الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ نَقْصٍ» : أَيْ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ".
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ؟ أَمْ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ؟ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا، كَمَا قَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ وَمِنًى، وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ نَحْوَ بَرِيدِ أَرْبَعِ فَرَاسِخَ.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَخُصَّانِ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ، وَلَا تُقْصَرُ وَلَا يُفْطِرُ، وَلَا تَيَمُّمَ وَلَمْ يَحُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِحَدٍّ، لَا زَمَانِيٍّ، وَلَا مَكَانِيٍّ، وَالْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي ذَلِكَ مُتَعَارِضَةٌ، لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ، وَهِيَ مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ.
فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تُذَرَّعُ بِذَرْعٍ مَضْبُوطٍ فِي عَامَّةِ الْأَسْفَارِ، وَحَرَكَةُ الْمُسَافِرِ تَخْتَلِفُ.
وَالْوَاجِبُ أَنْ يُطْلَقَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ صلى الله عليه وسلم، وَيُقَيَّدَ مَا قَيَّدَهُ، فَيَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّفَرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَمَنْ قَسَّمَ الْأَسْفَارَ إلَى قَصِيرٍ وَطَوِيلٍ، وَخَصَّ بَعْضُ الْأَحْكَامِ بِهَذَا وَبَعْضُهَا بِهَذَا، وَجَعَلَهَا مُتَعَلِّقَةً بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ، فَلَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا.
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ]
286 -
202 - سُئِلَ: إذَا سَافَرَ إنْسَانٌ سَفَرًا مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ أَمْ لَا؟ .
أَجَابَ: وَأَمَّا الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ بَلْ أَرْبَعَةٌ؛ بَلْ خَمْسَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَا الْجَمْعُ، وَلَا الْقَصْرُ.
وَالثَّانِي: يُبَاحُ الْجَمْعُ دُونَ الْقَصْرِ.
وَالثَّالِثُ: يُبَاحُ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ خَاصَّةً لِلْمَكِّيِّ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا.
وَالرَّابِعُ: يُبَاحُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ.
وَالْخَامِسُ: يُبَاحُ ذَلِكَ مُطْلَقًا.
وَاَلَّذِي يَجْمَعُ لِلسَّفَرِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ مُطْلَقًا، أَوْ لَا يُبَاحُ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا، وَلِهَذَا نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ إذَا كَانَ لَهُ شُغْلٌ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كُلُّ عُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ يُبِيحُ الْجَمْعَ، وَلِهَذَا يَجْمَعُ لِلْمَطَرِ، وَالْوَحْلِ، وَلِلرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ؛ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَيَجْمَعُ الْمَرِيضُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَالْمُرْضِعُ، فَإِذَا جَدَّ السَّيْرُ بِالْمُسَافِرِ، جَمَعَ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا، كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
يَجْمَعُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، الْمَكِّيَّ وَغَيْرَ الْمَكِّيِّ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَفَرُهُمْ قَصِيرٌ.
وَكَذَلِكَ جَمَعَ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمَتَى قَصَرُوا يَقْصُرُ خَلْفَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَعَرَفَةُ مِنْ مَكَّةَ بَرِيدٌ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِهِ: أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ إنَّهُ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوَقِّتْ لِلْقَصْرِ مَسَافَةً، وَلَا وَقْتًا، وَقَدْ قَصَرَ خَلْفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي الدَّلِيلِ.
وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ سَفَرًا، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهُ، وَيَبْرُزَ لِلصَّحْرَاءِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مِثْلِ دِمَشْقَ، وَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ قُرَاهَا الشَّجَرِيَّةِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ كَمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الصَّالِحِيَّةِ إلَى دِمَشْقَ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُسَافِرٍ، كَمَا أَنَّ مَدِينَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقُرَى الْمُتَقَارِبَةِ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ نَخِيلُهُمْ وَمَقَابِرُهُمْ وَمَسَاجِدُهُمْ، قُبَاءَ وَغَيْرُ قُبَاءَ وَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُ الْخَارِجِ إلَى قُبَاءَ سَفَرًا، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَقْصُرُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 101]