الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ يُسَوِّي مِنْ الْعَامَّةِ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ جَاهِلٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا وَالْعُلَمَاءُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا سُنَّةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ وَتَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْآخَرِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا.
وَأَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْحَرَجِ وَالشُّغْلِ بِحَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَعْنِي إذَا كَانَ هُنَاكَ شُغْلٌ يُبِيحُ لَهُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْجَمْعُ لِلْمَرَضِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفِي صَلَاتَيْ النَّهَارِ نِزَاعٌ بَيْنَهُمَا. وَيَجُوزُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ الْجَمْعُ لِلْوَحْلِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ لِلْمُرْضِعِ أَنْ تَجْمَعَ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا غَسْلُ الثَّوْبِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ نُصُوصُهُ وَأُصُولُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ]
95 -
11 مَسْأَلَةٌ:
عَمَّنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ، وَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ وَمَنْ اعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ:«أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» هَلْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، أَمْ لَا؟ وَمَاذَا يَجِبُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ فِي حَقِّ مَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ إذَا تَرَكُوا الصَّلَاةَ؟ وَهَلْ قِيَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ وَأَكْبَرِ أَبْوَابِ الْبِرِّ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ
الْغَلِيظَةَ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ يَجِبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ: كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
بَلْ تَارِكُ الصَّلَاةِ شَرٌّ مِنْ السَّارِقِ وَالزَّانِي، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَآكِلِ الْحَشِيشَةِ.
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُطَاعٍ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُطِيعُهُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» .
وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَغِيرٌ مَمْلُوكٌ أَوْ يَتِيمٌ أَوْ وَلَدٌ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ الْكَبِيرُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ الصَّغِيرَ، وَيُعَزَّرُ الْكَبِيرُ عَلَى ذَلِكَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا؛ لِأَنَّهُ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عِنْدَهُ مَمَالِيكُ كِبَارٌ، أَوْ غِلْمَانُ الْخَيْلِ وَالْجِمَالِ وَالْبُزَاةِ، أَوْ فَرَّاشُونَ أَوْ بَابِيَّةٌ يَغْسِلُونَ الْأَبْدَانَ وَالثِّيَابَ، أَوْ خَدَمٌ، أَوْ زَوْجَةٌ، أَوْ سُرِّيَّةٌ، أَوْ إمَاءٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا أَنْ يَكُونَ مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ مِنْ جُنْدِ التَّتَارِ. فَإِنَّ التَّتَارَ يَتَكَلَّمُونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَقِتَالُهُمْ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ الْبَاطِنَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهَا، فَلَوْ قَالُوا: نَشْهَدُ وَلَا نُصَلِّي قُوتِلُوا حَتَّى يُصَلُّوا، وَلَوْ قَالُوا: نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي قُوتِلُوا حَتَّى يُزَكُّوا، وَلَوْ قَالُوا: نُزَكِّي وَلَا نَصُومُ وَلَا نَحُجُّ، قُوتِلُوا حَتَّى يَصُومُوا رَمَضَانَ. وَيَحُجُّوا الْبَيْتَ. وَلَوْ قَالُوا: نَفْعَلُ هَذَا لَكِنْ لَا نَدَعُ الرِّبَا، وَلَا شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَا الْفَوَاحِشَ، وَلَا نُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا نَضْرِبُ الْجِزْيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قُوتِلُوا حَتَّى يَفْعَلُوا ذَلِكَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] . وَالرِّبَا آخِرُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ،