الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقامة الأحزاب السياسية وتعددها
الحِزْب: يطلق على الجماعة فيها قوة وصلابة، وكل قوم تشاكلت أهواؤهم وأعمالهم، وحزب الرجل أعوانه وجمعه أحزاب (1).
والحزب: منظمة سياسية من الناخبين ورجال السياسة يعملون مجتمعين بغية الوصول إلى الحكم وتوجيه سياسة الدولة وإدارتها.
ويقصد بذلك إنشاء الأحزاب السياسية والموافقة على تعددها، وهي نازلة من النوازل التي قد جدت في هذا العصر وتتطلب حكمًا شرعيًّا لها.
الحكم الشرعي لذلك:
أولًا: يرى كثير من العلماء المعاصرين أنه لا يجوز إقامة الأحزاب السياسية وتعددها؛ لأن فيها تفريقًا للأمة، وممن قال بذلك أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى في السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وذلك في الفتوى رقم 1674 وتاريخ 7/ 10 / 1397 هـ؛ حيث جاء فيها لا يجوز أن يتفرق المسلمون في دينهم شيعًا وأحزابًا. ومنهم الشيخ محمَّد بن عثيمين حيث جاء عنه: ليس في الكتاب والسنة ما يبيح تعدد الجماعات والأحزاب بل فيه الذم لذلك (2).
ثانيًا: ويرى بعض العلماء ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا أنه يجوز إقامة الأحزاب السياسية وتعددها؛ لأن ذلك من باب السياسة الشرعية وعمل ما فيه مصلحة للأمة ودرء المضار عنها، وهذا أمر جديد لا ينطبق عليه ما ورد من الذم للتفرق.
(1) المعجم الوسيط مادة (حِزْب).
(2)
الصحوة الإسلامية: ضوابط وتوجيهات (ص: 154).
الأدلة:
يستدل كل من المانعين والمجيزين بأدلة وأسباب متعددة وذلك وفقًا للآتي:
أولًا: يستدل المانعون بما يأتي:
1 -
أن الأحزاب لم تذكر في النصوص الشرعية إلا مقترنه بالذم والوعيد وأشير إلى جماعة المسلمين بصيغة الفرد على أنهم حزب واحد وذلك في موضعين اثنين من القرآن الكريم قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
2 -
ورود الأدلة التي تنهي عن التفرق وتحض على الاجتماع، ومنها قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].
وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. . .} [آل عمران: 103].
3 -
ورد في السنة ما يدعوا إلى الجماعة ويذم الفرقة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة"(1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع والطاعة، والجهاد في سبيل الله، والهجرة والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى بدعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل يا رسول الله: وإن صلى وصام؟ فقال: "وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله"(2).
(1) مسند الإمام أحمد 4/ 278.
(2)
أخرجه الترمذيُّ في باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب ورقمه (2863).
ثانيًا: ويستدل المجيزون بما يأتي:
1 -
أن التفرق المذموم إنما هو في الدين، أما إقامة الأحزاب فهي في الأمور الفرعية التي لا ضير في الخلاف فيها والبحث عن الأفضل، وقد ورد مثل ذلك في المذاهب الفقهية المعتبرة، فهم يتفقون على الأصول ويختلفون في الفروع بحثًا عما يرون أنه الأولى من حيث الدليل أو القواعد الشرعية التي يبنى عليها ومن ذلك المصالح المرسلة.
2 -
إن إقامة الأحزاب وغيرها من التنظيمات ليست من الأمور التعبدية، وإنما هي من العادات، والأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد الشرع بمنعه وتحريمه.
3 -
أنه إذا أقيمت الأحزاب على أساس تحكيم شرع الله والعمل بما جاء فيه من أحكام، ويكون التنافس في عمل الأصلح مما يخدم المجتمع والأمة في مجالات الحياة والمبني على قاعدة المصالح المرسلة، فإنه بذلك يكون الاعتصام بكتاب الله والتمسك بسنته دون فرقة فتتحقق بذلك المصلحة وتنتفي المفسدة.
4 -
أن التعددية تؤدي إلى منع الاستبداد، وإلى منع الاضطرابات بما تشيعه من الاستقرار النسبي في الأوضاع السياسية وبما تتيحه للمعارضة من التعبير عن رأيها والمشاركة لإنفاذ برامجها، والواقع خير شاهد، إذ أن الاضطرابات والقلاقل تكون أقل في البلاد التي تنشأ فيها الأحزاب المبنية على أمور سليمة وصحيحة (1).
الرأي في الموضوع:
إن هذا الموضوع يعد نازلة، وكل من العلماء المعاصرين ينظر إليه من جوانب، وغيره ينظر إليه من جوانب أخرى، وهي أمور اجتهادية.
(1) المشاركة السياسية المشروعة مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- اللقاء الثالث 1427 هـ بحث أعد من د. الدكتور صلاح الصاوي.
وقد يصلح لبلد ما لا يصلح لغيره من التنظيمات والأمور السياسية، وعليه فإنا نرى أن من يحكم في ذلك إنما هو أهل الحل والعقد من العلماء والحكماء في كل بلد، ويقدرون ما فيه مصلحته فيأخذون به، ويبتعدون عما فيه مفسدة تضر بمجتمعهم وأمتهم، وفي المملكة العربية السعودية فقد رأى علماؤها أنه لا يجوز إقامة الأحزاب لمبررات ذكروها، وهو الذي نؤيده والله أعلم.