الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَصَلِّ وَاحِدَةً تُوتِرُ لَك مَا صَلَّيْت» وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مَفْصُولَةٍ عَمَّا قَبْلَهَا، وَأَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ، وَسَبْعٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» .
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ أَيْضًا، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
وَلَكِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ تَبْلُغْ جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ، فَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ. مُتَّصِلَةٍ، كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْوِتْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْوِتْرَ بِخَمْسٍ، وَسَبْعٍ، وَتِسْعٍ مُتَّصِلَةٍ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَمَالِكٍ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَأَوْتَرَ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، يَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ فِي ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ]
206 -
122 مَسْأَلَةٌ: فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ؟
الْجَوَابُ: وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ: فَهَذِهِ رَوَى فِيهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ» . وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ: «أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعٍ» فَإِنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعٍ، وَيُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ جَالِسٌ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مَا سَمِعُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ وَلِهَذَا يُنْكِرُونَ هَذِهِ. وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ سَمِعُوا هَذَا وَعَرَفُوا صِحَّتَهُ.
وَرَخَّصَ أَحْمَدُ أَنْ تُصَلَّى هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَتْ وَاجِبَةً بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يُذَمُّ مَنْ تَرَكَهَا، وَلَا تُسَمَّى " زَحَّافَةً " فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إلْزَامُ النَّاسِ بِهَا، وَلَا الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا.
وَلَكِنَّ الَّذِي يُنْكَرُ مَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ سَجْدَتَيْنِ مُجَرَّدَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَإِنَّ هَذَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْمِ، وَالْعِبَادَةِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ،
وَمُسْتَنَدُهُمْ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَغَيْرُهُ. فَظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ سَجْدَتَانِ مُجَرَّدَتَانِ، وَغَلِطُوا. فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ السَّجْدَةَ يُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:«حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ» الْحَدِيثَ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ رَكْعَتَانِ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:«مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ» أَرَادَ بِهِ رَكْعَةً. كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَظَنَّ بَعْضٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَجْدَةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَهُوَ غَلَطٌ. فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْإِدْرَاكِ بِسَجْدَةٍ مُجَرَّدَةٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ لَهُمْ فِيمَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
أَصَحُّهَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَلَا الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ، لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ بِتَكْبِيرَةٍ. وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ صَلَّى أَرْبَعًا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . وَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ رَكْعَةً: فَهَلْ يُتِمُّ، أَوْ يَقْصُرُ؟ فِيهَا قَوْلَانِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ لَفْظَ " السَّجْدَةِ " الْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَةُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَبْعَاضِهَا، فَتُسَمَّى قِيَامًا، وَقُعُودًا، وَرُكُوعًا، وَسُجُودًا وَتَسْبِيحًا وَقُرْآنًا.
وَأَنْكَرُ مِنْ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَةً مُفْرَدَةً، فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ. وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالِاتِّبَاعِ، لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْبُدُهُ بِالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الصَّلَاةُ " الزَّحَّافَةُ " وَقَوْلُهُمْ: مَنْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: وَمُرَادُهُمْ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا، فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَإِنْ تَرَكَهَا طُولَ عُمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ. لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ
الْبِدَعِ، وَلَا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ، وَلَا يُهْجَرُ، وَلَا يُوسَمُ بِمِيسَمٍ مَذْمُومٍ أَصْلًا؛ بَلْ لَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهَا كَتَطْوِيلِ قِيَامِ اللَّيْلِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُطَوِّلُهُ، وَكَقِيَامِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ خَارِجًا عَنْ السُّنَّةِ، وَلَا مُبْتَدِعًا وَلَا مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ، مَعَ اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً طَوِيلَةً. كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ أَفْضَلُ، مِنْ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ صَارَ يُصَلِّي تِسْعًا يَجْلِسُ عَقِيبَ الثَّامِنَةِ - وَالتَّاسِعَةِ، وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا عَقِيبَ التَّاسِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ صَارَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ، وَبِخَمْسٍ، فَإِذَا أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا عَقِيبَ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» . وَإِذَا أَوْتَرَ بِسَبْعٍ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ إلَّا عَقِيبَ السَّابِعَةِ، وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ عَقِيبَ السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَالْعُلَمَاءُ مُتَنَازِعُونَ فِيهَا: هَلْ تُشْرَعُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا لَا تُشْرَعُ بِحَالٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَأَوَّلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: أَنْ كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَظَنَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُرَادَ سَجْدَتَانِ مُجَرَّدَتَانِ فَكَانُوا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْوِتْرِ سَجْدَتَيْنِ مُجَرَّدَتَيْنِ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ وَلَا فَعَلَهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ. وَإِنَّمَا غَرَّهُمْ لَفْظُ السَّجْدَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الرَّكْعَتَانِ، كَمَا قَالَ «ابْنُ عُمَرَ: حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَسَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» : أَيْ رَكْعَتَيْنِ.
وَلَعَلَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا، نِسْبَتُهَا إلَى وِتْرِ اللَّيْلِ: نِسْبَةُ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ إلَى وِتْرِ النَّهَارِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ