الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق الإنسان في الإسلام
تعريف الحقوق في اللغة: قال الجوهري: الحق خلاف الباطل (1)، وقال الفيروز آبادي (2): الحق من أسماء الله تعالى أو من صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي والعدل، والموجود الثابت وهو واحد الحقوق، والحق هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
واصطلاحًا: هي مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص أو الأموال.
ويستحق الشخص تلك الحقوق بصفته إنسانًا، ويجب أن يتمتع بها منذ ولادته، فمن حق كل إنسان العيش بعزة وكرامة وحرية دون خوف من التعرض إلى الظلم والقمع والمهانة، وانتقاص أي حق منها يعتبر انتقاصًا من إنسانية الشخص وانتهاكًا لكرامته.
لقد سبقت الشريعة الإسلامية كافة المواثيق والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان في بيان تلك الحقوق وتطبيقها فنعمت الشعوب الإسلامية وغيرها بالعدل والحرية والمساواة.
إن حقوق الإنسان الصادرة من الهيئات الدولية إنما هي جهد بشري جاء متأخرًا عن إقرارها والعمل بها في الإسلام، وهي جهد مشكور ينبغي تطبيقه والالتزام به من كافة الدول دون تمييز، وتعد تلك الحقوق متماشية مع الشريعة الإسلامية فيما يحقق المصلحة ولا يعارض نصًّا شرعيًّا، وقد استفاد واضعوها من التعاليم الإسلامية ولا سيما إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وإن قانون نابليون الفرنسي قد تأثر في قواعده العامة ومبادئه بالفقه المالكي الذي كان منتشرًا في بلاد المغرب العربي التي كانت على تواصل مع فرنسا في ذلك العصر.
(1) مختار الصحاح للرازي مادة (حق).
(2)
القاموس المحيط للفيروز آبادي مادة (الحق)(3/ 221) دار الفكر بيروت.
وقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 15/ 12 / 1948 م عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجاء في ثلاثين مادة لا تتعارض مع ما جاء به الإسلام من مبادئ وقواعد إلا في ناحيتين إحداهما: ما جاء في المادة السادسة عشرة رقم (1) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزويج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.
وذلك في قوله: "وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين"؛ ذلك أن الإسلام لا يجيز زواج المسلمة بغير المسلم، لما للزواج من تأثير على دين الزوجة عقيدة وشريعة، ولما للزوج من حقوق على زوجته قد تؤدي إلى الإخلال بحق الله. كما أن المسلم لا يجوز له الزواج بغير المسلمة والمحصنة من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فلا يجوز زواجه من امرأة تعتنق أي دين أو نحلة غير ذلك؛ لما يؤدي إليه ذلك من التأثير على الأولاد عقيدة وسلوكًا والتزامًا بشعائر الإسلام.
وثانيتهما: هو ما جاء في المادة الثامنة عشرة وهي: قوله: "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته
…
" إلى آخر ما جاء فيها.
وهي قد أعطت الحق للشخص في تغيير دينه أو عقيدته، وهذا مخالف للإسلام؛ حيث إن الإسلام يتيح الدخول إليه بالرغبة دون إكراه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
ودخوله يعني قناعته بدين الإسلام، فإذا فعل ذلك فإنه لا يجيز له تركه بعد أن عرفه واقتنع فيه بل يعتبر مرتدًّا تطبق عليه أحكام الردة.
وهذه الصرامة والحزم مع من دخل في الإسلام تجعله يفكر كثيرًا ويتأنى عند دخوله في الإسلام، فلا يقدم عليه إلا عن قناعة تامة ولو ترك الأمر كما جاء في المادة المذكورة لأصبح التدين لعبة يتخذها المرء متى شاء ويتركها متى شاء، ولما لهذا الارتداد من تأثير على عامة الناس من تشكيكهم في دينهم وعقيدتهم كما جاء عن اليهود في أول
الإسلام: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].
قال ابن سعدي: أي ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه لعلهم يرجعون عن دينهم فيقولون: لو كان صحيحًا لما خرج منه أهل العلم والكتاب.
وكذلك قوله في عجز المادة: "وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة". حيث أجاز النص إقامة شعائر الدين أي دين، جماعة، وذلك غير جائز في جزيرة العرب؛ لأن التوجيه النبوي الكريم الذي رواه مالك (1) عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب". فهي مركز الإسلام وخاصته، فلا يجوز أن تقام فيها الشعائر جماعة غير شعائر الإسلام، كما أن الفاتيكان لا يقام فيها غير دين النصارى.
(1) رواه مالك في الموطأ (1651)، ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 272).