الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة مثلها أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب، جارٍ على مقاصد الشريعة (1).
خامسًا: فقه الواقع المحيط بالنازلة:
هذا هو الضابط الخامس من الضوابط التي يحتاج إليها الناظر في النوازل قبل الحكم أو الفتيا في الواقعة وما يتعلق بها:
بيان المقصود بهذا الضابط، وما ينبغي مراعاته عند تغيّر الأزمنة أو الأمكنة:
1 -
المقصود بهذا الضابط:
يقصد بهذا الضابط أن يراعي الناظر في النوازل عند اجتهاده تغيّر الواقع المحيط بالنازلة سواءً كان تغيرًا زمانيًّا أو مكانيًّا، أو تغيرًا في الأحوال والظروف وعلى الناظر تبعًا لذلك مراعاة هذا التغير في فتواه وحكمه.
وذلك أن كثيرًا من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيمٌ أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم كان تدبيرًا أو علاجًا ناجحًا لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق.
ومن أجل هذا أفتى الفقهاء المتأخرون من شتى المذاهب الفقهية في كثير من المسائل بعكس ما أفتى به أئمة مذاهبهم وفقهاؤهم الأولون، وصرّح هؤلاء المتأخرون
(1) الموافقات (5/ 178).
بأن سبب اختلاف فتواهم عمن سبقهم هو اختلاف الزمان وفساد الأخلاق في المجتمعات، فليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وُجِدَ الأئمة الأولون في عصر المتأخرين، وعايشوا اختلاف الزمان وأوضاع الناس لعدلوا إلى ما قال المتأخرون.
قال ابن القيم: فصل: تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:
هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى مراتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل (1).
ثانيًا: ما ينبغي أن يراعيه الناظر عند تغيّر الأزمنة أو الأمكنة:
1 -
أن الأحكام الشرعية ثابتة لا تتغير بمرور الزمان ولا بتغير الأحوال وكون الحكم الشرعي يختلف من واقعة إلى واقعة بسبب تغير الزمان أو المكان أو الحال ليس معناه أن الأحكام مضطربة ومتباينة؛ بل لأن الحكم الشرعي لازم لعلته وسببه وجارٍ معه؛ فعند اختلاف أحوال الزمان والناس تختلف علة الحكم وسببه فيتغير الحكم بناءً عليه.
2 -
أن الفتوى لا تتغير بحسب الهوى والتشهي واستحسان العباد واستقباحهم، بل لوجود سبب يدعو المجتهد بإعادة النظر في مدارك الأحكام، ومن ثمَّ تتغير الفتوى تبعًا لتغير مدركها نتيجةً لمصالح معتبرة وأصول مرعية تُرَجَّح على ما سبق الحكم به.
(1) إعلام الموقعين (3/ 11).