الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي السُّنَن عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى» .
وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الصَّمْتِ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَضَائِلِ التَّكَلُّمِ بِالْخَيْرِ وَالصَّمْتُ عَمَّا يَجِبُ مِنْ الْكَلَامِ حَرَامٌ، سَوَاءٌ اتَّخَذَهُ دِينًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ تُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُبْغِضَ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتُبِيحَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُحَرِّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
[مَا فِي الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ]
358 -
28 - وَسُئِلَ رحمه الله عَمَّا فِي الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ؟
فَأَجَابَ: أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ سَوَّلَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فِي أَوَاخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى، وَهُوَ الْخَمِيسُ، الْحَقِيرُ مِنْ الْهَدَايَا، وَالْأَفْرَاحِ، وَالنَّفَقَاتِ، وَكِسْوَةِ الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ مِثْلَ عِيدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا الْخَمِيسُ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى: فَجَمِيعُ مَا يُحْدِثُهُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ النِّسَاءِ، وَتَبْخِيرُ الْقُبُورِ وَوَضْعُ الثِّيَابِ عَلَى السَّطْحِ، وَكِتَابَةُ الْوَرَقِ وَإِلْصَاقُهَا بِالْأَبْوَابِ، وَاِتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا لِبَيْعِ الْخُمُورِ وَشِرَائِهَا وَرَقْيِ الْبَخُورِ مُطْلَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ قَصْدِ شِرَاءِ الْبَخُورِ الْمَرْقِيِّ، فَإِنَّ رَقْيَ الْبَخُورِ وَاِتِّخَاذَهُ قُرْبَانًا هُوَ دِينُ النَّصَارَى، وَالصَّابِئِينَ. وَإِنَّمَا الْبَخُورُ طِيبٌ يُتَطَيَّبُ بِدُخَانِهِ، كَمَا يُتَطَيَّبُ بِسَائِرِ الطِّيبِ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُهُ بِطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صَبْغِ الْبَيْضِ.
وَأَمَّا الْقِمَارُ بِالْبَيْضِ، وَبَيْعُهُ لِمَنْ يُقَامِرُ بِهِ، أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُقَامِرِينَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ أَخْذِ وَرِقِ الزَّيْتُونِ، أَوْ الِاغْتِسَالِ بِمَائِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ
ذَلِكَ مَاءُ الْمَعْمُودِيَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَرْكُ الْوَظَائِفِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الصَّنَائِعِ، وَالتِّجَارَاتِ. أَوْ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ، وَاِتِّخَاذُهُ يَوْمَ رَاحَةٍ وَفَرْحَةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ عَنْ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانُوا يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الذَّبْحِ بِالْمَكَانِ إذَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ فِيهِ. وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ - بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ، وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ - كَمَا لَا يَتَشَبَّهُ بِهِمْ، فَلَا يُعَانُ الْمُسْلِمُ الْمُتَشَبِّهُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ، بَلْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ.
فَمَنْ صَنَعَ دَعْوَةً مُخَالِفَةً لِلْعَادَةِ فِي أَعْيَادِهِمْ لَمْ تَجِبْ دَعْوَتُهُ، وَمَنْ أَهْدَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَدِيَّةً فِي هَذِهِ الْأَعْيَادِ مُخَالِفَةً لِلْعَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لَمْ تُقْبَلْ هَدِيَّتُهُ، خُصُوصًا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ، مِثْلُ إهْدَاءِ الشَّمْعِ وَنَحْوِهِ فِي الْمِيلَادِ، وَإِهْدَاءِ الْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَالْغَنَمِ فِي الْخَمِيسِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي آخَرِ صَوْمِهِمْ، وَهُوَ الْخَمِيسُ الْحَقِيرُ. وَلَا يُبَايِعُ الْمُسْلِمُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُشَابَهَتِهِمْ فِي الْعِيدِ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْبَخُورِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه: وَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ مُنْكَرَاتِ دِينِ النَّصَارَى لَمَّا رَأَيْت طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ابْتَلَى بِبَعْضِهَا وَجَهِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّهَا مِنْ دِينِ النَّصَارَى الْمَلْعُونِ هُوَ وَأَهْلُهُ. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ. الَّذِي قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ السَّبْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى الْقُبُورِ، وَكَذَلِكَ يُبَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَخُورِ بَرَكَةً، وَدَفْعَ مَضَرَّةٍ، وَيَعُدُّونَهُ مِنْ الْقَرَابِينِ مِثْلَ الذَّبَائِحِ، وَيَرْقُونَهُ بِنُحَاسٍ يَضْرِبُونَهُ كَأَنَّهُ نَاقُوسٌ صَغِيرٌ وَبِكَلَامٍ مُصَنَّفٍ، وَيُصَلِّبُونَ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ. حَتَّى أَنَّ الْأَسْوَاقَ تَبْقَى مَمْلُوءَةً أَصْوَاتَ النَّوَاقِيسِ الصِّغَارِ، وَكَلَامُ الرَّقَّايِينَ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ بِكَلَامٍ أَكْثَرُهُ بَاطِلٌ، وَفِيهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ كُفْرٌ.
وَقَدْ أَلْقَى إلَى جَمَاهِيرِ الْعَامَّةِ أَوْ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَعْنِي بِالْعَامَّةِ هُنَا: كُلَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى فِقْهٍ وَدِينٍ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَلْقَى إلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا الْبَخُورَ الْمَرْقِيَّ يَنْفَعُ بِبَرَكَتِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالسِّحْرِ، وَالْأَدْوَاءِ وَالْهَوَامِّ، وَيُصَوِّرُونَ صُوَرَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ. وَيُلْصِقُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ زَعْمًا أَنَّ تِلْكَ
الصُّوَرَ الْمَلْعُونَ فَاعِلُهَا الَّتِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا هِيَ فِيهِ، تَمْنَعُ الْهَوَاءَ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ طَلَاسِمِ الصَّابِئَةِ. ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَلَغَنِي يَصْلُبُ بَابَ الْبَيْتِ، وَيَخْرُجُ خَلْقٌ عَظِيمٌ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى هَذَا يُبَخِّرُونَ الْقُبُورَ وَيُسَمُّونَ هَذَا الْمُتَأَخِّرَ الْخَمِيسَ الْكَبِيرَ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ الْخَمِيسُ الْمَهِينُ الْحَقِيرُ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا عُظِّمَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بِنِيَّةٍ يَجِبُ قَصْدُ إهَانَتِهِ، كَمَا تُهَانُ الْأَوْثَانُ الْمَعْبُودَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْلَا عِبَادَتُهَا لَكَانَتْ كَسَائِرِ الْأَحْجَارِ.
وَمِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ: أَنَّهُمْ يُوَظِّفُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ وَظَائِفَ أَكْثَرُهَا كَرْهًا؛ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ، يَجْتَمِعُ فِيهَا تَحْرِيمَانِ: أَكْلُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِقَامَةُ شِعَارِ النَّصَارَى، وَيَجْعَلُونَهُ مِيقَاتًا لِإِخْرَاجِ الْوُكَلَاءِ عَلَى الْمَزَارِعِ، وَيَطْبُخُونَ مِنْهُ وَيَصْطَبِغُونَ فِيهِ الْبَيْضَ، وَيُنْفِقُونَ فِيهِ النَّفَقَاتِ الْوَاسِعَةَ، وَيُزَيِّنُونَ أَوْلَادَهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ، بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ، وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ. وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ تَحْتَ السَّمَاءِ رَجَاءً لِبَرَكَةِ نُزُولِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا. فَهَلْ يَسْتَرِيبُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ أَنَّ شَرِيعَةً جَاءَتْ بِمَا قَدَّمْنَا بَعْضَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. لَا يُرْضَى مِنْ شَرْعِهَا بِبَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَاصُ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أَوْ شَابَهْتهمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ، فَيَوْمُ الْخَمِيسِ هُوَ عِيدُهُمْ، يَوْمُ عِيدِ الْمَائِدَةِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ يُسَمُّونَهُ عِيدَ الْفِصْحِ، وَعِيدَ النُّورِ، وَالْعِيدَ الْكَبِيرَ. وَلَمَّا كَانَ عِيدًا صَارُوا يَصْنَعُونَ لِأَوْلَادِهِمْ فِيهِ الْبَيْضَ الْمَصْبُوغَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ يَأْكُلُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ، إذْ صَوْمُهُمْ هُوَ عَنْ الْحَيَوَانِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَعَامَّةُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُحْكَ قَدْ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، وَجَعَلَ لَهَا فِي قُلُوبِهِمْ مَكَانَةً وَحُسْنَ ظَنٍّ، وَزَادُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَنَقَصُوا وَقَدَّمُوا وَأَخَّرُوا وَكُلُّ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأَيَّامُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَابِهَهُمْ فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي وَصْفِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَكْسُونَ بِالْحُمْرَةِ دَوَابَّهُمْ. وَيَصْبُغُونَ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي لَا تَكَادُ تُفْعَلُ فِي عِيدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وَعَامَّتُهُمْ قَدْ نَسَوْا أَصْلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ عَادَةً مُطَّرِدَةً.
وَهَذَا كُلُّهُ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لِتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَإِذَا كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَلِيلِ ذَرِيعَةً وَوَسِيلَةً إلَى بَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ. كَانَتْ مُحَرَّمَةً، فَكَيْفَ إذَا أَفَضْت إلَى مَا هُوَ كُفْرٌ بِاَللَّهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِالصَّلِيبِ، وَالتَّعَمُّدِ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ الطُّرُقُ مُخْتَلِفَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ: إمَّا كَوْنُ الشَّرِيعَةِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ الْمُبَدَّلَيْنِ الْمَنْسُوخَيْنِ مُوَصِّلَةً إلَى اللَّهِ، وَإِمَّا اسْتِحْسَانُ بَعْضِ مَا فِيهَا مِمَّا يُخَالِفُ دِينَ اللَّهِ أَوْ التَّدَيُّنَ بِذَلِكَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْإِسْلَامِ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَارَكَةُ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك كَمَالُ مَوْقِعِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ. وَبَعْضُ حُكْمِ مَا شَرَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنْ مُبَايَنَةِ الْكُفَّارِ، وَمُخَالِفَتِهِمْ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ؛ لِتَكُونَ الْمُخَالَفَةُ أَحْسَمَ لِمَادَّةِ الشَّرِّ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَقْضِيَ لَهُمْ فِي عِيدِ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْطَعُ اسْتِشْرَافَهُمْ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَمَنْ أَغْضَبَ أَهْلَهُ لِلَّهِ أَرْضَاهُ اللَّهُ، وَأَرْضَاهُمْ.
فَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ مِنْ طَاعَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» .
وَأَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الْمُلْكَ وَالدُّوَلَ طَاعَةُ النِّسَاءِ. فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» . وَرُوِيَ أَيْضًا: «هَلَكَتْ الرِّجَالُ حِينَ أَطَاعَتْ النِّسَاءَ» . وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّهَاتِ الْمُومِنِينَ لَمَّا رَاجَعْنَهُ فِي تَقْدِيمِ
أَبِي بَكْرٍ: إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» . يُرِيدُ أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ شَأْنِهِنَّ مُرَاجَعَةُ ذِي اللُّبِّ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِي اللُّبِّ مِنْ إحْدَاكُنَّ» ".
وَلَمَّا «أَنْشَدَهُ الْأَعْشَى أَعْشَى بَاهِلَةَ - أَبْيَاتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ
جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا وَيَقُولُ: وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ» .
وَلِذَلِكَ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى زَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ إلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ زَوْجَتِهِ. وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي (بَابِ كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ. وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ يَوْمَ نَيْرُوزِهِمْ، وَمِهْرَجَانِهِمْ) - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ".
فَهَذَا عُمَرُ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ؟ أَلَيْسَتْ مُوَافَقَتُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَعْظَمُ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ فِي اللُّغَةِ؟ أَوَ لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ؟ ،، وَإِذَا كَانَ السَّخَطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ، فَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ؟
ثُمَّ قَوْلُهُ: «اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ» أَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ لِقَائِهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ فِيهِ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ عَمِلَ عِيدَهُمْ؟ ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي كَلَامٍ لَهُ: مَنْ صَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ وَمِهْرَجَانَهمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ: اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] . قَالَ: الشَّعَانِينُ، وَأَعْيَادُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ: فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
وَأَكْلُ ذَبَائِحِ أَعْيَادِهِمْ دَاخِلٌ فِي هَذَا الَّذِي اُجْتُمِعَ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ، بَلْ هُوَ عِنْدِي أَشَدُّ: وَقَدْ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ الرُّكُوبِ فِي السُّفُنِ الَّتِي تَرْكَبُ فِيهَا النَّصَارَى إلَى أَعْيَادِهِمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ، مَخَافَةَ نُزُولِ السَّخَطِ عَلَيْهِمْ بِشِرْكِهِمْ. الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} [المائدة: 51] . فَيُوَافِقُهُمْ وَيُعِينُهُمْ [فَإِنَّهُ مِنْهُمْ] .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ: إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ: مَا لَك قَاتَلَك اللَّهُ أَمَا سَمِعْت؟ ، اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51] . أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا؟ ، قَالَ: قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ، قَالَ: لَا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] . قَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْيَادَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ.