الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَمَنْ فَعَلَهَا لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا؛ لِكَوْنِ التَّأَخُّرِ بِمِقْدَارِ مَا لَيْسَ هُوَ مِنْ التَّخَلُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهَا، وَهَلْ هَذَا إلَّا فِعْلٌ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ فِعْلُ هَذِهِ السُّنَّةِ عِنْدَهُ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ التَّخَلُّفِ، لَكِنَّهُ يَسِيرٌ، فَصَارَ مِثْلَ مَا إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهُ الْمَأْمُومُ، وَالْمَأْمُومُ يَرَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، أَوْ مِثْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ يَسِيرٌ مِنْ الدُّعَاءِ، هَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يُتِمُّهُ؟ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَالْأَقْوَى أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلُّفِ، لِفِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ رَفَعَ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْجِلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ]
167 -
83 مَسْأَلَةٌ:
فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْجِلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ: هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؟ وَهَلْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ أَوْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؟
فَأَجَابَ: نَعَمْ، هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ الْعَالِمِينَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ. فَفِي الْبُخَارِيِّ، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نَافِعٍ:«أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ
الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ «إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ، وَلَيْسَ لَهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا مُقَاوِمًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
168 -
84 مَسْأَلَةٌ:
فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» هَلْ الْحَدِيثَانِ فِي الصِّحَّةِ سَوَاءٌ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذِكْرِ الْآلِ دُونَ إبْرَاهِيمَ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَشْهَرُهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَك هَدِيَّةً؟ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ - وَفِي لَفْظٍ - وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رَوَاهُ أَهْلُ الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِيدِ. كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَهَذَا لَفْظُ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِيهِ: عَلَى
إبْرَاهِيمَ، فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَذْكُرْ آلَهُ وَذَلِكَ رِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ:«كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» . وَقَالَ: «كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» ذَكَرَ لَفْظَ الْآلِ فِي الْأَوَّلِ، وَلَفْظَ إبْرَاهِيمَ فِي الْآخِرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا:«يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» هَذَا هُوَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ:«كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» ، وَكَمَا «بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» بِدُونِ لَفْظِ الْآلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:«قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ عَلَيْك، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ» وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُ مُسْلِمٍ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ بِلَفْظٍ آخَرَ.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ «كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا
بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» لَمْ يَذْكُرْ " الْآلُ " وَفِي رِوَايَةٍ «كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاح: لَمْ أَجِدْ فِيهَا وَلَا فِيمَا نُقِلَ لَفْظُ «إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ» بَلْ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَالطُّرُقِ لَفْظُ " آلِ إبْرَاهِيمَ "، وَفِي بَعْضِهَا لَفْظُ " إبْرَاهِيمَ " وَقَدْ يَجِيءُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ لَفْظُ " آلِ إبْرَاهِيمَ " وَفِي الْآخِرِ لَفْظُ " إبْرَاهِيمَ ". وَقَدْ رُوِيَ لَفْظُ " إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ " فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّنَاوِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا كَمَا صَلَّيْت وَبَارَكْت وَتَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَهَذَا إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا قَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُولُوا لَهُ فَعَلِّمْنَا: قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِك، وَرَحْمَتَك، وَبَرَكَاتِك عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك: إمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ".
وَلَا يَحْضُرُنِي إسْنَادَ هَذَا الْأَثَرِ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي إلَى السَّاعَةِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ «كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ» بَلْ أَحَادِيثُ السُّنَنِ تُوَافِقُ أَحَادِيثَ الصَّحِيحَيْنِ، كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلُ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُومِنِينَ، وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ تُسَلِّمُونَ عَلَيَّ» .
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ سَلَكَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا وَيَعْمَلُهَا بِأَلْفَاظٍ مُتَنَوِّعَةٍ - وَرُوِيَتْ بِأَلْفَاظٍ مُتَنَوِّعَةٍ - طَرِيقَةً مُحْدَثَةً بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَاسْتَحَبَّ ذَلِكَ، وَرَأَى ذَلِكَ أَفْضَلَ مَا يُقَالُ فِيهَا.
مِثَالُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . قَدْ رُوِيَ " كَثِيرًا " وَرُوِيَ " كَبِيرًا " فَيَقُولُ هَذَا الْقَائِلُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ " كَثِيرًا، كَبِيرًا ". وَكَذَلِكَ إذَا رُوِيَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَرُوِيَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» وَأَمْثَالُ ذَلِكَ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مُحْدَثَةٌ لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَطَرْدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ يَذْكُرَ التَّشَهُّدَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَأْثُورَةِ، وَأَنْ يُقَالَ: الِاسْتِفْتَاحُ بِجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَأْثُورَةِ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْتَحِبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، بَلْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ، فَهُوَ بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ، فَاسِدٌ فِي الْعَقْلِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ تَنَوُّعَ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ كَتَنَوُّعِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ مِثْلَ (تَعْلَمُونَ) وَ (يَعْلَمُونَ) وَ (بَاعَدُوا) وَ (بَعُدُوا) وَ (أَرْجُلِكُمْ) وَ (أَرْجُلِكُمْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْقَارِئِ عِبَادَةً وَتَدَبُّرًا خَارِجَ الصَّلَاةِ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْحُرُوفِ، إنَّمَا يَفْعَلُ الْجَمْعَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِيَمْتَحِنَ بِحِفْظِهِ لِلْحُرُوفِ، وَتَمْيِيزِهِ لِلْقِرَاءَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا.
وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي كُلِّ الْقِرَاءَةِ الْمَشْرُوعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ تِلْكَ الْحُرُوفِ، وَإِذَا قَرَأَ بِهَذِهِ تَارَةً وَبِهَذِهِ تَارَةً كَانَ حَسَنًا، كَذَلِكَ الْإِذْكَارُ إذَا قَالَ تَارَةً " ظُلْمًا كَثِيرًا " وَتَارَةً " ظُلْمًا كَبِيرًا " كَانَ حَسَنًا. كَذَلِكَ إذَا قَالَ
تَارَةً " عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " وَتَارَةً " عَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ " كَانَ حَسَنًا. كَمَا أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ إذَا تَشَهَّدَ تَارَةً بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَتَارَةً بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَارَةً بِتَشَهُّدِ عُمَرَ كَانَ حَسَنًا، وَفِي الِاسْتِفْتَاحِ إذَا اسْتَفْتَحَ تَارَةً بِاسْتِفْتَاحِ عُمَرَ، وَتَارَةً بِاسْتِفْتَاحِ عَلِيٍّ، وَتَارَةً بِاسْتِفْتَاحِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ حَسَنًا.
وَقَدْ احْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى جَوَازِ الْأَنْوَاعِ الْمَأْثُورَةِ فِي التَّشَهُّدَاتِ وَنَحْوِهَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، فَاقْرَءُوا بِمَا تَيَسَّرَ» قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ رُخِّصَ فِي قِرَاءَتِهِ سَبْعَةُ أَحْرُفٍ، فَغَيْرُهُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَوْلَى أَنْ يُرَخَّصَ فِي أَنْ يُقَالَ عَلَى عِدَّةِ أَحْرُفٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدَهَا، أَوْ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، لَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي آنٍ وَاحِدٍ؛ بَلْ قَالَ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، إذَا كَانَ قَدْ قَالَهُمَا.
وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي لَفْظٍ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ قَالَهُمَا، أَوْ يُمْكِنُ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنَّ أَحَدَ الرَّاوِيَيْنِ حَفِظَ اللَّفْظَ دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا يَجِيءُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ " كَبِيرًا " " كَثِيرًا ". وَأَمَّا مِثْلُ قَوْلِهِ:" وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " وَقَوْلِهِ فِي الْأُخْرَى " وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ " فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً؛ وَلِهَذَا احْتَجَّ مَنْ احْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى تَفْسِيرِ الْآلِ [أَيْ آلِ مُحَمَّدٍ]، وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعَلَى هَذَا فَفِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا: لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ.
وَالثَّانِيَةُ: هُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ: " وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُهُ فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] وَقَدْ دَخَلَتْ
سَارَةُ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى امْرَأَةَ لُوطٍ مِنْ آلِهِ فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهَا فِي الْآلِ، وَحَدِيثُ الكسا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى:" هُوَ مَسْجِدِي هَذَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ أَيْضًا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَكَمَا أَنَّ أَزْوَاجَهُ دَاخِلَاتٌ فِي آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دُخُولَ أَزْوَاجِهِ فِي آلِ بَيْتِهِ أَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ مَوَالِيهِنَّ لَا يَدْخُلُونَ فِي مَوَالِي آلِهِ بِدَلِيلِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَرِيرَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ، وَنَهْيُهُ عَنْهَا أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَآلَ الْمُطَّلِبِ هَلْ هُمْ مِنْ آلِهِ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا: إنَّهُمْ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسُوا مِنْهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أُمَّتُهُ أَوْ الْأَتْقِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَهَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إنْ صَحَّ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ يَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، وَتَمَامُ هَذِهِ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٌّ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَحْيَانًا " وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " وَكَانَ يَقُولُ أَحْيَانًا: " وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ " فَمَنْ قَالَ أَحَدَهُمَا، أَوْ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، فَقَدْ أَحْسَنَ. وَأَمَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ.
ثُمَّ إنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا، فَإِنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ بَدَلٌ عَنْ الْآخَرِ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَمَنْ تَدَبَّرَ مَا يَقُولُ وَفَهِمَهُ عَلِمَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ: لَفْظُ آلِ فُلَانٍ إذَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَخَلَ فِيهِ فُلَانٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33]
وَقَوْلِهِ: {إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] وَقَوْلِهِ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] . وَقَوْلِهِ: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» .
وَكَذَلِكَ لَفْظُ: " أَهْلَ الْبَيْتِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ دَاخِلٌ فِيهِمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ. الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلُ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ» الْحَدِيثَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْآلِ " أَصْلُهُ أَوْلُ، تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، فَقِيلَ: آلُ، وَمِثْلُهُ بَابٌ، وَنَابٌ. وَفِي الْأَفْعَالِ قَالَ وَعَادَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أَصْلُهُ أَهْلٌ قُلِبَتْ الْهَاءُ أَلِفًا فَقَدْ غَلِطَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَادَّعَى الْقَلْبَ الشَّاذَّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَ الْأَهْلِ يُضِيفُونَهُ إلَى الْجَمَادِ، وَإِلَى غَيْرِ الْمُعَظَّمِ، كَمَا يَقُولُونَ: أَهْلُ الْبَيْتِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْفَقِيرِ، وَأَهْلُ الْمِسْكِينِ وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى مُعَظَّمٍ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَئُولَ غَيْرَهُ، أَوْ يَسُوسُهُ فَيَكُونُ مَآلُهُ إلَيْهِ، وَمِنْهُ الْإِيَالَةُ: وَهِيَ السِّيَاسَةُ فَآلُ الشَّخْصِ هُمْ مَنْ يَئُولُهُ، وَيَئُولُ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَنَفْسُهُ هِيَ أَوَّلٌ وَأَوْلَى مَنْ يَسُوسُهُ، وَيَئُولُ إلَيْهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَفْظُ آلِ فُلَانٍ مَتْنًا وَلَا لَهُ، وَلَا يُقَالُ هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ، بَلْ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يَئُولُهُ، فَلِهَذَا جَاءَ فِي أَكْثَرِ الْأَلْفَاظِ «كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا " إبْرَاهِيمَ " نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَسَائِرُ أَهْلِ بَيْتِهِ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ تَبَعًا. وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ هَذَا، وَهَذَا تَنْبِيهًا عَلَى هَذَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قِيلَ: «صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» ، فَذَكَرَ هُنَا مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ هُنَاكَ لَفْظَ " آلِ إبْرَاهِيمَ، أَوْ إبْرَاهِيمَ ".
قِيلَ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَفِي مَقَامِ الْخَبَرِ وَالْقِصَّةِ؛ إذْ قَوْلُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ " صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ " جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَالْجُمْلَةُ الطَّلَبِيَّةُ إذَا بُسِطَتْ كَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الطَّلَبِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ وَانْقَضَى، لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَلَمْ يُمْكِنْ فِي زِيَادَةِ اللَّفْظِ زِيَادَةُ الْمَعْنَى، فَكَانَ الْإِيجَازُ فِيهِ وَالِاخْتِصَارُ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَحْسَنَ؛ وَلِهَذَا جَاءَ بِلَفْظِ آلِ إبْرَاهِيمَ تَارَةً، وَبِلَفْظِ إبْرَاهِيمَ أُخْرَى؛ لِأَنَّ كِلَا اللَّفْظَيْنِ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَقَعَتْ وَمَضَتْ، إذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ الَّتِي وَقَعَتْ هِيَ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ صَلَاةٌ عَلَى إبْرَاهِيمَ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا مَعَ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ.
وَأَمَّا فِي الطَّلَبِ، فَلَوْ قِيلَ:" صَلِّ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ " لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، إذْ هُوَ طَلَبٌ وَدُعَاءٌ يَنْشَأُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ خَبَرًا عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ وَاسْتَقَرَّ، وَلَوْ قِيلَ: صَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، لَكَانَ إنَّمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ. فَقِيلَ: عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، وَبِالصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ.
ثُمَّ إنْ قِيلَ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي آلِهِ مَعَ الِاقْتِرَانِ، كَمَا هُوَ دَاخِلٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ خُصُوصًا وَعُمُومًا، وَهَذَا يَنْشَأُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْعَامُّ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَاصِّ يَتَنَاوَلُ الْخَاصَّ.
وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَضُرَّ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ خُصُوصًا تُغْنِي.
وَأَيْضًا فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى سَائِرِ الْآلِ إنَّمَا طُلِبَتْ تَبَعًا لَهُ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بِسَبَبِهِ طُلِبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ، وَهَذَا يَتِمُّ بِجَوَابِ السُّؤَالِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ:" كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ " يُشْعِرُ بِفَضِيلَةِ إبْرَاهِيمَ، لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَقَدْ أَجَابَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ ضَعِيفَةٍ.
فَقِيلَ: التَّشْبِيهُ عَائِدٌ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ:" صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ " كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُهُ:" وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ " كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَهَذَا
نَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَطْعًا لَا يَلِيقُ بِعِلْمِهِ وَفَصَاحَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ رَكِيكٌ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَفِيهِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ بُحُوثٌ لَا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ.
الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْنِ، قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْضُلُ عَلَى إبْرَاهِيمَ مِنْ وُجُوهٍ غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، أَوْ أَعْلَاهَا، وَمُحَمَّدٌ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فِيهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَاَللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ الْخَيْرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مُعَلِّمِي الْخَيْرِ، وَالْأَدِلَّةُ كَثِيرَةٌ لَا يَتَّسِعُ لَهَا هَذَا الْجَوَابُ.
الثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: آلُ إبْرَاهِيمَ فِيهِمْ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ لَيْسَ مِثْلُهُمْ فِي آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِذَا طُلِبَ مِنْ الصَّلَاةِ مِثْلَمَا صَلَّى عَلَى هَؤُلَاءِ حَصَلَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِإِبْرَاهِيمَ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ. وَهَذَا بَيِّنٌ؛ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي آلِ إبْرَاهِيمَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهِمْ، فَيَكُونُ قَوْلُنَا: كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ مُتَنَاوِلًا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت: 27] ، ثُمَّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خُصُوصًا بِقَدْرِ مَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ مَعَ سَائِرِ آلِ إبْرَاهِيمَ عُمُومًا، ثُمَّ لِأَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَالْبَاقِي لَهُ، فَيُطْلَبُ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ أَعْظَمُ مِمَّا لِإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَلَهُ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَلَهُ أَكْثَرُ