الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمَامًا غَيْرَهُ كَالْجُمُعَةِ الَّتِي لَا تُقَامُ إلَّا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَالْعِيدَيْنِ وَكَصَلَوَاتِ الْحَجِّ، خَلْفَ إمَامِ الْمَوْسِمِ فَهَذِهِ تُفْعَلُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا تَدَعُ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ لَا يَرَى الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ، فَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْفَاجِرِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَأَفْضَلُ بِلَا رَيْبٍ. لَكِنْ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ فَفِي صَلَاتِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، فَفِي مَذْهَبِهِمَا نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ.
وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْبِدْعَةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، مِثْلَ بِدَعِ الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَنَحْوِهِمْ.
فَأَمَّا مَسَائِلُ الدِّينِ الَّتِي يَتَنَازَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْحَرْفِ، وَالصَّوْتِ وَنَحْوِهَا، فَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ مُبْتَدِعًا، وَكِلَاهُمَا جَاهِلٌ مُتَأَوِّلٌ، فَلَيْسَ امْتِنَاعُ هَذَا مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، فَأَمَّا إذَا ظَهَرَتْ السُّنَّةُ وَعُلِمَتْ فَخَالَفَهَا وَاحِدٌ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[مَسْأَلَةٌ الصَّلَاة خَلْف مِنْ يَأْكُل الْحَشِيشَة]
246 -
162 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ، وَهُوَ إمَامٌ فَقَالَ رَجُلٌ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ: تَجُوزُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ» فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِآكِلِ الْحَشِيشَةِ أَنْ يَؤُمَّ بِالنَّاسِ؟ وَإِذَا كَانَ الْمُنْكِرُ مُصِيبًا، فَمَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ فِي الْمَكَانِ أَنْ يَعْزِلَهُ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ، أَوْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
كَيْفَ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قَلَّدَ رَجُلًا عَمَلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ، وَخَانَ رَسُولَهُ، وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ
وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ» وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَأُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ بِالْعِلْمِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ الْأَسْبَقُ إلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ إمَامًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْزِلُوهُ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَلَا يُصَلُّوا خَلْفَهُ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ هَلْ أَمَرَهُمْ بِعَزْلِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنَّك آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ يُعْزَلُ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَبُصَاقِهِ فِي الْقِبْلَةِ، فَكَيْفَ الْمُصِرُّ عَلَى أَكْلِ الْحَشِيشَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِلْمُسْكِرِ مِنْهَا، كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، إذْ السُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتِحْلَالُ ذَلِكَ كُفْرٌ بِلَا نِزَاعٍ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ: «تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» فَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ: «لَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسَوْطٍ أَوْ بِعَصًا» . وَفِي إسْنَادِ الْآخَرِ مَقَالٌ أَيْضًا.
الثَّانِي: " أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ وَلِيَ، وَإِنْ كَانَ تَوْلِيَةُ ذَلِكَ الْمَوْلَى لَا تَجُوزُ، فَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفَاسِقَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، أَوْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ.
كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا.
وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُمَا، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ، الَّذِينَ يُسْكِرُونَ مِنْ الْحَشِيشَةِ؛ بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا حَرَامٌ،