الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الشرعي للأغذية النباتية والحيوانية المعدلة وراثيًّا:
إن موضوع الهندسة الوراثية يعد نازلة؛ حيث لم يكن موجودًا من قبل فلم يتناوله الفقهاء بالبحث والدراسة وبيان الحكم الشرعي له، وقد اختلف فقهاء العصر في حكمه إلى قولين:
1 -
يرى كثير من علماء العصر جواز التعديل الوراثي في النبات، ومن هؤلاء مفتي مصر سابقًا الدكتور نصر فريد واصل، والدكتور وهبه الزحيلي، والدكتور عبد الستار أبو غدة، حيث جاء عنه:"هذا التصرف في النبات لون من ألوان التنمية والتثمير لما سخر الله للإنسان"(1). وبذلك قال الشيخ ابن عثيمين حيث نقل عنه: أنا مبدئيًّا مع الاتجاه بإباحة الاستنساخ بالنسبة للنبات والحيوان" (2).
2 -
يرى بعض علماء العصر عدم جواز إجراء التعديل الوراثي في النباتات ومن هؤلاء الدكتور محمَّد سعيد البوطي، والدكتور على المحمدي حيث جاء عن البوطي قوله:"لا يجوز للإنسان التلاعب والتحكم بهندسة الجينات ومعايير المورثات"(3).
أدلة كل من الرأيين:
أولًا: أدلة الرأي الأول:
1 -
أن الله عز وجل سخر ما في الكون من النبات والحيوان والجماد للإنسان وتسهيل عيشه على الأرض، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وكل ما يعين الإنسان على الانتفاع بها أو يزيد فيه أو تحسينه فإنه يكون مشروعًا وفقًا لحاجة الإنسان.
2 -
إن في التعديل الوراثي مصالح معتبرة شرعًا؛ وذلك لأنها تسد حاجة الإنسان للغذاء.
(1) بحوث في الفقه الطبي (ص: 82) مجلة هدى الإسلام، الأردن، العدد العاشر مجلد (4) عام 1418 هـ.
(2)
مجلة الشريعة، الأردن العدد (379)، (ص: 45) عام 1997 م.
(3)
جريدة الثورة في سوريا عدد (245) 16/ 3 / 1997 م (ص: 5).
3 -
أن الأصل في الأشياء الإباحة، فالقول بجواز الهندسة الوراثية مبني على الأصل وهو الإباحة والجواز.
ثانيًا: أدلة الرأي الثاني:
1 -
إن الله جعل الإنسان خليفة في الأرض يعمل فيها ما ينفع ولا يضر، وفي القول بالهندسة الوراثية ضرر على الإنسان والبيئة والنبات والحيوان؛ ولهذا قلنا بمنعه.
2 -
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قوله: "لا ضرر ولا ضرار"(1)، والتعديل الوراثي فيه ضرر؛ فيمنع دفعًا للضرر (2).
الترجيح:
بدراسة أقوال المجيزين والمانعين نرى أنه يجوز العمل بالهندسة الوراثية في النبات والحيوان لتحسين الغذاء كمًّا ونوعًا ولكن بشروط وضوابط وهي:
1 -
أن يكون في القيام بها مصلحة حقيقية بحيث يترتب عليه زيادة في الغذاء كمًّا ونوعًا.
2 -
أن لا يترتب عليها ضرر أكبر من المصالح المستفادة منها؛ وذلك لأن الحكم الشرعي يدور مع المصالح والمفاسد، فمتى تحققت المصلحة وانتفت المضرة تعين القول بالجواز، ومتى وجدت المصلحة والمضرة معًا فينظر إلى الأغلب منهما، فيحكم بالجواز إذا كانت المصلحة راجحة، ويقال بالمنع إذا كانت المفسدة غالبة، وهذا هو ما يتمشى مع القواعد الشرعية في الحكم بالجواز أو المنع.
جاء في قواعد الأحكام: وإذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك، وإن تعذر الدرء والتحصيل؛ فإن كانت المفسدة
(1) سبق تخريجه (ص: 32، 36، 45).
(2)
الاستنساخ وأحكامه د. عبد الله المطلق (ص: 9)، وانظر: النوازل في الأطعمه بدرية مشعل الحارثي (2/ 809) دار كنوز اشبيليا.
أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة (1).
وجاء في الفتاوى لابن تيمية: فكل ما نفع فهو طيب، وكل ما ضر فهو خبيث، والمناسبة الواضحة لكل ذي لبٍّ أن النفع يناسب التحليل، والضرر يناسب التحريم، فإن التحريم يدور مع المضار وجودًا في الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها مما يضر، وعدمًا في الأنعام والألبان وغيرها (2).
وقد ذهب إلى القول بالجواز مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فقد جاء في قراره رقم (100 / د/ 10): يجوز شرعًا الأخذ بتقنية الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
وكذلك ذهب إلى القول بالجواز مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة فقد جاء عنه: "يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان شريطة الأخذ بكل الاحتياطات؛ لمنع حدوث أي ضرر ولو على المدى البعيد للإنسان أو الحيوان أو البيئة"(3).
(1) قواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام (1/ 74).
(2)
الفتاوى لابن تيمية (21/ 540).
(3)
جاء ذلك في البند (سادسًا) من القرار الذي أصدره المجلس في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1419 هـ.