الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين بالتوفيق لنا لصحيحي علمي المنقول والمعقول وبالإفاضة علينا من فيوضاته الهاطلة وسحائب جوده الوابلة في خدمتنا لهذا الجامع الصحيح الكتاب الثالث من كتب أهل الملة المحمدية.
نحمدك يا من له الفضل والعطاء ونشكرك يا من له الحمد والثناء على ما وفقتنا به وشرفتنا من خدمتنا لأحاديث المصطفى والرسول المرتضى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الهداة المهديين لا سيما الخلفاء الراشدين آمين آمين يا رب العالمين.
أما بعد: فلما فرغت من تسويد المجلد الثالث عشر بعون الله وتيسيره تفرغت لتسطير المجلد الرابع عشر بتوفيق الله وتسهيله راجيًا منه الإمداد لي من قطرات الفيوضات الربانية وسحائب الجود الصمدانية ووابل الإلهامات الإلهية إنه الكريم الجواد فقلت وبالله التوفيق.
712 -
(1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه
" أما جليبيب" بالتصغير تصغير جلباب فقد كان رجلًا من ثعلبة وكان حليفًا في الأنصار قال ابن سعد سمعت من يذكر ذلك روى أنس بن مالك قال كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له جليبيب وكان في وجهه دمامة فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج فقال إذن تجدني كاسدًا يا رسول الله فقال إنك عند الله لست بكاسد رواه أحمد [3/ 136] وأبو يعلى [3343] وعبد الرزاق في مصنفه [10333] وانظر في مجمع الزوائد [9/ 368] وفي غير كتاب مسلم من حديث أبي برزة في تزويج جليبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار يا فلان زوجني ابنتك قال نعم ونعمة عين قال إني لست لنفسي أريدها قال فلمن قال
6203 -
(2456)(1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ. فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيهِ. فَقَال لأَصْحَابِهِ:"هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا. ثم قَال: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا، ثُمَّ قَال:"هَل تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: لَا
ــ
لجليبيب قال حتى أستأمر أمها فأتاها وأخبرها بذلك فقالت حلقى ألجليبيب لا لعمر الله لا أزوج جليبيبًا فلما قام أبوها ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لأبويها من خطبني إليكما قالا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أفتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ادفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني فذهب أبوها للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك وقال شأنك بها فزوجها جليبيبًا ودعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم صب عليهما الرزق صبًا صبًا ولا تجعل عيشهما كدًا كدًا) ذكره ابن الأثير في الإستيعاب [1/ 348] قتل جليبيبها فلم يكن في الأنصار أيم أنفق منها ثم ذكر الحديث على ما في مسلم اهـ من المفهم واستدل المؤلف على فضله بحديث أبي برزة فقال:
6203 -
(2456)(1)(حدثنا إسحاق بن عمر بن سليط) بوزن أمير الهذلي البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن كنانة بن نعيم) العدوي أبي بكر البصري ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين (عن أبي برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد المدني الصحابي أسلم قبل الفتح مشهور بكنيته رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب وهذا السند من خماسياته.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزىً له) مصدر ميمي من غزا يغزو غزوًا ومغزيً أي كان في غزوة له لم أقف على تعيينها (فأفاء الله عليه) صلى الله عليه وسلم أموال الكفار فغنموها (فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد) أي أحدًا منا أي هل فقدتم أحدًا منا لم يرجع إلى مركزنا (قالوا نعم) فقدنا (فلانًا وفلانًا وفلانًا ثم قال) صلى الله عليه وسلم مرةً ثانية (هل تفقدون من أحد) أي هل فقدتم أحدًا منا (قالوا نعم) فقدنا (فلانًا وفلانًا وفلانًا) ولم أر أحدًا ذكر أسماء هؤلاء المبهمين (ثم قال) صلى الله عليه وسلم مرةً ثالثة (هل تفقدون من أحد) أي أحدًا منا لم يرجع إلى المركز (قالوا لا) أي ما
قَال: "لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيبِيبًا فَاطْلُبُوهُ" فَطُلِبَ فِي الْقَتلَى. فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ. ثُم قَتَلُوهُ. فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيهِ. فَقَال: "قَتَلَ سَبْعَة. ثُمَّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنا مِنْهُ" قَال: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيهِ لَيسَ لَهُ إلا سَاعِدَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا
ــ
فقدنا أحدًا غير هؤلاء الذين ذكرناهم بقولنا فقدنا فلانًا وفلانًا إلخ قال القرطبي هذا الاستفهام ليس مقصوده استعلام كونهم فقدوا أحدًا ممن يعز عليهم فقده إذ ذاك كان معلومًا له بالمشاهدة وإنما مقصوده التنويه والتفخيم بمن لم يحفلوا ولم يعتنوا به ولا التفتوا إليه لكونه غامضًا خاملًا في الناس ولكون كل واحد منهم أصيب بقريبه أو حبيبه فكان مشغولًا بمصابه لم يتفرغ منه إلى غيره ولما أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كان من حال جليبيب من قتله السبعة الذين وجدوا إلى جنبه نوّه باسمه وعرّف بفقده فـ (ـقال لكن أفقد جليبيبًا) أي فقده أعظم من فقد كل من فقد والمصاب به أشدّ (فاطلبوه فطُلب) جليبيب (في القتلى) من الفريقين (فوجدوه) أي وجدوا جليبيبًا (إلى جنب سبعة) إلى جانب سبعة قتلى من الكفار (قد قتلهم) جليبيب (ثم قتلوه) أي ثم بعد قتله السبعة قتله من بقي من الكفار فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم وجدوه (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم مصرعه (فوقف عليه) أي على جليبيب (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه (قتل سبعة) من الأعداء (ثم قتلوه) فـ (ـهذا) يعني جليبيبًا (مني) أي من أهل طريقتي وسنتي في معاداة أعداء الله تعالى (وأنا) أي وعملي (منه) أي من جنس عمله في معاداة أعداء الله وقتلهم وكرره بقوله (هذا مني وأنا منه) تأكيدًا للكلام وما أعظم هذه الفضيلة التي حازها هذا الصحابي مع كونه غير مشهور عندهم قال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى اهـ (قال) أبو برزة ثم إنه صلى الله عليه وسلم أقبل عليه بإكرامه (فوضعه على ساعديه) أي جعل ساعدي يديه كالوسادة له مبالغة في إكرامه (ليس له) مستند (إلا ساعدا النبي) بصيغة المثنى المرفوع مبالغة في إكرامه ولتناله بركة ملامسته أي ليس له سرير غير ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مصرح به فيما رواه ابن عبد البر بسنده (قال) أبو برزة (فحفر له) القبر (ووضع في قبره) فدفن (قال) كنانة بن نعيم (ولم يذكر) أبو برزة (غسلًا) له ولا صلاة
6204 -
(2457) - (2) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ
ــ
عليه ففي الحديث أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه كما هو مذهب الشافعي وأما عند الحنفية فلا يغسل لكنه يصلى عليه لأنه لم ينف الصلاة.
وجليبيب بضم الجيم وفتح اللام ثم ياء ساكنة مزيدة للتصغير ثم موحدة مكسورة ثم ياء ساكنة مبدلة عن ألف جباب تصغير جباب اسم لنوع من الثياب سمي به الصحابي المذكور رضي الله عنه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 421] والنسائي في الكبرى [8246] ولكن انفرد به عن أصحاب الأمهات الخمس.
"وأما أبو ذر" فاسمه على الأصح والأكثر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن حرام بن غفار بن كنانة بن مدركة بن إلياس بن قصي بن نزار هو من كبار الصحابة رضي الله عنه قديم الإسلام يقال أسلم بعد أربعة فكان خامسًا ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية بعد أن مضت بدر وأحد والخندق ويدل على كيفية إسلامه وتفصيل أحواله الحديث المذكور في كتاب مسلم رحمه الله تعالى وكان قد غلب عليه التعبد والتزهد وكان يعتقد أن جميع ما فضل عن الحاجة كنز وإمساكه حرام ودخل الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع بينه وبين معاوية نزاع في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]، فشكاه معاوية إلى عثمان فأقدمه عثمان المدينة فقدمها فزهد أبو ذر عن كل ما بأيديهم واستأذن عثمان في سكنى الربذة فأذن له وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن له في البدو فأقام بالربذة في موضع منقطع إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين على ما قاله ابن إسحاق وصلّى عليه عبد الله بن مسعود منصرفه من الكوفة في ركب ولم يوجد له شيء يكفن فيه فكفنه رجل من أولئك الركب في ثوب من غزل أمه وكان قد وصى أن لا يكفنه أحد ولي شيئًا من الأعمال السلطانية وخبره بذلك معروف روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئتي حديث وواحدًا وثمانين حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ثلاثة وثلاثون حديثًا اهـ من المفهم واستدل المؤلف على فضائله بحديثه رضي الله عنه فقال:
6204 -
(2457) - (2)(حدثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود (الأزدي) القيسي
حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. أَخْبَرَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ. وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيسٌ وَأُمُّنَا. فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا. فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَينَا. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالفَ إِلَيهِمْ أُنَيسٌ. فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَليَنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ. فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ،
ــ
البصري ثقة من (9)(حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) عبد الله (قال أبو ذر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (خرجنا) نحن معاشر أهل بيتنا (من) بلاد (قومنا) بني (غفار) بن كنانة (و) إنما خرجنا من بلادهم لأنهم (كانوا يحلّون) القتال في (الشهر الحرام) وكان القتال فيه حرامًا جاهليةً وإسلامًا ولعل هذا هو السبب في خروج أبي ذر من قومه حيث كره أن يقيم فيهم وهم يحلون الشهر الحرام (فخرجت أنا وأخي أنيس) مصغرًا ابن جنادة (وأُمّنا) اسمها رملة بنت الوقيعة كما في تنبيه المعلم (فنزلنا على خالٍ لنا) أي عنده في بلدته ولم أر من ذكر اسمه (فأكرمنا) بأنواع القرى والضيافة.
(خالنا وأحسن إلينا) مدة إقامتنا عنده بأنواع المعايش والحماية لنا (فحسدنا قومه) فأفسدوا بيننا وبينه (فقالوا) له في الإفساد (إنك) أيها الرجل خطابًا لخالنا (إذا خرجت عن أهلك) أي من عند أهلك وزوجك لأي حاجة (خالف) أي يخلف عنك في الإفضاء (إليهم) أي إلى أهلك والوقاع عليهم (أنيس) أخو أبي ذر بضم الهمزة وفتح النون تصغير أنس وقد اتهمه القوم أمام خاله بأنه يتردد إلى أهله وزوجته في غيابه فكأنهم أشاروا إلى أنه قد حدثت بينه وبينها علاقات مذمومة (فجاء خالنا) من خارج فأخبروه خبر الإفساد (فنثا) بالنون والمثلثة أي فأظهر (علينا) الإفساد (الذي قيل له) أي قالوا له يقال نثا الخبر أي أفشاه وأشاعه وأكثر ما يستعمل في خبر السر قال القرطبي النثا بتقديم النون والقصر في الشر والكلام القبيح وإذا قدمت المثلثة ومددت فقلت الثناء فهو الكلام الجميل أي أفشا وأشاع الإفساد الذي أسروه إليه من مواقعة أخي على أهله قال أبو ذر (فقلت) لخالي (أما ما مضى) ومرّ لك (من معروفك) وإحسانك إلينا (فقد كدرته) أي أبطلت
وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ. فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا. فَاحْتَمَلْنَا عَلَيهَا. وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ. فَنَافَرَ أُنَيسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيسًا، فَأَتَانَا أُنَيسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا
ــ
شكره وجزاءه الواجب لك علينا بما قلت لنا من الظن في عرضنا فلا مكافأة لك علينا (ولا جماع لك) أي ولا اجتماع لك معنا (فيما بعد) أبدأ أي فيما يستقبل من الزمان في الدنيا ولا في الآخرة لأنك قطعت رحمنا وقرابتنا لك بما قلت لنا قال أبو ذر (فقرّبنا) بصيغة الماضي المسند إلى المتكلمين أي قرّبنا إلى منزلنا (صرمتنا) لنحمل عليها مواعيننا والصرمة بكسر الصاد القطعة من الإبل وقد يستعمل لقطيع من الغنم والمعنى أننا طلبنا إبلنا من مرعاها وجمعناها حول منزلنا (فاحتملنا) أي حملنا (عليها) مواعيننا وأثاثنا وركبناها لنغادره بالذهاب والارتحال من عنده (و) لما رأى ذلك العزم على الارتحال من عنده (تغطى) أي غطّى (خالنا) وستر وجهه بـ (ـثوبه فجعل) أي شرع (يبكي) لارتحالنا من عنده وحزنًا على فراقنا له وندمًا على ما فعله بنا من الظن بنا والطعن في عرضنا (فانطلقنا) أي ذهبنا وارتحلنا من عنده (حتى نزلنا بحضرة مكة) المكرمة أي بقربه وفنائها قال في المصباح حضرة الشيء فناؤه وقربه والظاهر أن مراده أنهم نزلوا بموضع قريب من مكة ولم يدخلوها (فنافر) أي سابق أخي (أنيس) مع رجل آخر في الشعر وعن في قوله (عن صرمتنا وعن مثلها) بمعنى على أي تسابقا في الشعر على أن عوض المسابقة صرمتنا من جهة أنيس ومثل صرمتنا أي قدرها من جهة الرجل المتسابق معه والمعنى تسابق هو ورجل آخر ليعلم أيهما أفضل وأعلم في الشعر وكأن عوض المسابقة صرمة ذا وصرمة ذاك أيهما كان أفضل في الشعر وأعلم أخذ الصرمتين فتحاكما إلى كاهن فحكم بأن أنيسًا كان أفضل وأعلم وهي معنى قوله فخير أنيسًا أي جعله الخيار والأفضل على الرجل الآخر في الشعر (فأتيا) أي أتى أنيس والرجل الآخر (الكاهن) ليحكم بينهما والظاهر أن الكاهن كان أشعر الشعراء (فخيّر) الكاهن (أنيسًا) أي جعله خيارًا فائقًا على الرجل الآخر في علم الشعر (فأتانا) معاشر أهلنا.
(أنيس بصرمتنا و) بـ (ـمثلها) أي بقدرها (معها) أي مع صرمتنا عوضًا لغلبته على الرجل الآخر في الشعر قوله "فنافر أنيس" قال أبو عبيد المنافرة أن يفتخر أحد الرجلين على الآخر في علم الشيء ثم يحكم بينهما رجل ثالث وقال غيره المنافرة المحاكمة يقال تنافرا إلى فلان إذا تحاكما إليه أيهما أعز نفرًا وأفضل علمًا بالشيء والنافر الغالب
قَال: وَقَدْ صَلَّيتُ، يَا بْنَ أَخِي، قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلاثِ سِنِينَ. قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَال: للهِ. قُلْتُ: فَأَينَ تَوَجَّهُ؟ قَال: أَتَوَجَّهُ حَيثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَال أُنَيسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ
ــ
والمنفور المغلوب يقال نفره إذا غلبه في شيء من بابي ضرب ونصر اهـ من الأبي والمراد هنا المسابقة في الشعر بعوض والله أعلم قال عبد الله بن الصامت (قال) لنا أبو ذر (وقد صليت يا ابن أخي) يريد عبد الله بن الصامت (قبل أن ألقى) وأرى (رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين) أي في ثلاث سنين قال عبد الله بن الصامت (قلت) لأبي ذر (لمن) تصلي (قال) أبو ذر أصلي (لله) قال عبد الله (قلت) لأبي ذر (فأين توجه) أي فإلى أين تتوجه وإلى أي جهة تتوجه في صلاتك بحذف إحدى التاءين (قال) أبو ذر (أتوجه) وأستقبل (حيث يوجهني ربي) أي أي جهة وجهني ربي إليها من مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها (أصلّي عشاءً) أي في أوائل الليل (حتى إذا كان) الزمن (من آخر الليل أُلقيت) بالبناء للمفعول أي رميت على الأرض أي ألقيت نفسي على الأرض نائمًا (كأني خفاء) وكساء لا جسم فيه والخفاء بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الفاء هو الكساء وزنًا ومعنًى يجمع على أخفية ككساء وأكسية.
قوله "وقد صليت يا بن أخي" هذا خطاب من أبي ذر لعبد الله بن الصامت يريد أنه كان يصلي قبل أن يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخرج ابن سعد في طبقاته (4/ 222) من طريق الواقدي عن أبي معشر قال كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويقول لا إله إلا الله ولا يعبد الأصنام وظاهر أن أفعال هذه الصلاة التي يصليها أبو ذر كانت تختلف عن الصلاة الشرعية قال القرطبي والمراد بالصلاة هنا إلهام للقلوب الطاهرة ومقتضى العقول السليمة فإنها توفق للصواب وتلهم للرشد اهـ مفهم قوله "كأني خفاء" بكسر الخاء بمعنى الغطاء أو الكساء والمراد أني أصلّي من الليل طويلًا حتى إذا كانا آخر الليل اضطجعت على فراشي ونمت كأني كساء مستغرقًا في النوم (حتى تعلوني الشمس) أي حتى ترتفع عليّ الشمس ويغلبني إشراقها ويوقظني شدة حرّها (فـ) ـبعد ما نزلنا حضرة مكة وقربها (قال) لي أخي (أنيس إن لي حاجة بمكة) وأنا أريد الذهاب إليها
فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ. ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَال: لَقِيتُ بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ. يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ الناسُ؟ قَال: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
قَال أُنَيسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ. فَمَا يَلْتَئِمُ
ــ
(فاكفني) في خدمة أمنا وفي سياسة صرمتنا أي كن قائمًا مقامي فيهما وكافيًا عنّي في حاجتهما فقلت له لا بأس فاذهب في حاجتك ولا تتأخَّر عنّي (فانطلق أُنيس) أي ذهب من عندنا (حتى أتى مكة فراث) أي أخر الرجوع (عليّ) فتأخر في مكة (ثم جاء) من مكة ورجع إليّ (فقلت) له (ما صنعت) وفعلت يا أنيس في مكة أي لأيّ صنع وشغل تأخرت عني (قال) أنيس (لقيت رجلًا) من قريش (بمكة) كان (على) مثل (دينك) من توحيد الله تعالى ورفض الأصنام كلها وهذا اللفظ يؤيد ما سبق من رواية الواقدي أن أبا ذر كان موحدًا حتى في الجاهلية (يزعم) أي يقول ذلك الرجل (أن الله) سبحانه (أرسله) وبعثه إلى الناس بالتوحيد وترك الإشراك قال أبو ذر فـ (ـقلت) لأخي أنيس (فما يقول الناس) في شأنه أيقبلونه فيما يدعيه أم ينكرونه (قال) لي أنيس (يقولون) أي يقول الناس في شأنه هو (شاعر) فيما يقولُه (كاهن) فيما يخبره من الغيب (ساحر) فيما يفعله من الخوارق للعادة قال أبو ذر (وكان) أخي (أنيس أحد الشعراء) في العرب قال أبو ذر فقلت لأنيس فماذا تقول أنت فيه (قال أنيس) والله (لقد سمعت قول الكهنة) جمع كاهن والكاهن من يخبر عن المغيبات المستقبلة ككثرة المطر وقلته في السنة المستقبلة ووقوع الآفات مثلًا (فما هو) أي فما كلامه موافقًا (بقولهم) أي بقول الكهنة (ولقد وضعت) أي عرضت ووازنت (قوله) أي قول ذلك الرجل وكلامه (على أقراء الشعر) العربي وأوزانه وأجزائه وتفاعيله كتفاعيل الطويل والبسيط والخفيف (فما يلتئم) وينطبق ويوافق كلامه ما جرى (على لسان أحد) ممن كان قبلي أو كان (بعدي) وعرف بـ (ـأنه شعر) أي ما يوازن كلامه يعني القرآن ما عرف بأنه شعر من كلام الأولين والمتأخرين.
وقوله "على أقراء الشعر" الأقراء جمع القرء بفتح القاف وسكون الراء وهو في اللغة القافية وأقراء الشعر أنواعه وأنحاؤه كما في القاموس كالطويل والمديد والخفيف والمراد أني قارنت وقابلت بين قوله وبين أنواع الشعر وبحوره "فما يلتئم" ويصدق أنه
عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي؛ أَنَّهُ شِعْرٌ. وَاللهِ، إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
قَال: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَال: فَأَتَيتُ مَكَّةَ. فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَقُلْتُ: أَينَ هذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَال: الصَّابِئَ. فَمَال عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ
ــ
شعر "على لسان أحد بعدي" أي غيري ومراده أني تيقنت بأن ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شعرًا وكذلك لا يستطيع أحد غيري أن يجعله شعرًا وإن ذلك لا يلتثم على لسانه.
قال القرطبي قوله "على لسان أحد بعدي أنه شعر" هكذا الرواية عند جميع الشيوخ "بعْدي" بالباء الموحدة والعين المهملة بمعنى غيري يقال ما فعل هذا أحد بعدك أي غيرك كما يقال ذلك في "دون" وهو كثير فيهما ومعنى الكلام أنه لما اعتبر القرآن ووازنه بأنواع بحور الشعر تبين له أنه ليس من الشعر ثم قطع بأنه لا يصح لأحد أن يقول إنه شعر اهـ من المفهم (والله) أي أقسمت بالله سبحانه (إنه) أي إن ذلك الرجل (لصادق) فيما يقوله من إثبات التوحيد ونفي الشرك ودعوى الرسالة (وإنهم) أي وإن الناس يعني أهل مكة (لكاذبون) فيما يقولونه من أنه شاعر كاهن ساحر (قال) أبو ذر (قلت) لأخي أنيس (فاكفني) ما علي من خدمة الأم ومؤونة الصرمة أي كن كافيًا عني قائمًا به (حتى أذهب) إلى مكة (فانظر) ذلك الرجل وأعرف شأنه (قال) أبو ذر. (فأتيت مكة فتضعفت رجلًا منهم) أي من أهل مكة أي نظرت إلى أضعف من كان من أهل مكة لأسأله خبر هذا الرجل لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا قال القرطبي "فتضعفت رجلًا منهم" أي رأيت رجلًا منهم ضعيفًا فعلمت أنه لا ينالني بمكروه ولا يرتابني في مقصدي قال الدهني فتضعفت أي نظرت إلى أضعفهم فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا اهـ (فقلت له) أي لذلك الرجل الضعيف (أين هذا الذي تدعونه الصابئ) أي الخارج عندين آبائه (فأشار) ذلك الضعيف لقومه (إليّ فقال) لهم خذوا هذا (الصابئ) الذي يطلب صابئنا فقوله الصابئ منصوب على الإغراء يعني أن ذلك الرجل الضعيف الذي سألته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلي قائلًا خذوا هذا الصابئ (فمال عليّ) أي رجع واجتمع عليّ جميع (أهل الوادي) أي وادي مكة بالضرب (بكل مدرة) بفتحات أي بطين متحجر قال في المصباح المدر جمع مدرة
وَعَظْمٍ. حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ. قَال: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ. قَال: فَأَتَيتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا. وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلاثِينَ، بَينَ لَيلَةٍ وَيَوْمٍ. مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. قَال: فَبَينَا
ــ
مثل قصب وقصبة وهو التراب المتصلب المتحجر قال الأزهري المدر قطع الطين والمعنى جعلوا يضربونني بكل مدر (وعظم) وخشب وحديد وكسر (حتى خررت) وسقطت على الأرض من ضرباتهم من كل جهة (مغشيًا عليَّ) أي مغمىً عليّ من كثرة الضرب (قال) أبو ذر (فارتفعت) أي قمت من مسقطي (حين ارتفعت) أي قمت حالة كوني (كأني نصب أحمر) أي شبيهًا بالنصب الأحمر من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم والنصب بضمتين وبإسكان الصاد أيضًا الصنم أو الحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم وجمعه أنصاب اهـ نووي وعبارة القرطبي أي قصت من مسقطي كأني لجريان دمي من الجراحة التي أصبت بها أحد الأنصاب، وهي الحجارة التي كانوا يذبحون عليها فتحمر بالدماء اهـ مفهم.
فشبه أبو ذر نفسه بالنصب الأحمر لتلوثه بالدماء التي سالت منه بسبب ضربهم إياه بالحجارة والعظام (قال) أبو ذر نفسه (فأتيت) بئر (زمزم فغسلت عنّي الدماء وشربت من مائها) قال ابن فارس مأخوذ من قولهم زمزمت الناقة إذا جعلت لها زمامًا تحبسها به وذلك أن جبريل عليه السلام لما همر الأرض بمقاديم جناحه ففاض الماء زمَّتها هاجر فسميت زمزم قال أبو ذر مخاطبًا لعبد الله بن الصامت (و) الله (لقد لبثت) وجلست (يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم) أي لقد لبثت مدةً مقدارها ثلاثون محسوبة من يوم وليلة مختلطات فتكون المدة خمسة عشر يومًا أو ليلة أي لقد جلست هذه المدة في مكة (ما كان لي طعام) ولا شراب (إلا ماء زمزم فسمنت) بزيادة لحومي وكبر جسمي.
(حتى تكسّرت عكن بطني) والعكن بضم العين وفتح الكاف هي طاقات لحم البطن والمراد من التكسر الانثناء والانطواء قال الدهني والعكن جمع عكنة وهو الطي في البطن من السمن والمعنى حتى أنثنت وانطوت وتلففت طاقات لحم بطني بسبب السمن (وما وجدت على كبدي) في تلك المدة (سخفة جوع) وألمه وضعفه والسخفة بفتح السين وضمها أثر الجوع وضعفه وألمه قال عبد الله بن الصامت (قال) أبو ذر (فبينا) من
أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ. فَمَا يَطُوفُ بَالْبَيتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَينِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ
ــ
الظروف الاعتبارية بمعنى بين زيد فيها الألف ملازمة للإضافة إلى الجملة وفيها معنى الشرط تحتاج إلى جواب مقرون بإذا الفجائية (أهل مكة) مبتدأ خبره (في ليلة) والجملة مضاف إليها لبينا وقوله (قمراء) أي مقمرة (إضحيان) أي مضيئة منورة صفتان لليلة مجروران بالفتحة منع الأول من الصرف لألف التأنيث الممدودة نظير حمراء والثاني لزيادة الألف والنون والوصفية كسكران ومعنى قمراء ذات قمر لا ظلماء ومعنى إضحيان بكسر همزه وحاء مهملة بينهما ضاد معجمة ساكنة ويجوز فتح الهمزة فيه مضيئة إضاءة شديدة كضوء الضحوة قال القرطبي القمراء المقمرة وهي التي يكون فيها قمر ويسمى الهلال قمرًا من أول الليلة الثالثة إلى أن يصير بدرًا ثم إذا أخذ في النقص عاد عليه اسم القمر وإضحيان بكسر الهمزة والضاد المعجمة معناه شديد ضوء قمرها قال ابن قتيبة ويقال ليلة إضحيان بالصرف وإضحيانة وضحيانة نظير ندمان وندمانة من الندم إذا كانت مضيئة ضوءًا كثيرًا اهـ من المفهم.
وقوله (إذ ضرب) بالبناء للمفعول وإذ فجائية رابطة لجواب بينا أي ضرب الله (على أصمختهم) أي ناموا وجملة قوله (فما يطوف بالبيت أحد) منهم مفسرة لما قبلها أعني لضرب الله على آذانهم لأن الضرب على الآذان كناية عن النوم قال القرطبي والأصمخة جمع صماخ وهو خرق الأذن وثقبها وهو بالصاد وقد أخطأ من قاله بالسين اهـ من المفهم قال النووي قوله "أسمختهم" هكذا هو في جميع النسخ بالسين وهو جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس يقال فيه صماخ وسماخ والصاد أفصح وأشهر والمراد بأسمختهم هنا آذانهم أي ناموا ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي أنمناهم ومعنى هذا الكلام قال أبو ذر فبينا أوقات كون أهل مكة في ليلة مقمرة مضحية فاجأني ضرب الله على أصمختهم فعدم طواف أحد منهم بالبيت (و) رؤيتي (امرأتين منهم تدعوان) وتسألان حاجتهما (إسافًا ونائلة) اسمي صنمين أحدهما على الصفا والآخر على المروة يعني رأيت هناك امرأتين تطوفان وتدعوان الصنمين المسميين بإساف ونائلة وكان إسافٌ ونائلة صنمين وضعوهما على الصفا والمروة قال القرطبي وقد روى ابن أبي نجيح أن إسافًا ونائلة كانا رجلًا وامرأة حجا من الشام فقبلها وهما يطوفان
قَال فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا. فَقُلتُ: أَنكِحَا أَحَدَهُمَا الأُخْرَى. قَال: فمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا. قَال: فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنق مِثْلُ الْخَشَبَةِ. غَيرَ أَنِّي لا أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْولانِ، وَتَقُولانِ: لَو كَانَ ههُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا
ــ
فمسخا حجرين فلم يزالا في المسجد حتى جاء الإسلام فأخرجا منه اهـ مفهم قال النووي قوله "وامرأتين" هكذا هو في معظم النسخ بالنصب بالياء وفي بعضها "وامرأتان" بالرفع بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين معطوف على مدخول إذا الفجائية وعلى الثاني فامرأتان مبتدأ خبره جملة تدعوان والجملة الاسمية معطوفة على مدخول إذا الفجائية أيضًا.
(قال) أبو ذر (فأتتا) أي أتت المرأتان (عليَّ) أي مرتا عليَّ (في طوافهما فقلت) لهما تعييرًا عليهما دعوة الصنمين وعبادتهما (أنكحا) أي زوجا (أحدهما) أي أحد الصنمين وهو إسافٌ لأنه اسم رجل (الأخرى) وهي نائلة لأنه اسم امرأة وفي رواية القرطبي أنكحا أحدهما الآخر بالتذكير لأن الصنم مذكر فهي أوضح (قال) أبو ذر (فما تناهتا) المرأتان وانزجرتا وامتنعتا بسبب تعيبري عليهما (عن قولهما) ودعوتهما الصنمين (قال) أبو ذر (فأتتا) أي أتت المرأتان ومرَّتا (عليَّ) في طوافهما مرة ثانية وهما تدعوان إسافًا ونائلة (فقلت) لهما تقبيحًا واستهجانًا عليهما للصنمين هما (هن) وهنة أدخل أحدهما في الآخر أي ذكر (مثل الخشبة) لا شهوة فيه أدخل في هنة أي في فرج حالة كوني أكني عن آلتهما بهن وهنة مريدًا سب المرأتين (غير أني) أي لكن أني (لا أكني) ولا أوري في سب صنميهما بل أسبهما صريحًا لا تعريضًا وكناية.
قال القرطبي قوله هن مثل الخشبة يعني به الذكر وكذا عنى بالهنة الفرج قال النووي الهن والهنة بتخفيف نونهما هما كناية عن كل شيء يستقبح التصريح باسمه وأكثر ما يستعملان كناية عن الذكر والفرج فقال لهما هن مثل الخشبة في الفرج وأراد بذلك سب إساف ونائلة وإغاظة الكفار بذلك قال أبو ذر (فـ) ـلما سمعتا كلامي هذا تركتا الطواف و (انطلقتا) أي ذهبتا إلى بيتهما حالة كونهما (تولولان) أي تدعوان عليَّ بالويل والهلاك وترفعان أصواتهما بذلك من الولولة وهو الدعاء بالويل (وتقولان) لي معطوف على ما قبله (لو كان ها هنا) أي في هذا المطاف (أحد من أنفارنا) جمع نفر أي لو كان واحد من قومنا والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة وجواب لو محذوف أي لنصرنا عليك ونحوه اهـ
قَال: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ. وَهُمَا هَابِطَانِ. قَال: "مَا لَكُمَا؟ " قَالتا: الصَّابِئُ بَينَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَال: "مَا قَال لَكُمَا؟ " قَالتَا: إِنَّه قَال لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. وَطَافَ بِالبَيتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ. ثُمَّ صَلَّى. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ - (قَال أَبُو ذَرٍّ) -: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. قَال: فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيكَ
ــ
مفهم أو جمع نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة ورُوي أنصارنا وهو أوضح والمعنى لو كان ها هنا أحد من أنصارنا لأغاثنا وانتصر لنا (قال) أبو ذر (فاستقبلهما) أي جاء في قبالتهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه (وهما) أي والحال أنهما (هابطان) أي نازلان إلى الحرم والمرأتان صاعدتان من الحرم خارجتين منه فـ (ـقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالكما) أي أيّ شيء ثبت لكما في دعائكما الويل (قالتا الصابئ) يهمز ولا يهمز وقرئ بهما أي الخارج عندين قومه (بين الكعبة وأستارها) فـ (ـقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قال لكما) ذلك الصابئ أي أن شيء قال لكما (قالتا) أي قالت المرأتان (إنه) إن ذلك الصابئ (قال لنا كلمة) عظيمة قبيحة لا شيء أقبح منها (تملأ الفم) لاستقباحها حتى كان الفم يضيق عنها ولا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها واستقباحها (وجاء رسول الله قال الله عليه وسلم) بعدما مرّ على المرأتين (حتى) دخل المطاف و (استلم الحجر) الأسود أول طوافه.
(وطاف بالبيت هو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصاحبه) أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ثمّ) بعدما فرغ من طوافه (صلّى) رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الطواف (فلما قضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمّ (صلاته) سلّمت عليه فجواب لمَّا محذوف كما قدرناه (قال أبو ذر) حاكيًا عن سلامه عليه صلى الله عليه وسلم (فكنت أنا أول من حيّاه) صلى الله عليه وسلم (بتحية الإسلام) أي بالتحية المشروعة لأهل ملة الإسلام في حقه صلى الله عليه وسلم يعني بها السلام عليك يا رسول الله وظاهره أنه ألهم النطق بتلك الكلمة إذ لم يكن سمعها قبل ذلك وعلمه بكونه أول من حياه يحتمل أن يكون إلهامًا ويحتمل أن يكون علمه بغير ذلك بالاستقراء ثم أخبر عنه والله تعالى أعلم (قال) أبو ذر (فقلت) في سلامي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (السلام عليك
يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال: "وَعَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ". ثُمَّ قَال: "مَنْ أَنْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَال: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيتُ إِلَى غِفَارٍ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ. فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ. وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَال: "مَتَى كُنْتَ ههُنَا؟ " قَال: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ ههُنَا مُنْذُ ثَلاثِينَ، بَينَ لَيلَةٍ وَيَوْمٍ. قَال:
ــ
يا رسول الله فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليَّ (وعليك) السلام يا أبا ذر (ورحمة الله) بزيادة الرحمة (ثم) بعدما رد عليّ السلام (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أنت) أيها المسلِّم عليَّ (قال) أبو ذر (قلت) له أنا (من غفار) من بني كنانة وكانت قبيلة معروفة بقطع الطريق (قال) أبو ذر (فأهوى) أي مدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة وبسطها إلى رأسه الشريف (فوضع أصابعه) الشريفة (على جبهته) الشريفة تعجبًا من مجيئه من بعيد قال أبو ذر (فقلت في نفسي) لعله صلى الله عليه وسلم (كره أن انتميت) بنفسي وانتسبت (إلى) قبيلة (غفار) لأنهم قوم معروفون بقطع الطريق وقد وقع ذلك صريحًا فيما أخرجه ابن سعد في طبقاته (4/ 223) من طريق الواقدي من غير هذا السياق وفيه "قال فعجب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يقطعون الطريق فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره فيه ويصوبه تعجبًا من ذلك لما كان يعلم منهم ثم قال إن الله يهدي من يشاء" وقد روى الواقدي أيضًا أن أبا ذر نفسه كان يقطع الطريق فروى عن خفاف بن إيماء بن رحفة قال "كان أبو ذر رجلًا يصيب الطريق وكان شجاعًا ينفرد وحده بقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق في الحي ويأخذ ما أخذ ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم" قال أبو ذر (فذهبت) أي قصدت أن (آخذ) وأصافح (بيده) الشريفة (فقدعني) أي منعني من مصافحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (صاحبه) أبو بكر الصديق يقال قدعه وأقدعه إذا كفّه ومنعه من الشيء (وكان) صاحبه (أعلم به) صلى الله عليه وسلم وأقرب إليه (مني ثم رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) الشريف ناظرًا إليَّ (ثم قال) لي (متى كنت) موجودًا (ها هنا) أي في مكة (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (قد كنت) موجودًا (ها هنا) أي في مكة (منذ ثلاثين) أي في ثلاثين موزعة (بين ليلة ويوم) أي محسوبة منهما يعني خمسة عشر يومًا (قال) لي
"فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلا مَاءُ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَال: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ. إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ".
فَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيلَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا. فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمن كان يطعمك) في هذه المدة (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (ما كان لي طعام) ولا شراب (إلا ماء زمزم فسمنت) منه (حتى تكسرت) وانطوت (عكن بطني) أي طبقات لحم بطني (و) الحال أني (ما أجد) ولا أعلم (على كبدي سخفة جوع) أي ألمه وضعفه فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها) أي إن ماء زمزم أنث الضمير نظرًا إلى معنى البقعة (مباركة) أي ذات بركة بدفع الجوع أي إنها تظهر بركتها على من صح صدقه وحسنت فيها نيته كما قد روى العقيلي أبو جعفر من حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ماء زمزم لما شرب له" رواه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير [2/ 303] وفي إسناده عبد الله بن المؤمّل ضعيف وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله وقال حديث حسن غريب رواه الترمذي في الحج [963] اهـ من المفهم.
(إنها طعام طعم) أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام المأكول وفي المبارق الطعام ما يؤكل والطعم بضم الطاء وسكون العين مصدر بمعنى الأكل والذوق والمراد بإضافة الطعام إلى الطعم أنه طعام مشبع أو أجود اهـ (فقال أبو بكر) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله ائذن لي من طعامه) أي في إطعامه وضيافته هذه (الليلة) المستقبلة (فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) من الحرم إلى منازلهما (وانطلقت معهما فـ) ـلممَّا بلغ أبو بكر إلى منزله (فتح أبو بكر بابا) من أبواب بيته (فجعل يقبض) ويأخذ (لنا من زبيب الطائف) الذي خزنه في بيته (وكان ذلك) الزبيب (أول طعام أكلته بها) أي بمكة (ثم) بعد ذلك اليوم (غبرت) أي بقيت في مكة (ما غبرت) أي ما بقيت أي
ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ وُجَّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ. لَا أُرَاهَا إلا يَثْرِبَ. فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ". فَأَتَيتُ أُنَيسًا فَقَال: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَال:
ــ
مدة أراد الله بقائي فيها وأنا على تلك الحالة قال أبو ذر (ثم) بعد بقائي تلك المدة في مكة (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الشأن والحال (قد وُجّهت لي أرض) بالبناء للمفعول أي قد أُظهرت لي بالوحي في المنام جهة أرض (ذات نخل) وبساتين أي ذُهب بي إلى تلك الجهة وأريتها في المنام (لا أراها) بضم الهمزة وفتحها أي لا أظن تلك الأرض التي أريتها ولا أعلمها (إلا يثرب) وهذا كان اسم المدينة قديمًا سميت باسم أول من سكنها من العمالقة أو اليهود وكان أخا خيبر ساكن خيبر حتى قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره أن تسمى يثرب لأنه مأخوذ من التثريب وهو اللوم والتقبيح وسمّاها طابة وطيبة وورد حديث النهي عن تسميتها بيثرب (فهل أنت) يا أبا ذر (مبلّغ) نيابة (عنِّي قومك) دعوة الله إلى التوحيد ورفض الشرك (عسى الله) سبحانه أي لعل الله (أن ينفعهم) أي أن ينفع قومك بني غفار (بك) أي بسبب تبليغك الدعوة إليهم فيؤمنوا (و) أن (يأجرك) ويثيبك (فيهم) أي في تبليغ الدعوة إليهم.
قوله "لا أُراها إلا يثرب" أي لا أظنها إلا يثرب فيه دلالة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُري مهاجره أرضًا ذات نخل من غير أن تسمى له في الوحي ولكنه فهم أنها أرض يثرب والمعنى أنه قد أوحي إليَّ أني سوف أهاجر إلى تلك الأرض ويكون المسلمون فيها آمنين قوله "فهل أنت مبلغ عنِّي" يعني ارجع إلى وطنك وادع قومك إلى الإسلام لأنه لا حاجة في إقامتك بمكة والمسلمون فيها مضطهدون فاغتنم هذا الوقت لحمل رسالة الإسلام ودعوته إلى قومك ثم ائتني إلى يثرب بعدما هاجرت إذا سمعت هجرتي إليها (فـ) ـعقب ما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى قومي (أتيت) أي جئت أخي (أنيسًا) في تلك الحضرة التي نزلنا فيها (فقال) لي أنيس (ما صنعت) أي أيَّ شيء صنعت في تأخرك عني قال أبو ذر (قلت) لأنيس الأمر الذي (صنعت) في تأخري عنك (أني قد أسلمت) أي قد دخلت في دين الإسلام (وصدّقت) الرجل في رسالته (قال)
مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ. فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَينَا أُمَّنَا. فَقَالتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا. فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَينَا قَوْمَنَا غِفَارًا. فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ. وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ. وَكَانَ سَيِّدَهُمْ.
وَقَال نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا
ــ
أنيس (ما بي رغبة) وإعراض (عن دينك) الذي دخلت فيه بل أقبله (فإني قد أسلمت) كما أسلمت (وصدقت) الرجل كما صدقت قال أبو ذر (فـ) ـعقب ما وافقني أنيس (أتينا) أي أتيت أنا وأخي أنيس (أُمّنا) فأخبرناها بإسلامنا (فقالت) أمّنا (ما بي رغبة) أي إعراض (عن دينكما) أي أقبله ولا أكرهه (فإني قد أسلمت) لله تعالى (وصدّقت) برسول الله تعالى فيما جاء به قال أبو ذر (فاحتملنا) أي حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا وسرنا (حتى أتينا) وجئنا (قومنا) بني (كفار) بن كنانة فدعوناهم إلى الإسلام (فأسلم نصفهم) وأقاموا الصلاة (وكان يؤمهم) أي يصلي بهم إمامًا (إيماء) بكسر الهمزة على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضًا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح اهـ نووي (ابن رحضة) بفتحات وضاد معجمة (الغفاري) أي المنسوب إلى بني غفار (وكان) إيماء بن رحضة (سيدهم) أي سيد بني غفار ورئيسهم ويظهر من هذا الحديث أنه أسلم قديمًا وذكر الزبير بن بكّار أنه حضر بدرًا مع المشركين كما في الإصابة [1/ 103] فيكون إسلامه بعد ذلك وابنه خفاف بن إيماء صحابي مشهور وقد وقع عند أحمد في مسنده [5/ 175] في هذه الرواية وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري.
وقد أخرج ابن سعد في طبقاته [4/ 224] من طريق الواقدي أن أبا ذر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمره بالرجوع إلى قومه يا رسول الله أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ضربوني فخرج حتى أقام بعسفان وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام عليها ينفر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها فجمعوا الحنط "جمع حنطة" قال يقول أبو ذر لقومه لا يمسنَّ أحد حبة حتى تقولوا لا إله إلا الله فيقولون لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر اهـ قال أبو ذر رضي الله عنه (وقال نصفهم) أي نصف قومي بني غفار (إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي وقت قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرًا (أسلمنا) جواب إذا.
فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي. وَجَاءَتْ أَسْلَمُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيهِ. فَأَسْلَمُوا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ".
6205 -
(0)(0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ -قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ- قَال: نَعَمْ،
ــ
(فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالوا) له (يا رسول الله إخوتنا) بنو غفار أسلموا ونحن (نسلم) يا رسول الله (على) الدين (الذي أسلموا عليه فأسلموا) أي فأسلمَ قوم أسلمَ كلهم أيضًا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاتين القبيلتين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما (غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله) تعالى قال القرطبي إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهاتين القبيلتين لأنهما أسلمتا طوعًا من غير قتال ولا إكراه ويحتمل أن يكون ذلك خبرًا عما فعل الله بهاتين القبيلتين من المغفرة والمسالمة لهما وكيفما كان المعنى فقد حصل لهما فخر السابق وأجر اللاحق وفيه مراعاة التجنيس في الألفاظ وشارك المؤلف في رواية قصة إسلام أبي ذر أحمد في مسنده [5/ 174] والبخاري في المناقب باب قصة إسلام أبي ذر [3522] وفي فضائل الصحابة باب إسلام أبي ذر [3861].
ثم ذكر المؤلف التابعة في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه فقال:
6205 -
(0)(0)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر الغفاري وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة النضر بن شميل لهدّاب بن خالد (و) لكن (زاد) النضر بن شميل على هدّاب (بعد قوله) أي بعد قول أبي ذر لأنيس (فاكفني حتى أذهب فانظر قال نعم) مقول لقوله أي زاد النضر بعد هذا المقول
وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهمُوا.
6206 -
(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. قَال: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ أَخِي، صَلَّيتُ سَنَتَينِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
لفظة (وكن) يا أبا ذر (على حذر) واحتياط (من أهل مكة) وهذا مع ما بعده هو الزيادة (فإنهم) أي فإن أهل مكة (قد شنفوا) وأبغضوا (له) أي لهذا الرجل الصابئ فيهم يعني محمدًا (وتجهّمو) هـ أي قابلوه بوجوه غليظة قبيحة كريهة ولذلك قالوا فيه ساحر مجنون كاهن فمن يسأله لا ينجو منهم قال القرطبي قوله "قد شنفوا له" من باب فرح أي أبغضوه وعبسوا في وجهه يقال شنف له كفرح أبغضه وتنكّره فهو شنف بوزن فرح والشانف المعرض عن الشيء يقال إنه لشانف عنَّا بأنفه أي رافع له كذا في القاموس قوله "وتجهموا" من التجهم فهم مشتق من الجهم وهو الوجه الغليظ المجتمِع السمج وجهمه من باب منع وسمع وتجهّمه وتجهم له إذا استقبله بوجه كريه والحاصل أن أنيسًا لما أذن لأبي ذر رضي الله عنه في الذهاب إلى مكة حذّره من أهلها لأن أنيسًا لما ذهب إلى مكة أولًا رأى في وجوه أهلها غلظة وكراهية للمسلمين ولمن يستخبر عن شأنهم فأشار أنيس على أبي ذر بأن يكون منهم على حذر لئلا يصيبوه بإيذاء.
ثم ذكر المؤلف المتابعة فيها ثانيًا فقال:
6206 -
(0)(0)(حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثني) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (قال أنبأنا) أي أخبرنا عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) بابا (عن حميد بن هلال) العدوي (عن عبد الله بن الصامت قال قال أبو ذر) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لسليمان بن المغيرة (يا ابن أخي صليت سنتين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أي قبل لقائه كما في الرواية السابقة وهذه الرواية تعارض رواية سليمان بن المغيرة بأنه صلَّى قبل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين من حيث العدد فيجمع بينهما بأنه صلّى قبل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف سنة فكملت الرواية الأولى الكسر فجعلت العدد ثلاث سنين
قَال: قُلْتُ: فَأَينَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَال: حَيثُ وَجَّهَنِي اللهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ. قَال: فَلَمْ يَزَلْ أَخِي، أُنيسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ. قَال: فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا، وَقَال أَيضًا فِي حَدِيثِهِ: قَال: فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبيتِ وَصَلَّى رَكْعَتَينِ خَلْفَ الْمَقَامِ. قَال: فَأَتَيتُهُ،
ــ
وهذه الرواية أسقطت الكسر فجعلته سنتين ولم أر من تعرض لهذا الجمع أحدًا من الشراح والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قال) عبد الله بن الصامت (قلت) لأبي ذر (فأين كنت توجّهُ) بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تَفعَّل الخماسي أي فإلى أي جهة تتوجه في صلاتك (قال) أبو ذر أتوجه (حيث وجّهني الله) تعالى إليه (واقتص) أي ذكر عبد الله بن عون (الحديث) السابق (بنحو حديث سليمان بن المغيرة) أي بقريبه في المعنى واللفظ (و) لكن (قال) ابن عون (في الحديث فتنافرا) أي تحاكما أي تحاكم أنيس والرجل الآخر المتسابق معه (إلى رجل من الكهان) أشعر منهما (قال) أبو ذر (فلم يزل أخي أنيس يمدحه) أي يمدح ذلك الكاهن (حتى غلبه) أي حتى غلب أنيس الرجل الآخر في الشعر (قال) أبو ذر (فأخذنا صرمته) أي صرمة الرجل الآخر وإبله لعوض المسابقة لأن أنيسًا غلبه (فضممناها) أي ضممنا صرمة الرجل الآخر (إلى صرمتنا) أي إلى إبلنا فجمعنا الصرمتين قوله (فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه" قال القرطبي أي إنه لم يزل ينشد الشعر المقتضي المدح حتى حكم له الكاهن بالغلبة على الآخر وأنه أشعر منه ولعلّ مراده أن أنيسًا جعل ينشد الأشعار في مدح الكاهن نفسه مرتجلًا وعجز الآخر عن ذلك فحكم له الكاهن بالغلبة فأخذ صرمة الآخر فجمعناها مع صرمتنا قال القرطبي أيضًا وإنما ذكر أبو ذر هذا المعنى ليبين أن أخاه أنيسًا كان شاعرًا مجيدًا بحيث يحكم له بغلبة الشعراء ومن هو كذلك يعلم أنه عالم بالشعر ولما كان كذلك وسمع القرآن علم يقينًا أنه ليس بشعر كما قال سابقًا: وقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر اهـ.
(وقال) ابن عون (أيضًا في حديثه) أي في روايته (قال) أبو ذر (فجاء النبي صلّي الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام قال) أبو ذر (فأتيته) صلى الله
فَإِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحيَّةِ الإِسْلامِ. قَال: قُلْتُ: السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "وَعَلَيكَ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ". وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: فَقَال: "مُنْذُ كَمْ أَنْتَ ههُنَا؟ " قَال: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشرَةَ، وَفِيهِ: فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ اللَّيلَةَ.
6207 -
(2458)(3) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَتَقَارَبَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَاللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا المُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ،
ــ
عليه وسلم فسلمت عليه (فإني لأوَّل الناس حيّاه) صلى الله عليه وسلم (بتحية الإسلام قال) أبو ذر فـ (ـقلت) له (السلام عليك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليَّ (وعليك السلام من أنت وفي حديثه) أي وفي حديث ابن عون وروايته (أيضًا فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (منذ كم) أي كم زمن (أنت) كائن (ها هنا) أي في مكة فأنت مبتدأ واسم الإشارة خبره ومنذ ظرف زمان مضاف إلى كم وكم اسم استفهام في محل الجر مضاف إليه والظرف متعلق بالنسبة الكائنة بين المبتدأ والخبر والمعنى كم من الزمان كنت ها هنا (قال) أبو ذر فـ (ـقلت) له صلى الله عليه وسلم كنت ها هنا (منذ خمس عشرة) ليلة أي مدة خمس عشرة ليلة فلا يعارض هذا ما مرَّ من قوله كنت ها هنا منذ ثلاثين إلخ لأنه عدّ اليوم والليلة في السابق كلَّا على حدته وهنا أدخل اليوم في الليلة (وفيه) أي وفي حديث ابن عون أيضًا (فقال أبو بكر أتحفني) أي أكرمني وخصني (بضيافته) هذه (الليلة) وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين روايتي سليمان بن المغيرة وابن عون والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن الصامت بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال:
6207 -
(2458)(3)(وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات ابن اليزيد (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري نزيل بغداد ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (وتقاربا في سياق الحديث) أي في سوقه وترتيبه في المعنى (و) لكن (اللفظ) الآتي (لابن حاتم قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا المثنى بن سيد) الضبعي بضم
عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَال لأخَيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي. فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ. فَاسْمَع مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أبِي ذَرٍّ فَقَال: رَأَيتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. وَكَلامًا مَا هُوَ بِالشعْرِ. فَقَال: مَا شَفَيتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ، فِيهَا مَاءٌ
ــ
المعجمة وفتح الموحدة الذرَّاع القسام البصري القصير ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي جمرة) نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (لمّا بلغ أبا ذر) الغفاري خبر (مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة) أي من مكة المكرمة (قال) أبو ذر (لأخيه) أي لواحد من إخوته وهو غير أنيس (اركب) جملك يا أخي واذهب (إلى هذا الوادي) يعني وادي مكة (فاعلم لي) أي فاستخبر لي (علم هذا الرجل) أي خبر هذا الرجل (الدي يزعم أنَّه يأتيه الخبر) أي الوحي (من) رب (السماء فاسمع) لي (من قوله) أي بعض ما يقوله (ثم ائتني) وارجع إليّ بخبره (فانطلق) الأخ (الآخر) أي غير الذي أمر وهو أنييس الذي يعرف الشعر أي ذهب أنيس إلى مكة (حتى قدم مكة وسمع من قوله) أي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم رجع) أنيس (إلى أبي ذر فقال) أنيس لأبي ذر (رأيته) أي رأيت ذلك الرجل (يأمر) الناس (بمكارم الأخلاق) ومحاسنها كالعفاف والإنفاق على الأرامل والأيتام وصلة الرحم والتوحيد (و) يقول (كلامًا ما هو بالشعر) يعني القرآن (فقال) أبو ذر لأخيه أنيس (ما شفيتني) أي ما أزلت وكشفت عني (فيما أردت) أي مما أخذني من الهم الذي أردت الشفاء عنه وهو معرفة يقين خبر الرجل قال النووي هكذا في جميع نسخ مسلم "فيما" بلفظ في وفي رواية البخاري "مما" بلفظ من وهو أجود وأوضح أي ما بلغتني غرضي وأزلت عني هم كشف هذا الأمر اهـ والمعنى ما أتيتني بالتفاصيل التي كنت أحب أن أعرفها في شأن هذا الرجل (فتزود) أبو ذر أي أخذ زاد السفر من الطعام (وحمل) معه (شنّة) أي قربة بالية (له فيها ماء) وهذه الرواية صريحة في أن أبا ذر كان معه زاد حين سافر إلى مكة وقد مرّ في رواية عبد الله بن الصامت أنه لم يكن له طعام إلا ماء زمزم مدة ثلاثين بين يوم وليلة ويمكن
حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَعْرِفُهُ. وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ. حَتَّى أَدْرَكَهُ -يَعْنِي اللَّيلَ- فَاضْطَجَعَ. فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ. فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيءٍ. حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قُرَيبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَمْسَى. فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ. فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ. فَقَال: مَا أَنَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟
ــ
الجمع بينهما بأنه كان معه زاد في ابتداء السفر ولكنه قد فني بعد وصوله إلى مكة أي تزود أبو ذر وذهب (حتى قدم مكة فأتى المسجد) الحرام (فالتمس) أي طلب (النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (لا يعرفه وكره) أبو ذر (أن يسأل) الناس (عنه) صلى الله عليه وسلم (حتى أدركه) أي أدرك أبا ذر الليل ودخل عليه (يعني) الرَّاوي بقوله حتى أدركه (الليل) وقوله (فاضطجع) أبو ذر للنوم معطوف على أدركه (فرآه) أي فرأى أبا ذر (عليَّ) بن أبي طالب مضطجعًا في الحرم (فعرف) عليٌّ (أنه) أي أن هذا المضطجع رجل (غريب) ليس من أهل البلد (فلما رآه) أي لما رأى علي أبا ذر (تبعه) أي تبع أبو ذر عليًّا إلى بيتهم (فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء) من أحواله (حتى أصبح) أي حتى دخل أبو ذر في الصباح (ثم) بعدما أصبح أبو ذر (احتمل) أي حمل أبو ذر (قريبته) بالتصغير أي قربته الصغيرة التي فيها الماء وفي بعض النسخ قربته بالتكبير وهي الثنة المذكورة أولًا (وزاده) أي أخذهما ورجع (إلى المسجد) الحرام وهذا يدل على أن أبا ذر كان معه زاد إلى ذلك الحين فيبعد التوفيق بينه وبين ما مرت في رواية عبد الله بن الصامت (فظل ذلك اليوم) أي صار أبو ذر طول ذلك اليوم في المسجد (ولا يَرَى) أي والحال أنه لم ير (النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى) أي دخل في المساء وهو أي المساء من زوال الشمس إلى نصف الليل (فعاد) أي رجع أبو ذر (إلى مضجعه) أي محل ضجاعه في الليل الأول (فمرَّ به) أي على أبي ذر في الليل الثاني (عليُّ) بن أبي طالب (فقال) له عليّ: (ما أنى) بالقصر أي ما قرب (للرجل) وفي بعض النسخ "آن" بالمد وهما لغتان أي ما حان وقرب وفي بعض النسخ أما بزيادة ألف الاستفهام وهي مراده في الرواية الأولى أي أما أنى ولكن حذفت وهو جائز اهـ نووي أي أما قرب للرجل (أن يعلم) ويعرف (منزله) الذي يسكن فيه وهذا الكلام يحتمل معنيين الأول أنك لا تزال
فَأَقَامَهُ. فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ. وَلَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيءٍ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقَامَهُ عَلِيٌّ مَعَهُ. ثُمَّ قَال لَهُ: أَلا تُحَدِّثُنِي؟ مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَال: إِنْ أَعْطَيتَنِي عَهْدًا وَمِيثاقًا لَتُرْشِدَنِّي، فَعَلْتُ. فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ. فَقَال: فَإِنَّهُ حَقٌّ. وَهُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي. فَإِنِّي إِنْ رَأَيتُ شَيئًا أَخَافُ عَلَيكَ، قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ. فَإِنْ مَضَيتُ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي. فَفَعَلَ. فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ. حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
ــ
غريبًا إلى الآن ولم تهتد إلى منزل معين ترجع إليه وتبيت فيه والثاني أني دعوتك بالأمس إلى منزلي وصرت ضيفًا لي فصار منزلي كأنه منزلك أما عرفت ذلك إلى الآن حتى تنتظر أن أدعوك مرة ثانية (فأقامه فذهب به معه) إلى منزله (ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء) من شؤونه (حتى إذا كان يوم الثالث) من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي حتى إذا كان اليوم الثالث (فعل) عليٌّ بأبي ذر (مثل ذلك) أي مثل ما فعل به في اليوم الثاني وفسره بقوله أي (فأقامه عليٌّ) فذهب به (معه) إلى منزله (ثم) بعدما ذهب به (قال له) علي بن أبي طالب (ألا تحدثني) وتخبرني (ما) الأمر (الذي أقدمك هذا البلد) أي أيُّ شيء أقدمك هذا البلد (قال) أبو ذر لعلي (إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا) وهو العهد المؤكد باليمين (لترشدني) أي على أن ترشدني وتدلني إلى مقصودي (فعلت) ذلك أي أخبرتك بالذي أقدمني هذا البلد (ففعل) علي ذلك أي أعطى له العهد والميثاق على ذلك (فأخبره) أبو ذر الأمر الذي أقدمه هذا البلد من معرفة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به إن كان حقًّا (فقال) له علي بن أبي طالب (فإنه) أي فإن بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الخلق (حق) أي صدق (وهو) أي محمد صلى الله عليه وسلم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك لظهور علامة صدقه عليه (فإذا أصبحت) يا أبا ذر أي دخلت في الصباح والفاء فيه للإفصاح (فاتبعني) أي فالحقني (فإني إن رأيت شيئًا أخافـ) ـه (عليك قمت كأني أريق الماء) ولعل المراد منه البول وفي رواية ابن قتيبة عند البخاري "كأني أصلح نعلي"(فإذا مضيت) أي دمت في مشيي ولم أقف في الطريق أو وقفت ثم مضيت بعد حصول الأمن من الخوف (فاتبعني) أي فالحقني ولا تقف (حتى تدخل مدخلي) أي محل دخولي (ففعل) عليٌّ ذلك الذي قاله لأبي ذر (فانطلق) أبو ذر معه حالة كونه (يقفوه) أي يقفو عليًّا ويتبعه (حتى دخل) عليّ به (على النبي صلّي الله عليه
وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ. فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي". فَقَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَينَ ظَفرَانَيهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ. فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ
ــ
وسلم ودخل معه) أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسمع) أبو ذر (من قوله) صلى الله عليه وسلم أي بعض قوله صلى الله عليه وسلم من بعث الله تعالى له إلى الناس كافة (وأسلم) أبو ذر (مكانه) بالنصب على نزع الخافض أي أسلم في مكانه ذلك بلا تأخر كأنه كان يرتقب بعض العلامات في النبي صلى الله عليه وسلم فلما تحققها لم يتردد في الإسلام.
وهذه الرواية مخالفة لما مر من رواية عبد الله بن الصامت لأن مقتضى هذه الرواية أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة من علي بن أبي طالب وقد مر في رواية ابن الصامت أنه لقيه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل وأن أبا بكر هو الذي أضافه بعد ذلك بعدما بقي ثلاثين من بين يوم وليلة في المسجد لا يطعم شيئًا إلا ماء زمزم والجمع بينهما متعذر جدًّا.
(فقال له النبي صلّي الله عليه وسلم ارجع إلى قومك) بني غفار (فأخبرهم) الإسلام وعلمهم (حتى يأتيك أمري) وشأني من الهجرة عن هذه البلدة أو خبر ظهوري (فقال) أبو ذر (والذي نفسي بيده لأصرخنَّ) أي لأرفعن صوتي (بها) أي بكلمة التوحيد (بين ظهرانيهم) بفتح النون ويقال بين ظهريهم بحذف النون والألف ولفظة ظهرانيهم مقحم للتأكيد أي لأرفعن بها صوتي بين المشركين والمراد أنه يرفع صوته بها جهارًا بين المشركين وكأنه فهم أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه لئلا يؤذوه فأعلمه أن به قوة على ذلك ولهذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الأذية لمن قاله وإن كان السكوت جائزًا والتحقيق أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه اهـ فتح الباري [7/ 175](فخرج) أبو ذر من عند النبي صلى الله عليه وسلم (حتى أتى المسجد) الحرام (فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وثار القوم) من المشركين أي تحركوا وقاموا إليه (فضربوه) من كل
حَتَّى أَضْجَعُوهُ. فَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيهِ. فَقَال: وَيلَكُمْ، أَلَسْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ. وَأَنَّ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيهِمْ. فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا. وَثَارُوا إِلَيهِ فَضَرَبُوهُ. فَأَكَبَّ عَلَيهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ
ــ
الجوانب (حتى أضجعوه) أي أسقطوه على الأرض (فأتى العباس) بن عبد المطلب رضي الله عنه أي جاء العباس (فأكب) أي انكب وسقط (عليه) أي على أبي ذر خوفًا منهم على قتله (فقال) العباس لهم (ويلكم) يا معشر قريش أي ألزمكم الله الويل والهلاك (ألستم تعلمون أنه) أي أن هذا الرجل (من) بني (غفار) بن كنانة (وأن طريق) سفر (تجاركم) جمع تاجر كفجار جمع فاجر وهو من يقلب المال بعضه ببعض لغرض الربح (إلى الشام) يمر (عليهم) أي علي بني غفار وفي بلدانهم فكيف تؤذون من كان منهم فإنهم ينتقمون من تجاركم إذا مروا عليهم فانتبهوا لمصالحكم وقوله (فأنقذه) أي أنقذ العباس أبا ذر وأخرجه (منهم) أي من أيدي المشركين لئلا يهلكوه معطوف على قوله فأكب عليه (ثم عاد) ورجع أبو ذر (من الغد) من ذلك اليوم والغد اسم لليوم الذي بعد اليوم الذي كانت فيه متصلًا به أي رجع أبو ذر في الغد (بمثلها) أي إلى مثل تلك المقالة التي صرخ بها اليوم يعني مقالة الشهادتين (وثاروا) أي ثار المشركون واجتمعوا (إليه فضربوه) أيضًا (فأكب عليه العباس فأنقذه) منهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 114] والبخاري في مواضع منها في كتاب مناقب الأنصار باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه [3861].
واقتصر البخاري في صحيحه على رواية ابن عباس هذه فلعله رجحها على رواية ابن الصامت.
وقد ظهر بين طريق ابن عباس وطريق ابن الصامت فيما روياه من حديث أبي ذر اختلاف يبعد الجمع بينهما فيه ففي حديث ابن الصامت أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم أول ما لقيه ليلًا يطوف بالكعبة فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين بين يوم وليلة ولا زاد له وإنما يتغذى من ماء زمزم وفي حديث ابن عباس أنه كان له قربة وزاد وإن عليًّا أضافه ثلاث ليال ثم أدخله بيته فأسلم ثم خرج فصرخ بالإسلام وكل من السندين صحيح فالله يعلم أيَّ المتنين كان ويحتمل أن أبا ذر أتى النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة فأسلم ولم يعلم علي إذ ذاك ثم إن أبا ذر بقي مستترًا بحاله إلى أن استتبعه علي ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم فجدد إسلامه فظنَّ الراوي أن ذلك أول إسلامه وفي هذا الاحتمال بعد جدًّا والله أعلم بحقيقة الواقع ولم أر من الشارحين من نبّه على هذا التعارض اهـ من الأبي.
"قلت" والله أعلم لا تعارض بين الروايتين لأن رواية ابن عباس هي المرجحة على رواية ابن الصامت لأنها رواية صحابي عن صحابي وبدليل اقتصار البخاري عليها في صحيحه وقيل يجمع بينهما بتعدد الواقعة وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي برزة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث ابن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
****