الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحقّق بائتلاف القلوب أنّه غراب جمع لا غراب بين. وأجلس، وأخرج هدنة الملك الظاهر المشمولة بخطّه، وأحضرنا نحن نسختها المدّخرة عندنا، وشوهد منها ما يسمح به الملك الظاهر و (ما)
(1)
فيه شحّ، وقوبل بها حرفا حرفا، وأوجبت موافقتها أن يقال: قوبل فصحّ. إلاّ أنّا لمّا وصلنا إلى مدينة عرقا (2)، وهي من أجلّ بلادهم وأعظمها نفعا قال له الصاحب فتح الدين صاحب الدّيوان: يا وزير، إلاّ أن هذه عرقا
(2)
لا ينسحب عليها حكم الهدنة.
ذكر السبب فيها
كان الملك الظاهر قد هادنهم
(3)
على شرط أن يقوموا بآلاف من الذّهب / 109 أ / وآلاف من الأسرى المسلمين، وتوجّه الأمير سيف الدين بلبان الرومي الدوادار لقبض الذهب وتسليم الأسرى، فأقام عندهم ستّة أشهر وهم يخاتلونه ويراوغونه ويدافعونه انتظارا للغرضيّات، وهي عادتهم - لعنهم الله تعالى. . فتحيّل الأمير سيف الدّين إلى أن حضر إلى الملك الظاهر هاربا، فأوقع الملك الظاهر الحوطة على هذه عرقا من أوّل الهدنة وإلى أن مات
(4)
.
فلمّا قيل للوزير غراب: إنّ هذه عرقا لا تدخل في الهدنة، فهم الصورة، وأخذ في المحاججة عنها، وأنّ التأخير إنّما كان ليحصل المال وتحضر الأسرى من البلاد.
فقال له صاحب الدّيوان: كنتم سيّرتموهم في السنة الثانية أو الثالثة أو الرابعة!
فلمّا لم يجد له مخرجا من أمره ولا موضعا لمكره وافق على أن يؤدّوا المال والأسرى، وقال: نريد مرسومكم بأن نحاسب على ما قبضه الملك الظاهر من هذه عرقا في مدّة عشر سنين، علما منه بأنه يفضل لهم لا عليهم.
(1)
كتبت فوق السطر.
(2)
ضبطها المؤلّف هكذا بفتح العين المهملة وسكون الراء، ثم قاف وألف ممدودة، وهي عند ياقوت الحموي في (معجم البلدان) بكسر العين وسكون الراء، وآخرها هاء مربوطة. وكانت عرقة تعتبر عاصمة إقليم عكّار وقاعدته. وهي مندثرة الآن. بالقرب من مدينة حلبا شماليّ طرابلس.
(3)
في شهر محرّم 674 هـ. / 1276 م. أنظر: الروض الزاهر 447، ونهاية الأرب 30/ 344، وعقد الجمان - المخطوط - ج 20 ق 4 / ورقة 597.
(4)
حسن المناقب، ورقة 112 ب.
فانزعج عليه صاحب الديوان / 109 ب / المذكور. واستفهم مولانا السلطان الصورة، فجذب عليه النّمشاه
(1)
وكاد أن يأخذ رأسه.
فقلت - وكان أكبر أمراء المشور وهو الأمير علاء الدين طيبرس
(2)
الوزيري يسمعني -: نحن في مجلس تحاكم وتناصف وتشارع، لا مجلس حرج. ولما قاله جواب.
فقال لي: وما جوابه؟
فقلت: إذا رسم مولانا السلطان جاوبته وحاججته. فرسم لي.
فقلت له: يا غراب، إنّما احتاط الملك الظاهر على هذه عرقا نكاية لكم، لا أن يرفق بكم، ويأخذ المال مقسّطا. ثمّ إن العوامل بهذه البلدة والتقاوى
(3)
والفلاّحين منه لا منكم، وبنوّابه لا بنوّابكم، وأرضها مملوكة له بالسيف، لا بل والكلّ، لأنّ الهدنة قد فسدت بإخلافكم بالشرط، وإنّما هو أبقى عليكم بأخذ البعض، وقابلت
(4)
فاسده بالصّالح، وإن كان مقابلة الفاسد (بالفاسد)
(5)
من وجوه النظر. واندفعت عليه اندفاع السّيل فبهت الذي كفر. فوافق، وما نافق.
واستقرّت الهدنة على هذا الشرط
(6)
.
وأمر مولانا السلطان الأ (مير)
(7)
سيف الدين بلبان الرومي الدوادار أن يتوجّه لتحليف الإبرنس وقبض المال، وأن أتوجّه معه / 110 أ / فتنصّلت لأمرين:
أحدهما: متابعة أمر قريبي صاحب الدّيوان في أن لا أفارقه.
والآخر: الفكرة في العقبى والمآل
(8)
.
(1)
النمشاه - النمجاه: سيف لطيف خاص بالملك أو السلطان.
(2)
هو الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري الصالحي النجمي، كان من الأمراء الأكابر المشهورين بالخير والشجاعة. لازم صحبة الملك الظاهر قبل أن يملك وبعد أن ملك. له أوقاف للبرّ بمصر والشام. توفي سنة 689 هـ. (تالي وفيات الأعيان 93 رقم 138).
(3)
التقاوى: الغلال، من حبوب ومزروعات وبقول وغيرها.
(4)
قابلت - واجهت. والمتحدّث هنا هو المؤلّف.
(5)
عن الهامش.
(6)
في شهر ربيع الأول سنة 680 هـ. تمّوز (يوليو) 1281 م.
(7)
كتبت فوق السطر.
(8)
حسن المناقب، ورقة 112 ب - 114 ب.