الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله، ومتى وصل إلينا أحد من جهته (أعدناه إليه)
(1)
على هذا الحكم».
واستقرّ الحال على ذلك.
واتّفق أمر عجيب / 101 ب / بعد هذا الاستقرار في أمر الإمير علاء الدين الحرّاني نائبه.
ذكر ما اتّفق في أمر المذكور
.
كان هذا علاء الدّين ينوب عن الملك خضر، وكان شرة إلبا على مجاوري الكرك والمارّين ما بينها وبين غزّة، والمقوّى بجأشه وجيشه، والموافق على قلقه وطيشه.
وكان أمرنا مولانا السلطان فكتبنا إليه عدّة ملطّفات عن مولانا السلطان حاوية من الملاطفة ما لا عنه مزيد، مستجلبة له بالوعود التي هي بما يريد وفوق ما يريد. وما من ملطّف إلاّ ويعطف على ملطّف أمان، وملطّف منشور بإمرة الماية، وهو لا يزاد إلاّ غلظة، ولا يقف عند وعظ وتخويف وترهيب وتهديد ولا يسمع وعظه، وكلّما سيّر له قاصدا
(2)
أحضره بملطّفاته وفاء منه بزعمه.
فلمّا كان بعد استقرار هذه الموادعة، ولزوم حنوّ هذه المطاوعة، وحضور مولانا السلطان إلى ديار مصر، وردت بطاقة من الشوبك تتضمّن أنه / 102 أ / لمّا كان بتاريخ كذا وكذا وصل الأمير علاء الدين الحرّاني مقفّزا قاصدا الأبواب العالية، ومعه مملوك واحد، والفقيه زكيّ الدين صاحب
(3)
ديوان المكاتبات: بطّق
(4)
إلى نائب الشوبك وحذّره من أن تكون هذه حيلة على أخذ قلعة الشوبك بدخوله إليها، وأكّد عليه أن لا يمكّنه من الدخول إليها، ويعجّل بتجهيزه. فللوقت سرّح الطائر بهذا الرأي السعيد، وهذه الفكرة التي ما على صحّتها مزيد. فلم يك بأسرع من أن بطّق بوصول المذكور إلى غزّة، فزال التّوهّم، وحضر المذكور. فأقبل مولانا السلطان عليه وشرّفه وأمّره، وجعله من جملة سلاح داريّته.
فلم يكن بأسرع من أن ورد كتاب الملك خضر بطلبه بمقتضى شرح الموادعة
(1)
عن الهامش.
(2)
في الأصل: «قاصد» .
(3)
في الأصل: «قال الصاحب» ، والصواب ما أثبتناه.
(4)
بطّق: أي اكتب بطاقة ممّا يحمله طائر الحمام الزاجل.
المشروحة. فحين قرئ عليه، لم يلتفت إليه. وقال لصاحب ديوان مكاتباته المذكور: اكتب واعتذر إليه كما تعرف، واقطع حجّته بخبرتك. / 102 ب / فقال له: يا خوند ماذا أقول؟ ومتى لم يسيّر المذكور انتقض
(1)
الشرط. فقال مولانا السلطان: ما أعرف، وهذا ما أسيّره، ومتى حصل عن المذكور خروج عن الشرط كنت أنت السبب. فخرج وهو حاير في فكره، لا يعرف له مخرجا من أمره.
وحكى لي ولوالده الصورة وما قاله مولانا السلطان. ورأيت عنده تألّما. فعاودت قراءة كتاب الملك خضر الوارد بطلب المذكور. فإذا حجّة مولانا السلطان به قائمة، وأعذاره في عدم تسييره لازمة، لا بل حازمة، لا بل جازمة. والصورة التي ظفرت بها من كتابه هي:
«إنّ الأمير علاء الدين أيدغدي الحرّاني طلب من المملوك دستورا
(2)
ليخرج إلى بعض أغراضه، فخرج وقصد أبواب مولانا السلطان، والمملوك يسأل إنفاذه بمقتضى شرط كتابه».
هذه صورة كتابه.
وللوقت كتبت جوابه بما مثاله:
ونقلت نسخة كتابه بنصّه وسيّر إليه. فحين وقف عليه أسقط في يديه، وسكت عنه، ووجد له بدّا منه.
وحقيقة الأمر أنّ طلبه الدّستور كان (في الظاهر)
(3)
بسبب مطلب كان أنهي للملك خضر أنه خارج الكرك وطال العمل فيه، والغرامة عليه. وشمّ علاء الدين
(1)
في الأصل: «اتنقظ» .
(2)
دستور: كلمة فارسية معناها: قانون. دخلت العربية عن طريق الأتراك، كان يقصد بها في البداية: الكهنة من أتباع الديانة الزرادشتية. تطوّر مدلولها فيما بعد، ليصبح من معانيها: القاعدة الأساسية التي يقوم عليها الحكم في البلاد. ومن هذه القاعدة انبثقت القوانين والتشريعات. (القاموس الإسلامي 2/ 370) والمراد بالدستور هنا الإذن أو تصريح المرور والانتقال من مكان إلى آخر بموجب كتاب رسميّ موقّع من الأمير.
(3)
كتبها المؤلّف ثم وضع فوقها إشارة. وكأنه أراد حفظهما.
ممّن حول الملك خضر تغيّر نفس. فجعل طلب الدستور لأن يخرج ويستنهض عمّال هذا المطلب وسيلة إلى الحضور والخلاص. وما أمكن الملك خضر أن يذكر ذلك، بل وقف عند قوله لغرض.
هذه صورة أمره.
ولم يزل مولانا السلطان وافيا لهم بشرطه، واقفا عند قبض الكفّ الكفّ عنه (إلى أن قضى عدوانهم)
(1)
ببسطه، وأمتدّت أطماعهم، وتجاسرت أتباعهم، ونقضوا عهودهم، واستحقّوا موعودهم.
وبلغ مولانا السلطان سوء حالهم، ونفاذ مالهم، وسوء مآلهم، وأنّهم أصبحوا على الأرض / 103 ب / إلاّ أنها السودا، ووقعوا من الفاقة (على)
(2)
ما دونه (معضل)
(3)
الأدوا.
جرّد
(4)
مولانا السلطان نائبه المقرّ الحسامي طرنطاي
(5)
في شرذمة إلى الكرك بكتاب منه، مضمونه: أنه قد بلغنا ما أنتم فيه من ضائقة وضرورة هي على كلّ فاقة فائقة، وأنه لم يبق عندكم درهم ولا دينار، وأنّ حالكم قد آلت إلى ما لا يطاق معه القرار. وقد سيّرنا نائبنا، فتحضر أنت وأخوك ومن حولك معه، فقد جعلنا لكم من ضيق ما أنتم فيه من صدرنا ونعمتنا أعظم سعه، ولكم الأمان والوفاء بالأيمان على ما يقتضيه صدق الإيمان.
فحين وصل الأمير حسام الدين إلى الكرك سلّموها، ونزلوا إليه، فحين حضروا ركب مولانا السلطان لتلقّيهم، وعاملهم من التعظيم والتبجيل بما يجب لرعاية حقّ أبيهم. وأنزلهم بقلعة الجبل، وعاملهم بما الله عليه طبعه الجميل جبل
(6)
.
(1)
عن الهامش.
(2)
كتبت فوق السطر.
(3)
عن الهامش.
(4)
هكذا في الأصل، والصواب أن يقول:«فجرّد» .
(5)
هو الأمير حسام الدين طرنطاي المنصوري، كان من جملة مماليك الأمير سيف الدين قلاوون قبل سلطنته. وبعد سلطنته ولاّه النيابة عنه بمصر. وعندما تسلطن الأشرف خليل بن قلاوون أواخر سنة 689 هـ. قبض عليه وكان آخر العهد به. (تالي وفيات الأعيان 94).
(6)
في الأصل: «حبل» بالحاء المهملة.