأَحْمَرُ مَعَ الْأَسْوَدَيْنِ نِفَاسٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ تَزِيدُ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ أَسْوَدَيْنِ يَصْلُحَانِ نِفَاسًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُتَخَلِّلُ شُقْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَلَوْ زَادَ الْأَسْوَدُ الثَّانِي حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ فَهِيَ مِثْلُ مَنْ رَأَتْ فِي الْحَيْضِ سَبْعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَبْعَةً أَسْوَدَ فَمَنْ قَالَ: السَّوَادُ الْأَوَّلُ مَعَ الْحُمْرَةِ حَيْضٌ قَالَ: فِي الْأَحْمَرِ هُنَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَإِلَّا فَالسَّوَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ تَخَلُّلِ الْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ الصَّالِحَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا: إنَّهَا نِفَاسٌ مَعَ بُعْدِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُهُ تُعَرِّفُكَ أَنَّ الْحُمْرَةَ قَبْلَ السَّوَادِ مَعَ قُرْبِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْلَى كَمَا رَأَيْنَاهُ آنِفًا، وَلِتَرُدَّ النَّظَرَ فِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ بَلَّغَهَا حَقَّهَا حَتَّى فِي الْمُطَوَّلَاتِ، بَلْ يُحِيلُونَهَا عَلَى اسْتِحَاضَةِ الْحَيْضِ.

الثَّانِيَةُ: الْمُبْتَدِئَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، وَهِيَ مَنْ كَانَ دَمُهَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِصِفَتَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْقَوِيُّ حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ، وَالْأَظْهَرُ رَدُّهَا إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَهُوَ مَجَّةٌ، وَطُهْرُهَا بَعْدَهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَ الْمُبْتَدِئَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الْأَظْهَرِ، ثُمَّ تَطْهُرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ هَذَا إنْ كَانَ لَمْ تَكُنْ قَدْ حَاضَتْ قَبْلُ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ طَهُرَتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ عَادَةَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ تَحِيضُ عَادَةَ حَيْضِهَا فَلَوْ لَمْ تَحِضْ إلَّا آخِرَ حَمْلِهَا وَطَهُرَتْ بَعْدُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَوَلَدَتْ - رُدَّتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا ثُمَّ قَدْرِ مَا حَاضَتْ حَيْضًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ عَادَةِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشْرًا وَطُهْرُهَا مِنْهُ عِشْرِينَ ثُمَّ ابْتَدَأَهَا نِفَاسٌ وَرَأَتْ الدَّمَ عِشْرِينَ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْهُ عِشْرِينَ ثُمَّ، اُسْتُحِيضَتْ تَحِيضُ عَشَرًا عَادَتَهَا ثُمَّ، تَطْهُرُ عِشْرِينَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا ثُمَّ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ دُونَ قَدْرِ الطُّهْرِ وَجَاوَزَ أَخَذْت قَدْرَ الْمَجَّةِ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ نِفَاسًا، وَفِي النَّقَاءِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ طُهْرٌ.

الثَّالِثَةُ: الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، وَتُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا نِفَاسًا وَطُهْرًا ثُمَّ تَحِيضُ عَلَى عَادَتِهَا إنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ مُبْتَدِئَةٌ فِي الْحَيْضِ فَلَوْ اعْتَادَتْ أَيَّامًا فَرَأَتْ النَّقَاءَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ الدِّمَاءَ أَخَذْت مِنْهَا عَادَتَهَا كُلَّهَا، وَمَا قَبْلَهَا طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ عَادَةً فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ أَقَلِّهِ، فَلَوْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَلَمْ تَرَ دَمًا ثُمَّ وَلَدَتْ، فَهِيَ الْآنَ مُبْتَدِئَةٌ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً، وَلَوْ اخْتَلَفَ نِفَاسُهَا وَلَمْ يَنْتَظِمْ بِعَادَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ رُدَّتْ إلَى قَدْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، وَإِنْ انْتَظَمَ بِعَادَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَأَنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ بِوَلَدٍ أَرْبَعِينَ وَبِوَلَدٍ سِتِّينَ وَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَكَرَّرَ، وَمِنْ هُنَا تَنْتُجُ مَسْأَلَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ قَاعِدَةِ الْبَابِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمَرْجِعُ فِي الطُّهْرِ إلَى آخِرِ الْعَادَاتِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ

ص: 96

النِّسَاءَ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِنَّ لَا يَحِضْنَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسٌ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الطُّهْرُ لِأَجْلِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مُدَّةَ الْحَمْلِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ تَطْهُرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إذْ هِيَ أَقْرَبُ أَطْهَارِهَا ثُمَّ تَحِيضُ قَدْرَ عَادَةِ الْحَيْضِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الذِّهْنِ، وَيُتَخَيَّلُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى طُهْرِهَا الْغَالِبِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَمَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ وَفَّى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ فِيهَا عِشْرُونَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لِلْحَمْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، لَكِنْ الْجَارِي عَلَى الْقَاعِدَةِ هُوَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهَا حَيْضًا إلَّا الْأَوَّلَ الْقَوِيَّ قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ، وَلَكِنَّهُ الْقِيَاسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَطَهُرَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهَا بِذَلِكَ عَادَةً فَلَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لِلْحَمْلِ كَالْأَوَّلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ لَهُ عَادَةً يَزِيدُ الطُّهْرَ بِهَا حَالَ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ بِنَاءً عَلَى الْأَخْذِ بِالْعَادَةِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا انْتَظَمَتْ وَتَكَرَّرَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَةِ الْمُبْتَدِئَةِ الْمُمَيِّزَةِ وَعَادَتُهَا تُخَالِفُ التَّمْيِيزَ، كَأَنْ كَانَتْ تَرَى النِّفَاسَ عَادَةً أَرْبَعِينَ فَرَأَتْ فِي دَوْرٍ أَوَّلَهُ عِشْرِينَ أَسْوَدَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ وَجَاوَزَ السِّتِّينَ فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَوْ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ الْأَسْوَدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَيْضِ: الْأَصَحُّ الرَّدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثِينَ مُتَّصِلَةً بِالْوِلَادَةِ فَرَأَتْ بَعْدَ وِلَادَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ اتَّصَلَ أَسْوَدُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ السِّتِّينَ ثُمَّ احْمَرَّ وَجَاوَزَهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّ نِفَاسَهَا مُدَّةَ الْأَسْوَدِ وَمَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ طُهْرٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُبْتَدِئَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. مَا أَرَدْنَا ذِكْرَهُ مُلْتَقَطًا مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُفَرَّقًا بِالْمَعْنَى وَمِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُعْرَفُ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُذَاكَرَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ تَأَهُّلٌ لِلْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِيهِ لِيُبَيِّنَ مُشْكِلَهُ وَيُصْلِحَ خَطَأَهُ إنْ كَانَ مَأْجُورًا عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَرَضَهُ وَمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِلصَّوَابِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِرِضَاهُ آمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا تَمَامُ مُؤَلَّفِ الْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكَمِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ.

وَهَاكَ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا مُفَرِّغًا لَهُ الذِّهْنَ مُعْتَنِيًا بِتَفَهُّمِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَشَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ لَهُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِهِمَا - آمِينَ قَالَ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَزِيدِ إنْعَامِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَزَايَا إلْهَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَبَوَّأُ بِهَا مَقَاعِدَ الصِّدْقِ فِي دَارِ إكْرَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَبَانَ لِوَارِثِيهِ عَنْ قَوَاعِدِ الْحَقِّ وَأَحْكَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صلى الله عليه وآله وسلم الَّذِينَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْرِيرِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِهِ آمِينَ (أَمَّا بَعْدُ) .

فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ أَوَاخِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ كِتَابٌ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَخَصَّهُ مُؤَلِّفُهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْوَرِعُ الصَّالِحُ الْفَهَّامَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمَدَدِهِ - مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مَعَ ضَمَّ إشْكَالَاتٍ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ طَالِبًا مِنِّي النَّظَرَ فِيهِ بِتَتْمِيمِ نَاقِصِهِ وَحَلِّ مُشْكِلِهِ وَإِصْلَاحِ مَا يَنْبَغِي إصْلَاحُهُ فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِهِ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مَعَ تَقْرِيرِ وَجْهِ الصَّوَابِ بِدَلَائِلِهِ رَاجِيًا دُعَاءَهُ الصَّالِحَ وَنَفْعَ الْمُسْلِمِينَ وَمُؤَمِّلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْفَعُنِي بِذَلِكَ إنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

وَلْنُقَدِّمْ عَلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةً نَافِعَةً قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا حَاصِلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ، وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكُتَّابِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا، وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي

ص: 97

بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ.

وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ يَضْجَرَ مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَكْمَلُوهُ أَوْضَحَ إيضَاحٍ، وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ كُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُجَلَّدًا كَبِيرًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ لَا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ وَفَوَائِدَ مَطْلُوبَاتٍ.

وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ لَهُ طَلَبٌ مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا؛ لِعُمُومِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ رَأَيْت مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَا هَذِهِ حَالُهُ، وَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ: الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ.

وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ، وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجِدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا، لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا يُكْمِلُ مُطَالَعَتَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ.

وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ حَقٌّ وَاقِعٌ فِيهِ سِيَّمَا عَوِيصُ مَسَائِلِهِ، وَلَقَدْ وَقَعَتْ بَيْنَ فُضَلَاءِ الْيَمَنِ مَبَاحِثُ فِي بَعْضِ عَوِيصَاتِهِ حَتَّى حَجَّ بَعْضُهُمْ مُمْتَحِنًا أَوْ سَائِلًا عَنْهَا، فَأَلَّفْت فِيهَا تَأْلِيفًا نَفِيسًا فَغَلَبَ الْحَسَدُ عَلَى بَعْضِ مَنْ لَا تَوْفِيقَ عِنْدَهُ فَسَرَقَ ذَلِكَ التَّأْلِيفَ قَبْلَ كِتَابَةِ نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْهُ، لَكِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي تِلْكَ الْعَوِيصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْت فِي هَذَا الشَّرْحِ مَسَائِلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهَا فَعَلَيْك بِهِ، فَإِنَّك لَا تَجِدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَجْمَعَ لِرُءُوسِ الْمَسَائِلِ مِنْهُ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَيَسَّرَ إتْمَامَهُ فِي عَافِيَةٍ بِلَا مِحْنَةٍ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ.

قَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْحَيْضِ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ) تَبِعَ فِي قَوْلِهِ فِي وَقْتِهِ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِيهِ دَوْرٌ إذْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِي وَقْتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَيْضِ الْمُعَرَّفِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعْرَفَ الثَّانِي وَعَكْسُهُ، فَتَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الدَّوْرِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِرِعَايَةِ اخْتِلَافِ مَدْلُولَيْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إذَا عَادَ عَلَى الْحَيْضِ اللُّغَوِيِّ أَفْسَدَ التَّعْرِيفَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْحَيْضَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَشْمَلُ النِّفَاسَ وَغَيْرَهُ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا التَّعْرِيفُ مَانِعًا، فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُهُ بِمَا جَرَيْت عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُمْ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِقَوْلِي: وَهُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ، ثُمَّ قُلْت: وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ يَقْتَضِيه الطَّبْعُ السَّلِيمُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ.

ثُمَّ بَيَّنْت أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْجِبِلَّةِ إذْ هِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْخِلْقَةُ، أَيْ الدَّمُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ فَإِنْ قُلْت: يَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الدَّمِ، وَالْمُرَادُ بِأَوْقَاتِ الدَّمِ أَوْقَاتُ الصِّحَّةِ بَعْد تِسْعِ سِنِينَ، فَآلَتْ الْعِبَارَتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قُلْت: ذَلِكَ مُمْكِنٌ، لَكِنَّهُ خَفِيٌّ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ مَظَانِّ التَّعْرِيفِ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِيضَاحِ مَا أَمْكَنَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ كَشْفُ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَجَنُّبِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وَخَفِيِّ الدَّلَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ قَوْلَ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ: دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ فَهَذَا مُبَيِّنٌ لِلضَّمِيرِ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَقِبَهُ فَفِي كَلَامِهِ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ

ص: 98

وَأَمَّا الْمُؤَلِّفُ فَلَمْ يُقَدِّمُ مَا يُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَهْلٌ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ تَشْحِيذُ الْأَذْهَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: تِسْعُ سِنِينَ، أَيْ قَمَرِيَّةٍ، قَوْلُهُ؟

(فَكُلُّ دَمٍ لَهُ يُحْكَمُ بِهِ حَيْضًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) عِبَارَةٌ قَلِقَةٌ إذْ التَّقْدِيرُ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُهُ؟

(فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ أَوْ نِفَاسٌ فَالْأَوْلَى قَوْلُنَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (كُلُّ دَمٍ خَرَجَ مِنْ فَرْجٍ غَيْرِهِمَا، أَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ؟

(بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ) ، أَيْ فِي الْأَشْهَرِ وَإِلَّا فَقَدْ حَكَى ابْنُ سِيدَهْ إهْمَالَهَا وَالْجَوْهَرِيُّ مَعَ إعْجَامِهَا بَدَلَ اللَّامِ رَاءً. قَوْلُهُ؟

(وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ عَلَى الْفَرْجِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكَوْنِ الدَّمِ حَيْضًا إلَّا إذَا ظَهَرَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْجُلُوسِ عَلَى قَدَمَيْهَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ عَنْ الْفَرْجِ، نَعَمْ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ دَمًا إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى خَارِجِ الْفَرْجِ وَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِأَقْصَى الرَّحِمِ؛ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ إذْ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْحُكْمِ عَلَى صَاحِبَتِهِ بِكَوْنِهَا حَائِضًا مَا دَامَتْ الْقُطْنَةُ تَخْرُجُ مُلَوَّثَةً، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا، وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؟

(وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْحَيْضِ بِظُهُورِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَهِيَ مُوَافَقَةٌ لِمَا ذَكَرْته أَنَّ الظُّهُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْحَيْضِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ كَمَا تَقَرَّرَ. قَوْلُهُ (فَالدَّمُ الَّذِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَمَا بَعْدَهَا بِنِفَاسٍ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَطْعًا) مُرَادُهُ بِمَا بَيْنَهُمَا مَا بَيْنَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَهَا وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوِلَادَةِ. وَقَوْلُهُ؟

(إنَّهَا طُهْرٌ) قَطْعًا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ وَمَا بَعْدَهَا نِفَاسٌ قَطْعًا وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ نِفَاسٌ قَطْعًا وَمَعَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ قَبْلَهَا، وَقَدْ قَارَبَهَا، وَحُكْمُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَامِلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: إنْ كَانَ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَقِيلَ نِفَاسٌ وَقِيلَ لَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ طُهْرٌ أَصْلًا - فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ، وَالثَّانِي: دَمُ فَسَادٍ وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ اتِّفَاقًا إذْ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ؛ وَلِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الطَّلْقِ لَيْسَ بِنِفَاسٍ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ نِفَاسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ غَيْرُ حَيْضٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ قَوْلِنَا: الْحَامِلُ تَحِيضُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا تَحِيضُ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْوِلَادَةِ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ ظَاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلَّفِ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ الْمُتَّصِلُ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ، فَمَحَلُّ كَوْنِ الدَّمِ الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ حَالَ الطَّلْقِ طُهْرًا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ مُتَقَدِّمٍ. قَوْلُهُ؟

(الْمَنْقُولُ فِي مَسْأَلَةِ حَدِّ طُهْرِ الْحَيْضِ مِنْهُ عَنْ التَّتِمَّةِ) كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَصَوَابُهُ الْمَنْقُولُ فِي فَرْعٍ إذَا قُلْنَا: دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَحَذَفَ مَا بَيْنَهُمَا لَكَانَ هُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ تَعْلِيلٍ فِي الْعَزِيزِ) بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ فِي الْعَزِيزِ عَقِبَهُ مَا يُصَرِّحُ بِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَيَرُدُّ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رَدَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ؟

(ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ بَعْدُ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ الْمَرَدَّ الْآتِيَ بَيَانُهُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ حَكَمْنَا بِهِ طُهْرًا كَالنَّقَاءِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ تُبُيِّنَ كَوْنُهُ حَيْضًا. .. إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةٌ قَلِقَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ إذْ مُؤَدَّاهَا لَا يُوَافِقُ مُرَادَ قَائِلِهَا الْمُوَافِقَ لِكَلَامِهِمْ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ حَاصِلِ كَلَامِهِمْ الْمَبْسُوطِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَائِرِ أَقْسَامِهَا الْآتِيَةِ بِحَيْثُ إنَّ لَهَا أَحْكَامَ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ

ص: 99

الدَّمِ ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ بَانَ أَنْ لَا حَيْضَ أَوْ لِفَوْقِ أَقَلِّهِ، وَدُونَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرِهِ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا وَضَعِيفًا تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ رُدَّتْ لِلتَّمْيِيزِ إنْ كَانَ وُجِدَ وَإِلَّا حُيِّضَتْ الْمُبْتَدِئَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُعْتَادَةُ عَادَتُهَا، وَقَضَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي بَعْدَ مَرَدِّهَا مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ هُمَا بَعْدَ الْمَرَدِّ طَاهِرَتَانِ مُسْتَحَاضَتَانِ نَعَمْ مَتَى شُفِيَتْ فِي دَوْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَانَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَيْضٌ، فَتُعِيدُ غُسْلَهَا وَتَقْضِي مَا صَامَتْهُ وَلَا تَأْثَمُ بِنَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَوَطْءٍ فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ لِعُذْرِهَا. قَوْلُهُ؟

(وَتَكُونُ مُتَّفِقَةَ الدَّمِ وَمُخْتَلِفَتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَيْنِ قِسْمَانِ مُغَايِرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ وَصْفُ الِاتِّفَاقِ أَوْ عَدَمُهُ لَازِمٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ قَالَ: تَبَعًا لَهُمْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُتَّفِقَةُ الدَّمِ، وَإِمَّا مُخْتَلِفَتُهُ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ.

قَوْلُهُ: (تَرَى. .. إلَخْ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ غَيْرِهِ بِأَنْ تَرَى: لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَيْهَا فَإِنْ زَادَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. إلَخْ) لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ جَاوَزَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَاضَةً بَلْ هُوَ مُوهِمٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ إلَيْهَا ثُمَّ انْقَطَعَ وَشُفِيَتْ يَحْكُمُ بِأَنَّ حَيْضَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ الَّذِي شُفِيَتْ فِيهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَكَلَامُهُمْ يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَبِانْقِطَاعِهِ فِي هَذَا الدَّوْرِ بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَاضَةٍ فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ. قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ صَحِيحٌ) وَلَيْتَهُ عَبَّرَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا وَتَرَكَ قَوْلَهُ فِيهِ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الْمُوهِمُ مَا مَرَّ، وَزَادَ الْإِيهَامُ مُغَايَرَةَ الْأُسْلُوبَيْنِ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ: إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ وَفِي هَذَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ، وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَرَرْته فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ؟

(أَوْ بِتَغَيُّرِ صِفَتِهِ) ، أَيْ تَغَيُّرًا يَقْتَضِي التَّمْيِيزَ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّغَيُّرِ التَّمْيِيزُ.

قَوْلُهُ (وَمِثْلُهَا مَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ. .. إلَخْ) . ظَاهِرُهُ أَنَّ فَاقِدَةَ شَرْطِ التَّمْيِيزِ لَا تُسَمَّى غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (وَيَزِيدَانِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ. .. إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ: (إذَا تَقَدَّمَ قَوِيٌّ وَاسْتَمَرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَاحِدٌ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ، فَالْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ الْحُمْرَةُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا طُولًا كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَعَهُ نَقَاءٌ يُتِمُّهَا، ثُمَّ قَالَ: أَوْ مَعَ نَقَاءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ احْتِوَاشِ دَمَيْ حَيْضٍ لِلنَّقَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مَعَ فَوَائِدَ أُخْرَى مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ التَّقَطُّعُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ، كَأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا نَقَاءً، ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ ثُمَّ مِثْلَهَا نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَيُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا بِدَمٍ أَحْمَرَ فَيُحْكَمُ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ، وَدَمُ التِّسْعَةِ وَنَقَاؤُهَا حَيْضٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهَا الْعَاشِرُ؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَتَخَلَّلَ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ فِيمَا ذُكِرَ، فَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ بِشَرْطِهِ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَحْمَرِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْأَسْوَدِ مِنْهُمَا، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ الْأَحْمَرُ أَوْ تَخَلَّلَهُ نَقَاءٌ، فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلُ مِنْ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ، وَضَابِطُهُ أَنَّ حَيْضَهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَحْمَرُ بَلْ اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ وَمِثْلَهُمَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ كَانَتْ فَاقِدَةً لِشَرْطِ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ دَمَهَا الْقَوِيَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الدَّمُ إنْ كَانَ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ وَلَوْ سِنِينَ) لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ إنْ كَانَ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّهُ يُوهِمُ الِاكْتِفَاءَ بِكُلِّ تَغَيُّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ اتَّصَلَ؛ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ: بِأَقْوَى مُتَعَلِّقًا بِتَغَيُّرٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سِنِينَ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ طُهْرٌ. قَوْلُهُ؟

(ثُمَّ الْكُدْرَةُ) لَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْمَرَاتِبِ، وَذِكْرُهُ بِثُمَّ يُوهِمُ أَنَّ بَعْدَهُ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (فَمَا تَجَرَّدَ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ

ص: 100

أَوْ وَقَعَتَا فِيهِ فَقُوَّتُهُ بِاللَّوْنِ فَقَطْ) مُرَادُهُ أَنَّ الدِّمَاءَ الْمُتَجَرِّدَةَ عَنْ الثِّخَنِ وَالنَّتْنِ أَوْ الصِّفَةِ كُلِّهَا، الْقَوِيُّ مِنْهَا هُوَ ذُو اللَّوْنِ الْأَقْوَى. قَوْلُهُ؟

(وَوَقَعَ فِي شَيْءٍ) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهِ. قَوْلُهُ؟

(وَكَذَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ. .. إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَ كَذَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ؟

(وَأَقَرَّهُ) عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ الْجَوَابَ عَنْهُ، وَعَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ هُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. قَوْلُهُ:(فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَكِنَّهُ إلَخْ) فِيهِ مُؤَاخَذَاتٌ إذْ قَوْلُهُ؟

(فَقَدْ سَوَّى) بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ مُحْتَمَلٌ بَلْ مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي عِبَارَتِهَا كَأَصْلِهَا فَهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا إنَّمَا سَوَّيَا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ حَيْضَتَهَا السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ عَقِبَهُ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَوْلُهُ (لَكِنَّهُ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلَهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ ابْنَ سُرَيْجٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَخَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا يَأْتِي فَكَيْفَ يَقُولُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ الَّذِي وَقَعَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مَا فِيهِ فِي الْكِتَابَيْنِ، وَقَوْلُهُ؟

(وَأَقَرَّهُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بَدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَرَجَّحَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَهُ فِيهِ قَالَ عَقِبَهُ؟

(إنَّهُ الْمَذْهَبُ) نَعَمْ جَرَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَقُلْت: وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مُخَالِفًا فِيهِ ابْنَ سُرَيْجٍ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ، أَيْ وَمِثْلُهَا الشُّقْرَةُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ دَارَتْ بَيْنَ أَنْ تَلْحَقَ بِالْقَوِيِّ قَبْلهَا وَبِالضَّعِيفِ بَعْدَهَا، وَالِاحْتِيَاطُ هُوَ الثَّانِي فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوِيًّا اهـ.

وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي وَفُرُوعِهِ.

قَوْلُهُ: (وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ فِي الْأُولَى. .. إلَخْ) الْمَنْقُولُ عَنْ التَّحْقِيقِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي نَفْسِ مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِمُخَالَفَتِهِ وَإِنَّ الْحَيْضَ هُوَ السَّوَادُ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ؟

(وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ. .. إلَخْ) لِمَا عَلِمْت أَنَّ التَّحْقِيقَ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ) تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ بِقَوِيمٍ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَتُهَا (أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ بَعْدَ الْقَوِيِّ أَضْعَفُ الضَّعِيفِينَ فَرَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى مَا إذَا تَوَسَّطَتْ الْحُمْرَةُ فَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِمَا بَعْدَهُ وَقُلْنَا: الْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ وَحْدَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّوَادِ، فَحُكْمُهَا كَمَا إذَا رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ، وَذَلِكَ يَعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَاهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ) انْتَهَتْ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي تَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ صُفْرَةً طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ الْقَوِيَّ مَعَ الضَّعِيفِ الْأَوَّلِ حَيْضٌ، وَالثَّانِي: وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا.

وَالثَّانِي: حَيْضُهَا الْقَوِيُّ وَحْدَهُ، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْمُوَافِقُ لِلطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ، فَيَكُونُ الْأَرْجَحُ أَنَّ حَيْضَهَا هُنَا السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَصَحُّهُمَا إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بِالسَّوَادِ فَيَكُونَانِ حَيْضًا، وَالصُّفْرَةُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّفْرَةِ، وَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ: السَّوَادُ فَقَطْ فَعَلَى هَذَا الضَّعِيفِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَةِ تَخَلُّلِ الصُّفْرَةِ أَنَّ السَّوَادَ هُوَ الْحَيْضُ فَقَطْ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ فِي مَسْأَلَةِ تَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ إذَا أُلْحِقَ بِالْأَصْفَرِ مَعَ أَنَّهُ أَعْنِي الْأَحْمَرَ أَقْرَبُ إلَى الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَصْفَرِ، فَبِالْأَوْلَى أَنَّ الْأَصْفَرَ الْمُتَوَسِّطَ يَلْحَقُ بِالْأَحْمَرِ الْمُتَأَخِّرِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ.

وَجْهُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ، فَهُنَا أَوْلَى وَعَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ إلْحَاقُ الْأَحْمَرِ بِالْأَسْوَدِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ أَيْضًا أَعَنَى مَسْأَلَةَ تَخَلُّلِ الصُّفْرَةِ كَتَخَلُّلِ الْحُمْرَةِ بَيِّنًا بِجَامِعِ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ، وَافْتِرَاقُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنَّهُ ثَمَّ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يُؤَثِّر؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمِنْ حَيْثُ السَّبْقِ هَلْ يَسْتَتْبِعُ مَا بَعْدَهُ فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ نَعَمْ لِإِمْكَانِهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُمَا دُونَ الْأَكْثَرِ وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ لَا لِاسْتِوَاءِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ مُرَجِّحٍ

ص: 101

وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِطَابُهَا بِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي السَّوَادِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَكَانَ هُوَ الْحَيْضُ وَحْدَهُ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي تَعْلِيلِهِمْ جَعْلَ حَيْضِ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلُهُ، وَطُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَجْعَلُوا حَيْضَهَا غَالِبَ الْحَيْضِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، وَلِكَوْنِ مُدْرَكِ هَذَا أَظْهَرُ كَمَا بَانَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَلِكَوْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ هُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدْت الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي دَمٍ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَّا لِعَارِضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ فَتَأَمَّلْ سَبَبَ اخْتِلَافِ نَظَرِ النَّوَوِيِّ وَحِكْمَةَ اعْتِمَادِهِ فِي التَّحْقِيقِ مُقَابِلَ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ.

وَفِي الْمَجْمُوعِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبِتَأَمُّلِ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ: وَذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَا ذَكَرُوهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ فِي دَمٍ حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْهَا فِيمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ كَمَا يَأْتِي إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ لَا إنْ كَانَ انْقَطَعَ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ هُنَا فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ عَلَى السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ مَعًا، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا تَخْصِيصُهُمْ الْحُكْمَ بِالْقَوِيِّ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَجْعَلُ الْحُمْرَةَ هُنَا تَابِعَةً لِلْقَوِيِّ وَمُنْدَرِجَةً فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الضَّعِيفَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا فَشَمِلَهَا كَلَامُهُمْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، فَظَهَرَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بِمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ مِمَّا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ مَلْحَظٌ تُخَالِفُ التَّحْقِيقَ وَالْمَجْمُوعَ وَرُدَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ (وَأَصْلُهَا وَحُكْمُهَا يُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مُشِيرًا إلَى ضَعِيفِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَيْفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْوِيَتِهِ وَاعْتِمَادِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِيهِ الرَّادُّ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّ الْأَسْوَدَيْنِ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضًا. .. إلَخْ) وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَمْ يَقُلْ إنَّ الْأَسْوَدَيْنِ حَيْضٌ، وَكَوْنُ الْأَحْمَرِ ضَعِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا يُجَابُ عَنْهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَوَّلِ اقْتَضَتْ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَكَيْفَ هُوَ الْحَيْضُ إلَخْ. ..

قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا وَطُهْرًا) إلَى قَوْلِهِ

(وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ) فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا الْأُولَى وَلَوْ رَأَتْ. .. إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هَذِهِ.

ثَانِيهَا: مَا ذَكَرَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ إذْ الضَّعِيفُ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَالْقَوِيُّ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مَا ذُكِرَ وَلَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْأَسْوَدَ الثَّانِيَ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَضْعَفُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبَهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَسْوَدَ لَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ. .. إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ذَلِكَ فَهَذِهِ بَانَ بِانْقِطَاعِ الْأَسْوَدِ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهَا تَمْيِيزٌ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا وُجِدَ لَهَا دَمَانِ وَطُهْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَطُهْرًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنَّ الدَّوْرَ الْأَوَّلَ أَوَّلُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَالدَّوْرُ الثَّانِي أَسْوَدُهُ حَيْضٌ وَنَقَاؤُهُ طُهْرٌ.

قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ مَا ذُكِرَ كَمَا يُعْرَفُ بِتَدَبُّرِ مَا ذَكَرْته الْمُوَافِقِ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ لِلْقَوِيِّ وَبِالطُّهْرِ لِلضَّعِيفِ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ أَوْ تَأَخَّرَ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ سَاوَاهَا انْقَطَعَ الدَّمُ كُلُّهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ اسْتَمَرَّ، وَنَقْصُهُ عَنْ ثَلَاثِينَ لَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَاضَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ حَيْثُ جَاوَزَ الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ (الشَّامِلُ) لِمَا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الثَّانِيَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الضَّعِيفُ وَحَيْضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوِيُّ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْأَسْوَدُ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ عَلَى لَوْنِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَجْمُوعِ الْآتِيَةُ وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنْ عَقِبَهُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، فَهِيَ

ص: 102

مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا، فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ أَيْضًا دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَحْمَرِ وَأَمَّا بَحْثُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُعْتَمَدِ الَّذِي قَدَّمَهُ وَبَانَ لَكَ بِمَا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهَا. .. إلَخْ فَبَعِيدٌ إذْ كَيْفَ يُقَاسُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا إلَى الْآنَ حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ، وَهِيَ الَّتِي كَلَامُنَا فِيهَا عَلَى مَنْ عُرِفَ وَاسْتَقَرَّ لَهَا ذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ سَيُنَبِّهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ

(وَأَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا. .. إلَخْ) فَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّتِي فِي مَسْأَلَتِنَا مُمَيِّزَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ يُقَاسُ مُمَيِّزَةٌ عَلَى غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ.

وَقَوْلُهُ: (الَّتِي عَقِبَهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِكَوْنِهَا عَقِبَهَا أَنَّهُ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا، وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَمْ يَقُلْ النَّوَوِيُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِ الْمُؤَلَّفِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ حَتَّى يُوَافِقَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ

وَقَوْلُهُ: (وَأَظُنُّهُ. .. إلَخْ) هُوَ كَمَا ظَنَّهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ أَنْ شَرَحْت كَلَامَهُ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُهَذَّبِ

(إنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَرَّرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَرَهَا مُشْكِلَةً، فَأَمَّا مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، أَيْ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ قَرَّرَ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ بَحَثَ فِيهَا مَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِكَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ النَّوَوِيِّ مَا مَرَّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ بَحْثَ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّوَوِيُّ قَرَّرَ الْمَذْهَبَ أَوَّلًا، وَهُوَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، أَيْ لِأَنَّ قَوِيَّهَا، وَهُوَ السَّوَادُ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، وَهُوَ عَلَى الْأَصَحِّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضًا وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُخَالِفَةَ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَبْنِيَّةَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى تَصْحِيحِ الْحَيْضِ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ بِتَعَسُّفٍ وَتَقْدِيرٍ بَعِيدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَخْرِيجَاتِهِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَيْ النَّوَوِيُّ مَقَالَتَهُ، أَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهَا بَيَّنَ أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِوَجْهَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ بِمَا مَرَّ فَظَنَّ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ رَجَّحَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ فَجَزَمَ بِهِ وَذَكَرَ التَّعْقِيبَ بَعْدَهُ وَلَوْ نَظَرَ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ عَمَّا صَحَّحَهُ آخَرُ أَنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِ، أَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمِنْ قَوْلِهِ: أَوْ لَا، فَأَمَّا مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ. .. إلَخْ) لَمَّا وَقَعَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ تَفْرِيعُهُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَمْيِيزَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ كَانَ طُهْرُهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ اتِّبَاعُ لَفْظٍ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْمَعْنَى فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُرَتِّبُ هَذَا الْوَجْهَ الضَّعِيفَ الْمُوَافِقَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا تَمْيِيزَ، وَيُعْرِضُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ طُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ) يُنَاقِضُ. قَوْلَهُ (أَوْ لَا)، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ:(أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا إنْ كَانَ صَلُحَ لِلْحَيْضِ وَإِلَّا فَمُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا أَوَّلُهُ وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ فِيهِ، مِثَالُهُ: رَأَتْ شَهْرًا أَحْمَرَ فَقَطْ. .. إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّعْبِيرِ سِيَّمَا عِنْدَ تَأَمُّلِ الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَمُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ مُوهِمٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فَحُكْمُهَا مِنْ الدَّوْرِ الثَّانِي حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فَهِيَ كَذَلِكَ صَلُحَ ذَلِكَ لِلْحَيْضِ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا

ص: 103

أَوَّلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ الشَّهْرِ آخِرُ الشَّهْرِ الَّذِي ابْتَدَأَهَا فِيهِ الدَّمُ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْضُهَا أَوَّلُ هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِآخِرِهِ سَوَادٌ أَمْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا السَّوَادَ الْمُتَّصِلَ بِآخِرِهِ لَا يَكُونُ حَيْضًا مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مِثَالُهُ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَإِلَّا مَعْنَاهُ وَأَلَّا يَتَّصِلَ الْأَسْوَدُ بِآخِرِ الشَّهْرِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِيرُ مُشْتَرَطًا فِي كَوْنِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا أَنْ لَا يَتَّصِلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ صَلُحَ لِلْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ مَعَ طُولِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا أَشَرْتُ إلَيْهِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِثَالِ.

وَقَوْلُهُ: (فَلَا يُحْكَمُ. .. إلَخْ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِمُجَاوَزَةِ الضَّعِيفِ الَّذِي عَقِبَ الْقَوِيِّ الْمُتَقَطِّعِ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوِيَّ هُوَ الْحَيْضُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ

قَوْلُهُ: (فَتَنْتَقِلُ لِحُكْمِ التَّمْيِيزِ)، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(فَلَا يُحْكَمُ. .. إلَخْ) عَجِيبًا وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ كَثِيرِينَ لَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ دَمًا أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ شَهْرًا ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ، فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدِئَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ، أَيْ وَأَصَحُّهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُمَيِّزَةٌ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ إنْ كَانَ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ، أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ حُمْرَةً، ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فِي الثَّانِي رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ اهـ.

مُلَخَّصًا. وَفِيهِ أَيْضًا رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ، فَهِيَ فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ، فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَتُمْسِكُ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا انْقَلَبَ الدَّمُ إلَى السَّوَادِ أُمِرَتْ بِالْإِمْسَاكِ أَيْضًا؛ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ، فَإِذَا جَاوَزَ الْأَسْوَدُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لَكِنَّ دَوْرَهَا قَدْ انْقَضَى فَتَبْتَدِئُ الْآنَ حَيْضًا يَوْمًا وَلَيْلَةً اهـ.

مُلَخَّصًا أَيْضًا. وَبِتَأَمُّلِ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هَذَا، لَكِنَّهُ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ مَا يَتَّضِحُ بِهِ مُرَادُهُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مَرَّ فِي نَحْوِ هَذِهِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ يَقُولُ: الْحَيْضُ السَّوَادُ فَقَطْ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: الْحَيْضُ السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ. وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَبِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهَا مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا فِي الْأَصْلِ مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ مَا ذُكِرَ لَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلِ بَلْ يَرُدُّهُ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا بَسَطْته فِيمَا سَبَقَ قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِيمَنْ رَأَتْ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ فُقِدَ فِيهَا شَرْطُ تَمْيِيزٍ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا الْمَوْجُودِ فِيهَا جَمِيعُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ.

قَوْلُهُ: (وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ. . . إلَخْ) يُرَدُّ بِمَنْعِ اقْتِضَائِهِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّوْضَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ وَعِنْدَ آخَرِينَ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ وَبِاتِّفَاقِهِمَا هِيَ مُمَيِّزَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ قَلَاقَةٌ وَخَفَاءُ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَوْنَهُ حَيْضًا. .. إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا فِيمَا لَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ ثُمَّ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ أَحْمَرَ ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ، وَكَوْنُ السَّوَادِ الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ الْحَيْضُ اتِّفَاقًا فِي هَذِهِ وَاضِحٌ جَلِيٌّ إذْ لَا يُمْكِنُ ضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ فَلِذَلِكَ قَوِيَ الْإِشْكَالُ، وَأَيُّ أَشْكَالٍ فِي ذَلِكَ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ كَمَسْأَلَتِنَا فِي أَنَّ كُلًّا مُمَيِّزَةٌ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَقُولُ فِي تِلْكَ أَنَّ الْأَحْمَرَ حَيْضٌ مَعَ الْأَسْوَدِ؛ لِإِمْكَانِ ضَمِّهِ إلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ:

(وَلَمْ أَرَ مَنْ حَلَّ إشْكَالَهَا تَصْرِيحًا يُقَالُ: عَلَيْهَا قَدْ اتَّضَحَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إشْكَالٌ ضَعِيفٌ فَضْلًا عَنْ قَوِيٍّ حَتَّى تَعَرَّضَ أَحَدٌ إلَى حَلِّهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمُؤَلِّفَ أَرَادَ غَيْرَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ أَرَادَ إشْكَالًا صَحِيحًا بِبَادِي الرَّأْيِ، وَهُوَ أَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَحْوِهَا كَمَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ اخْتَلَّ فِيهَا أَحَدُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقُصَ

ص: 104

الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَفِي هَذِهِ وَنَحْوِهَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، فَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَتَحِيضُ أَقَلَّهُ وَتَطْهُرُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ فَكَيْفَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: حَيْضُهَا السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: حَيْضُهَا السَّوَادُ فَقَطْ، وَكَيْفَ اتَّفَقُوا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَاتِ عَلَى أَنَّ الثَّمَانِيَةَ الْأُولَى حَيْضٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، فَلِمَ لَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ الْأَسْوَدُ فَقَطْ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَقَدْ تَعَرَّضْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ حَيْثُ قُلْت: عَقِبَ مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَحْوِهَا. قُلْت: يَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا انْقَطَعَ بَعْدَ السَّبْعَةَ الثَّالِثَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي: أَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا عَمِلَتْ بِتَمْيِيزِهَا، وَإِنْ نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ اهـ.

وَاَلَّذِي مَرَّ فِيهِ عَنْ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلِي عَقِبَ ذِكْرِ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الثَّلَاثَةِ: وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الثَّالِثِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَوْ رَأَتْ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً حُمْرَةً أَوْ نَحْوَهُمَا، وَانْقَطَعَ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مَعَ نَقْصِ الضَّعِيفِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ اهـ.

وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدْت مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَمْثَالَهَا الْمَذْكُورَةَ فِي مَتْنِ الْعُبَابِ بِقَوْلِي: عَقِبَ كُلٍّ وَانْقَطَعَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ، وَأَنَّ مَنْشَأَ الْإِشْكَالِ الْغَفْلَةُ عَنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْمُلَاحَظِ فِي كُلٍّ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ الْمُوهِمَةِ اخْتِلَالَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْهَا، وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَقَالَ: لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَانْقَطَعَ فَحَيْضُهَا الْأَسْوَدُ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَحَيْضُهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَتَفْصِيلُهُ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ عَيْنُ مَقَالَةِ الْمُتَوَلِّي.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَلُّ)، أَيْ أَوْ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ) ، أَيْ وَاسْتَمَرَّ لِمَا تَقَرَّرَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا عِنْدَ عَوْدِ الْأَسْوَدِ هُنَا عَدَدًا مُعَيَّنًا، فَدَلَّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ وَالثَّمَانِيَاتِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ عَوْدِ الْأَسْوَدِ عَدَدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ الْعَدَدُ، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ صَنِيعَهُمْ صَرِيحٌ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَأَنَّ هَذَا لَا يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ وَلَا غَيْرِهَا، وَأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ مُشْكِلٍ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ الْآتِيَةِ سَبَبُهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: ثُمَّ سَوَادًا) ، أَيْ ثُمَّ ثَمَانِيَةً سَوَادًا وَانْقَطَعَ لِمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا)، أَيْ وَانْقَطَعَ. قَوْلُهُ:(فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ)، أَيْ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ طَهُرَتْ وَرَأَتْ. . . إلَخْ) الْأَوْضَحُ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا، فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْآخِرُ دَمُ فَسَادٍ قَوْلُهُ:(وَهَذَا مُشْكِلٌ. .. إلَخْ) قَدّ عَلِمْت مِنْ نَظِيرِ مَا قَدَّمْته عَنْ الْمُتَوَلِّي وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ عِنْدَ فَقْدِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَيْضًا أَنْ لَا يَنْقَطِعَ الدَّمُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا، فَالْحَيْضُ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأَحْمَرُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ النِّصْفُ الْيَوْمِ الْأَسْوَدُ أَمْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صَلَاحِيَتِهِ مَعَ انْقِطَاعِهِ صَيَّرَهُ كَالْعَدَمِ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَعْنِي التَّقْيِيدَ بِالِانْقِطَاعِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَعَدَمِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ (أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسَهُ، وَانْقَطَعَ أَيْضًا آخِرَ يَوْمٍ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، فَحَيْضُهَا الْأَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ فَكَانَ كَالْعَدَمِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ فَتَأَمَّلْ) انْتَهَتْ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: (لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا، فَالسَّوَادُ الثَّانِي هُوَ الْحَيْضُ بِالِاتِّفَاقِ) اهـ.

وَلَا يَتَّضِحُ الْحُكْمُ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ انْقَطَعَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، فَحِينَئِذٍ مَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا جُعِلَ، وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ وَمَا لَا فَلَا، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي نِصْفُهُ سَوَادٌ ثُمَّ نِصْفُهُ حُمْرَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ سَوَادَيْنِ. .. إلَخْ) ، أَيْ كَمَا لَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ حُمْرَةً مُسْتَمِرَّةً، فَالسَّوَادُ بِقِسْمَيْهِ حَيْضٌ، وَكَذَا مَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُمْرَةِ وَمَا بَعْدَ السَّوَادِ الثَّانِي

ص: 105

طُهْرٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ)، أَيْ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَحْمَرِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْأَسْوَدِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ:(غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ) ، أَيْ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ) ذِكْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ كَذَلِكَ سِيَّمَا مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ الَّذِي وَقَعَ لِلْمُؤَلِّفِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِحَاصِلِ عِبَارَتِهِ وَهُوَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا، وَمِثْلَهُمَا نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةً وَسِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَحُكْمُ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا النَّقَاءُ عَلَى الْأَظْهَرِ.

فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يُلْتَقَطْ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمُلْتَقَطِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ ذَاتُ تَقَطُّعٍ فَإِنْ رَتَّبَ رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ فَفِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدُ، ثُمَّ مِثْلُهُمَا نَقَاءٌ ثُمَّ مِثْلُهُمَا أَسْوَدُ ثُمَّ مِثْلُهُمَا نَقَاءٌ، وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا أَحْمَرَ، حَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأَيَّامِ الْأُولَى، وَالْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ: الْأَصَحُّ إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُمَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهَذِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً فِي الصُّورَةِ لَيْسَتْ مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ اتِّفَاقًا؛ لِمُجَاوَزَةِ دَمِهَا الْقَوِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ اهـ.

حَاصِلُ الْمَجْمُوعِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ:(مَا لَمْ يَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ) مُوهِمٌ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي التَّقَطُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا فِي التَّقَطُّعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَبِنْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ النَّوْبَتَيْنِ إذَا بَلَغَتَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَا حُكْمُهُمَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذَكَرْته لَك عَنْ الْمَجْمُوعِ حُكْمَ ذَلِكَ بِتَفْصِيلِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَقَصَ كُلٌّ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِإِيهَامِهِ أَنَّ نَقْصَ كُلٍّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَصِيرُ الْجَمِيعُ دَمَ فَسَادٍ، وَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَلَيْسَ مُرَادًا.

وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ. قَضِيَّةُ قَوْلَيْ السَّحْبِ وَاللَّقْطِ كَمَا إذَا بَلَغَ كُلُّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَعَلَى الْأَصَحِّ حَيْضُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَنِصْفُ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَإِلَّا كَأَنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً، وَهَكَذَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَجْمُوعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ. .. إلَخْ) . يُوَضِّحُهُ وَيَرْفَعُ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُمَا أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ رَأَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْمَرَّةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ تَخَلُّلِ النَّقَاءِ بَيْنَهَا، فَهِيَ أَيْضًا مُمَيِّزَةٌ، فَالْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّهَا حَيْضٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ فَعَلَى السَّحْبِ، الْأَصَحُّ حَيْضُهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ.

قَوْلُهُ: (دَمًا أَحْمَرَ) سَيَأْتِي مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَنْ تَرَى ضَعِيفًا خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ قَوِيًّا. قَوْلُهُ: (تَتْرُكُ الصَّلَاةَ) ؛ أَيْ وَالصَّوْمَ وَالْوَطْءَ وَنَحْوَهُمَا. قَوْلُهُ: كَوْنُ الْأَوَّلِ فَسَادًا) ، أَيْ وَالثَّانِي حَيْضًا. قَوْلُهُ:(مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرَيْنِ) صَوَابُهُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا عَبَّرُوا بِهِ.

قَوْلُهُ: (فَتَتْرُكُ. .. إلَخْ) الْمُرَادُ وَقَدْ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيمَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّانِي الثَّلَاثِينَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَفِيمَا إذَا جَاوَزَهَا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ فَتَقْضِي مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الشَّهْرَيْنِ. قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ. .. إلَخْ) بِهِ اخْتِصَارٌ وَبَسَطَهُ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابِ: (أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ مُسْتَحَاضَةٍ لِلصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَارِزِيِّ وَالسُّبْكِيُّ وَالْفُورَانِيُّ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَمْرُهَا بِتَرْكِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ بَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ وَأَكْثَرَ بِأَنْ تَرَى كُدْرَةً رَقِيقَةً خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَخِينَةً كَذَلِكَ ثُمَّ مُنْتِنَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ صُفْرَةً كَذَلِكَ بِأَقْسَامِهَا ثُمَّ شُقْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ حُمْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ سَوَادًا كَذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثَّلَاثِينَ وَهِيَ قُوَّةُ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ مَعَ رَجَاءِ انْقِطَاعِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ

ص: 106

بِالظُّهُورِ، وَالثَّانِيَةَ بِالِاجْتِهَادِ لِقُوَّةِ مَا فِيهَا فَلَوْ نَسَخْنَاهَا بِقَوِيٍّ يَجِيءُ بَعْدَهَا لَزِمَ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ دَوْرَ الْمَرْأَةِ غَالِبًا شَهْرٌ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ بِالظُّهُورِ؛ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا لِلْقُوَّةِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَبَقِيَ لِذَلِكَ تَتِمَّاتٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَوْلُهُ:(وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وُجُوهٍ) يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ رَدُّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَلَا يُحْتَاجُ لِاسْتِشْكَالِهِ إذْ لَا عَمَلَ بِقَضِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ مِنْ حِينِ مُجَاوَزَةِ الدَّمِ الثَّانِي لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ فَتُبَيِّنَ أَنَّ عَلَيْهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ صَلَوَاتِ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَذَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَهَكَذَا وَإِنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ فِي الدِّمَاءِ مِنْ ضَعِيفٍ إلَى قَوِيٍّ وَمِنْ قَوِيٍّ إلَى أَقْوَى عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ وَمَنْ مَعَهُ أَنْ يَرُدُّوا مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِمْ أَخْذًا مِمَّا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُك مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ بَلْ هُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا، وَكَفَى بِنَسْخِ الْأَقْوَى لِلضَّعِيفِ مَانِعًا وَجَعَلَ الْأَصْحَابُ مَا ذَكَرْت لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا دَلِيلَ وَهُمْ قَدْ قَرَّرُوا الدَّلِيلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّهْرِ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: يُعَاقَبُ لَا لِحَيْضِهَا لِلتَّنَاقُصِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَسِعَ) أَيْ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فِيمَنْ رَأَتْ) مُتَعَلِّقٌ بِقُلْنَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا. .. إلَخْ) لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ قُبَيْلَهُ، وَقَدْ بَلَغَ أَوَّلَ الثَّالِثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَيْ وَكَذَا مَا زَادَ عَلَيْهِمَا إذَا اسْتَمَرَّ السَّوَادُ. قَوْلُهُ: جَعَلْنَا لِلثَّالِثِ هُنَا. .. إلَخْ) لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا كُلِّهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ السَّابِقَةِ، وَحَاصِلُهُ عِنْدَهُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ، وَبَاقِيه وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَبَاقِيه اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ بَعْدَ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ مُعْتَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَقَدْ مَضَى لَهَا دَوْرٌ سِتَّةَ عَشَرَ فَلْيَكُنْ دَوْرُهَا مِنْ السَّوَادِ سِتَّةَ عَشَرَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَهَكَذَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُهُ:

(الثَّانِي. .. إلَخْ) لِلْإِسْنَوِيِّ أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَخْتَرِعْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ بِمُقْتَضَى عِلَّتِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ.

قَوْلُهُ: (الثَّالِثُ. .. إلَخْ) لَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ، فَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي حَيِّزِ الْإِشْكَالَاتِ عَلَيْهِ فِيهِ اسْتِرْوَاحٌ. قَوْلُهُ:(وَنَسَخَ الْأَقْوَى مَا حُكِمَ بِهِ طُهْرًا بِاسْتِوَاءِ دَمِهِ) هَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ.

قَوْلُهُ: (هَذَا مَا ظَهَرَ. .. إلَخْ) لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَتِهِمَا السَّابِقَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِيهَا سِيَّمَا مَا مَرَّ قَرِيبًا، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ فَسَمْعًا وَطَاعَةً؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ خَالَفَ فِيهِ حَتَّى يُطْلَبَ فِيهِ النَّصُّ؟

قَوْلُهُ: (الرَّابِعُ. .. إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِيهِ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرَّابِعِ هِيَ صُورَةُ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الثَّالِثِ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ. .. إلَخْ) هَذِهِ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ السَّادِسَ عَشَرَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْحُمْرَةِ صَيَّرَتْهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ مِنْ حِينَئِذٍ، وَإِنْ طَرَأَ السَّوَادُ بَعْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ إلَّا إنْ كَانَ بَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْنَوِيِّ فَهِيَ بِانْتِقَالِهَا عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْحُمْرَةُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَدَمُ التَّمْيِيزِ، فَتَرَجَّتْ أَنَّ السَّوَادَ هُوَ الْحَيْضُ فَأَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَرِدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ، وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ. .. إلَخْ) لِمَا ظَهَرَ مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْأَخِيرِ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمَتْهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْمَجْمُوعُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَتَقَطَّعَ، وَإِلَّا كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَلِفَهْمِ الْمُؤَلِّفُ صِحَّةَ هَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ بَنَى عَلَى الْإِشْكَالَاتِ فِيمَا مَرَّ، وَقَدْ رَدَدْتهَا ثَمَّ بِهَذَا فَاسْتَحْضِرْهُ لِيَظْهَرَ لَك رَدُّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِشْكَالُهَا مِنْ فَقْدِ شَرْطِ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ

(فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ إلَخْ) عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يُفْقَدْ، وَإِنَّمَا الْمَفْقُودُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِلَّا حُكِمَ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ الضَّعِيفُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ.

قَوْلُهُ: (وَجَوَابُهُ. .. إلَخْ) لَيْسَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا لِلْإِشْكَالِ الْمَبْنِيِّ عَلَى.

ص: 107

فَهْمِ غَيْرِ الْمُرَادِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (قَالَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ. .. إلَخْ) مَرَّ مَا فِيهِ مَبْسُوطًا وَأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (حَكَوْا الِاتِّفَاقَ) مُرَادُهُ فِي نَحْوِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اتِّفَاقُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمُخَالِفِهِ، فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ السَّوَادَ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْحُمْرَةِ فَابْنُ سُرَيْجٍ يُلْحِقُهَا بِالْأُولَى وَغَيْرُهُ يُلْحِقُهَا بِالثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (دَلِيلًا لِلْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ) قَصَدَ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَمُتَابَعِيهِ وَلَا رَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ هُنَا لَمْ يَأْتِ مَا يَنْسَخُهُ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ:

(فَهَلَّا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ. .. إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ عِنْدَهُ أَيْضًا، لَكِنَّهُ يُثَابِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ مَا أَمْكَنَ كَمَا مَرَّ فَفِي صُورَتِهِ: لَمَّا رَأَتْ الْأَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَهَا حَيْضًا وَطُهْرًا فَجَعَلَهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَى الْأَسْوَدِ حَصَلَ لَهَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ بِانْتِقَالِهَا إلَى الْأَقْوَى فَجَعَلَ أَوَّلَهُ حَيْضًا رِعَايَةً لِقُوَّتِهِ، وَأَمَّا هَذِهِ فَإِنَّ الْأَسْوَدَ الْأَقْوَى قَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا فَإِذَا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَارَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَمَرَدُّهَا مَرَدُّ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوَّلَ الْأَسْوَدِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ لِضَعْفِهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ الْقَوِيِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ فَلَا مُقْتَضَى لِكَوْنِهِ يَجْعَلُ أَوَّلَهُ حَيْضًا نَظِيرَ مَا فَعَلَ فِي الْأَسْوَدِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّ ثَمَّ مُقْتَضِيًا هُوَ تَأَخُّرُ الْقَوِيِّ، وَأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ عَنْ الضَّعِيفِ مَعْهُودٌ، وَلَيْسَ هُنَا نَظِيرُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُعْهَدْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْقَوِيِّ إلَى الضَّعِيفِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ. قَوْلُهُ:(أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ) أَيْ مِنْ خِلَافِ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ.

قَوْلُهُ: (وَإِشْكَالُ مَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. .. إلَخْ) لَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالثَّلَاثِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لَهُمْ، وَهُنَّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ كَمَا قَدَّمْت مِرَارًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ كَرَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْإِشْكَالَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُلُّهَا غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمْته عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: فَقِيَاسُ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ وَجَوَابُهُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ تِلْكَ الثَّلَاثَ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ وَمَسْأَلَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدُ وَمِثْلُهُمَا أَحْمَرُ وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ كَذَلِكَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ فَرْقُهُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا اسْتَنَدَ فِيهِ إلَى تَرَجِّي مَا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَهُمْ إذْ مُجَرَّدُ التَّكَرُّرِ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا بِخِلَافِ مَا أَجَبْنَا بِهِ فَإِنَّهُمْ عَوَّلُوا عَلَيْهِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا (قَوْلُهُ: فَلْيُحَرَّرْ) قَدْ عُرِفَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَقَامِ لَكِنْ بِغَيْرِ مَا فَرَّقَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ كَلَامٌ يُرْجَعُ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ أَصْلُ هَذَا الْمَبْحَثِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ وَاسْتَشْكَلَهُ بِتِلْكَ الْإِشْكَالَاتِ الَّتِي مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثُمَّ أَعَادَهَا وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا حَاصِلَ لَهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: نَعَمْ قُلْنَا إلَخْ وَكَأَنَّهُ لِاسْتِشْعَارِهِ ذَلِكَ قَالَ وَلْيُزِدْ النَّظَرَ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: فَإِشْكَالُهَا مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ مَظَانِّ اعْتِبَارِ الْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَيْثُ اتَّحَدَا فِي الصِّفَاتِ كَأَحْمَرَ ثَخِينٍ وَأَسْوَدَ رَقِيقٍ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ فِي كُلٍّ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى تَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْهُ. بِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَكِنَّهُ هُنَا أَقْوَى فَلِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ قُوَّتُهُ فِيهِ تَنَافٍ (قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا مَنْ رَأَتْ إلَخْ) بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا حَاصِلُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ مَعَ الْأُولَى لِمُجَاوَزَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ طُهْرٍ وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْأَخِيرُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَوْ رَأَتْ دَمًا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَقَاءً تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ دَمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا فَالدَّمَانِ جَمِيعًا دَمُ فَسَادٍ وَلَا حَيْضَ لَهَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ.

وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَقَدْ رَأَتْ.

ص: 108

فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ دَمًا فِي أَوَّلِهَا يَوْمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمًا فَإِنْ قُلْنَا لَا تَلْفِيقَ فَحَيْضُهَا الدَّمُ الثَّانِي كُلُّهُ وَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُبْتَدِئَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيَّضْنَاهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ لِيَتِمَّ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِشْكَالُ فِي الْأُولَى إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إشْكَالَاتِهِ السَّابِقَةِ الْمَبْنِيَّةِ كُلِّهَا عَلَى تَوَهُّمِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُسْتَمِرِّ. وَلَوْ تَأَمَّلَ قَوْلَهُ كَالْمَجْمُوعِ ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ لَزَالَ عَنْهُ هَذَا الْإِشْكَالُ، وَبَقِيَّةُ الْإِشْكَالَاتِ السَّابِقَةِ وَلَعَلِمَ أَنَّ هَذَا رَدٌّ لِإِشْكَالِهِ وَمُصَرِّحٌ بِمَا قَدَّمْته مِرَارًا عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ انْقَطَعَ عَمَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا ذَلِكَ حَيْثُ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا الدَّمُ (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ لَهَا إلَخْ) لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ سِيَّمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَجْمُوعَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا صُرِّحَ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى سَبَقَتْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ اسْتِشْكَالُهَا بِمَا ذَكَرَ وَمَرَّ رَدُّ جَمِيعِهَا بِمَا ذَكَرْته هُنَا وَتَصْرِيحُ الْمَرَاغِيِّ يُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنْ صَوَّرَ بِالِانْقِطَاعِ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْمَجْمُوعُ فَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَحَيُّضُهَا الثَّلَاثَ إلَخْ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِالْحَيْضِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ السَّبْقُ بَلْ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَحْدَهُ دُونَ الْأَخِيرَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلْغَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته آنِفًا عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْأَوَّلِ لِاجْتِمَاعِهِ بِبَعْضِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ الَّذِي مَرَّ آخِرَ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ السَّابِقَةِ عَنْهُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. بَلْ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا الضَّعِيفِ لِأَنَّ صَلَاحِيَتَهُ لِلِاجْتِمَاعِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ مُعَارِضٍ لَهُ أَقْوَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِسْنَوِيِّ الَّذِي يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ اسْتِشْكَالَهَا فَإِنَّهُ عَارَضَ الدَّمَ الْأَوَّلَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ) مَحَلُّهُ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا كَانَتْ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ثُمَّ السَّوَادُ ثُمَّ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا كَمَا مَرَّ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) قَدْ مَرَّ لَهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ مِرَارًا وَمَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ فِي تَكْرِيرِ ذَلِكَ لِقُوَّةِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ عِنْدَهُ

(قَوْلُهُ: فَتَكُونُ إلَخْ) لَا يُجْدِيه هَذَا شَيْئًا لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ فِيهَا فَهِيَ مِثْلُ الْأُولَى فِي التَّمْيِيزِ وَإِلَّا فَهِيَ مِثْلُهَا فِي عَدَمِهِ فَزَالَ مَا حَاوَلَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَقْوِيَةَ فِيهِ لِمَا فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَا حَاوَلَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأُولَى بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ) مُرَادُهُ بِهَا مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةً أَحْمَرَ وَقَدَّمْتُ فِيهَا آنِفًا شَرْطَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَبِهِ مَعَ مَا مَرَّ فِي تَقْرِيرِ مَا بَعْدَهَا يَرُدُّ فَرْقَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ عَادَةٌ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ الْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ.

(قَوْلُهُ: خَمْسَةً أَسْوَدَ) أَيْ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ) أَيْ بَلْ ثَلَاثَةٌ أَصَحُّهَا تَقْدِيمُ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا وَافَقَ الْعَادَةَ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَثَانِيهَا تَقْدِيمُ الْعَادَةِ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عُمِلَ بِهِمَا وَإِلَّا سَقَطَا وَكَانَتْ كَمُبْتَدِئَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَفِيمَنْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ لَوْ رَأَتْ أَوَّلَهُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ حَيْضُهَا السَّوَادُ بِاتِّفَاقِهِمْ، أَوْ عَشَرَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ كُلُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَخَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الثَّانِي، أَوْ خَمْسَةً حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَهُوَ السَّوَادُ عَلَى الْأَوَّلِ وَخَمْسَةُ الْحُمْرَةِ عَلَى الثَّانِي. وَالْعَشَرَةُ عَلَى الثَّالِثِ، أَوْ السَّوَادُ يَوْمًا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَهُوَ السَّوَادُ مُطْلَقًا عَلَى الْأَوَّلِ وَخَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا عَلَى الثَّانِي وَالْأَكْثَرُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ عَلَى الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا) هَذَا عَيَّنَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: خَمْسًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَيْ مِنْ أَوَّلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ) أَيْ مَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي آخِرِهِ شَيْءٌ أَسْوَدُ إلَخْ) قَدّ يُنَافِيه.

ص: 109

حَاصِلُ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فِي هَذِهِ أَعْنِي الْمُعْتَادَةَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ لَوْ رَأَتْ عِشْرِينَ حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ كَانَتْ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ حَيْضًا كَعَادَتِهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا قَالَ جَمَاعَةٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ خِلَافًا اهـ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ لَوْ رَأَتْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ الثَّانِي حَيْضًا لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ أَقَلُّ طُهْرٍ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي تِلْكَ قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ تَعَارُضٌ، ثُمَّ عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِإِمْكَانِهِ. وَانْتَسَخَ بِذَلِكَ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ وَأَمَّا هُنَا فَالْعَادَةُ وَافَقَتْ التَّمْيِيزَ فَكَانَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ وَأَنَّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَإِذَا جَاءَ فِيهَا الْأَسْوَدُ ثُمَّ عَقِبَهُ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَمِرُّ بَانَ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فَتَأَمَّلْهُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا) لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ اقْتِضَاءٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّمُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ) هَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ صَحِيحٌ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا إذَا اعْتَادَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَاوَزَ عَادَتهَا لَزِمَهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ جَرَى وَجْهٌ شَاذٌّ فِي الْمُبْتَدِئَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اسْتِمْرَارِ الْحَيْضِ هُنَا أَنْ تُمْسِكَ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا، ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَهَا فَمُسْتَحَاضَةٌ فَيَلْزَمُهَا الْغُسْلُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ رُدَّتْ لِعَادَتِهَا فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَمَا عَدَاهُ طُهْرٌ تَقْضِي صَلَاتَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَوْنُ عَادَتِهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ غَالِبَهُمَا، أَوْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الطُّهْرِ فَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا ثَلَاثُونَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ وَتَطْهُرُ تَمَامَ عَشْرِ سِنِينَ فَدَوْرُهَا عَشْرُ سِنِينَ. خِلَافًا لِفِرْقَةٍ جَعَلُوا غَايَتَهُ تِسْعِينَ الْحَيْضُ مَا يُتَّفَقُ وَالْبَاقِي طُهْرٌ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَيَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ.

ثُمَّ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا مُبْتَدِئَةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَشَرَةً دَمًا وَبَاقِيَهُ طُهْرًا وَفِي ثَانٍ خَمْسَةً وَثَالِثٍ أَرْبَعَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ رُدَّتْ لِلْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ أَرْبَعَةً ثُمَّ خَمْسَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ الصَّوَابُ كَمَا تَثْبُتُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا خِلَافًا لِجَمْعٍ. فَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ شَهْرِ التَّمْيِيزِ دَمًا مُبْهَمًا اغْتَسَلَتْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَيَّامِ التَّمْيِيزِ وَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ نَعَمْ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ جَمِيعُ مَا رَأَتْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَوْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً سَوَادًا وَبَاقِيَ الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ رَأَتْ فِي دَوْرٍ عَشَرَةً سَوَادًا، ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً، ثُمَّ فِيمَا يَلِيهِ أَطْبَقَ السَّوَادُ، أَوْ دَمٌ مُبْهَمٌ فَحَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ لَا الْحُكْمُ وَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ دَمًا أَحْمَرَ شَهْرًا وَفِي شَهْرٍ ثَانٍ خَمْسَةً سَوَادًا.، ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً، ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ فَفِي الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدِئَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا تُرَدُّ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي الثَّانِي تُرَدُّ لِلتَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ لِخَمْسَةٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْعَادَةُ فَتَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَتَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ.

فَمَنْ اعْتَادَتْ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ وَلَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ دُونَ طُهْرِهَا فَإِنَّهُ نَقَصَ وَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ.، أَوْ الثَّالِثَةَ، أَوْ الرَّابِعَةَ، أَوْ الْخَامِسَةَ أَوْ السَّادِسَةَ فَحَيْضُهَا بِحَالِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا، أَوْ الثَّانِيَةَ مَعَ الثَّالِثَةِ زَادَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، أَوْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، أَوْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ زَادَ حَيْضُهَا إذْ صَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ مِنْ خَمْسَتِهَا الْمُعْتَادَةِ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا، أَوْ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، أَوْ مِنْ الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ مَا بَعْدَهَا نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، ثُمَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُتَّفَقِ.

ص: 110

عَلَيْهَا إذَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ دَمُهَا بَعْدَ عَادَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ.

وَمِنْ مِثْلِ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ مَا لَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةٌ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ بِأَنْ تَكَرَّرَ هَذَا بِأَنْ رَأَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثِينَ طُهْرًا، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ وَهَكَذَا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ رُدَّتْ إلَى هَذَا أَبَدًا فَخَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ. بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ حَيْضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُبْتَدِئِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَيَكُونُ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ وَلَوْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ وَانْقَطَعَ، ثُمَّ عَادَ أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَانْقَطَعَ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ فَوَاضِحٌ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ وَكَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنْ عَادَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَاسْتَمَرَّ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ حَيْضٌ اتِّفَاقًا وَالطُّهْرُ عِشْرُونَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَوْ حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ. ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا وَلَوْ لَمْ تَطْهُرْ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ كَانَ يَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةً تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ.

فَالصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ. أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ ثَبَتَتْ فِيهَا فَلَا تَغَيُّرَ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ فَعَلَيْهِ يَبْقَى دَوْرُهَا كَمَا كَانَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَنْقُصُ طُهْرُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ طَهُرَتْ هَذِهِ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَاتَّصَلَ بَقِيَتْ عَلَى عَادَتِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ اعْتَادَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخِهِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِمَا حَيْضُهَا خَمْسَةٌ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَيَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ. وَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْ دَمًا رُدَّتْ لِخَمْسَتِهَا الْمُعْتَادَةِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ اتِّفَاقًا وَلَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةُ خَمْسَةِ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ إلَى آخِرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَسْوَدَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا.

فَإِنْ لَمْ يُطْبِقْ السَّوَادُ بَلْ رَأَتْهُ بَعْدَ خَمْسَةِ الْحُمْرَةِ خَمْسَةً، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَذْكُورٍ فِي الْمُبْتَدِئَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَاتٍ فَقَدْ تَنْتَظِمُ وَقَدْ لَا وَسَيَأْتِي وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مِنْ عَادَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يُجْمِلُ الْقَوَاعِدَ فَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مُتَفَرِّعَةٍ عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا كَمَا يَنْبَغِي إلَّا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِأُصُولِهَا وَمَوَادِّهَا فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ بِأُصُولِ مَآخِذِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِنَا

(قَوْلُهُ: سِتٌّ مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ الْأَسْوَدُ؛ لِأَنَّهُ حَيْضُهَا بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ الْوَاقِعِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إذْ مِنْ الْخَامِسِ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ هُوَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى (قَوْلُهُ: أَشْقَرُ) أَيْ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْمَرِ كَالطُّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ السَّوَادِ) أَيْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ الْأَحْمَرِ الثَّانِي) أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ (قَوْلُهُ: حَيْضًا ثَلَاثًا إلَخْ) أَيْ: فِي ثَلَاثِ شُهُورٍ مُتَوَالِيَةٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ بَسَطَ ذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ بِأَوْضَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: وَتَطْهُرُ آخِرَهُ أَيْ: إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ إلَخْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ لِعَدَمِ الْتِئَامِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: ذَاتُ الْخَمْسِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: كُلِّ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ إذْ الْعَادَةُ فِيهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي وَقَوْلُهُ: أَوَّلُ الثَّانِي أَيْ: الْيَوْمُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَحَيْضَتُهَا دَمًا ضَعِيفًا صَوَابُهُ.

ص: 111

دَمًا قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا تَمْيِيزَ وَقَوْلُهُ: وَتَكَرَّرَتْ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ: فَفِيهَا وَجْهَانِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ وَمِنْ حَيْثُ قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ حَاصِلُهَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ دَمًا وَانْقَطَعَ، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ.، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ وَهَكَذَا مَرَّاتٍ، أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَاصِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالثَّانِي تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالثَّالِثُ تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ. عَلَى عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ انْتَهَتْ بِلَفْظِهَا وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي رَدِّ قَوْلِهِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَقَوْلِ الْمَجْمُوعِ بَعْدَهَا بِأَسْطُرٍ: أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهَا عَلَى عَادَتِهَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَبَيَّنَ فِي الْمُهَذَّبِ. أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ لِابْنِ سُرَيْجٍ قُلْت هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ صُورَةُ وَجْهَيْ الْمُصَنِّفِ اللَّذَيْنِ سَبَقَا عَنْهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَهُوَ إمَّا وَاهِمٌ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ فَأَجْرَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ حُكْمَ هَذِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَوْ قَايَسَ قِيَاسًا غَيْرَ صَحِيحٍ فَأَجْرَى حُكْمَ هَذِهِ فِي تِلْكَ مَعَ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا وَخِلَافًا ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ نَفْسَهُ نَقَلَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الصَّوَابِ فِيمَا يَأْتِي وَأَشَارَ إلَى إشْكَالٍ وَسَأَذْكُرُ حَلَّهُ مَعَ حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ أَيْضًا بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ مُسْتَمِرًّا بَعْدَ عِشْرِينَ نَقَاءً) . هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَى فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ فَحَكَى فِيهَا فِيمَا مَرَّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَيْضَهَا لَيْسَ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ بَلْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَمَلًا بِعَادَتِهَا وَجَزَمَ فِيهَا هُنَا بِأَنَّ الْحَيْضَ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَدَّمْته عَنْ الْمَجْمُوعِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إذَا تَكَرَّرَ) لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَادَةِ الْمُنْتَظِمَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي بَعْد أَنْ رَأَتْ دَوْرَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دَمًا مَرَّةً وَنَقَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً) هَذَا لَيْسَ مُرَادُهُمْ بَلْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ مُصَرِّحٌ بِمَا يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَدْ سُقْته بِلَفْظِهِ قَرِيبًا. فَرَاجِعْهُ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ إذْ قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ فِيهِ إثْبَاتُ تَكَرُّرِهِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عَدَمُ تَكَرُّرِهِ فَكَيْفَ يَلْتَئِمَانِ؟ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ مَا يَأْتِي مِنْ الْإِشْكَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ التَّخَالُفِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ فِيمَا مَرَّ وَهُنَا حَيْثُ حَكَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوَّلًا وَجْهَيْنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ مِنْهُمَا إلْغَاءُ الدَّمِ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ بَعْدَ أَسْطُرٍ جَزَمَ فِيهَا بِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ حَيْضٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ.، ثُمَّ بَعْدَ أَسْطُرٍ ذَكَرَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ إلَخْ) لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ لَهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الطُّهْرِ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَالْحَيْضِ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَهُرَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا عِشْرِينَ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ رَأَتْهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَ حَيْضًا وَيَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ حَيْضًا أَنَّ مَا قَبْلَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ فَقَدْ اسْتَقَرَّ لَهَا طُهْرٌ صَحِيحٌ وَقَعَتْ عَقِبَهُ الِاسْتِحَاضَةُ فَرُدَّتْ إلَيْهِ فِي الطُّهْرِ كَمَا رُدَّتْ إلَى مِثْلِ خَمْسَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَحِينَئِذٍ لَزِمَ أَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ الْعَائِدِ خَمْسَةٌ حَيْضًا وَعِشْرُونَ.

ص: 112

طُهْرًا عَمَلًا فِي الْحَيْضِ بِالْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ لَا الزَّمَنِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا وَفِي الطُّهْرِ بِالْعَادَةِ الْأَخِيرَةِ الثَّابِتَةِ بِمَرَّةِ الَّتِي وَلِيَتْهَا الِاسْتِحَاضَةُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تُرَدُّ إلَى آخِرِ الْعَادَاتِ الَّتِي وَلِيَهَا شَهْرُ الِاسْتِحَاضَةِ هَذَا جَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدَّوْرُ حَدَثَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَقَدْ أَثْبَتِنَا عَادَةَ الِاسْتِحَاضَةِ مَعَ دَوَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُمَيِّزَةَ ثَبَتَتْ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ عَادَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا اهـ.

وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَسَيَأْتِي جَوَابُهُ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: تَحَكُّمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي حَقِّ النَّوَوِيِّ التَّابِعِ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَإِنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُشْكِلٌ وَنَحْوُهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ مَا يَرُدُّ هَذَا الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَنَبَّهْ أَحَدٌ إلَخْ) قَدْ تَنَبَّهْت لِذَلِكَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَجَبْت بِمَا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ حَسَبَ جَهْدِي عَمَّا أَبْدَيْتُهُ فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَمَسَائِلَ أُخْرَى كُلُّهَا فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَرَأَوْا الرَّدَّ إلَخْ) هَذَا الرَّأْيُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُخَالَفَةَ صَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ فِي ظَنِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ وَالِاسْتِمْسَاكُ بِهَدْيِهِمْ وَآرَائِهِمْ وَإِنْ ظَنَّهَا مُخَالِفَةً لِلْقَوَاعِدِ بِحَسَبِ تَصَوُّرِهِ (قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) سَيَظْهَرُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ إيضَاحُ كَلَامِهِمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا سَقَطَ فِيهِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ دَعْوَى السَّقَطِ مِنْهُ. وَأَنَّهُمَا وَمَنْ بَعْدَهُمَا غَفَلُوا عَنْ ذَلِكَ فِيهَا الْجَرَاءَةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ بَعْدَهُمَا بِالْغَلَطِ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ قَامَ عِنْدَهُ إشْكَالُ شَيْءٍ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُصُورِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّ الْفِقْهَ مِنْهُ مُشْكِلٌ وَمِنْهُ غَيْرُ مُشْكِلٌ وَغَايَةُ الْعُلَمَاءِ الْآنَ وَقَبْلَهُ أَنْ يَفْهَمُوا نَحْوَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَيُقَرِّرُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ فِيهِ مُشْكِلَاتٍ تَحْتَاجُ إلَى تَمَحُّلَاتٍ حَتَّى يَقْرُبَ فَهْمُهَا وَيَتَّضِحَ عِلْمُهَا وَمِنْ ثَمَّ أَعْرَضُوا عَنْ مُغَلِّطِيهِمَا وَالْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِمْ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ وَكَذَلِكَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْأَصْحَابِ.

فَإِنَّهُمَا يَنْقُلَانِ عَنْهُمْ غَرَائِبَ يُقِرَّانِ أَكْثَرَهَا وَلِذَلِكَ قَدْ يَعْرِضُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِلتَّغْلِيطِ وَأَمَّا الْمَجْمُوعُ فَهُوَ فِيهِ كَالْمُجْتَهِدِ فَلِذَا أَكْثَرَ فِيهِ مِنْ التَّغْلِيطِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْمُصَنِّفِ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَمَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ دَعْوَى سَقَطٍ عَلَى أَنَّ جَمْعًا مُحَقِّقِينَ قَالُوا إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حَمْلُ عِبَارَتِهَا عَلَى أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَصْلِهَا أَنَّهُمْ يُفَرِّعُونَ مَا فِيهَا عَلَى ضَعِيفٍ لِأَدِلَّةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّ مَا ظَنَنَّاهُ إلَخْ لَا يَتِمُّ لَهُ إلَّا لَوْ رَأَى مَا ظَنَّهُ سَاقِطًا مِنْ الرَّوْضَةِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْعَزِيزِ كَمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الرَّوْضَةِ بِذَلِكَ إلَّا وَيَسْتَنِدُونَ فِيهِ إلَى أَنَّ هَذَا السَّاقِطَ مِنْهَا مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْعَزِيزِ الْمُعْتَمَدَةِ فَحِينَئِذٍ يَسُوغُ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ تَبِعَهُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلسَّقَطِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ قَدْ يَنْتَصِرُونَ لِمَا فِيهَا وَإِنْ خَالَفَ مَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ أَصْلِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ مِنْ مِنًى كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: وَلْنُبَيِّنْ مَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ الْوُجُوهَ إلَخْ قَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَأَمَتْنَ مِمَّا ذَكَرَهُ كَمَا يُعْلَمُ بِتَدَبُّرِ عِبَارَتِهِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ أُسْبَقُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّنِي وَالْمُؤَلِّفَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةٌ فِي قَلِيلٍ مِنْهُ فَعَلَى النَّاظِرِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْعِنَ التَّأَمُّلَ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَحَلَّ مَزَلَّةُ قَدَمٍ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا ذَكَرْته فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ وَلَفْظِهَا مَعَ الْمَتْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ (وَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ فَرَأَتْهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَجَاوَزَ) نِصْفَهُ (وَاسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ اسْتَمَرَّ (فَحَيْضُهَا) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ.

ص: 113

وَغَيْرِهِمْ الْخَمْسَةُ (الثَّانِيَةُ) لِأَنَّ الْعَادَةَ ثَبَتَتْ بِهَا فَلَا تَغَيُّرَ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ (وَ) عَلَى هَذَا يَبْقَى (دَوْرُهَا كَمَا كَانَ) عَمَلًا بِعَادَتِهَا الَّتِي وَلِيَهَا شَهْرُ الِاسْتِحَاضَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا خَمْسَةُ الشَّهْرِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَعَلَيْهِ نَقَصَ طُهْرُهَا خَمْسَةً وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ (وَلَوْ رَأَتْ) هَذِهِ (خَمْسَتَهَا) الْمُعْتَادَةَ وَهِيَ الثَّانِيَةُ (وَطَهُرَتْ دُون أَقَلِّهِ) أَيْ: الطُّهْرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَأَنْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (ثُمَّ اتَّصَلَ) الدَّمُ (فَهِيَ عَلَى عَادَتِهَا) بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ، ثُمَّ قُلْت

(وَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى) مِنْ الشَّهْرِ (لَوْ حَاضَتْهَا، ثُمَّ) بَعْدَ طُهْرِهَا عِشْرِينَ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ (الْأَخِيرَةَ) مِنْهُ (فَدَوْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا تَقَدَّمَ عَنْ وَقْتِهِ بِخَمْسَةٍ (فَتُرَدُّ إلَيْهِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ) سَوَاءٌ أَطَهُرَتْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ عِشْرِينَ أَيْضًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَمْ لَمْ تَطْهُرْ بَعْدَهَا بَلْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ (فَتَحِيضُ) عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ (خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَخَمْسَةٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا) أَبَدًا وَقِيلَ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ (وَإِنْ رَأَتْ) مَنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ وَتَطْهُرُ بَاقِيَهُ (خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تُكْمِلُ أَقَلَّ الطُّهْرِ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِالْحَيْضِ قَبْلَ أَقَلِّهِ فَلِذَا (كَمُلَ طُهْرُهَا بِيَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ الْعَائِدِ وَتَحِيضُ خَمْسَةً بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِدُخُولِ وَقْتِ إمْكَانِ الْحَيْضِ حِينَئِذٍ (وَخَمْسَةَ عَشَرَ) مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ

(طُهْرُهَا) أَيْ: تُجْعَلُ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ) وَقِيلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ، ثُمَّ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ عَشَرَةٌ مَعَ خَمْسَةٍ مِمَّا يَلِيه حَيْضٌ، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَقِيلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا وَقِيلَ جَمِيعُ الدَّمِ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَتِحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي (أَوْ) رَأَتْ خَمْسَتَهَا (وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ عَشَرَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ (فَعَادَتُهَا بِحَالِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأُولَى عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا. وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الثَّانِيَةِ فَحِينَئِذٍ (خَمْسَةٌ مَنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِي الشَّهْرِ طُهْرًا وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَكَثِيرٌ مِنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا سِيَّمَا مَسْأَلَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنْ قُلْت وَقَعَ فِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ آنِفًا وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ دُونَ أَقَلِّهِ، ثُمَّ اتَّصَلَ فَهِيَ عَلَى عَادَتِهَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إلَخْ إذْ الصُّورَةُ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَلْ وَحُكِيَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ فِي الْأُولَى وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: هُنَا، أَوْ عَشْرَةٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا فِي الْحُكْمِ وَالْخِلَافِ أَيْضًا قُلْت هُوَ كَذَلِكَ وَزَادَ الْإِشْكَالَ جَمْعُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ بَلْ وَزَادَ فِي الْإِيهَامِ بِمُخَالَفَتِهِ أُسْلُوبَ الْمَجْمُوعِ وَإِدْرَاجِهِ مَسْأَلَةَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْعَشَرَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ الثَّلَاثَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ كَمَا صَنَعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ كُنْت اُسْتُفْتِيتُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِي الْيَمَنِ فَكَتَبْت فِيهِ مُؤَلَّفًا شَافِيًا وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ بِهِ هَذَا الْمَحَلُّ. وَإِنْ كَانَ مَزَلَّةَ قَدَمٍ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ دُونَ أَقَلِّهِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَشَرَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ إلَخْ مَفْرُوضَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ فِي الْأُولَى فِيمَا إذَا تَكَرَّرَتْ عَادَتُهَا بِمَا وَقَعَ فِيمَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ بِأَنْ كَانَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ مَعَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى طُهْرٌ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ.

ص: 114

لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ يُرْجَعُ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا نَظَرَ لِمَا وَقَعَ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ مَا وَقَعَ مُتَكَرِّرًا فِيمَا قَبْلَ شَهْرِهَا مَعَ ضَعْفِ الطُّهْرِ الَّذِي فِي شَهْرِهَا بِمَجِيءِ الدَّمِ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إلَخْ فَمَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ عَادَتُهَا كَأَنْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً أَوَّلَهُ وَطَهُرَتْ بَاقِيَهُ، ثُمَّ فِي الَّذِي يَلِيه رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ وَكَأَنْ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ، ثُمَّ طَهُرَتْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَهَذِهِ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ يُكْمِلُ الطُّهْرَ بِيَوْمٍ مِنْ هَذَا الدَّمِ، ثُمَّ يَجْعَلُ خَمْسَةً حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا بِعَادَتِهَا الثَّابِتَةِ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِعْرَاضًا عَنْ عَادَتِهَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَتَكْمِيلُ الطُّهْرِ بِيَوْمٍ لِضَرُورَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُنَافِي جَعْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا لَهَا وَأَنَّهَا هِيَ عَادَتُهَا الَّتِي تَرْجِعُ إلَيْهَا دُونَ عَادَتِهَا السَّابِقَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي تَلِيهَا الِاسْتِحَاضَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَيَقُولُ إنَّهَا تَرْجِعُ لِدَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَتْ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا وَيُوَجَّهُ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ لَا يُعَوِّلُ عَلَى مَا فِي هَذَا الشَّهْرِ بَلْ إمَّا يَنْظُرُ لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ فَيُجْرِيهَا عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، أَوْ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ فِيهِ لِأَنَّ الثَّانِي نَظَرَ لِإِمْكَانِ جَعْلِ الْعَائِدِ حَيْضًا فَجَعَلَ مِنْهُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ لِلطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَخَمْسَةً طُهْرًا تَمَامَ الشَّهْرِ، ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَعْرَضَ عَمَّا فِيهِ فَجَعَلَهُ اسْتِحَاضَةً مُحَافَظَةً عَلَى حِكَايَةِ دَوْرِهَا الْقَدِيمِ.

بِاسْتِفْتَاحِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَإِنْ قُلْت الْفَرْضُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَكَيْفُ تَرْجِعُ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ؟ قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ قَوِيٌّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ مُخَالَفَةَ مَا فِيهِ لِلْإِمْكَانِ أَضْعَفَتْهُ فَلَمْ يُعْمَلْ بِمَا فِيهِ بَلْ بِمَا قَبْلَهُ لِقُوَّتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ قَطَعُوا بِبَقَائِهَا عَلَى عَادَتِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ عَشَرَةً مَثَلًا كَمَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ قُلْت يَتَعَيَّنُ فَرْضُ صُورَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ هَذِهِ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا فَرَضْنَا الْآخَرِينَ كَذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَيُوَجَّهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ بِأَنَّ طُهْرَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ قَوِيٌّ فِيهَا بِكَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَأْتِ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِهِ فَسَاغَ لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ هَذَا الدَّمِ حَيْضًا فَيَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ لِتَنْتَقِلَ عَادَتُهَا تَنَقُّلًا صَحِيحًا وَمَعَ التَّنَقُّلِ الصَّحِيحِ لَا نَظَرَ لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فَيَنْظُرُ إلَى أَنَّ هَذَا التَّنَقُّلَ ضَعُفَ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ الْجَائِيِّ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَرَجَعَ بِهَا إلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَأَمَّا الصُّورَتَانِ الْأُخْرَيَانِ أَعْنِي صُورَةَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْعَشَرَةِ الْمَقْطُوعَ فِيهِمَا بِبَقَائِهِمَا عَلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ. قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا الْخِلَافُ لِضَعْفِ طُهْرِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ بِكَوْنِ الدَّمِ جَاءَ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يُعَارِضْ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَّا ضَعِيفٌ فَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالُوا كُلُّهُمْ بِالرُّجُوعِ لِتِلْكَ الْعَادَةِ الْقَوِيَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فَإِنْ قُلْت فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ جُعِلَتْ حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَرُؤْيَتُهَا مِنْ بَعْدِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ أُلْغِيَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفَاصِلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إذْ هُوَ عِشْرُونَ فِي الْأُولَى وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الثَّانِيَةِ.

قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّنَقُّلَ الْقَرِيبَ يُغْتَفَرُ فِيهِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْبَعِيدِ لِنُدْرَتِهِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ نَادِرَ الْوُقُوعِ يُلْحَقُ بِكَثِيرِهِ، أَوْ غَالِبِهِ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ لَا يُلْحَقُ بِشَيْءٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَعَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيدٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَبَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ فَلَمْ يُجْعَلْ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا بَلْ أَلْغَوْهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِضَعْفِهِ بِنُدْرَتِهِ فَلَمْ يَقْوَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَأَمَّا عَوْدُهُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ فَجُعِلَ.

ص: 115

حَيْضًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ وَالنَّقْلَ فِي عَادَاتِ الْحَيْضِ كَثِيرٌ فَقَوِيَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَصَارَ لِاتِّصَالِهِ بِهَا كَأَنَّهُ هِيَ فَلِذَا حَكَمُوا عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهَا حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ دَمُ فَسَادٍ عَلَى مَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي التَّقَطُّعِ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ دَمَانِ فَدَمُ أَقْرَبِهِمَا إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ وَلَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ مَا قَرُبَ إلَيْهَا كَانَ إلَى كَوْنِهِ حَيْضًا أَقْرَبَ مِنْ الْأَبْعَدِ عَنْهَا لِكَثْرَةِ تَنَقُّلِهَا فِي الْقُرْبِ وَنُدْرَتِهِ فِي الْبُعْدِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ لَكِنْ هَلْ لِكَوْنِ الْخِلَافِ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ مُدْرَكٌ يُنَاطُ بِهِ قُلْت نَعَمْ لِذَلِكَ مُدْرَكٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فَأَمَّا مُدْرَكُ الْأَصَحِّ فِيهِمَا فَقَدْ تَقَرَّرَ وَأَمَّا مُدْرَكُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأُولَى فَهُوَ أَنَّ ثَانِيَهَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ الْحَيْضِ كَمَا نَظَرَ إلَيْهِ الْأَصَحُّ وَأُبْقِيَ طُهْرُهَا عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَثَالِثُهَا عَمِلَ بِقَضِيَّةِ الْإِمْكَانِ وَالْعَادَةِ فَجَعَلَ الْعَشَرَةَ حَيْضًا وَأَبْقَى طُهْرَهَا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَثَالِثُهَا عَمِلَ بِقَضِيَّةِ الْإِمْكَانِ وَالْعَادَةِ فَجَعَلَ الْعَشَرَةَ حَيْضًا وَأَبْقَى الطُّهْرَ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذُكِرَ وَالرَّابِعُ قَدَّمَ الْعَادَةَ عَلَى الدَّمِ الْعَائِدِ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ وَنَظَرَ فِي الطُّهْرِ.

إلَى مَا نَظَرَ إلَيْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَأَمَّا مُدْرَكُ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ نَظَرَ لِمُجَرَّدِ إمْكَانِ الْحَيْضِ وَلِعَدَمِ اتِّصَالِ الْعَادَةِ بِهِ انْتَفَى الثَّالِثُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحَيْضَ عَشَرَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ نَظِيرُ الثَّانِي هَذَا مِنْ بَقَاءِ الطُّهْرِ بِحَالِهِ لِإِمْكَانِهِ ثُمَّ لِأَنَّهُ إذَا حَيَّضَهَا الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ التَّالِي لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرًا فَلَمْ يَقُلْ بِالتَّنَقُّلِ فِيهِ لِإِمْكَانِ بَقَائِهِ عَلَى أَصْلِهِ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَأَمَّا هُنَا فَلَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ مَنْ يُحَيِّضُهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَرَى أَنَّهَا يَوْمُ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ طَاهِرَةٌ فَانْتَسَخَ الطُّهْرُ الْأَوَّلُ بِكَوْنِ بَعْضِهِ. صَارَ لِهَذَا الْحَيْضِ الطَّارِئِ وَإِذَا زَالَ مِنْهُ لِهَذَا الطَّارِئِ خَمْسَةٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا عِشْرُونَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْرِ قَوْلٌ بِأَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةٌ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ وَطُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَمَا جَرَى نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْأُولَى لِمَا عَلِمْت مِنْ بَقَاءِ الطُّهْرِ، ثُمَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَنَظَرَ الثَّانِي إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْحَيْضِ يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ الطُّهْرِ وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ عَلَى أَصْلِهِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَلَمْ يَجْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ حَيْضٌ خِلَافٌ فِي الطُّهْرِ لِذَلِكَ الْمُعَارِضِ الَّذِي قَدَّمْته فَعُلِمَ أَنَّ الرَّابِعَ وَالثَّانِيَ فِي تِلْكَ لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُهُمَا هُنَا وَأَنَّ لِإِجْرَائِهِمْ ثَمَّ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَهُنَا وَجْهَيْنِ فَقَطْ مُدْرَكًا ظَاهِرًا عُثِرَ عَلَيْهِ كَمَا قَبِلَهُ الْفِكْرُ الْفَاتِرُ الْقَاصِرُ لَكِنْ بِعَوْنِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ الْقَادِرِ وَكَيْفَ لَا وَمُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا بَلْ وَلَا أَشَارُوا لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَايَةٍ مِنْ فَرْطِ الْخَفَاءِ وَالتَّنَاقُضِ الظَّاهِرِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ إلَى أَنْ صَارَ مَضَلَّةً لِلْأَفْهَامِ وَمَزَلَّةً لِلْأَقْدَامِ فَاعْتَنِ بِتَحْرِيرِهِ لِتَسْلَمَ مِنْ وَصْمَةِ الْحَيْرَةِ وَالتَّوَقُّفِ عِنْدَ تَقْرِيرِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الرَّاجِحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَائِدَ حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ أَيْضًا وَلَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ

لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَعَسُّفٍ وَتَمَحُّلٍ قُلْت نَعَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ يُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ صَرِيحًا وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاعْتِمَادِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى نَوْعٍ تَبْرَأَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَكَى مُقَابِلَهُ أَنَّ الْعَائِدَ حَيْضٌ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالَ فِيهِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَهَا إنَّهُ الْأَصَحُّ وَيَكُونُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا تَرَكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي تِلْكَ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ كَالرَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ قِيلَ تِلْكَ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ بِلَفْظِهَا إلَّا بَعْضَ تَغْيِيرٍ بِبَسْطٍ فِي آخِرِهَا.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ إلَخْ) لَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ صُورَةُ الْفُورَانِيِّ وَمَنْ مَعَهُ الْمَذْكُورَةُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا صُورَتُهُمْ الْمَذْكُورَةُ فِيهِمَا مَا دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ رَأَتْ أَيْ: مَنْ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عِشْرِينَ حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ عَلَى عَادَتِهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالُوا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَجْرَى الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ فِيهَا خِلَافًا اهـ.

الْمَقْصُودُ.

ص: 116

مِنْهَا وَبَيْنَ هَذِهِ وَصُورَةِ الْمُصَنِّفِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ وَوَجْهُ جَرَيَانِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ إلَّا بِصُورَةِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَائِدَ دَمُ فَسَادٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَا تَمْيِيزًا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعَادَةِ مُطْلَقًا فَلَمْ يُمْكِنْ إلْغَاؤُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الْعَادَةَ ثَمَّ شَيْءٌ مَعَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِيهَا فَأُلْغِيَ الدَّمُ الْعَائِدُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا) لَمْ يُصَرِّحْ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ هَكَذَا وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: فَحَيْضُهَا هُنَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ) أَيْ: وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى عِشْرِينَ) وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ قَبْلُ عِشْرِينَ مَعَ الْخَمْسِ وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ) أَيْ:؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا تَأَخَّرَ خَمْسَةً فَتُضَمُّ إلَى دَوْرِهَا وَهُوَ ثَلَاثُونَ فَصَارَ مَجْمُوعُهُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: حُكْمُهُمَا) صَوَابُهُ حُكْمُهُ أَيْ: النَّقَاءِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُ بَيَانَ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الَّذِي) أَيْ: أَوْ كَالنَّقَاءِ الَّذِي بَيْنَ دَمَيْ مَنْ جَاوَزَهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي نَقَاءٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ دَمٌ فِي الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةُ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً.

أَمَّا إذَا خَرَجَتْ وَبِهَا أَثَرُ دَمٍ وَلَوْ كُدْرَةً فَهُوَ حَيْضٌ قَطْعًا طَالَ زَمَنُهُ، أَوْ قَصُرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا حُكِمَ بِهِمَا حَيْضًا) صَوَابُهُ إذَا حُكِمَ بِكَوْنِهِمَا حَيْضًا وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: (بَيْنَ) أَنَّ غَيْرَ الْمُتَخَلِّلِ دَمُ فَسَادٍ كَأَنْ يَنْقَطِعَ يَوْمًا وَيَوْمًا إلَى تَمَامِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَيَعُودُ فِي السَّادِسَ عَشَرَ فَالرَّابِعَ عَشَرَ وَتَالِيهِ طُهْرٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ فِيهِمَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ دَمٌ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقَطَّعَ أَحْمَرَ فَقَطْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَمِثْلَهُمَا أَحْمَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ وَهُوَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الدَّمُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَكُونُ مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهَا صُورَةَ مُمَيِّزَةٍ (قَوْلُهُ: بِصِفَةٍ) أَيْ وَاحِدَةٍ، أَوْ صِفَتَيْنِ وَفَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ: الْمَرَدُّ السَّابِقُ) أَيْ: مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِمُبْتَدِئَةٍ غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ وَعَادَةٍ لِمُعْتَادَةٍ وَتَمْيِيزٍ لَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ أَثْنَائِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْأَوَّلُ) يُرْجَعُ فِيهِ لِمُرَادِ قَائِلِهِ إذْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الدَّمِ أَقَلَّهُ فَحِينَئِذٍ يُحْسَبُ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ سَوَاءٌ أَبَلَغَ أَقَلَّهُ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ تَقَطَّعَ الدَّمُ بِأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كُلُّهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ لَا بُدَّ فِي سَائِرِ أَقْسَامِ التَّقَطُّعِ. أَنْ لَا يَنْقُصَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِلَّا فَالْكُلُّ دَمُ فَسَادٍ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا) أَيْ: فِي الْحَيْضِ لَا الطُّهْرِ فَإِنَّ مُعْتَادَةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ حَيْضًا قَدْ يَكُونُ طُهْرُهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَادَتُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَدِّهَا، أَوْ كَوْنُ النَّقَاءِ الَّذِي لَمْ يَحْتَوِشْ بِدَمَيْ الْحَيْضِ حَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَخْ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ غَيْرِهِ وَيَثْبُتُ انْتِقَالُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَأَمَّا طُهْرُهَا إلَى الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ انْطَبَقَ الدَّمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَظَاهِرٌ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جُعِلَ أَوَّلُ دَوْرِهَا أَقْرَبَ نُوَبِ الدَّمِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ، أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدَّمَا، أَوْ تَأَخَّرَا فَأَوَّلُ الدَّوْرِ النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ (فَرَأَتْهَا، ثُمَّ رَأَتْ سِتًّا آخِرَهُ) الْمُرَادُ فَرَأَتْهَا، ثُمَّ سِتًّا نَقَاءً وَسِتًّا دَمًا آخِرَهُ وَنَقَاءً أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا) أَيْ: مَنْ عَادَتُهَا السِّتُّ الْأُوَلُ مِنْ الشَّهْرِ. (قَوْلُهُ:، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا) صَوَابُهُ ثُمَّ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ يَوْمًا نَقَاءً وَكَلَامُهُ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَاتِ التَّقَطُّعِ بَالَغَ فِي اخْتِصَارِهِ بِذِكْرِ صُوَرٍ مِنْهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولٍ مَبْسُوطَةٍ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَطْمَعُ فِي إيضَاحِهِ إلَّا بِمُرَاجَعَةِ أُصُولِهِ لِيَتَبَيَّنَ بِهَا مَا فِيهِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَبَسَطْتُ ذَلِكَ عَلَى أَنِّي بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

(قَوْلُهُ: فَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةِ) قَدْ أَجْحَفَ الْمُصَنِّفُ فِي اخْتِصَارِ مَسَائِلِهَا أَيْضًا مَعَ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ مَسَائِلَهَا هِيَ عَوِيصُ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ هِيَ مُعْظَمُهُ وَهِيَ كَثِيرَةُ

ص: 117

الصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَاتِ.

وَقَدْ غَلَّطَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاهْتَمُّوا بِهَا حَتَّى صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدَةً ضَخْمَةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَصْوِيرُهَا وَتَحْقِيقُ أُصُولِهَا وَاسْتِدْرَاكَاتٌ كَثِيرَةٌ اسْتَدْرَكَهَا هُوَ عَلَى الْأَصْحَابِ.

وَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْتُ مَقَاصِدَ تِلْكَ الْمُجَلَّدَةِ فِي نَحْوِ خَمْسِ كَرَارِيسَ وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَعْتَنِيَ بِحِفْظِ ضَوَابِطِهَا وَأُصُولِهَا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعُ مَا يَرَاهُ مِنْ صُوَرِهَا اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ بِالْكِتَابَةِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَا وَيَبْسُطُ فِيهَا وَلَوْ أَدْنَى بَسْطٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا مُعْظَمُهُ وَأَشْكَلُهُ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ أَيْضًا مُحَيِّرَةً بِكَسْرِ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا.

(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) هَذِهِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَشْهُرُهَا وَقَطَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا جَمْعٌ فَالطُّرُقُ ثَلَاثَةٌ.

(قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا إلَخْ) زَعَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا عَمَلَ (قَوْلُهُ: فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الْأَهِلَّةُ وَعُلِّلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ أَنَّ عَلَّلَهُ بِذَلِكَ.

قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَتَى أَطْلَقْنَا الشَّهْرَ فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ أَرَدْنَا بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ أَمْ لَا وَلَا يَعْنِي بِهِ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ) أَيْ: وَإِنْ وَصَلَتْ لِسِنِّ الْيَأْسِ خِلَافًا لِأَبِي شُكَيْل؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ الْحَيْضِ الَّذِي الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) أَيْ: وَإِنْ خَافَتْ النِّسْيَانَ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِإِجْرَائِهَا عَلَى قَلْبِهَا وَبِالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ لَهَا الْقِرَاءَةُ خَوْفَ النِّسْيَانِ. (قَوْلُهُ: لِجَمَاعَةِ الصَّلَاةِ) أَيْ: وَلِفِعْلِهَا فِيهِ وَلَوْ مُنْفَرِدَةً أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّاشِيِّ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ، ثُمَّ (قَوْلُهُ: أَيْ: قَضَاءُ صَلَاةٍ مُبْهَمَةٍ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِمْ إنْ كَانَتْ تُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ دَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ لَمْ تُصَلِّ أَوَّلَهُ كَذَلِكَ لَزِمَهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَلَاةُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ وَوَجَّهُوا ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَشْهُورٌ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ دَمِهَا) أَيْ: أَوَّلُ حَيْضِهَا.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ عَرَفَتْ قَدْرَهَا وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ) . يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: عَقِبَهُ مَكَثَتْ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ قَدْرَ الْعَادَةِ لِأَنَّهَا إذَا عَرَفَتْ أَوَّلَ الدَّمِ أَيْ: الْحَيْضِ لَمْ تَجْهَلْ الْوَقْتَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ تَكُونُ حَافِظَةً لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ فَلَا تَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِأَوَّلِ الدَّمِ مَعْرِفَتَهَا بِأَوَّلِ طُرُوِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ، أَوْ لَا لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادُ الْحُكْمِ الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ لَمْ تَجْهَلْ الْوَقْتَ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ هُنَا إذَا ذَكَرَتْ الْقَدْرَ دُونَ الْوَقْتِ فَمَا تَيَقَّنَتْهُ مِنْ حَيْضٍ فَلَهُ حُكْمُهُ، أَوْ طُهْرٍ فَلَهُ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ. وَمَا شَكَّتْ فِيهِ تَكُونُ فِيهِ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فَتُجْعَلُ فِي الْعِبَادَاتِ كَطَاهِرٍ وَفِي نَحْوِ الِاسْتِمْتَاعِ كَحَائِضٍ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ بِحِفْظِ قَدْرِ الدَّوْرِ وَأَوَّلِهِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي أَكْثَرَهُ وَأَضْلَلْته فِي دَوْرِي وَلَمْ تَعْرِفْ غَيْرَ هَذَا أَوْ كَانَ حَيْضِي أَكْثَرَهُ، وَأَوَّلُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَمْ تَعْرِفْ قَدْرَ دَوْرِهَا فَهِيَ فِيهَا مُتَحَيِّرَةٌ وَنَازَعَ الْقُونَوِيُّ فِي الثَّانِيَةِ بِامْتِنَاعِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ الْحَيْضِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا عَيَّنَتْهُ، أَوْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً وَلَا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ فَمُتَحَيِّرَةٌ كَذَلِكَ إلَّا فِي الصِّيَامِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. فَإِنْ ذَكَرَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَأَوَّلَهُ فَقَدْ يَحْصُلُ يَقِينُ حَيْضٍ وَيَقِينُ طُهْرٍ وَشَكٌّ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَشَكٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهَا يَقِينُهُمَا وَقَدْ يَحْصُلُ يَقِينُ طُهْرٍ لَا حَيْضٍ وَيَسْتَحِيلُ عَكْسُهُ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَإِنْ لَمْ تَدْرِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالْمُتَحَيِّرَةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إلَّا إذَا عَرَفَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَأَوَّلَهُ.

وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مُطْلَقِ أَوَّلِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ حَيْضٌ وَقَدْرُ الْعَادَةِ يُفِيدُهَا شَيْئًا فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُفِيدَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ.

ص: 118

الْقُونَوِيِّ قُلْت لَا؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُونَوِيِّ فِيمَا إذَا عَرَفَتْ أَوَّلَ دَوْرِهَا وَقَدْرَ حَيْضِهَا وَجَهِلَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَيْسَ فِيهِ بِقِسْمَيْهِ إلَّا مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْعَادَةِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهَا خُرُوجًا عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ وَلَا نَظَرَ لِحِفْظِهَا قَدْرَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا تَجْهَلُ وَقْتَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ بِهِ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَتَزِيدُ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ) هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) هُوَ سَهْوٌ أَيْضًا.؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَعُبُورُ الْمَسْجِدِ إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ يُخْشَى مِنْهَا تَلْوِيثُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَظَرَ عَوْرَتَهَا) أَيْ: إلَّا بِشَهْوَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُهُ كَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بِالِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْمُبَاشَرَةِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ كَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ النَّظَرَ مُطْلَقًا فَيُحَلُّ وَيُدْخِلُ اللَّمْسَ مُطْلَقًا فَيُحَرَّمُ وَعَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى لَا يَحْرُمُ اللَّمْسُ كَالنَّظَرِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهْوَةِ.

وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَحْثِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يَلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ إذْ الدَّمُ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي عِلَّةِ حُرْمَةِ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ مَا مَرَّ نَعَمْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّةِ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ التَّمَتُّعَ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا مَثَلًا وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ بِتَمَتُّعِهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَمَتُّعَهُ هُوَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا أَقْوَى فِي الدِّعَايَةِ إلَى الْوَطْءِ مِنْ عَكْسِهِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا فِي الْإِسْعَادِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِحِلِّ تَمَتُّعِهِ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا وَحُرْمَةِ تَمَتُّعِهَا بِكَفِّهَا فِي ذَكَرِهِ مَعَ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ فِي الدِّعَايَةِ لِلْوَطْءِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ زِيَادَةٌ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَهِيَ (وَ) يَحْرُمُ (الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) إنْ كَانَ وَقَعَ (بِلَا حَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَشَرَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ وَيَدُلُّ لَهُ اتِّفَاقُهُمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ أَوَّلَ الْآيَةِ، أَوْ زَمَنُهُ، أَوْ مَحَلُّهُ وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا مُخَصِّصًا لِمَفْهُومِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا الْوَطْءُ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْقَدِيمِ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَثِقَ بِتَرْكِ الْوَطْءِ لِوَرَعٍ، أَوْ قِلَّةِ شَهْوَةٍ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْأَحْوَطِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَأَيْضًا فَدَعْوَى تَخْصِيصِ الثَّانِي لِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْأَوَّلِ حِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ مَا تَحْتَهُ الشَّامِلُ لِلنِّكَاحِ وَمَنْطُوقُ الثَّانِي حِلُّ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ النِّكَاحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَخْصِيصُ مَفْهُومِ الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ بِخِلَافِ مَنْطُوقِ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ وَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ إذْ حُكْمُهُ الْحُرْمَةُ وَحُكْمُ الثَّانِي الْحِلُّ فَحِينَئِذٍ مَنْطُوقُهُ يُخَصَّصُ بِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا مُتَّصِلٌ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالثَّانِي مُنْفَصِلٌ وَهُوَ مَفْهُومُ الْأَوَّلِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ رُجْحَانُ دَلِيلِ الْمَذْهَبِ وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الشَّامِلِ لِلَّمْسِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِهَا فِيهِمَا هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْرِيمُ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ دُونَ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا رحمه الله وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ

ص: 119

وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّمَتُّعِ إذْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِفْضَاءُ إلَى ذَلِكَ إلَّا مَعَ الشَّهْوَةِ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ خَبَرِ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ بَلْ قَالَ مَا قَالَهُ غَلَطٌ عَجِيبٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يُلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا وَبِأَنَّهَا إذَا لَمَسَتْ ذَكَرَهُ.

فَقَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِاللَّمْسِ بِيَدِهِ، أَوْ بِسَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ بِلَمْسِهَا لَهُ وَبِأَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَلْمَسَهُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمَسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا مَسَّهَا قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ وُجُودَ الدَّمِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعَلِيَّةِ فَبَطَلَ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ الَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَا لِمَا ذَكَرُوهُ بَلْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ. إنَّمَا هِيَ وُجُودُ التَّمَتُّعِ فِي مَظِنَّةِ الدَّمِ، أَوْ حِمَاهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ عِنْدَ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِخِلَافِ تَمَتُّعِهَا هِيَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَمْسُ مَظِنَّةِ دَمٍ وَلَا حِمَاهَا فَكَانَ الْأَوْجَهُ جَوَازُهُ وَجَوَازُ تَمْكِينِهِ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو لِلْوِقَاعِ كَدِعَايَةِ لَمْسِهِ هُوَ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا ضَرُورَةُ تَمْيِيزِ الْحَيِّ عَنْ غَيْرِهِ وَدَعْوَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ خَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَحْرِيمُ التَّمَتُّعِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ إذَا خُشِيَ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى وَتَحْرِيمُ غَيْرِهِ خَوْفَ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنْهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ تَضَمُّخَهُ بِالْأَذَى بَعْدَ انْفِصَالِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَهُ وَوَطْءُ حَائِضٍ لَا أَذَى بِفَرْجِهَا بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَذَى بِالْفِعْلِ بَلْ إنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ وَمَا نِيطَ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ

وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ أَيْ: تَحْرِيمَ الْحَيْضِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقْصِدَ هِيَ اللَّمْسَ الْمُحَرَّمَ، أَوْ يَقْصِدُهُ هُوَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَنَعَهَا لَمْسَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ حَرُمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. وَإِذَا مَنَعَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إلَّا لِمُوجِبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَجِمَاعُ الْحَيْضِ يُورِثُ عِلَّةً مُؤْلِمَةً لِلْمُجَامِعِ وَجُذَامًا فِي الْوَلَدِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ (وَقَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ: الْوَطْءِ فَحَيْثُ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا أَيْ: بِأَنْ كَانَ تَحَيُّرُهَا نِسْبِيًّا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَتْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ لَعَلَّهُ أَرَادَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ الْحَالِيِّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمُتَحَيِّرَةِ وَلَا بِالْمُعْتَادَةِ. بَلْ كُلُّ مَنْ رَأَتْ دَمًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا يَلْزَمُهَا أَنْ تُمْسِكَ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: صَلَاتُهُ) أَيْ: الزَّائِدِ عَلَى مَرَدِّهَا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِيهَا عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيي ن وَأَيَّدَهُ بِنَصِّ الْأُمِّ وَلَمْ يَنْقُلْ الثَّانِي إلَّا عَنْ تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ وَقَطْعِ صَاحِبِ الْحَاوِي فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ تَحْشُوهُ) الْوَجْهُ فَتَحْشُوهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْحَشْوِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَصْبِ وَبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْوُضُوءِ وَبَيْنَ أَفْعَالِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَمْ يُؤْذِهَا الدَّمُ) . أَيْ: إيذَاءً شَدِيدًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً وَلَمْ تَكُنْ مُفْطِرَةً بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْله كَفَتْ الْعِصَابَةُ) أَيْ: نَهَارًا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيُبَادِرَانِ) أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةُ وَالسَّلِسُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسَاوَاتِهِمَا فِي الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ) أَيْ: وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ: وَيَنْوِيَانِ إلَخْ) حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا تَجْدِيدُ الِاحْتِيَاطِ لِكُلِّ فَرْضٍ وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعِصَابَةَ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ بِجَوَانِبِهَا.

ص: 120

وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ التَّجْدِيدُ لَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا خَاصًّا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ، أَوْ أَحْكَامُهَا فَخَرَجَ دَمٌ أَوْ زَادَ، أَوْ خَرَجَ دَمٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحَشْوِ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَكَذَا لَوْ شُفِيَتْ إنْ كَانَ خَرَجَ الدَّمُ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ) هُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ بِأَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا مُتَزَايِدَةٌ لَكِنْ صَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْفَرْقِ.

فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَفْظُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ) لَيْسَ لَفْظَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ بَلْ فِيهِ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَهُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَيَّامَ فَقَيَّدَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مَحَلَّهَا حَيْثُ كَانَتْ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى سَقَمٍ فِي نُسَخِهِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ فِيهِ فِي حِكَايَةِ الرَّابِعِ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ الْوِلَادَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ لَكِنْ كِلَاهُمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ نُسَخَ الْعَزِيزِ فِي بَعْضِهَا حِكَايَةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي رَآهُ حَالَ تَأْلِيفِهِ لِلْمَجْمُوعِ.

وَفِي بَعْضِهَا حِكَايَةُ الْآخَرِ وَهُوَ الَّذِي رَآهُ حَالَ تَأْلِيفِ الرَّوْضَةِ فَلَا سَقَمَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُ الْإِمَامُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَحَّحَ أَنَّهُ مِنْ الدَّمِ لَكِنَّهُ أَحَالَ فِيهِ، ثُمَّ عَلَى مَا فِيهِ هُنَا مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّخَالُفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَتْهُ) أَيْ: قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ مِنْ عِبَارَتِهِ غَيْرُ حَسَنٍ.

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ مَرْدُودٌ وَالتَّنَاقُضُ ظَاهِرٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ مَعَ الْمَتْنِ (أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ) .

وَقَبْلَ أَقَلِّ الطُّهْرِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً قَالَ الْقَوَابِلُ هِيَ مُبْتَدَأُ آدَمِيٍّ، أَوْ) عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ لَوْ (تَأَخَّرَ خُرُوجُ الدَّمِ عَنْ الْوَضْعِ، ثُمَّ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوَّلُهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْخُرُوجِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَمَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْرِيفُهُ السَّابِقُ بِأَنَّهُ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ مِنْهَا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ لَكِنْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ السِّتِّينَ. وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا اهـ.

وَرُدَّ بِأَنَّ حُسْبَانَ النَّقَاءِ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ غَيْرِ جَعْلِهِ نِفَاسًا فِيهِ تَدَافُعٌ بِخِلَافِ جَعْلِ ابْتِدَائِهَا مِنْ الدَّمِ (قَوْلُهُ: كَمَا قُلْنَا) أَيَّدَ بِهِ مَقَالَةَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا تَأْيِيدَ فِيهِ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) الْأَنْسَبُ أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ تَرَ بَعْدَ وِلَادَتِهَا دَمًا إلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْهُ قَوِيًّا، ثُمَّ ضَعِيفًا فَلَا نِفَاسَ وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ كَانَ وَجَدَتْ فِيهِ شُرُوطَ تَمْيِيزِ الْحَيْضِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهِيَ فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ فِي الْحَيْضِ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ: فَقِيَاسُ كَوْنِ الضَّعِيفِ طُهْرًا إلَخْ) . هَذَا الْقِيَاسُ مَمْنُوعٌ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ لَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ فَحَسْبُ بَلْ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِيهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُمَيِّزَةَ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا الْقَوِيُّ السِّتِّينَ تُرَدُّ إلَيْهِ عَمَلًا بِالتَّمْيِيزِ وَصَرَّحُوا مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الضَّعِيفِ فَحِينَئِذٍ هُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْأَسْوَدَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ النِّفَاسُ لِوُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا فِيهِ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نِفَاسًا أَنَّ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِالنِّفَاسِ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا طُهْرٌ.

وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةِ فَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْحَيْضِ. فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ حُمْرَةً مُسْتَمِرَّةً مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَسْوَدُ وَالْحُمْرَةُ الْأُولَى دَمُ فَسَادٍ إذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ وَالْقَوِيُّ إنَّمَا يَسْتَتْبِعُ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَيَجْرِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ عِشْرِينَ أَشْقَرَ ثُمَّ أَرْبَعِينَ، أَوْ ثَلَاثِينَ أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ فَالْأَسْوَدُ هُوَ النِّفَاسُ وَاسْتَتْبَعَ مَا قَبْلَهُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ نَظَرًا لَتِلْكَ الِاسْتِحَالَةِ أَيْضًا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الضَّعِيفِ الْمُجَاوِزِ طُهْرٌ فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ هُنَا بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالنَّقَاءِ إذْ لَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ مَا بَعْدَهَا.

ص: 121

حَيْضًا لَا نِفَاسًا فَلِمَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الضَّعِيفِ مَعَ حُكْمِهِمْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ؟ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ النَّقَاءَ فَاصِلٌ حِسِّيٌّ فَلِذَا أَوْجَبَ لِلسَّوَادِ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِتَمْيِيزٍ وَلَا لِعَدَمِهِ.

وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ مَا بَعْدَهُ وَفِيهِ صِفَةٌ تَقْتَضِي تَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلٍ وَهِيَ الْأَوَّلِيَّةُ فَبَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ فَقَدَّمْنَا اللَّوْنَ مَثَلًا؛؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ السَّبْقِ وَإِذَا قُدِّمَ فَتَارَةً يُمْكِنُ إلْغَاءُ السَّابِقِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْحَيْضِ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ الِاسْتِحَالَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَا فَوَجَبَ انْدِرَاجُهُ فِي الْقَوِيِّ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا حَكَمْنَا عَلَى النَّقَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِذَلِكَ لِضَرُورَةِ السَّحْبِ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا بُعْدَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِشَرْطِ التَّمْيِيزِ هُنَا وَهُوَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْقَوِيُّ السِّتِّينَ وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ رَأَتْ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ضَعِيفًا، ثُمَّ يَوْمًا قَوِيًّا وَجَاوَزَ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ.

وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَهِيَ مَنْ كَانَ دَمُهَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بِصِفَتَيْنِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ تَأْيِيدًا. مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ تَفْقِدْ شَرْطَ التَّمْيِيزِ فَحَكَمْنَا عَلَيْهَا بِهِ بِخِلَافِهَا هُنَا فَإِنَّهَا بِمُجَاوَزَةِ الْقَوِيِّ الْمَرْئِيِّ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ بَعْدَهَا فَقَوِيَّةٌ فَكَانَ الْوَجْهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَوْلُهُ لِإِطْلَاقِهِمْ: إنَّ الدَّمَ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ لَمْ يُطْلِقُوا كَذَلِكَ بَلْ فَصَّلُوا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ فُرِضَ إطْلَاقُ أَحَدٍ مِنْهُمْ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُهُ: أَيْضًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي الْحَيْضِ نَعَمْ قَوْلُهُ: أَوْلَى كَمَا رَأَيْنَاهُ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّابِقِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ دَمَ فَسَادٍ لَوْلَا مَا عَارَضَهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: رُدَّتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ بَيْنَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ لَا جَائِزٌ أَنْ يُعْتَبَرَ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَارِضِ الْوِلَادَةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَلَا أَنْ يُعْتَبَرَ أَقَلُّ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ لَهَا. فَتَعَيَّنَ إدَارَةُ الْأَمْرِ عَلَى كَوْنِهَا مُبْتَدِئَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ فِي النِّفَاسِ فَرُدَّتْ إلَى طُهْرِهَا وَهُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ.

(قَوْلُهُ: النَّقَاءُ الْمَذْكُورُ) أَيْ: دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْجَارِيَ عَلَى الْقَاعِدَةِ هُوَ الْأَوَّلُ) هُوَ كَمَا قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَارِضِ مَرَضٍ، أَوْ دَوَاءٍ سِنِينَ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَوْ حَاضَتْ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ الْمُتَطَاوِلُ طُهْرًا تُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا وَقَرَأَ فِي الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إلَيْهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَكْمَلَ سَلَامٍ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك كُلَّمَا ذَكَرَك.

وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِتَقْطِيرِ الْبَوْلِ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَيْسَ بِسَلَسٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ هَلْ يُعْفَى عَنْ هَذَا التَّقْطِيرِ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ بِالْعَفْوِ عَنْهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، أَوْ لَا؟ وَهَلْ تَقْطِيرُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَعَ الْقِلَّةِ جِدًّا حَسْبَمَا يُرَطِّبُ الْمَجْرَى نَاقِضٌ، أَوْ لَا فَيُعْفَى عَنْهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّلَسِ الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ مِنْ قَطْرِ بَوْلِهِ مَثَلًا لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ بَلْ مَنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَنٌ بِلَا خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ حِينِ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَى.

ص: 122