الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المصارف، أو من الأفراد، ومثل اعتيادهم الميسر كاليانصيب، وغير ذلك مما تكون فيه المراهنة على المال ونحو ذلك من العادات والأعراف التي تصادم الشريعة فلا عبرة بهذا كله.
وبهذا يتبين لنا أن مراعاة العوائد والأعراف المتعلقة بالأشخاص والمجتمعات عند النظر والاجتهاد أمر مهم ومطلب ضروري لا بد منه لكل مجتهد ومفتٍ، وهو في عصرنا الحاضر آكد لتشعب الناس في البلاد الواسعة المختلفة الظروف والعوائد، وتيسر وسائل الاتصال الحديثة للانتقال إلى مكان المفتي أو سماعه؛ مما يجب عليه أن لا يطلق الجواب حتى يعرف أعراف السائلين وما يليق بهم من أحكام الشرع.
وليحذر من إطلاق الفتاوى معممة دون تخصيص ما يحتاج منها إلى تخصيص بسبب ظروف السائل وعوائده، وخاصة إذا كانت شريحة المتلقي أو المستمع لهذه الفتوى واسعة الانتشار في أكثر من بلد كما هو الحاصل في برامج الفتيا في الإذاعة والتلفاز.
سابعًا: الوضوح والبيان في الإفتاء:
وهذا الضابط مهم في تبليغ الحكم المتعلق بالنازلة، فلا يكفي الإخبار وحده بحكم الواقعة، بل لا بد أن يكون ذلك الإخبار واضحًا بينًا لا غموض فيه ولا إبهام فيه، وألا يفضي إلى الاضطراب والاختلاف في معرفة المعنى المقصود بالفتوى. قال ابن القيم: لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبين بيانًا مزيلًا للإشكال متضمنًا لفصل الخطاب، كافيًا في حصول المقصود لا يحتاج معه إلى غيره، ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة في المواريث فقال: يقسم على الورثة على فرائض الله عز وجل وكتبه فلان، وسئل آخر عن صلاة الكسوف فقال: يصلي على حديث عائشة. . . وسئل آخر فقال: فيها قولان ولم يزد. . (1).
(1) إعلام الموقعين (4/ 136).
ويدخل ضمن هذا الأدب أن يخاطب الناس بما يفهمون من الكلام فالملاحظ عند بعض أهل العلم التزام لهجة عامية لا يتكلم بها إلا بعض أهل البلاد الإِسلامية، وقد يكون السائل من بلاد أخرى لا يفهم هذه اللهجة ولا يعرف مقصد الشيخ من خطابه.
وقد يكون هذا الشيخ يفتي على الملأ أو يلقي درسًا في الحرم أو في الإذاعة التي تبث في أصقاع مختلفة أو غير ذلك مما هو عام للناس كلهم وليس لبعضٍ دون بعض.
وقد جاء عن الإِمام علي بن أبي طالب: "حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟! "(1).
فمراعاة حال السائلين من حيث فهم الخطاب وإدراك معنى الحكم مطلبٌ مهم يجب على الناظر مراعاته وتوخيه دون أن يكون قاصرًا على فهم طائفة معينة.
(1) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا (124).