الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُنُوتِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا دَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ دَعَا بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقْصُودَ، فَكَذَلِكَ إذَا دَعَا فِي الِاسْتِنْصَارِ دَعَا بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقْصُودَ، كَمَا لَوْ دَعَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ السَّبَبِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقْصُودَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.
وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، فَإِنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ يُسَنُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَنَحْوِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، لَكِنْ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ لَهُ تَأْوِيلُهُ، كَسَائِرِ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ.
وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ إمَامَهُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَإِذَا قَنَتَ قَنَتَ مَعَهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ لَمْ يَقْنُتْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَقَالَ: «لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ» . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ» . أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِسُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَطَوَّلَهُمَا عَلَى الْأُولَيَيْنِ: لَوَجَبَتْ مُتَابَعَتُهُ فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا
مُسَابَقَةُ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ.
فَإِذَا قَنَتَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَابِقَهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَابَعَتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى عُثْمَانَ التَّرْبِيعَ بِمِنًى، ثُمَّ إنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ أَرْبَعًا، فَقِيلَ لَهُ: فِي ذَلِكَ؟ ، فَقَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ. وَكَذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، فَأَخْبَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ إمَامُك، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ يَؤُمُّ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ]
209 -
125 مَسْأَلَةٌ:
فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يَؤُمُّ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» . فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ كُلَّمَا دَعَا اللَّهَ عز وجل أَنْ يُشْرِكَ الْمَأْمُومِينَ؟ وَهَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَخُصُّ نَفْسَهُ بِدُعَائِهِ فِي صَلَاتِهِ دُونَهُمْ؟ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ. مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ دَعَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، وَكَانَ إمَامًا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الِاسْتِفْتَاحِ الَّذِي أَوَّلُهُ:«وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» - فِيهِ - «فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ» .
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ: «لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت» : «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ» . وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ فِي دُعَائِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ فِعْلِهِ، وَمِنْ أَمْرِهِ، لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا إلَّا لَفْظُ الْإِفْرَادِ. كَقَوْلِهِ:«اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . وَكَذَا دُعَاؤُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلَاهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ إمَامًا أَحَدُهُمَا بِحُذَيْفَةَ، وَالْآخَرُ بِابْنِ عَبَّاسٍ.
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي» وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ «اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي» وَنَحْوَ هَذَا، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَدْعُو فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ. وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّهُ يُشْرَعُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ.
وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ إنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ الَّذِي يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ: كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ إذَا أَمَّنَ كَانَ دَاعِيًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى