المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأن الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌713 - (2) والخامس عشر منها باب فضائل جرير وابن عباس وابن عمرو وابن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌(714) - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما

- ‌715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان

- ‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

- ‌فضائل أبي سفيان بن حرب

- ‌فضائل جعفر بن أبي طالب

- ‌فضائل أسماء زوجة جعفر

- ‌فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌فضائل صهيب رضي الله عنه

- ‌717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دُورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب

- ‌718 - (7) "والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم

- ‌719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم

- ‌720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذُكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان

- ‌حكم سبّ الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها بابُ ذكر كذّاب ثقيف ومُبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلةً

- ‌ كتاب البر والصلة

- ‌722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة

- ‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

- ‌724 - (13) باب النهي عن الظن السيِّيء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضْل الحبّ في الله وفضْل عيادة المرضى

- ‌725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه

- ‌726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق

- ‌727 - (16) بابُ النهي عن لعن الدَّواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه وذمّ ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخَلْق الإنسان خلقًا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذَّب الناس بغير حقٍّ وأمر منْ يمرُّ بسلاحٍ في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح

- ‌729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله

- ‌730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحبّ الله عبدًا حببّه لعباده والأرواح جنود مجنّدة والمرء مع من أحبّ وإذا أُثني على الصالح فهي بشرى فلا تضرّه

- ‌ كتاب القدر

- ‌731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له

- ‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

- ‌733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى

- ‌كتاب العلم

- ‌734 - (23) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن وعن الاختلاف فيه وكون الألدّ الخصم أبغض الناس إلى الله واتباع سنن اليهود والنصارى وقوله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطِّعون

- ‌735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومنْ سَنَّ سنّةً حسنةً أو سيئة إلخ

الفصل: ‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأن الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

6583 -

(2628)(195) حدّثني محمد بْنُ حَاتِمٍ وإبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ وَأَحْمَدُ بن عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احتجَّ آدَمُ وَمُوسَى

ــ

732 -

(21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو حجاج آدم وموسى عليهما السلام بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6583 -

(2628)(195)(حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السَّمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (وإبراهيم بن دنيار) البغدادي أبو إسحاق التَمار ثقة من (10) روى عنه في (1) أبواب (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي) نزولًا صدوق من (10) نسب إلى جده روى عنه في (11) بابا (وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا) أي كلهم رووا (عن ابن عيينة واللفظ لابن أبي حاتم وابن دينار قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري مولاهم (قال) طاوس (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آم وموسى) عليهما السلام أي تحاجّا وتخاصما ومعنى التحاج ذكر كل من المتناظرين حجته اهـ أبي قال أبو الحسن القابسي التقت أرواحهما في السماء فوقع الحجاج والخصام بينهما قال القاضي عياض ويحتمل أنه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما وقد ثبت في حديث الإسراء أن النبي

ص: 538

فَقَال مُوسَى: يَا آدم، أَنتَ أَبُونَا، خَيَّبتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَال لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى. اصطَفَاكَ الله بِكَلامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أتلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيَّ قَبْلَ أن يَخلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة؟ " فَقَال النبِي صلى الله عليه وسلم:"فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَج آدَمُ مُوسَى"

ــ

صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلواته وسلامه عليهم أجمعين في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم قال فلا يبعد أن الله تعالى أحياهم كما جاء في الشهداء قال ويحتمل أن ذلك جرى في حياة موسى سأل الله تعالى أن يريه آدم فحاجه اهـ من المرشد على ابن ماجه (فقال موسى) لآدم وجملة القول مفسرة لما قبلها (يا آدم أنت أبونا) الذي (خيبتنا) أي أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران يقال خاب يخيب ويخوب أي جعلتنا خائبين محرومين من نعيم الجنة وقوله (وأخرجتنا من الجنة) بخطيئتك معطوف على خيبتنا عطف سبب على مسبب وفي ابن ماجه زيادة "بذنبك" أي بأكلك من الشجرة فلو لم تأكل من الشجرة لم نقع في الخيبة وفي رواية "أنت آدم أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة" وفي رواية "أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض" ومعناه كنت سبب خيبتنا وإغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها إخراجك من الجنة ثم تعرضنا نحن لإغواء الشياطين والغي الانهماك في الشرّ وفيه جواز إطلاق الشيء على سببه اهـ من المرشد (فقال له) أي لموسى (آدم) يا موسى كما في رواية ابن ماجه (أنت موسى) الذي (اصطفاك الله) سبحانه وخصك (بـ) سماع (كلامه) المقدس في الدنيا (وخط لك) أي كتب لك التوراة كما في ابن ماجه (بيده) المقدسة (أتلومني) وتعاتبني (على أمرٍ) وعملِ (قدّره الله) تعالى وحكمه (عليَّ) في سابق علمه (قبل أن يخلقني) وينفخ في الروح (بأربعين سنة) حين خمر طينتي فكيف يمكنني الامتناع من أكل الشجرة بعد ما قدره علي. (فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك (فحج آدم) وغلب (موسى) بالحجة وقوله (فحجَّ آدمُ موسى) كرره للتأكيد أي غلبه بالحجة بأن ألزمه بأن العبد ليس بمستقل بفعله ولا متمكن من تركه بعد أن قضي عليه من الله تعالى وما كان كذلك لا يحسن اللوم عليه عقلًا وأما اللوم شرعًا فكان منتفيًا بالضرورة إذ ما شرع لموسى أن يلوم آدم في تلك الحالة وهو أيضًا في عالم البرزخ وهو غير عالم التكليف حتى توجّه فيه اللوم شرعًا وأيضًا لا لوم على تائب ولذلك ما تعرَّض لنفيه آدم في الحجة وعلى هذا لا يرد أن هذه الحجة ناهضة لفاعل ما يشاء لأنه ملوم

ص: 539

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ. قَال أَحَدُهُمَا: خَط. وَقَال الآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ.

6584 -

(00)(00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى. فَحَج آدم مُوسَى. فَقَال لَهُ مُوسَى:

ــ

شرعًا بلا ريب اهـ سندي (وفي حديث ابن أبي عمر وابن عبدة) وروايتهما (قال أحدهما خط) بيده (وقال الآخر كتب لك التوراة بيده) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ومفادهما واحد.

قوله "قبل أن يخلقني بأربعين سنة" قال المازري الأربعون قبل خلقه تاريخ محدود وقضاء الله تعالى في الكائنات بهارادته لها أزليان فيجب حمل الأربعين على أنه أظهر قضاءه بذلك للملائكة عليهم السلام اهـ سنوسي قال التوربشتي ليس معنى قول آدم كتبه الله عليّ ألزمه إيّاي وأوجبه على فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار وإنما المعنى أن الله تعالى أثبته في أُمِّ الكتاب قبل كوني وحكم بأنه كائن لا محالة فهل يمكن أن يصدر عنّي خلاف علم الله فكيف تغفل عن العلم وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر اهـ دهني.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 264] والبخاري في مواضع منها في القدر باب تحاجّ آدم وموسى عند الله [6614] وفي التوحيد باب قول الله تعالى وكلم الله موسى تكليما [7515] وأبو داود في السنة في القدر [4701] والترمذي في القدر باب رقم [2135] وابن ماجه في المقدمة باب في القدر (68).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6584 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس فيما قُرئ عليه عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لطاوس بن كيسان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحاجَّ) أي تناظر وتخاصم (آم وموسى) عليهما السلام (فحجَّ) أي غلب (آدم موسى) في المحاجّة والمناظرة أي غلبه

ص: 540

أَنْتَ آدَمُ الذِي أَغويتَ النَّاسَ وَأَخْرَجتَهُمْ مِنَ الْجَنّةِ؟ فَقَال آدَمُ: أَنتَ الذِي أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُل شَيءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالتِهِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبلَ أن أُخْلَقَ؟ "

ــ

بإقامة الحجة عليه وظهر عليه بها وأسكته (فقال له) أي لآدم (موسى) في المحاجَّة (أنت آدم الذي أغويت النَّاس) أي كنت سببًا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة ولو لم يقع الإخراج منها ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الإغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في المعاصي ويطلق أيضًا على مجرد الخطأ (وأخرجتهم من الجنة) أي تسببت في خروجهم من الجنة قال القاضي أي أنت السبب في إخراجهم وتعريضهم لإغواء الشيطان ويحتمل أنه لما غوى هو بمعصيته بقوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} وهم ذريته سموا غاوين وأما بالنسبة لآدم فقيل معناه جهل وقيل أخطأ اهـ (فقال) له (آدم أنت) موسى (الذي أعطاه الله) تعالى: (علم كل شيء) من الأحكام المشروعة على لسانه (واصطفاه) الله واختاره (على الناس) أي على عالمي زمانه (برسالته) وبعثته بالتوارة (قال) موسى لآدم (نعم) أنا كذلك (قال) آدم أ (فتلومني) وتعاتبني (على أمر قُدّر) وحكم (على قبل أن أُخلق) والمراد بالتقدير الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة وألواحها أي كتبه على قبل خلقي بأربعين سنة ومعنى كلام آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر عليَّ فلا بد من وقوعه ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على ردّ مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجًا بالشرع.

"فإن قيل" فالعاصي منَّا لو قال الآن هذه المعصية قدَّرها الله على قبل أن أُخلق لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقًا فيما قاله "فالجواب، أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي عقوبته ولومه زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من مرشد ذوي الحجا إلى سنن ابن ماجه.

ص: 541

6585 -

(00)(00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ. حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدثني الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ، (وَهُوَ ابْنُ هُرْمُزَ)، وَعَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عليهما السلام عِنْدَ رَبهِمَا. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

ــ

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6585 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني ثقة من (8) روى عنه في (9) أبواب. (حدّثني الحارث) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد (بن أبي ذباب) الدوسي المدني صدوق من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن يزيد وهو ابن هرمز) المدني أبي عبد الله الليثي مولاهم وهو غير يزيد الفارسي ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين الجهاد والقدر مات على رأس المائة [100](و) عن (عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب كلاهما (قالا سمعنا أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الحارث بن أبي ذباب لأبي الزناد في الرواية عن الأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام أي تناظرا وتجادلا (عند ريهما) ذكر الحافظ في الفتح [11/ 505] عن بعض شيوخه أن هذه المحاجَّة تقع منهما يوم القيامة عند ربهما ووقع في حديث لعمر رضي الله عنه عند أبي داود في كتاب السنة من سننه رقم [4702] مرفوعًا "إنَّ موسى قال يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله آدم فقال أنت أبونا آدم فقال له آدم نعم" فذكر الحديث بمثل حديث أبي هريرة واستدل به بعض العلماء على أن هذه المحاجّة وقعت في الدنيا قبل موت موسى وذكر الحافظ القولين ثم قال "فليس قول البخاري في ترجمته عند الله صريحًا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ.

(فحجَّ آدمُ موسى) أي غلبه بإظهار الحجة عليه وأسكته ثم بين كيفية المحاجة بقوله

ص: 542

قَال مُوسَى: أَنتَ آدَمُ الذِي خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ في جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إلَى الأرضِ؟ فَقَال آدمُ: أَنتَ مُوسَى الذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَعْطَاكَ الألوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُل شَيءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللهَ كَتَبَ التَّورَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَال مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا. قَال آدم: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]. قَال: نَعَمْ. قَال: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا

ــ

(قال) موسى لآدم (أنت آدم الذي خلقك الله) وأنشأك واخترعك (بيده) المقدسة (ونفخ فيك) أي في جسمك روحًا (من) جنس (روحه) والإضافة فيه للتشريف أو من زائدة (وأسجد لك ملائكته) أي أمرهم بالسجود لك (وأسكنك) أي أدخلك (في جنته ثم أهبطت الناس) أي أهبطت نفسك وذريتك التي في ظهرك (بـ) ـسبب (خطيئتك) ومخالفتك نهى ربك عن أكل الشجرة أي أهبطت نفسك وإياهم بسببها من الجنة (إلى الأرض فقال آدم) لموسى في جواب سؤاله (أنت موسى الذي اصطفاك) واختارك (الله) سبحانه من عالمي زمانه (برسالته وبـ) سماع (كلامه) المقدّس (وأعطاك الألواح) التي (فيها تبيان) أي بيان (كلّ شيء) تحتاج إليه أمتك من الأحكام التي بعثت بها يعني الألواح التي قال الله تعالى فيها: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ} [الأعراف: 145]. وهي جمع لوح بفتح اللام وسُمي بمصدر لاح الشيء يلوح لوحًا من باب قال إذا ظهر وسُمي بذلك لظهور ما يكتب فيه فأما اللوح بضم اللام فهو ما بين السماء والأرض قال مجاهد كانت الألواح سبعة من زمردة خضراء وقال ابن جبير من ياقوتة حمراء ومعنى كتبنا خلقنا فيها قومًا وخطوطًا مكتوبة مثل الذي يكتب بالأقلام أو أمرنا من يكتب وقوله "فيها تبيان كل شيء" أي كل شيء قصد إلى تبيينه أو من كل نوع شيئًا أو من كل أصل فرعًا اهـ من المفهم قلت والظاهر أنه كتبنا فيها كل شيء يحتاج إليه من أحكام شريعته (وقرَّبك) إليه قربًا يليق بجنابه حالة كونك (نجيًا) أي مناجيًا معه من المناجاة وهي المُسارَّة بالكلام والمعنى اختارك للقرب والمناجاة (فبكم) مدة (وجدت الله) سبحانه أي علمته كتب التوارة قبل أن أُخلق قال موسى) وجدته كتب (بأربعين عامًا) قبل خلقك (قال آدم) لموسى (فهل وجدت فيها) أي في التوراة لفظة {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] ، (قال) موسى (نعم) وجدته فيها (قال) آدم (أفتلومني) وتعاتبني (على أن عملت عملًا) أي على

ص: 543

كَتَبَهُ الله عَلَيَّ أن أَعْمَلَهُ قَبْلَ أن يَخلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى".

6586 -

(00)(00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ حَاتِمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ؛ احتجَّ آدمُ وَمُوسَى. فَقَال لَهُ مُوسَى: أنتَ آدَمُ الذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَال لَهُ آدَمُ: أَنتَ مُوسَى

ــ

عملي عملًا كتبه الله (تعالى (علي أن أعمله) والجملة بدل من مفعول كتبه أي كتب الله على عملي إياه (قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجَّ آدم موسى) أي غلبه بالحجة وأسكته لأن موسى قد علم من التوراة بأن الله تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب فلوم موسى وعتبه له مع علمه بأن الله قدَّر المعصية وقضى بالتوبة وبإسقاط اللّوم والمعاتبة حتى صارت تلك المعصية كان لم تكن خبر وقع في غير محله وعلى غير مستحقه وكان هذا من موسى نسبة جفاء في حالة صفاء كما قال بعض أرباب الإشارات ذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء وهذا الوجه أشبه ما ذكروه في علة غلبة آدم موسى في المحاجّة اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6586 -

(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب و) محمَّد (بن حاتم قالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهريّ المدني ثقة من (9)(حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من (8)(عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (عن أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حميد بن عبد الرحمن لطاوس بن كيسان وللأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجَّ آدم وموسى) أي تحاجّا وتناظرا برفع موسى عطفًا على آدم قال النووي هكذا الرواية في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشرّاح وأهل الغريب "فحجَّ آدم وموسى" برفع آدم وهو فاعل وعطف موسى عليه أي تحاجّا وتناظرا (فقال له) أي لآدم (موسى أنت) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أنت (آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم) أ (أنت) أي هل أنت (موسى

ص: 544

الذِي اصْطَفَاكَ الله بِرِسَالتِهِ وَبِكَلامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَج آدمُ مُوسَى".

6587 -

(00)(00) حدّثني عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أيوبُ بْنُ النَّجَّارِ اليَمَاميُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ

ــ

الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدّر على قبل أن أخلق فحجَّ آدم موسى) أي أسكته بالحجة.

ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6587 -

(00)(00)(حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد حدثنا أيوب بن النجّار) يحيى بن زياد الحنفي أبو إسماعيل (اليمامي) قاضيها روى عن يحيى بن أبي كثير في القدر وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وجماعة ويروي عنه (خ م س) وعمرو الناقد وأحمد وقتيبة وعدة وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وذكر له (خ م) حديثًا واحدًا سمعه من يحيى بن أبي كثير وهو حديث محاجة آدم وموسى ولم يسمع منه سواه وقال في التقريب ثقة مدلّس من الثامنة (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5)(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من (3)(عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن أبي هريرة (ح وحدثنا) محمَّد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همّام بن منبّه) بن كامل اليماني (عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة وساقا أي أبو سلمة وهمام بن منبه (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث طاوس والأعرج وحميد بن عبد الرحمن.

ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

ص: 545

6588 -

(00)(00) وحدّثنا محمد بْنُ مِنهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ محمد بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.

6589 -

(2629)(196) حدّثني أَبُو الطاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي أَبُو هَانِيءٍ الْخَوْلانِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحْمَنِ الحُبُلِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كَتَبَ الله مَقَادِيرَ الْخَلائقِ

ــ

6588 -

(00)(00)(وحدَّثنا محمَّد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي أبو عبد الله البصري ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي البصري ثقة من (8)(حدثنا هشام بن حسَّان) الأزدي القردوسي البصري ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب. (عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن سيرين لمن روى عن أبي هريرة وساق محمَّد بن سيرين (نحو حديثهم) أي قريب حديث من روى عن أبي هريرة من المذكورين سابقًا أي قريبه لفظًا ومعنى والنحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض لفظه وبعض معناه والله أعلم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كتابة الله المقادير قبل خلق السماوات والأرض بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال:

6589 -

(2629)(196)(حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي المصريّ (أخبرني أبو هانئ الخولاني) حميد بن هانئ المصري قال أبو حاتم صالح وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال في التقريب لا بأس به من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) بضم الحاء والباء وبفتح الباء أيضًا نسبة إلى بني الحبل حتى في اليمن عبد الله بن يزيد المصري ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل القرشي السهمي المدني الصحابي الشهير رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن عمرو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله) سبحانه وتعالى (مقادير الخلائق)

ص: 546

قَبلَ أَنْ يَخلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة. قَال: وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ"

ــ

جمع قدر بفتحتين وهو قضاء الله وحكمه الذي قدّره وحكمه على الخلائق أزلًا قبل وجود الكائنات الذي يجري عليها فيما لا يزال بعد وجودها (قبل أن يخلق السماوات والأرض بـ) ـقدر (خمسين ألف سنة) مما تعدّون أي أثبتها في اللوح المحفوظ أو فيما شاء فهو توقيت للكتب لا للمقادير لأنها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته وذلك قديم لا أول له ويستحيل عليه تقديره بالزمان إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود ولا زمان ولا مكان وهذه الخمسون ألف سنة سنون تقديرية إذ قبل خلق السماوات لا يتحقق وجود الزمان فإن الزمان الذي يعبر عنه بالسنين والأيام والليالي إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية فقبل السماوات لا يوجد ذلك وإنما يرجع ذلك إلى مدة في علم الله تعالى لو كانت السماوات موجودة فيها لعددت بذلك العدد وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام} [الأعراف: 54]. أي في مقدار ستة أيام ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا كما قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، وكقوله:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في تاريخه عنهم ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألفًا جاء مجيء الإغياء في التكثير ولم يرد عين ذلك العدد فكأنه قال كتب الله مقادير الخلق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة وأزمان عديدة وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] والأول أظهر وأولى اهـ من المفهم.

والمذهب الصحيح أن كتابة الله المقادير قبل السماوات والأرض بمقدار خمسين ألف سنة صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤوّلها كما أوَّلها المؤولون والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (وعرشه) قبل خلق السماوات والأرض (على الماء) أي فوق الماء الذي تحت الأرضين ليس بينه وبينه شيء قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] أي فوق الماء إذ لم تكن سماء ولا أرض اهـ.

ص: 547

6590 -

(00)(00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الْمُقرِئُ. حَدَّثَنَا حَيوَةُ. ح وَحَدَّثَنِي محمد بْنُ سَهْلٍ التمِيمِي. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، (يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ). كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هَانِيء، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. غَيرَ أَنهُمَا لَمْ يَذْكُرَا:"وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ".

6591 -

(2630)(197) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُقرِئِ. قَال زُهَيرُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في القدر باب 12 حديث رقم [2157].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال:

6590 -

(00)(00)(حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدَّثنا) عبد الله بن يزيد القصير (المقرئ) أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة مولى آل عمر أبو عبد الرحمن المصري نزيل مكة ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصريُّ ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدَّثني محمَّد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمَّد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحيُّ مولاهم أبو محمَّد المصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا نافع يعني ابن يزيد) الكلاعي بفتح الكاف واللام الخفيفة أبو يزيد المصري ثقة من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والقدر (كلاهما) أي كل من حيوة ونافع بن يزيد رويا (عن أبي هانئ) حميد بن هانئ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لعبد الله بن وهب وساقا (مثله) أي مثل حديث عبد الله بن وهب (غير أنهما) أي لكن أن حيوة ونافع بن يزيد (لم يذكرا) في حديثهما لفظة (وعرشه على الماء).

ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تصريف الله القلوب كيف شاء بحديث آخر لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال:

6591 -

(2630)(197)(حدَّثني زهير بن حرب و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير كلاهما عن المقرئ) عبد الله بن يزيد المصري (قال زهير حدثنا عبد الله بن يزيد

ص: 548

الْمُقْريءُ. قَال: حَدَّثَنَا حَيوَةُ. أَخبَرَنِي أبُو هَانِيءٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبدِ الرَّحمنِ الْحُبُلِيَّ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِن قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلهَا بَينَ إِصْبَعَينِ من أَصَابعِ الرحمن. كَقَلْبٍ وَاحِدٍ. يُصَرِّفُهُ حَيثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ مُصَرفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".

6592 -

(2631)(198) حدّثني عَبدُ الأعْلَى بْنُ حَمَّادٍ

ــ

المقرئ قال حدثنا حيوة) بن شريح (أخبرني أبو هانئ) حميد بن هانئ (أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبليّ) عبد الله بن يزيد المصري (أنّه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من سداسياته (أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قلوب بني آدم كلِّها) بالنصب على أنه تأكيد لقلوب كائنة (بين إصبعين من أصابع الرحمن) حالة كونها (كقلب واحد) صفة أولى لقلب وجملة قوله (يصرّفه) أي يصرّف ذلك القلب ويقلبه (حيث يشاء) إن شاء قلبه إلى الهداية وإن شاء قلبه إلى الغواية والأصبع صفة من صفات ذاته تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نؤولها وفي رواية ابن ماجه عن النواس بن سمعان زيادة "إن شاء" الرحمن هدايته "أقامه" أي أثبته على الطريق المستقيم "وإن شاء" خذلانه "أزاغه" أي أماله وأضفه عن طريق الهدى والرشاد (ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرّف القلوب) أي مقلبها إلى ما شاء من هداية أو غواية (صرّف قلوبنا) أي قفب قلوبنا ووجهنا إلى دينك القويم وثبتها (على طاعتك) وعبادتك ولا تزلزلها عن طاعتك قال الأبي والمعنى أن القلوب غير ثابتة على شيء فليحذر العاقل بقلبه وليفزع إلى ربه في حفظه اهـ.

وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه أحمد [2/ 168].

ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو كون كل شيء بقدر بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:

6592 -

(2631)(198)(حدثني عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي البصري المعروف بالنرسيّ نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى ثقة من (10) روى عنه في

ص: 549

قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَدْرَكْتُ نَاسًا من أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: كُل شَيءٍ بِقَدَرٍ. قَال: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُل شَيءٍ بِقَدَرٍ. حَتَّى العَجْزُ وَالْكَيسُ، أَو الكَيسُ وَالعَجزُ"

ــ

(7)

أبواب (قال قرأت على مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك فيما قرئ عليه عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني المكي نزيلها ثم اليمنى ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب. (عن عمرو بن مسلم) الجندي بفتح الجيم والنون اليماني روى عن طاوس في القدر وعكرمة ويروي عنه (م د ت س) وزياد بن سعد وابن جريج ومعمر قال أحمد ضعيف وقال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وقال الساجي صدوق يهم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق له أوهام من السادسة روى عنه في (1) باب واحدٍ (عن طاوس) بن كيسان اليماني (أنه) أي أن طاوسًا (قال أدركت ناسًا) كثيرًا (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (يقولون كُل شيء) من الكائنات ملتبس (بقدر) أي بقضاء الله الأزلي (قال) طاوس (وسمعت) أيضًا (عبد الله بن عمر) بن الخطاب حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء) من الكائنات ملتبس (بقدر حتى العجز) عن الطاعات (والكيس) أي القدرة على العمل روي برفع العجز والكيس عطفًا على لفظ كل لأن حتى عاطفة وروي بجرهما عطفًا على لفظ شيء والعجز إما بمعنى عدم القدرة أو بمعنى ترك ما يجب فعله والتسويف به وتأخيره عن وقته ويحتمل العجز عن الطاعات ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور ومعنى الحديث أن العاجز قد قدر عليه عجزه والكيس قدر قدر له كيسه اهـ نووي بتصرف قال طاوس (أو) قال ابن عمر حتى (الكيس والعجز) بتقديم الكيس على العجز والشك من طاوس فيما قاله ابن عمر قال القرطبي ومعنى هذا الحديث ما من شيء يقع في هذا الوجود كائنًا ما كان إلا وقد سبق به علم الله تعالى ومشيئته سواء كان من أفعالنا أو صفاتنا أو من غيرها ولذلك أتى بلفظ "كل" التي هي للاستغراق والإحاطة وعقبها بحتى التي هي للغاية حتى لا يخرج عن تلك المقدمة الكلية من الممكنات شيء ولا يتوهم فيها تخصيص وإنما

ص: 550

6593 -

(2632)(199) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيب. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمد بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعفَرٍ الْمَخزُومِيّ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ مُشرِكُو قُرَيشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في الْقَدَرِ. فَنَزَلَت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا

ــ

جعل العجز والكيس غاية لذلك ليبين أن أفعالنا وإن كانت معلومة ومرادة لنا فلا تقع منا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته وقدرته كما قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] ، وصار هذا من نحو قول العرب قدم الحجاج حتى المشاة فيكون معناه أن كل ما يقع في الوجود بقدر الله ومشيئته حتى ما يقع منكم بمشيئتكم والعجز التثاقل عن المصالح حتى لا تحصل أو تحصل لكن على غير الوجه المرضي والكيس نقيض ذلك وهو الجد والتشمير في تحصيل المصالح على وجهها والعجز في أصله معنى من المعاني مناقض للقدرة وكلاهما من الصفات المتعلقات بالممكنات على ما يعرضي علم الكلام اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه أحمد [2/ 110].

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

6593 -

(2632)(199)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن زياد بن إسماعيل) القرشي المخزومي أو السهمي المكي روى عن محمَّد بن عباد في القدر ويروي عنه (م ت ق) والثوري وابن جريج قال النسائي فيه بأس وقال ابن المديني رجل من أهل مكة معروف قال أبو حاتم كتب حديثه وقال ابن معين ضعيف له في كتب الحديث واحد في القدر وقال في التقريب صدوق سيئ الحفظ من السادسة (عن محمَّد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية (المخزومي) المكي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (جاء مشركر قريش) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (يخاصمون) وينازعون (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) إثبات (القدر) أي في إثبات القضاء والقدر أزلًا على كل شيء من الكائنات وينكرونه عليه فقالوا إن الأمر كله أنف (فنزلت) آية ({يَوْمَ يُسْحَبُونَ}) أي اذكر لهم يا محمَّد قوله يوم يجزون فيه ({فِي}) عذاب ({النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}) ويقال لهم استهزاء بهم ({ذُوقُوا}) أيها المشركون حرارة

ص: 551

مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 48 - 49].

6594 -

(2633)(200) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ)، قَالا: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: مَا رَأَيتُ شَيئًا أشْبَهَ بِاللَّمَمِ

ــ

({مَسَّ}) عذاب ({سَقَرَ}) لكم والسقر اسم لطبقة من طباق النار ({إِنَّا}) نحن ({كُلَّ شَيءٍ}) من الكائنات ({خَلَقْنَاهُ}) أي أوجدناه فيما لا يزال حالة كونه ملتبسًا ({بِقَدَرٍ}) أي بقضاء مقدر عليه أزلًا.

قال النووي المراد بالقدر هنا القدر المعروف الذي يجب الإيمان به وهو ما قدره الله تعالى وقضاه وسبق به علمه وإرادته وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله تعالى مراد له سبحانه اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة النجم [3286] وابن ماجه في المقدمة باب في القدر [71]. وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قال القرطبي: ظاهره أن المراد بقدر ما سبق به علمه وارادته وهو دليل سياق القصّة التي نزلت الآية بسببها وقال الباجيّ يحتمل أن يراد بالقدر التقدير لا يزاد فيه ولا ينقص من باب قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا} ويحتمل أن يراد به القدرة كما قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ} وفيه وجه ثالث وهو أن يكون بقدر أي وقت خلقه فيه كذا في شرح الأبي.

ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو أن الله تعالى قدّر على ابن آدم حظه من الزنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6594 -

(2633)(200)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ لإسحاق قالا أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته لأنه من مسند أبي هريرة (قال) ابن عباس (ما رأيت شيئًا أشبه) أي أشدّ شبهًا (باللمم) أي بالذنوب الصغائر يعني ابن عباس رضي الله عنه فسَّر اللمم المذكور في سورة النجم بهذه الأفعال التي تعدُّ في الصغائر وهو الصحيح في تفسير اللمم كما ذكره النوويُّ وقيل اللمم

ص: 552

مِمَّا قَال أَبُو هُرَيرَةَ؛ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدم حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى. أَدْرَكَ ذلِكَ لَا مَحَالةَ. فَزِنَى الْعَينَينِ النَّظَرُ. وَزنَى اللِّسَانِ النطْقُ. وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي. وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ".

قَال عبدٌ في رِوَايَتِهِ: ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ

ــ

أن يلمّ بالشيء ولا يفعله وقيل الميل إلى الذنب ولا يصرّ عليه والظاهر أن كون النظر واللمس من الصغائر إنما هو إذا صدرت هذه الأفعال أحيانًا لا على سبيل العادة والاستمرار والله أعلم ومحصل كلام ابن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل أن يكون أراد أن ذلك من جملة اللمم كذا في فتح الباري (مما قال أبو هريرة) رضي الله عنه وحدَّث به من (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله) عز وجل (كتب على ابن آدم) أي قدَّر عليه أزلًا (حظه) أي نصيبه (من الزنا) سواء كان حقيقيًّا أو مجازيًا ومن فيه للبيان وهو مع مجروره حال من حظه يعني أن الله خلق لابن آدم الحواس التي بها لذة من الزنا وأعطاه القوى التي يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات اهـ دهني قوله (أدرك ذلك لا محالة) بصيغة الماضي معطوف بعاطف مقدر على كتب ويكون بمعنى اسم الفاعل كما تدل عليه الرواية الآتية وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فهو مدرك ذلك ولا محالة أي لا بد من وقوع ذلك منه اهـ من المفهم.

والمعنى أن الله سبحانه كتب وقدَّر في الأزل على ابن آدم حظه ونصيبه من الزنا سواء كان زنا الفرج أو زنا العين أو زنا اللمس فهو مدرك أي فاعل ذلك الحظ الذي كتب عليه لا محالة أي لا بد ولا محيص من وقوعه ثم بين ذلك الحظ بقوله (فزنى العينين النظر) إلى الأجنبية (وزنى اللسان النطق) أي الكلام مع الأجنبية (والنفس تمنَّى) أي تتمنى وتطمع في الزنا (وتشتهي) أي وتشتاق إليه (والفرج يصدّق ذلك) أي يحصل ذلك الذي تتمناه النفس ويفعله بالإيلاج (أو يكذِّبه) أي يكذب ذلك الذي تتمناه ويتركه ولا يفعله (قال عبد) بن حميد (في روايته) عن (بن طاوس عن أبيه سمعت ابن عباس) بصريح السماع لا بالعنعنة.

قال النووي معنى هذا الحديث أن ابن آدم قُدّر عليه نصيبه من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها أو

ص: 553

6595 -

(00)(00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبْ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى. مُدْرِكٌ ذلِكَ لَا مَحَالةَ. فَالْعَينَانِ زنَاهُمَا النظَرُ. وَالأذُنانِ زِنَاهُمَا الاستِمَاعُ. وَاللسَانُ زنَاهُ الكَلامُ. وَالْيَدُ زنَاهَا الْبَطشُ. وَالرِّجلُ زِنَاهَا الْخُطَا. وَالقَلبُ يَهوَى وَيتَمَنَّى

ــ

بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية أو نحو ذلك أو بالفكر فكل هذه أنواع من الزنا المجازيّ "والفرج يصدِّق ذلك أو يكذبه" معناه أنه قد يحقق الزنا الفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان باب الاستئذان من أجل البصر [6243] وفي القدر باب وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [6612] وأبو داود في النكاح باب ما يُؤمر به من غض البصر [2152] وأحمد [2/ 276].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6595 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو هشام المخزومي) القرشي مغيرة بن سلمة البصري ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (14) بابا (حدثنا سهيل بن أبي صالح) السمّان (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لابن عباس (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كُتِب) بالبناء للمجهول (على ابن آدم نصيبه) أي حظه (من الزنا) وقوله (مدرك ذلك) خبرٌ لمحذوف تقديره فهو مدرك ذلك النصيب أي فاعله (لا محالة) أي لا بد من فعله لأنه واجب الوقوع وإذا أردت بيان ذلك النصيب لك (فـ) ـأقول لك (العينان زناهما) أي نصيبهما من الزنا (النظر) إلى الأجنبية (والأذنان زناهما) أي نصيبهما من الزنا (الاستماع) إلى ما يهيِّجه على الزنا من أصوات الأجنبية (واللسان زناه) أي حظه من الزنا (الكلام) أي المحادثة مع الأجنبية (واليد زناها) أي حظها من الزنا (البطش) أي الأخذ بالأجنبية بيده (والرجل زناها) أي حظها من الزنا (الخطا) أي المشي إلى موضع الأجنبية (والقلب) زناها أن (يهوى) ويشتاق إلى الزنا (ويتمنى) أي ويطمع في الزنا

ص: 554

وَيُصَدِّقُ ذلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ"

ــ

(ويصدِّق ذلك) الذي يهواه القلب ويتمنَّى (الفرج) بالإيلاج أ (ويكذِّبه) بامتناعه من الإيلاج قوله "والقلب يهوى ويتمنَّى" قال القرطبي يعني أن هواه وتمنيه هو زناه وإنما أطلق على هذه الأمور كلها الزنا لأنها مقدماتها إذ لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله والزنا الحقيقي هو إيلاج الفرج المحرم شرعًا في مثله ألا ترى قوله "ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" يعني إن حصل إيلاج الفرج الحقيقي زنى تلك الأعضاء وثبت إثمه وإن لم يحصل ذلك واجتنب كفر زنى تلك الأعضاء كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] اهـ من المفهم.

وهذه الرواية انفرد بها الإِمام مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمرو الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والرابع حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 555