الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُنَّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مِنْ الْأَوْرَادِ عُمِلَ كَذَلِكَ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَجْتَمِعُونَ أَحْيَانًا يَأْمُرُونَ أَحَدَهُمْ يَقْرَأُ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: " اجْلِسُوا بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً «وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ مَرَّاتٍ» ، «وَخَرَجَ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَفِيهِمْ قَارِئٌ يَقْرَأُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ يَسْتَمِعُ» .
وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ السَّمَاعِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْ وَجَلِ الْقَلْبِ، وَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَاقْشِعْرَارِ الْجُسُومِ، فَهَذَا أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ الشَّدِيدُ وَالْغَشْيُ وَالْمَوْتُ وَالصَّيْحَاتُ، فَهَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ لَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ مَنْشَأَهُ قُوَّةُ الْوَارِدِ عَلَى الْقَلْبِ مَعَ ضَعْفِ الْقَلْبِ، وَالْقُوَّةُ وَالتَّمَكُّنُ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ حَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ. وَأَمَّا السُّكُونُ قَسْوَةٌ وَجَفَاءٌ فَهَذَا مَذْمُومٌ لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمَاعِ فَالْمَشْرُوعُ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْقُلُوبُ وَيَكُونُ وَسِيلَتَهَا إلَى رَبِّهَا بِصِلَةِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا هُوَ سَمَاعُ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ سَمَاعُ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» وَقَالَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَهُوَ السَّمَاعُ الْمَمْدُوحُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنْ لَمَّا نَسِيَ بَعْضُ الْأُمَّةِ حَظًّا مِنْ هَذَا السَّمَاعِ الَّذِي ذُكِّرُوا بِهِ أُلْقِيَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، فَأَحْدَثَ قَوْمٌ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ وَالتَّصْفِيقِ وَالْغِنَاءِ مُضَاهَاةً لِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ مِنْ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَالْمُشَابَهَةِ لِمَا ابْتَدَعَهُ النَّصَارَى، وَقَابَلَهُمْ قَوْمٌ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ، وَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مُضَاهَاةً لِمَا عَابَهُ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ. وَالدِّينُ الْوَسَطُ هُوَ مَا عَلَيْهِ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ مِنْ يَذْكُر فِي جَوْفِهِ إذَا صَلَّى بِسْمِ اللَّه بَابُنَا]
319 -
7 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ إذَا صَلَّى ذَكَرَ فِي جَوْفِهِ: " بِسْمِ اللَّه بَابُنَا، تَبَارَكَ حِيطَانُنَا، يس سَقْفُنَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا كُفْرٌ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَى
مَا قَالَ هَذَا الْمُنْكَرَ رَدٌّ؟ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَمَا حُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَيْسَ هَذَا كُفْرًا، فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ وَأَمْثَالَهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّحَصُّنُ وَالتَّحَرُّزُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، فَيَتَّقِي بِهَا مِنْ الشَّرِّ، كَمَا يَتَّقِي سَاكِنُ الْبَيْتِ بِالْبَيْتِ مِنْ الشَّرِّ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَدُوِّ.
وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي قَامَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، قَالَ:«أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ فَدَخَلَ حِصْنًا فَامْتَنَعَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ» فَكَذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ هُوَ حِصْنُ ابْنِ آدَمَ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ كَمَا قَالَ.
فَشَبَّهَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي امْتِنَاعِ الْإِنْسَانِ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْحِصْنِ الَّذِي يَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالْحِصْنُ لَهُ بَابٌ وَسَقْفٌ وَحِيطَانٌ، وَنَحْوُ هَذَا أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ تُسَمَّى جُنَّةً وَلِبَاسًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] . فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ:«خُذُوا جُنَّتَكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنْ النَّارِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ»
وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: " فَتَدَرَّعُوا جِنَنَ التَّقْوَى قَبْلَ جِنَنَ السَّابِرِيِّ وَفَوِّقُوا سِهَامَ الدُّعَاءِ قَبْلَ سِهَامِ الْقِسِيِّ ". وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يُسَمَّى سُوَرًا، وَحِيطَانًا، وَدِرْعًا، وَجُنَّةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ لَيْسَ بِمَأْثُورٍ، وَالْمَشْرُوعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَ فِيهِ مَا شُرِعَ وَسُنَّ، كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ،