الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم اشتراط التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية
نتيجة للتطور والتقدم الذي تعيشه البشرية وما صاحبه من توسع في المعاملات التجارية وعقود التوريد والمناقصات والمقاولات، بحيث أصبح يتم التعامل في بعضها مع شركات أجنبية، وما يترتب عليه من عقد اتفاقيات تبين ما لكل من الطرفين وما عليه، ومن ذلك طريقة حل النزاعات التي تحدث أثناء أو بعد التنفيذ، فقد يشترط في العقد أنه عند الخلاف يتم اللجوء إلى التحكيم أو القضاء في بلد معين كفرنسا أو بريطانيا مثلًا، وتجيز القوانين الدولية الاتفاق على مثل ذلك، لكن ما حكم الإقدام على هذا العمل في الشريعة الإِسلامية؟
الحكم الشرعي لاشتراط التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية:
للعلماء المعاصرين في ذلك قولان:
1 -
قول يرى حرمة النص في العقود على التحاكم إلى هذه القوانين، لكونها مخالفة لشرع الله، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على حرمة ذلك ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن عثيمين (1).
2 -
قول يرى أن التحاكم إلى غير شرع الله لا يجوز في حال السعة والاختيار، ولكن الحياة الآن تغيرت وتعددت جوانبها التجارية والاجتماعية، بحيث يتعذر على المسلم أن يجد نظامًا تجاريًا يتحقق به المقصود، ولذلك فإنه يجوز القبول بهذا الشرط وتنفيذ مقتضاه عند وجود ما يدعو لذلك استثناءً للضرورة أو الحاجة، ودليلهم آيات الاضطرار، والمسلم الذي يقبل محتاجًا أو مضطرًا بشرط التحاكم إلى القوانين الوضعية ظاهرًا مع عدم رضاه به في نفسه له مندوحة في ذلك.
(1) مجموع فتاوى ورسائل (6/ 161).
ويستندون في ذلك إلى بعض القواعد الفقهية ومنها:
المشقة تجلب التيسير، وقاعدة: إذا عم الحرام جاز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة.
وذكروا أن القول بمنع ذلك يؤدي إلى انسداد باب التعامل، وهو يفضي إلى مفسدة كبيرة لا تقرها الشريعة، وممن قال بالتحاكم عند الضرورة فقط الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:"ليس له أن يتحاكم إليهم إلا عند الضرورة، إذا لم يتيسر له الحصول على حقه إلا بذلك"(1).
وأفتت اللجنة الدائمة للفتوى في السعودية: "بعدم جواز التحاكم إلى القوانين الوضعية إلا عند الضرورة، إذا لم توجد محاكم شرعية"(2).
الترجيح:
نرى أنه لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية ولا غيرها، وأنه يجب على المسلم التحاكم إلى شريعة الله، وقد يضطر المسلم عند الوقوع في المشكلة إلى التحاكم إلى غير شريعة الله مما يساعده على أخذ حقه ومن ذلك:
1 -
أن تكون القضية في بلد لا يحكم بشرع الله، ولو لم يلجأ إلى محاكمها لضاع حقه، فله أن يلجأ إلى القضاء للحصول عليه.
2 -
أن يكون تنفيذ المشروع أو المقاولة في بلد لا يحكم الشرع الإِسلامي ونشأت مشكلة، فإن للمسلم أن يلجأ إلى القضاء لأخذ حقه إذا لم يدركه إلا بذلك.
وليس من الضرورة أن يتفق المسلم مع غيره من الشركاء أو الشركات على تنفيذ
(1) الفتاوى (23/ 214).
(2)
الفتوى رقم (19504) وانظر بحث في الموضوع د. حمزة بن حسين الفعر، وهو مقدم إلى مجمع الفقه الإِسلامي بالرابطة في دورته العشرين المنعقد عام 1432 هـ، (ص: 1 - 21).
عقد تجاري في بلد يحكم بالشريعة الإِسلامية ثم يقبل بالعقد ابتداء في أنه حال الخلاف سيتم حله وديًّا، فإن لم يحل فإنه يتم التحكيم أو التحاكم إلى القوانين الوضعية في بلد آخر كفرنسا أو غيرها.
ولكن على المسلم أن ينص على أن يكون التحكيم أو التحاكم عند وقوع الخلاف وهو في بلد إسلامي إلى الشريعة الإِسلامية عن طريق محاكمها وقضائها.
وبذلك يمكن الجمع بين أدلة القولين؛ القائلين بالمنع للأدلة والأسباب التي أوردوها، والمجيزين لأدلتهم ومبرراتهم، وتوجيه كل منها إلى حاله بعينها. والله أعلم.