الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولمّا قوي ذلك في عزم مولانا السلطان، ورأى أنّه من تمام الإحسان، عهد إليه بما عهد إليه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد
(1)
من السلطنة المنيفة، والمملكة التي بها أماير السعادة مطيفة. وفوّض له كلّما هو مفوّض إليه من حلّ وعقد، ومؤجّل ونقد، وأوامر ونواهي، وحكم وإحكام، ونقض وإبرام، وتولية وعزل، وجدّ ولا هزل، فاقول
(2)
وهزل. وجعل له أن يكتب الكتائب، وينجح المطالب، ويعطي ويمنع، ويصل ويقطع، ويشرّف المراسيم بقلمه، ويشنّف الأسماع بممتع كلمه. كلّ ذلك حسبما فوّضه إليه أمير المؤمنين. وجعل له تفويضه، وفرضه له علما منه أنه نعم المولى في أداء كلّ سنّة وفريضة. وقرن اسمه باسمه واسم أمير المؤمنين على رؤوس المنابر، ونوّه من قدره إذ جعله له أعظم موازر.
وجلس مولانا السلطان / 119 ب / بالإيوان الكبير المجاور لجامع القلعة للتحليف لولده، وجلست بين يديه للتحليف، فلم يبق من لا حلف
(3)
. وظنّ مولانا السلطان أنّ ولده هذا يكون له خلفا فكان هو لولده الخلف.
ذكر اخترام الأيام بمولانا السلطان الملك الصالح هذا
ولمّا استقرّ أمر سلطنته، ودانت أيام مملكته، وكان لوالده مولانا السلطان
(1)
تولّى الخلافة أربعين سنة، وتوفي سنة 701 هـ. وهو أول خليفة عبّاسي يدفن في مصر. أنظر عنه في: البداية والنهاية 13/ 233، 234، ودول الإسلام 2 / ج 167، والعبر 5/ 263، والوافي بالوفيات 6/ 317 رقم 2819، والجوهر الثمين 1/ 229، 230، والدرر الكامنة 1/ 119، 120 رقم 332، والدرّ الفاخر 87، 79، والمنهل الصافي 2/ 79، 80 رقم 253، والنجوم الزاهرة 7/ 118، والدليل الشافي 1/ 73 رقم 251، والسلوك ج 1 ق 3/ 919، ودرّة الأسلاك 1 / ورقة 155، وزبدة الفكرة (مخطوط) 9 / ورقة 230 ب، والتحفة الملوكية 162، وعقد الجمان (4) 188 - 190، وتاريخ الخلفاء 511 وما بعدها، وتاريخ ابن سباط 2/ 575، والإعلام بوفيات الأعلام 293، ومرآة الجنان 4/ 235، وشذرات الذهب 6/ 2، 3، ومآثر الإنافة 2/ 116 - 118، وتاريخ الأزمنة 283، والروض الزاهر 141 - 148، والمختصر في أخبار البشر 3/ 215، وذيل مرآة الزمان 2/ 186 - 192، والنزهة السنية 122، وتاريخ ابن خلدون 5/ 383، 415، وعيون التواريخ 20/ 266 و 287، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 320، وأخبار الدول 2/ 204 - 206.
(2)
الصواب: «فقول» .
(3)
بويع الصالح علاء الدين عليّ بن قلاوون بولاية العهد في شهر رجب، وقيل في 17 جمادى الآخرة سنة 679 هـ. أنظر: التحفة الملوكية 95، ونهاية الأرب 31/ 68، والسلوك ج 1 ق 2/ 869، وتاريخ ابن الفرات 7/ 186، والبداية والنهاية 13/ 292، والنهج السديد 320، والدرّة الزكية 238، والجوهر الثمين 2/ 94.
نعم العون، وأصبح وأمسى في حفدة حفظته في غاية الصّون، ورأى فيه من الكفاية ما أقرّ عينه، وقضى من الأمل دينه. فلم يكن بأسرع من أن جاءته منيّته، وخابت فيه أمنيّته، فمرض حتى لا يرجونه، وأخذ من مأمنه وغوائل الأيام لم تكن بالمأمونه. وحصل لمولانا السلطان عليه من القلق ما أعدم النوم وأوجد الأرق، وكانت مرضته دوزنطاريّة كبديّة، واقتضى الطبّ أن يعالج بشراب الياقوت الأحمر. / 120 أ / فمن حذر مولانا السلطان عليه نزع من يده خاتما، وأمرهم بأخذ فصّه، وهو ياقوت بهرمان مسح المعدن. قيل إنّ قيمته عشرة آلاف دينار عينا، فصخن
(1)
للوقت، ولا والله ما أغنى.
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
…
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
ولم يزل مولانا السلطان يفديه، بالمعوّذات يرقيه، ويبدي عليه من الهلع ما لا يستنكف أن يعيده ويبديه. فلمّا فرط فيه ما فرط، وكان له رحمه الله نعم الفرط. سكن إلى الصبر والجلد، واحتسب في جنب الله تعالى ما رزئه في هذا الولد.
وما أحقّه بما قيل:
إنّما أجزع ممّا أبقى
…
فإذا حلّ فما لي والجزع
وخرج مولانا السلطان من عنده مودّعا، وغدى
(2)
لذخيرته عند الله مودعا. ولم يلمّ حتى ولا بذكره جهرا، ولا بفكره إلاّ بالدّعاء له والترحّم سرّا.
/ 120 ب / والحزن للخود ليس الحزن للرجل
ولم يصل إلى قبره، ولا شبهة في أنّ الله بالصّبر عنه جعل له مخرجا من أمره. ودفن بخطّ مشهد السّيّدة نفيسة. واحتفلت نوّاب مولانا السلطان بإقامة عزائه، وحصّته من البرّ بوافر أجزائه
(3)
.
(1)
في الأصل: «فصحى» بالحاء المهملة، والإثنان غلط. والصواب:«فسخن» .
(2)
الصواب: «وغدا» .
(3)
توفي الصالح علاء الدين عليّ بن قلاوون يوم الجمعة 4 شعبان 687 هـ. أنظر عنه في: المختصر في أخبار البشر 4/ 22، والمختار من تاريخ ابن الجزري 327، وتاريخ ابن الوردي 2/ 234، والبداية والنهاية 13/ 312، وعيون التواريخ 21/ 428، وتذكرة النبيه 1/ 115، ودرّة الأسلاك 1 / ورقة 81، 82، والجوهر الثمين 2/ 98. والدرّة الزكية 282، والتحفة الملوكية 119، ونهاية الأرب 31/ 159، والنجوم الزاهرة 7/ 320، وعقد الجمان (2) 377، 378، وتاريخ ابن سباط 1/ 490، وتاريخ ابن الفرات 8/ 70.
وقلت فيه مرثيا:
حقّا أقول فلن يردّ مقالي
…
ممّا دهى واخيبة الآمال
وأجود بالدّمع المصون فيغتدي
…
بتواتر الهملان كالسلسال
وأخمّش الخدّين لطما مؤلما
…
بيمين ندب مسمع وشمال
وأنوح بالإعلان وهو محرّم
…
إلاّ على فقد العزيز الغالي
وأشقّ ممّا شقّ أثوابي وإن
…
ألفى بغير حلى التفجّع حالي
أوما علاء الدّين أضحى مودعا
…
لحدا رهين جنادل ورمال
مستوطنا دار الفناء برغمنا
…
متفرّدا عن صحبه والآل
يا قبره أصبحت سامي رتبة
…
أو ما أقام بك المقام العالي
/ 121 أ / وحويت منه فلذة الكبد الّذي
…
ربّي بدست تعزّز ودلال
أعليّ قد غادرتنا في مطلق
…
لمّا سكنت بموطن الأوحال
ما كان يخطر فقدك الموهي القوى
…
في خاطر منّا ولا في بال
كلاّ، ولا أن يغتدي بك عامرا
…
بطن الضرّيح ودست ملكك خال
ومنابر أضحى بها اسمك باسم
…
والدك المفدّى بالنفائس تالي
وصواهل كانت إذا وافيتها
…
أرخت أعنّتها من الإجلال
ودوابل كانت تقيك وحسبها
…
بعد الظّلال تطاعن الضلال
وسيوف نصركم تجرّد نصلها
…
لدفاعه عنكم بيوم نضال
وقسيّ نبل كم رمت أعداكم
…
أبدا
(1)
الزمان بصائبات نبال
أعزر علينا أن تكون مرثيا
…
بعد المديح بصادق الأقوال
أو أن نفوه بذكر موتك إنّه
…
ليسوء في التفصيل والإجمال
صبغت حدادا فيك أقلام غدت
…
تبكي بدمع مدادها الهطّال
وبغمّ وسوّدت الدويّ كآبة
…
أسفا لفوت العزّ والإقبال
/ 121 ب / لو تفتدى لفدتك حتى بالّذي
…
ما أن يجود به ذوو الإجلال
ولكانت الأموال فيك حقيرة
…
هيهات ما الأرواح كالأموال
لو كان يدفع عنك جيش أسرعت
…
لعلاء قدرك شامخات عوال
(1)
الصواب: أبدى».