الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَة خَلْفَ الْإِمَامِ]
مَسْأَلَةٌ:
فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ نِزَاعٌ وَاضْطِرَابٌ مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَأُصُولُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ، وَوَسَطٌ. فَأَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ بِحَالٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ بِكُلِّ حَالٍ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ؛ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ، وَلَمْ يَقْرَأْ، فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ قَرَأَ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ خَيْرٌ مِنْ سُكُوتِهِ، فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ فَهَلْ الْقِرَاءَةُ حَالَ مُخَافَتَةِ الْإِمَامَ بِالْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ؟ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ، وَالِاسْتِمَاعُ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَالْقِرَاءَةُ إذَا سَمِعَ الْإِمَامَ هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ؟ وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا قَرَأَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ الْقِرَاءَةَ حِينَئِذٍ مُحَرَّمَةٌ، وَإِذَا قَرَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا قَرَأَ حَالَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا: يَقْرَأُ حَالَ الْجَهْرِ، وَالْمُخَافَتَةِ، إنَّمَا يَأْمُرُونَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ الْجَهْرِ بِالْفَاتِحَةِ خَاصَّةً، وَمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُسْتَمِعًا لَا قَارِئًا.
وَهَلْ قِرَاءَتُهُ لِلْفَاتِحَةِ مَعَ الْجَهْرِ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ
؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ.
وَالثَّانِي: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاخْتِيَارُ جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، كَمَا لَا سَبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَفِي فَسْخِ الْحَجِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ.
يَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ النَّظَرُ فِيمَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: صَلَاةُ الْعَصْرِ يَخْرُجُ وَقْتُهَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، كَالْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: حِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَقْتٍ تَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَ مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَالْمَغْرِبُ أَيْضًا تُجْزِئُ بِاتِّفَاقِهِمْ إذَا صَلَّى بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالْعِشَاءُ تُجْزِئُ بِاتِّفَاقِهِمْ إذَا صَلَّى بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ، إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرُ تُجْزِئُ بِاتِّفَاقِهِمْ إذَا صَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ الشَّدِيدِ، وَأَمَّا الْعَصْرُ فَهَذَا يَقُولُ: تُصَلَّى إلَى الْمِثْلَيْنِ، وَهَذَا يَقُولُ: لَا تُصَلَّى إلَّا بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ حِينِ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَوَقْتُهَا أَوْسَعُ، كَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ، وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَدَنِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهَا بِقَوْلٍ يَجْمَعُ، لَكِنْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عَلَيْهِ دَلَائِلُ شَرْعِيَّةٌ تُبَيِّنُ الْحَقَّ.
وَمِنْ ذَلِكَ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْحَجَّ الَّذِي اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ أَنْ يُهِلَّ مُتَمَتِّعًا يَحْرُمُ بِعُمْرَةٍ ابْتِدَاءً، وَيُهِلَّ قَارِنًا وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَ أَوْ قَرَنَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَفِي حَجِّهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَقُولُ: إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ اسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ لِبُعْدِهِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا
يَسْمَعُ لِصَمَمِهِ، أَوْ كَانَ يَسْمَعُ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ وَلَا يَفْقَهُ مَا يَقُولُ: فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ إمَّا مُسْتَمِعًا، وَإِمَّا قَارِئًا، وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَمِعٍ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ السَّمَاعِ، فَقِرَاءَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ، فَنَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَصْلَيْنِ
عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ يَسْتَمِعُ، وَأَنَّهُ فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ يَقْرَأُ.
فَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالِاعْتِبَارُ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ حَالَ الْجَهْرِ.
ثُمَّ يَقُولُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] لَفْظٌ عَامٌّ، فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَعُمَّهُمَا.
وَالثَّانِي بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْمُسْتَمِعِ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ أَوْلَى مِنْ اسْتِمَاعِهِ إلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دَاخِلَةً فِي الْآيَةِ، إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ.
فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَوْلَى مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْمُنَازِعُ يُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ، فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ.
وَالْآيَةُ أَمَرَتْ بِالْإِنْصَاتِ إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ.
وَالْفَاتِحَةُ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْفَاتِحَةُ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ.
وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِالْآيَةِ الِاسْتِمَاعُ إلَى غَيْرِهَا دُونَهَا، مَعَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا، مَعَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا.
فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] يَتَنَاوَلُهَا، كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا، وَشُمُولُهُ لَهَا أَظْهَرُ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَالْعَادِلُ عَنْ اسْتِمَاعِهَا إلَى قِرَاءَتِهَا إنَّمَا يَعْدِلُ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ، وَهَذَا غَلَطٌ يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ، فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَمَرَتْ الْمُؤْتَمَّ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ، وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا.
فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لِمَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ أَفْضَلَ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَتِهِ لَكَانَ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَإِنَّمَا نَازَعَ مَنْ نَازَعَ فِي الْفَاتِحَةِ لِظَنِّهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ مَعَ الْجَهْرِ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُ حِينَئِذٍ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، بِدَلِيلِ اسْتِمَاعِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ أَفْضَلَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْقَارِئِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا، فَالْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْأَدْنَى وَيُنْهَى عَنْ الْأَعْلَى.
وَثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
وَفِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مُرْسَلًا، وَمُسْنَدًا لَكِنْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَات رَوَوْهُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُسْنَدًا، وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ عَضَّدَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَالَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمُرْسِلُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، وَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ،
وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَمْرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ دَلَالَةً قَاطِعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ، فَكَانَ بَيَانُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْبَيَانِ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ.
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: أُقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الطَّوِيلِ بِالْمَشْهُورِ لَكِنْ بَعْضُ الرُّوَاةِ زَادَ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ:«وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا، وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الثِّقَةِ، لَا تُخَالِفُ الْمَزِيدَ، بَلْ تُوَافِقُ مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
فَإِنَّ الْإِنْصَاتَ إلَى الْقَارِئِ مِنْ تَمَامِ الِائْتِمَامِ بِهِ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ لِإِمَامِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، حَتَّى فِي الْأَفْعَالِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا سَجَدَ مَعَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ عَقِبَ الْوِتْرِ، وَهَذَا لَوْ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَجْلِ الِائْتِمَامِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِائْتِمَامَ يَجِبُ بِهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَيَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. قِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ، يَعْنِي «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ فَقِيلَ لَهُ: لِمَا لَا تَضَعُهُ هَاهُنَا؟ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ هَاهُنَا، إنَّمَا وَضَعْتُ هَاهُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا، فَقَالَ: هَلَّا قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، يَقُولُ: قَوْلُهُ " فَانْتَهَى النَّاسُ " مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ، فَقَالَ: فِي الْكُنَى مِنْ التَّارِيخِ، وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُوسُفُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْت ابْنَ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سَمِعَ «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ قَرَأَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ» ، قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَقُلْ: فَانْتَهَى النَّاسُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ أُكَيْمَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ فِي الْجَهْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ، أَوْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالسُّنَّةِ، وَقِرَاءَةُ الصَّحَابَةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً تَكُونُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ، الَّتِي يَعْرِفُهَا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَيَكُونُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَا، فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا لَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى انْتِفَائِهَا، فَكَيْفَ إذَا قَطَعَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَهْرِ فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ابْنُ أُكَيْمَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ فِيهِ: صَحِيحُ الْحَدِيثِ، حَدِيثُهُ مَقْبُولٌ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، وَابْنُ أَبِيهِ عُمَرُ، وَسَالِمٌ بْنُ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ بْنِ عُمَرَ.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:" مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، لَمْ يُصَلِّ إلَّا وَرَاء الْإِمَامِ " وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ: هَلْ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ يَقُولُ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ
الْإِمَامِ تُجْزِئُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ
، وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَة مَعَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَسَيَكْفِيك ذَلِكَ الْإِمَامُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ هُمَا فَقِيهًا أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي كَلَامِهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ إنْصَاتُهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ.
وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي " كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَرَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ يُسَبِّحُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ، وَخَالَفَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَوَاتِ، فَاقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ أُخْرَى فِي الْأُولَيَيْنِ، مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ، مِنْ الْعِشَاءِ.
وَأَيْضًا: فَفِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَعَهُ بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَهْرِ وَاجِبَةً عَلَى الْمَأْمُومِ لَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْرَأَ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لَهُ حَتَّى يَقْرَأَ
وَلَمْ نَعْلَمْ نِزَاعًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَقِرَاءَتُهُ مَعَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ مَعَهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ، بَلْ نَقُولُ: لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ فِي حَالِ الْجَهْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مُسْتَحَبَّةً، لَاسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّكُوتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُونَ، وَلَا نَقَلَ هَذَا
أَحَدٌ عَنْهُ، بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ سُكُوتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَفِي السُّنَنِ:«أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ. فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ، وَسَكْتَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ» .
وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِلْفَصْلِ لَا تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ كَانَتْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ سَكَتَاتٍ، وَلَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ، فَمَنْ نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ أَوْ أَرْبَعَ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّكْتَةُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ:{وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] مِنْ جِنْسِ السَّكَتَاتِ الَّتِي عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى سُكُوتًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَقْرَأُ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْرَأُ عَقِبَ السُّكُوتِ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ.
فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سُكُوتِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: لَا سُكُوتَ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: فِيهَا سَكْتَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِفْتَاحِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقِيلَ فِيهَا: سَكْتَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ» فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: كَذَبَ سَمُرَةُ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: صَدَقَ سَمُرَةُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «سَكْتَةٌ إذَا كَبَّرَ. وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] »
وَأَحْمَدُ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَاسْتَحَبَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَةً تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
وَالسَّكْتَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ نَفَاهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ، قَدْ لَا يَنْضَبِطُ مِثْلُهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ إلَّا
سَكْتَتَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا طَوِيلَةٌ وَالْأُخْرَى بِكُلِّ حَالٍ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً مُتَّسِعَةً لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ خَلْفَهُ إمَّا فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى وَإِمَّا فِي الثَّانِيَةِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ خَلْفَهُ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَحَقَّ النَّاسِ بِعِلْمِهِ، وَعَمَلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ.
وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ بِالْجَهْرِ اسْتِمَاعُ الْمَأْمُومِينَ، وَلِهَذَا يُؤَمِّنُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِ دُونَ السِّرِّ، فَإِذَا كَانُوا مَشْغُولِينَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُحَدِّثَ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ لِحَدِيثِهِ، وَيَخْطُبَ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ لِخُطْبَتِهِ، وَهَذَا سَفَهٌ تُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ.
وَلِهَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» فَهَكَذَا إذَا كَانَ يَقْرَأُ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ
وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مَأْمُورًا بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا، لَا بِقِرَاءَةٍ، وَلَا ذِكْرٍ، وَلَا دُعَاءٍ، فَفِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَفْتِحُ، وَلَا يَتَعَوَّذُ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ.
وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، هِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ.
قِيلَ: إنَّهُ حَالَ الْجَهْرِ يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ، وَلَا يَقْرَأُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ؛ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُمَا.
وَقِيلَ: يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ، لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ تَابِعٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ لَا يَتَعَوَّذُ.
وَقِيلَ: لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ حَالَ الْجَهْرِ، وَهَذَا أَصَحُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ
سُكُوتِ الْإِمَامِ، هَلْ يَشْتَغِلُ بِالِاسْتِفْتَاحِ، أَوْ الِاسْتِعَاذَةِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَشْتَغِلُ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ لِكَوْنِهَا مُخْتَلَفًا فِي وُجُوبِهَا.
وَأَمَّا فِي حَالِ الْجَهْرِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْإِنْصَاتِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَذَا النِّزَاعَ هُوَ فِي حَالِ الْجَهْرِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ، وَاسْتِفْتَاحُهُ حَالَ سُكُوتِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُعْتَاضُ عَنْهَا بِالِاسْتِمَاعِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا، فَيُقَالُ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْتَاحُ هَلْ يَجِبُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ فِي حَالِ الْجَهْرِ، وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ وُجُوبَ الِاسْتِفْتَاحِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ حَالَ الْمُخَافَتَةِ أَفْضَلُ فِي مَذْهَبِهِ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ، فَقَدْ غَلَطَ عَلَى مَذْهَبِهِ.
وَلَكِنْ هَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حَالَ الْجَهْرِ، وَهَذَا مَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَبْلَ جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَلَا عَامَّةِ أَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّ تَعْلِيلَ الْأَحْكَامِ بِالْخِلَافِ عِلَّةٌ بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعَلِّقُ الشَّارِعُ بِهَا الْأَحْكَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ حَادِثٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ يَسْلُكُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لِطَلَبِ الِاحْتِيَاطِ.
وَعَلَى هَذَا فَفِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَعَ الِاسْتِفْتَاحِ الِاسْتِعَاذَةُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِمَنْ قَرَأَ، فَإِنْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلْقِرَاءَةِ اسْتَعَاذَ وَقَرَأَ، وَإِلَّا أَنْصَتَ.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْقِرَاءَةُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ كَحَالِ مُخَافَتَةِ الْإِمَامِ وَسُكُوتِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ
الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ - ثَلَاثًا أَيْ: غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنِّي أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ. فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» .
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ: بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ - قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا قَدْ قَرَأَ خَلْفَهُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَا غَيْرَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ، لَكِنْ قَالَ:«قَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» أَيْ نَازَعَنِيهَا.
كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ» فَهَذَا كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِمَنْ نَازَعَهُ وَخَالَجَهُ، وَخَلَطَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِمَّنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ أَسْمَعَ غَيْرَهُ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ لِغَيْرِهِ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَارِئًا خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا مَعَ مَخَافَتِهِ
الْإِمَامَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ:" أَيُّكُمْ الْقَارِئُ؟ ".
أَيْ الْقَارِئُ الَّذِي نَازَعَنِي، لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْقَارِئَ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَازِعُ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ خَالَجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْصَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ إذَا نَازَعَ غَيْرَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إنْصَاتٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَلَا مُنَازَعَةٌ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْقَارِئُ هُنَا لَمْ يَعْتَضْ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِاسْتِمَاعٍ، فَيَفُوتُهُ الِاسْتِمَاعُ وَالْقِرَاءَةُ جَمِيعًا، مَعَ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي وَحُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ، فَخِلَافُ وُجُوبِهَا فِي حَالِ الْجَهْرِ، فَإِنَّهُ شَاذٌّ حَتَّى نَقَلَ أَحْمَدُ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ.
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] » أَنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ.
وَأَيْضًا فَجَمِيعُ الْأَذْكَارِ الَّتِي يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهَا سِرًّا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُولَهَا سِرًّا كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَلِأَيِّ مَعْنًى لَا تُشْرَعُ الْقِرَاءَةُ فِي السِّرِّ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ السِّرِّ، وَلَا يُؤَمِّنُ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] .
وَقَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] .
وَهَذَا أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ مَا خُوطِبَ بِهِ خُوطِبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ مَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالتَّخْصِيصِ.
كَقَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] .
وَقَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] .
وَقَوْلِهِ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] .
وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذَا أَمْرٌ يَتَنَاوَلُ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ بِأَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَيَكُونُ الْمَأْمُومُ مَأْمُورًا بِذِكْرِ رَبِّهِ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ مُسْتَمِعًا كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا كَانَ مَأْمُورًا بِذِكْرِ رَبِّهِ فِي نَفْسِهِ.
وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: 50] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] .
وَقَالَ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] .
وَأَيْضًا: فَالسُّكُوتُ بِلَا قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا دُعَاءٍ لَيْسَ عِبَادَةً، وَلَا مَأْمُورًا بِهِ، بَلْ يَفْتَحُ بَابَ الْوَسْوَسَةِ، فَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مِنْ أَفْضَلِ الْخَيْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّكْرُ بِالْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ - وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ - سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، فَقَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ فَمَا لِي، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدَيْهِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
وَاَلَّذِينَ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي الْجَهْرِ: احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا كُنْتُمْ وَرَائِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ