الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحْدَهُ؟ أَوْ لَا يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ؟ أَوْ يَصُومُ وَحْدَهُ وَيُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
[مِنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَتَحَقَّقَ الرُّؤْيَةَ]
332 -
2 وَسُئِلَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، عَنْ رَجُلٍ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ، وَتَحَقَّقَ الرُّؤْيَةَ: فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَحْدَهُ؟ أَوْ يَصُومَ وَحْدَهُ؟ أَوْ مَعَ جُمْهُورِ النَّاسِ؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إذَا رَأَى هِلَالَ الصَّوْمَ وَحْدَهُ، أَوْ هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ، فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ؟ أَوْ يُفْطِرَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ؟ أَمْ لَا يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ؟ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، هِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهَا:
أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَأَنْ يُفْطِرَ سِرًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثُ: يَصُومُ مَعَ النَّاسِ، وَيُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ: لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَذَكَرَ الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى فَقَطْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ: وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَعِظَمِ النَّاسِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ آخَرَ: فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فَقَالَ: «وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ
تُفْطِرُونَ. وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ. وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ» .
وَلِأَنَّهُ لَوْ رَأَى هِلَالَ النَّحْرِ لَمَا اشْتَهَرَ، وَالْهِلَالُ اسْمٌ اُسْتُهِلَّ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْهِلَالَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا اسْتَهَلَّ بِهِ النَّاسُ، وَالشَّهْرُ بَيِّنٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هِلَالًا وَلَا شَهْرًا.
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَلَّقَ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً بِمُسَمَّى الْهِلَالِ، وَالشَّهْرِ: كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، فَقَالَ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.
قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]- إلَى قَوْلِهِ - {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185] . أَنَّهُ أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ الَّذِي تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ أَنَّ الْهِلَالَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ؟ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّاسُ؟ وَبِهِ يَدْخُلُ؟ الشَّهْرُ، أَوْ الْهِلَالُ اسْمٌ لِمَا يَسْتَهِلُّ بِهِ النَّاسُ، وَالشَّهْرُ لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ: مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ دَخَلَ مِيقَاتُ الصَّوْمِ، وَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ هِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُ. وَيَقُولُ مَنْ لَمْ يَرَهُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ طَالِعًا قَضَى الصَّوْمَ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي شَهْرِ الْفِطْرِ، وَفِي شَهْرِ النَّحْرِ، لَكِنَّ شَهْرَ النَّحْرِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ مَنْ رَآهُ يَقِفُ وَحْدَهُ، دُونَ سَائِرِ الْحَاجِّ، وَأَنَّهُ يَنْحَرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَيَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَتَحَلَّلُ دُونَ سَائِرِ الْحَاجِّ.
وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْفِطْرِ: فَالْأَكْثَرُونَ أَلْحَقُوهُ بِالنَّحْرِ، وَقَالُوا لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَآخَرُونَ قَالُوا بَلْ الْفِطْرُ كَالصَّوْمِ. وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ الْعِبَادَ بِصَوْمِ وَاحِدِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَتَنَاقُضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ.