الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق
6424 -
(2566)(124) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: اقْتَتَلَ غُلامَانِ. غُلامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلامٌ مِنَ الأَنْصَار. فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَو الْمُهَاجرُونَ: يال الْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الأَنْصَارِيُّ: يَال الأنصَارِ،
ــ
726 -
(15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق
6424 -
(2566)(124)(حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج بالحاء المهملة أبو خثيمة الجعفي الكوفي ثقة من (7)(حدثنا أبو الزبير) المكي الأسدي مولاهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري وهذا السند من رباعياته (قال) جابر رضي الله عنه (اقتتل غلامان) أي اقتتل الشابان وتضاربا (غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار) المهاجري اسمه جهجا بن مسعود والأنصاري سنان بن وبر الجهني اهـ من تنبيه المعلم وذكر الحافظ عن ابن إسحاق أن المهاجري اسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار اهـ منه (فنادى) الغلام (المهاجر أو) قال جابر فنادى (المهاجرون) والشك من أبي الزبير (يال المهاجرين ونادى) الغلام (الأنصاريّ يال الأنصار) قال النووي هكذا هو في معظم النسخ بلامٍ مفصولة في الموضعين وفي بعضها ياللمهاجري وياللأنصار بوصلها وفي بعضها يا آل المهاجرين واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح أن يكون بلام موصولة وإعرابه يا حرف نداء مبنية على السكون اللام حرف جر واستغاثة مبنية على الفتح قياسًا لها على اللام الداخلة على الضمير المهاجرين مجرور باللام
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "مَا هَذَا، دَعوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ اللهِ، إلا أَنَّ غُلامَينِ اقْتَتلا فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. قَال: "فَلَا بَأْسَ. وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا
ــ
وعلامة جره الياء لأنه من جمع المذكر السالم الجار والمجرور متعلق بالياء لأنها نائبة عن أدعو أو أنادي فهي بمنزلة الفعل وقيل اللام زائدة ومعناه أدعو المهاجرين وأستغيث بهم (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيمته عليهم (فقال ما هذا) النداء الذي يستغيث به بعضكم على بعض أتنادون وتدعون (دعوى أهل الجاهلية) قال النووي تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية هو كراهة منه لذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية اهـ منه فكل مظلوم ينصر سواء كان من قبيلة الناصر أو غيرها وسيأتي أن ذلك وقع في غزوة المريسيع (قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة (لا) ندعوا دعوى الجاهلية (يا رسول الله) فالمراد أن معظم الحاضرين لم يتأثروا بهذه الدعوة ولم يرجعوا إلى عصبية الجاهلية (إلا) أي لكن (أن غلامين) المهاجريّ والأنصاري (اقتتلا) وتضاربا (فكسع) أي ضرب (أحدهما) أي أحد الغلامين (الآخر) أي ضرب وبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف أو غيره اهـ دهني والضرب بهذا كان يعد إهانة شديدة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا بأس) ولا ضرر ولا حرج إذا أي إذا كان الأمر كما قلتم يعني لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادًا وليس هو عائدًا إلى رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية كذا في النووي (ولينصر الرجل) منكم (أخاه) في الدين (ظالمًا) كان ذلك الأخ (أو مظلومًا) وقد ذكر الحافظ في الفتح [5/ 98] عن المفضل الضبي في كتابه الفاخر أن أولّ من قال انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يقول شاعرهم:
إذا أنا لم أنصـ
…
ـر أخي وهو ظالم
على القوم لم أنصر
…
أخي وهو يظلم
فكان هذا القول أي "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" شعار العصبية الجاهلية التي
إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ. وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ"
ــ
تحث على نصر أهل قبيلته سواء كانوا ظالمين أم لا فاختار النبي صلى الله عليه وسلم نفس الكلام ولكن فسّره على ما يناقض العصبية وفيه غاية الوجازة والبلاغة ثم بين كيفية نصره في الحالتين بقوله: (أن كان) ذلك الأخ (ظالمًا) لغيره (فلينهه) أي فلينه الأخ الناصر الأخ الظالم عن ظلمه وليزجره عنه (فإنّه) أي فإن نهيه عن ظلمه (نصر له) في الحقيقة على الشيطان وهوى النفس لأنه بارتكاب الظلم يجعل نفسه موردًا للعقاب الشديد وكفه عن ذلك وقاية له عنه فكان نصرًا له ومنّا عليه (وإن كان) ذلك الأخ (مظلومًا فلينصره) على دفع الظالم عنه وقوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا هو من الكلام الوجيز البليغ الذي قل من يأتي بمثله وأو فيه للتنويع اهـ أبي.
قال القرطبي: "قوله كَسَعَ رَجَلٌ" إلخ في الصحاح الكسع أن تضرب دبر الإنسان بيدك أو بصدر قدمك يقال اتّبع فلان أدبارهم يكسعهم بالسّيف مثل يكسؤهم أي يطردهم ومنه قول أبي شبل الأعرابي:
كسع الشتاء بسبعة غبر
…
أيّام شهلتنا من الشَّهر
ووردت الخيل يكسع بعضها بعضًا قوله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" وهذا من الكلام البليغ الوجيز الذي قلّ من ينسج على منواله أو يأتي بمثاله وأو فيه للتنويع وإنما سمّى ردّ الظالم نصرًا لأن النصر هو العون ومنه قالوا أرض منصورة أي معانة بالمطر ومنع الظالم من الظلم عون له على مصلحة نفسه وعلى الرّجوع إلى الحق فكان أولى بأن يُسمّى نصرًا ولكن هذا اللفظ ليس في التلخيص ولا في صحيح مسلم بل هو عند أحمد [3/ 201] وعند البخاري [2443 و 3444] والترمذي [2255] من حديث أنس بن مالك ودعوى أهل الجاهلية تناديهم عند الغضب والاستنجاد بقولهم يا آل فلان يا بني فلان وهي التي عنى بقوله: "دعوها فإنها منتنة" أي مستخبثة قبيحة لأنها تثير التعصب على غير الحق والتقاتل على الباطل ثم إنها تجر إلى النار كما قال "من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا وليتبوأ مقعده من النار" رواه أحمد والترمذي وقد أبدل الله من دعوى الجاهلية دعوى المسلمين فينادى يا للمسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين وكما نادى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن يالله يا لِلمسلمين فإذا دعا بها المسلم وجبت إجابته والكشف عن أمره على كل من سمعه فإن
6425 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ- (قَال ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
ــ
ظهر أنه مظلوم نصر بكل وجه ممكن شرعي لأنه إنما دعا للمسلمين لينصروه على الحق هان كان ظالمًا كف عن الظلم بالملاطفة والرفق فإن نفع ذلك وإلا أخذ بيده وكف عن ظلمه فإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ثم يدعونه فلا يستجاب لهم اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 338] والبخاري في مواضع منها في المناقب باب ما ينهى من دعوى الجاهلية [3518] والترمذي في تفسير سورة المنافقين [3109] وابن ماجه [4018].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
6425 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزُهير بن حرب وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبّي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي شيبة قال ابن عبدة أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمرو) بن دينار الجمحي المكي (جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير المكي (كنّا) معاشر الصحابة (مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة) أي في غزوة المريسيع فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنها كانت غزوة المريسيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلّل والبحر ذكره الحافظ في الفتح [8/ 649] وقال مرسل جيد ووقع في رواية للبخاري في المناقب غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناسٌ من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسَعَ أنصاريًا فغضب الأنصاريُّ غضبًا شديدًا حتى تداعوا وذكر الحافظ عن ابن إسحاق أن المهاجريَّ اسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار كما ذكرنا سابقًا (فكسَعَ رَجلٌ من المهاجرين
رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ. فَقَال الأَنْصَارِيُّ: يَا للأنْصَارِ، وَقَال الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَالُ دَعْوَى الْجاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَال:"دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَال: قَدْ فَعَلُوهَا، وَاللهِ، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ.
قَال عُمَرُ: دَعْنِي أَضرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَال: "دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يقْتُلُ أَصْحَابَهُ"
ــ
رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجريُّ يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال) أي ما شأن (دعوى الجاهلية) تنادون بها وتستغيثون فيما بينكم (قالوا يا رسول الله كَسَعَ) أي ضرب (رجلٌ من المهاجربن) بصدر قدمه (رجلًا من الأنصار فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم (دعوهما) أي اتركوا دعوى الجاهلية والتناصر بها (فإنها) أي فإن دعوى الجاهلية (منتنة) أي مستخبثة قبيحة كريهة مؤذية لأنها تثير الفتنة والعصبية بين الناس يعني أن عصبية الجاهلية والتداعي باسمها أمرٌ منتن والمنتن في الأصل ما له رائحة كريهة جدًّا ثمّ استعير للقبيح الشديد القباحة فإن الطعام ونحوه إذا بلغ غاية التغيُّر أنتن (فسمعها) أي فسمع قصة التداعي والتناصر الواقعة بين المهاجريّ والأنصاريّ (عبد الله بن أُبي) ابنُ سلول رئيس المنافقين (فقال) عبد الله بن أبيّ (قد فعلوها) أي أقد فعلوها بتقدير همزة الاستفهام الإنكاريّ أي أقد فعل المهاجرون الآثرة والاستغاثة علينا أي شركناهم فيما نحن فيه من الأموال والبلاد فأرادوا الآن الاستبداد به والأُثرة علينا.
وفي رواية لابن إسحاق "فقال عبد الله بن أبيّ أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمِّن كلبك يأكلك"(والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ) يعني المواطنين في المدينة من الأنصار (منها) أي من المدينة (الأذل) يعني به المهاجرين (قال عمر) بن الخطاب (دعني) أي اتركني وأذن لي إن أذنت لي (أضرب عنق هذا المنافق فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعه) أي اتركه ولا تقتله إذًا (لا يتحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه) فإن قتلته يتحدثون بذلك القتل إذ في ذلك كما قال أبو سليمان تنفير الناس عن الدخول في الدين بأن يقولوا
6426 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخبَرَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
ــ
لإخوانهم ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم اهـ قسطلاني قال القاضي عياض فيه ترك تغيير المنكر إذا خاف أن يؤدّي إلى مفسدة أشد لأن العرب كانت من الأنفة وإباءة الضيم حيث كانوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألفهم بطلاقة الوجه ولين الكلمة وبذل المال والإغضاء حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم وليراهم غيرهم فيدخل في الإسلام ويتبعهم غيرهم من أتباعهم ولذلك لم يقتل المنافقين ووكل أمرهم إلى ظواهرهم مع علمه ببواطن كثير منهم وكانوا في الظاهر معدودين في جملة أصحابه وأنصاره وقاتلوا معه حميّة أو طلب غنيمة أو عصبية لمن معه من عشائرهم فلو قتلهم لارتاب في الدخول في الإسلام من يريد الدخول فيه ونفره واختلف هل بقي جواز ترك قتلهم والإغضاء عنهم أو نسخ بقوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} ومال غير واحد من أئمتنا وغيرهم إلى أنه إنما يجوز العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإن أظهروه قتلوا واحتجّ بقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} الآية وهو يدل أن المنافقين في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يستحقون القتل لولا المانع المذكور ولما يتقى من قتلهم من غضب عشائرهم فتثور الفتنة ويمتنع من الدخول في الإسلام وهو خلاف المقصود وأقام صلى الله عليه وسلم مستصحبًا لذلك حتى توفّاه الله سبحانه فذهب النفاق وحكمه وارتفع اسمه ومسمّاه والحديث يرد على من يقول إنما لم يقتلهم لأنه لم تقم بينة على نفاقهم لأنه نص في هذا الحديث على المانع من قتلهم وفيه القول بسدّ الذرائع وارتكاب أخف الضررين ومن قال من الأئمة إنهم إذا أظهروا النفاق يقتلون يرد عليه أنه في عهده صلى الله عليه وسلم منهم من أظهر النفاق واشتهر بذلك ومع ذلك لم يقتلهم اهـ من الأبي.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
6426 -
(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج ثقة متقن من (11)(ومحمد بن رافع) القشيري (قال ابن رافع حدثنا وقال الآخران أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر عن أيوب) السختياني (عن عمرو بن
دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ الْقَوَدَ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".
قَال ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَمْرٌو قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا.
6427 -
(2567)(125) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ
ــ
دينار عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه ببان متابعة أيوب لسفيان بن عيينة (قال) جابر (كَسَعَ) أي ضرب (رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فأتى) الأنصاريُّ (النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) أي سأل الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم (القوَدَ) أي الاقتصاص له من المهاجريّ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس عمومًا (دعوها) أي اتركوا دعوى الجاهلية (فإنها منتنة) أي قبيحة مثيرة للفتنة (قال ابن منصور في روايته عمروٌ) مبتدأ خبره جملة (قال سمعت جابرًا) أي قال عمرو سمعت جابرًا بصيغة السماع لا بالعنعنة قوله "فإنها منتنة" وفي المصباح أنتن إنتانًا من أفعل الرباعي فهو منتن وقد تكسر الميم للإتباع وضم التاء إتباعًا للميم قليل اهـ "قوله دعوها فإنها منتنة لأ قال القاضي الضمير راجع إلى دعوى الجاهلية وهو يعارض قوله في الطريق الأول "فلا بأس" ويجاب عنه بأن معنى لا باس مما خاف أن يقع من فتنة أو فساد والدعوى لم تزل منكرةً أو أن قوله منتنة راجع إلى القولة اهـ أبي وقوله أيضًا "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" قال النووي وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين وتتم دعوة الإسلام ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة ويرغب غيرهم في الإسلام ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر لأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إمَّا حميةً وإمَّا لطلب دنيا اهـ
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون المؤمنين كالبنيان وتراحم بعضهم بعضًا بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
6427 -
(2567)(125)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الملك بن
الأَشْعَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ. يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"
ــ
عمرو القيسي (الأشعري) البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (قالا حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (وأبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة من (9)(ح وحدثنا محمد بن العلاء) بن كُريب الهمداني (أبو كريب) الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8)(و) عبد الله (بن إدريس وأبو أسامة كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين يعني ابن المبارك وابن إدريس وأبا أسامة رووا (عن بريد) بن عبد الله أبي بردة الصغير (عن أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المومن للمؤمن كالبنيان) وأل في الموضعين للجنس والمراد البعض أي بعض المؤمن للبعض كالبنيان ذكره الطيبي ويمكن أن تكون للاستغراق أي كل المؤمن لكلّ المؤمن والأظهر أنها للعهد الذهني في الأول وللجنس في الثاني أي المؤمن الكامل لمطلق المؤمن كائن كالبنيان (يشدّ بعضه) أي بعض البنيان (بعضًا) والجملة الفعلية إما حال من البنيان أو صفة له لأن اللام فيه جنسية فلا تعرف أو مستأنفة لبيان وجه الشبه وهو الأظهر أي حالة كون البنيان يشد بعضه بعضًا أو هو يشدّ بعضه بعضًا فكذلك المؤمن للمؤمن ثم لا يشك أن القوي هو الذي يشدّ الضعيف ويقوّيه وحاصل معناه أن المؤمن لا يتقوّى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه اهـ مرقاة وقال القاضي هو تمثيل وتقريب للفهم يريد الحضّ على التعاون والتناصر فيجب امتثال ما حضَّ عليه اهـ.
قال القرطبي قوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان" إلخ تمثيل يفيد الحضّ على معونة المؤمن للمؤمن ونصرته وأنّ ذلك أمر متأكد لا بدّ منه فإن البناء لا يتم أمره ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضًا ويقويه فإن لم يكن كذلك انحلّت أجزاؤه وخرب بناؤه وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دنياه ودينه إلّا بمعونة أخيه ومعاضدته ومناصرته فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه وعن مقاومة مضادِّه فحينئذ لا يتم له نظام دين ولا دنيا ويلتحق بالهالكين اهـ من المفهم.
6428 -
(2568)(126) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المظالم باب نصر المظلوم [2446] وفي الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا [6026] وأبو داود [1684] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم [1929] والنسائي في [5/ 79 - 80].
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي موسى بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
6428 -
(2568)(126)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبو يحيى الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (12) بابا (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) أبي عمرو الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) بابا (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما الأنصاري الخزرجي المدني وهذا السند من خماسياته (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين) وصفتهم (في توادّهم) أي في توادّ بعضهم بعضًا وتحاببهم والتوادّ مصدر توادد من باب تفاعل الخماسي يتوادد تواددًا وتوادًّا إذا أدغمت والمقصود من هذا التمثيل الحض على ما يتعين من محبة المؤمن بأخوة الإيمان ونصيحته والتهمم بامره اهـ من المفهم (و) في (تراحمهم) أي تراحم بعضهم بعضًا بالإحسان (و) في (تعاطفهم) أي وفي تعاطف بعضهم على بعض بالنصر لله على أعدائه وكل من الثلاثة من باب التفاعل الذي يستدعي اشتراك الجماعة في أصل الفعل قيل هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف أما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب بمحبة كالتزاور والتهادي وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا كما يُعطف طرف الثوب عليه ليقويه (مثل الجسد) أي صفة الجسد الواحد (إذا اشثكى) وتألم (منه) أي من ذلك الجسد (عضوٌ) من أعضائه (تداعى) أي تنادى (له) أي لأجل ألم ذلك العضو (سائر الجسد) أي باقي
بالسَّهَرِ والْحُمَّى".
6429 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشِّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوهِ.
6430 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
ــ
الجسد (بالسهر) أي بفقد النوم (والحُمَّى) أي وبالسخونة أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة له في الألم وفقد النوم وأخذ السخونة وهذا الحديث والذي قبله صريحان في تعظيم حقوق المسلمين والحفق على معاونتهم وملاطفة بعضهم بعضًا وتعاضدهم وتناصرهم في غير معصية ولا مكروه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاريُّ في الأدب باب رحمة الناس والبهائم [6011].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
6429 -
(00)(00)(حدثنا إسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبيّ الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن مُطرّف) بصيغة اسم الفاعل بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن النعمان بن بشير) الأنصاريّ رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة مُطرّف بن طريف لزكرياء بن أبي زائدة وساق مطرّف (بنحوه) أي بنحو حديث زكرياء.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
6430 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشجّ) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة من (9)(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهليّ الكوفي ثقة من (5)(عن الشعبي عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لزكرياء بن أبي زائدة (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله
عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ".
6431 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيثَمَةَ، عنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِن اشْتَكَى عَينُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ. وَإِنِ اشتَكَى رَأْسُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ".
6432 -
(00)(00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأعمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
ــ
عليه وسلم المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى) وصاع وتألّم (رأسه) أي رأس ذلك الرجل (تداعى) أي تنادى وأجاب (له) أي لرأسه أي لألمه (سائرُ الجسد) أي جميعُ الجسد (بالحُمَّى والسَّهر) أي فقد النوم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
6431 -
(00)(00)(حدّثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدَّثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسيّ أبو علي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن الأعمش عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة خيثمة بن عبد الرحمن للشعبي (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه) أي رمدت عين ذلك الرجل (اشتكى) أي مرض (كلّه) أي كل جسده (وإن اشتكى) وصاع (رأسه اشتكى كلّه) أي كل جسده.
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
6432 -
(00)(00)(حدَّثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا حُميد بن عبد الرحمن) بن حُميد الرؤاسي الكوفي (عن الأعمش عن الشعبي عن النُّعمان بن بشير) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من
نَحْوَهُ.
6433 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا. فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ"
ــ
خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لخيثمة بن عبد الرحمن في الرواية بهذا اللفظ المذكور لخيثمة وساق الشعبي (نحوه) أي نحو حديث خيثمة.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو النهي عن السباب بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6433 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقُتيبة) بن سعيد (و) عليُّ (بن حجر) السعدي المروزيُّ (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزّرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المستبان) مبتدأ أول أي الشخصان اللذان يتسابَّان مبتدأ أول (ما قالا) مبتدأ ثان أي إثم ما قالا في التسابب (فعل البادئ) منهما بالسبِّ خبر المبتدأ الثاني والجملة الاسمية خبر للمبتدإ الأول (ما لم يعتد) أي ما لم يتجاوز الثاني (المظلوم) القدر الجائز له في الانتصار منه قال النووي معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كلّه إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له الأول وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا لحديث أحمد [2/ 235] وأبو داود في الأدب بابٌ المستبَّان [4894] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الشتم [1982]"قوله المستبَّان ما قالا" إلخ.
قال القرطبي المستبَّان تثنية مستب من السب وهو الشتم والذم وهو مرفوع بالابتداء و "ما" موصولة في محل الرفع بالابتداء ثانيًا وجملة قالا صلتها والعائد محذوف تقديره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قالاه "فعلى الأول" خبر لما الموصولة ودخلت الفاء على الخبر لما تضمنه الاسم الموصول من معنى الشرط نحو قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وما وخبرها خبر المبتدإ الأول الذي هو المستبّان ومعنى الكلام أن المبتدئ بالسبّ هو المختص بإثم السبّ لأنه ظالم به إذ هو مبتدئ من غير سبب ولا استحقاق والثاني منتصر فلا إثم عليه ولا جناح لقوله تعالى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41]، لكن السب المنتصر به وإن كان مباحًا للمنتصر فعليه إثم من حيث هو سبّ لكنه عائد إلى الجاني الأول لأنه هو الذي أحوج المنتصر إليه وتسبب فيه فيرجع إثمه عليه ويسلم المنتصر من الإثم لأن الشرع قد رفع عنه الإثم والمؤاخذة لكن ما لم يكن من المنتصر عدوان إلى ما لا يجوز له كما قال "ما لم يعتد المظلوم" أي ما لم يجاوز ما سُبَّ به إلى غيره إما بزيادة سبّ آخر أو بتكرار مثل ذلك السب وذلك أن المباح في الانتصار أن يرد مثل ما قال الجاني أو يقاربه لأنه قصاص فلو قال له يا كلب مثلًا فالانتصار أن يرد عليه بقوله بل أنت الكلب فلو كرَّر هذا اللفظ مرتين أو ثلاثًا لكان معتديًا بالزائد على الواحدة فله الأول وعليه إثم الثانية وكذلك لو ردّ عليه بأفحش من الأول فيقول له خنزير مثلًا كان كل واحد منهما مأثومًا لأن كلًّا منهما جان على الآخر وهذا كله مقتضى قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194]، وقوله:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكلّ ما ذكرناه من جواز الانتصار إنما هو فيما إذا لم يكن القول كذبًا أو بهتانًا فلا يجوز أن يتكلم بذلك لا ابتداء ولا قصاصًا وكذلك لو كان قذفًا فلو ردَّه لكان كل واحد منهما قاذفًا للآخر. وكذلك لو سبّ المبتدئ أبا المسبوب أو جدّه لم يجز له أن يردّ ذلك لأنه سب لمن لم يجن عليه فيكون الرد عدوانًا لا قصاصًا قال بعض علمائنا إنما يجوز الانتصار فيما إذا كان السب مما يجوز سب المرء به عند التاديب كالأحمق والجاهل والظالم لأن أحدًا لا ينفك عن بعض هذه الصفات إلّا الأنبياء والأولياء فهذا إذا كافأه بسبّه فلا حرج عليه ولا إثم وبقي الإثم على الأول بابتدائه وتعرّضه لذلك اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع وهو استحباب التواضع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6434 -
(2570)(128) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ. وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا. وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَهِ إلا رَفَعَهُ اللهُ"
ــ
6434 -
(2570)(128)(حدَّثنا يحيى بن أيوب) المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) على (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني صدوق من (6)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال) قال النووي ذكروا في معناه وجهين أحدهما أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية وهذا مدرك بالحسِّ والعادة والثاني أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة (وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا) فيه أيضًا وجهان أحدهما على ظاهره ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزّه وإكرامه والثاني أن يكون أجره وثوابه وجاهه وعزه في الآخرة أكثر (وما تواضع أحدٌ لله إلَّا رفعه الله) والتواضع الانكسار والتذلل ونقيضه التكبر والترفع والتواضع يقتضي متواضعًا له فإن كان المتواضع له هو الله تعالى أو من أمر الله بالتواضع له كالرسول والإمام والحاكم والوالد والعالم فهو التواضع الواجب المحمود الذي يرفع الله تعالى به صاحبه في الدنيا والآخرة وأما التواضع لسائر الخلق فالأصل فيه أنه محمود ومندوب إليه ومرغب فيه إذا قُصد به وجه الله ومن كان كذلك رفع الله تعالى قدره في القلوب وأما التواضع لأهل الدنيا ولأهل الظلم فذلك هو الذل الذي لا عزّ فيه والخسَّة التي لا رفعة معها بل يترتب عليها ذل الآخرة وكل صفقة خاسرة نعوذ بالله من ذلك اهـ من المفهم.
وقد يقال معنى قوله: "وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا" إما في الدنيا بعد كونه معروفًا بالعفو والصفح أو في الآخرة بزيادة الثواب ومعنى قوله: "وما تواضع أحدٌ لله إلَّا رفعه الله" أي رفع منزلته في قلوب الناس أو رفع درجته في الآخرة ولا تنافي بين الأمرين. فيمكن أن يحصل له العز والرفعة في كل من الدنيا والآخرة وحقيقة التواضع أن لا يعتقد نفسه أهلًا للرفعة.
6435 -
(2571)(129) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَفَرَأَيتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَال: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ"
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في التواضع [2030].
ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو تحريمُ الغيبة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6435 -
(2571)(129)(حدَّثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) عليُّ (بن حجر) السعديُّ المروزيُّ (قالوا حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون) أي هل تعلمون جواب (ما) حقيقة (الغيبة) وما معناها قال القرطبي كأن هذا السؤال صدر عنه بعد أن جرى ذكر الغيبة ولا يبعد أن يكون ذلك بعد نزول قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ففسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الغيبة المنهي عنها بعد أن (قالوا) في جواب سؤاله (الله ورسوله أعلم) فـ (ـقال) الغيبة التي نهيتم عنها بهذه الآية (ذكرك) ووصفك (أخاك) أو أختك في الإسلام في حال الغيبة (بما) أي بوصف (يكره) أخوك الوصف سواء كان ذكرًا بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابّته وسيّارته (قيل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم هذا القائل (أفرأيت) أي أخبرني يا رسول الله (إن كان في أخي) ذلك (ما أقول) في الغيبة له هل هو حرام أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (إن كان فيه) أي في أخيك (ما تقول) فيه (فقد اغتبته) أي ذكرته بما يكره في غيبته لأن الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره (وإن لم يكن فيه) أي في أخيك ما تقول (فقد بهتَّه) أي افتريت عليه فحينئذ جمعت له بين الغيبة والبهتان وهو بتشديد التاء المفتوحة للمخاطب لإدغام لام الكلمة في
6436 -
(2572)(130) حدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا رَوْحٌ،
ــ
تاء الفاعل أي فقد ذكرته بالبهتان والكذب والباطل قال في النهاية البهتان هو الباطل الذي يتحير منه من البهت وهو التحير لأنه يحير من قيل فيه والألف والنون زائدتان يقال بهته يبهته من باب فتح والبهت الكذب والافتراء اهـ قال القاضي الغيبة ذكر الرجل بما يسوؤه في غيبته والبهت ذكر ذلك في وجهه وكلاهما مذموم بحق أو باطل إلا أن يكون البهت في الوجه على طريق الوعظ والنصيحة اهـ سنوسي قال القرطبي والغيبة وزنها فعلة وهي مأخوذة من الغيبة بفتح الغين مصدر غاب لأنها ذكر الرجل في حال غيبته بما يكرهه لو سمعه يقال من ذلك المعنى اغتاب فلان فلانًا يغتابه اغتيابًا واسم ذلك المعنى الغيبة بكسر الغين ولا شك في أنها محرّمة وكبيرة من الكبائر بالكتاب والسنة فالكتاب قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية وأما السنة فكثيرة من أنصها ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم" رواه برقم [4877] وفي كتابه من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود في رقم [4878] بلفظ "ليلة عُرج بي" وإذا تقررت حقيقة الغيبة وأن أصلها على التحريم فاعلم أنها تخرج عن ذلك الأصل صور فتجوز الغيبة في بعضها وتجب في بعضها ويندب إليها في بعضها فقد ذكر تفصيلها في المفهم فراجعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235] وأبو داود في الأدب باب الغيبة [4874] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الغيبة [1935].
ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو بشارة من ستره الله في الدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6436 -
(2572)(130)(حدّثني أُمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) العيشي البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري البصري ثقة
عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَسْتُرُ اللهُ عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا، إلا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
6437 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، إلا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
ــ
من (6) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان صدوق من (6)(عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته (قال لا يستر الله) سبحانه وتعالى (على عبد) عيبًا من عيوبه (في الدنيا) كالزنا والسرقة وشرب المسكر (إلّا ستره الله) سبحانه على عيبه ذلك (يوم القيامة) فلا يطلعه على ملائكته ولا يؤاخذه به قال القاضي يحتمل هذا وجهين أحدهما أن يستر معاصيه وعيوبه من إذاعتها في أهل الموقف والثاني ترك محاسبته عليها وترك ذكرها قال والأول أظهر لما جاء في الحديث الآخر "يقرّره بذنوبه يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" اهـ نووي.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وقد سبق عنه تخريجه بهذا اللفظ من رواية ابن عمر في باب تحريم الظلم وقد سبق شرحه هناك مستوفى فلله الحمد.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6437 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفّان) بن مسلم بن عبد الله الصفّار الأنصاري البصري ثقة من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سُهيل) بن أبي صالح وفي هذا السند فائدة تصريح سماع وهيب لسهيل (عن أبيه) أبي صالح الزيّات (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة وهيب لروح بن القاسم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يستر عبدٌ) من عباد الله على (عبد) عيبًا ارتكبه (في الدنيا إلّا ستره الله) سبحانه (يوم القيامة) أي إلّا ستر الله عيب ذلك السَّاتر لعيب أخيه يوم القيامة جزاءً له على ستره عيب أخيه.
6438 -
(2573)(131) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، (وَهُو ابْنُ عُيَينَةَ)، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "ائْذَنُوا لَهُ. فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ" فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ أَلانَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ:
ــ
ثم استدل المؤلف على الجزء السّابع من الترجمة وهو اتقاء من يُتّقى فحشه بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6438 -
(2573)(131)(حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن عبد الله (بن نمير كلُّهم) رووا (عن) سفيان (بن عيينة واللفظ لزهير قال) زهير (حدَّثنا سفيان وهو ابن عيينة عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير القرشي التيمي المدني ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (سمع) ابنُ المنكدر (عروة بن الزبير يقول حدّثتني عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المؤلفة قلوبهم قال القاضي وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن مالك الفزاريُّ أسلم بعد الفتح وقيل قبله وكان من الأعراب الجفاة روى أبو عمر بن عبد البر عن إبراهيم النخعي أن عيينة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأين الإذن فقال ما استأذنت على أحد من مضر وكانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذه الحميراء فقال أمُّ المؤمنين فقال ألا أنزل لك عن أجمل منها فقالت عائشة من هذا يا رسول الله قال هذا أحمق مطاع وهو على ما ترين سيّد قومه رواه ابن عبد البر في الاستيعاب أي أن رجلًا من المؤلفة (استأذن) أي طلب الإذن في الدّخول (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده (ائذنوا له) في الدخول.
(فلبئس ابن العشيرة أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (بئس رجل العشيرة) والمراد بالعشيرة قبيلته أي بئس وقبح هذا الرجل المستأذن من القبيلة والشك من الراوي أو ممن دونه (فلمّا دخل) عيينة (عليه) صلى الله عليه وسلم (ألان له القول) أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم قولًا سهلًا وكلّمه كلامًا لينًا طيبًا (قالت عائشة فقلت) له صلّى
يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ. ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَال:"يَا عَائِشَةُ، إِن شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ"
ــ
الله عليه وسلم (يا رسول الله قلت له) أي قلت فيه قبل دخوله الكلام (الذي قلت) فيه تعني قوله فلبئس ابن العشيرة (ثم) بعد دخوله (ألنت له القول) وسهلت له الكلام فما هذه المخالفة بين كلاميك فـ (ـقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سُؤالها (يا عائشة إنَّ شرَّ الناس) وأخسّهم وأقبحهم (منزلة) أي درجةً (عند الله يوم القيامة من ودعه) أي تركه (أو) قال من (تركه الناس اتقاء فحشه) أي خوف شرّه وفتنته وهذا الرجل الداخل عليَّ من شرّ الناس فلذلك ألنت له القول قوله "فلبئس ابن العشيرة" العشيرة القبيلة أو الجماعة والمراد أنه من رجال السوء في قومه وعشيرته وعيينة بن حصن هذا لم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف حاله لئلا يغتر به من لا يعرف حقيقة أمره وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بئس ابن العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف قوله "ألان له القول" أي تحدّث معه بلين ورفق وفي رواية للبخاري في الأدب "فلمَّا جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه" وفيه مداراة الضيف الكافر أو الفاسق والمداراة جائزة وربما تستحب والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو كليهما وهي مباحة ومستحسنة في بعض الأحوال والمداهنة المحرّمة المذمومة هي بذل الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته وطلاقة وجهه ولم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله لأنه قوله ذلك إخبار بحق ومداراته له حسن عشرة مع الخلق فلا مدفع لأهل الزيغ والضلال إذ لا يبقى على ما أوضحناه إشكال اهـ مفهم اهـ فتح الباري [1/ 454] ويظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه "إن شرّ الناس منزلةً عند الله" إلخ أن عيينة ختم له بخاتمة سوء لأنه ممن اتقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فحشه وشره والناسُ فهو إذًا شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ولا يكون كذلك حتى يختم الله تعالى له بالكفر والله تعالى أعلم قوله "من ودعه أو تركه الناس اتّقاء فحشه" هذا شك من بعض الرواة في أيّ اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان الصحيح ودعه فقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأصل المرفوض كما تكلّم به الشاعر الذي هو أنس بن زنيم في قوله:
6439 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وَابْنُ الْعَشِيرَةِ".
440 -
(2574)(132) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
ــ
سل أميري ما الذي غيَّره
…
عن وصالي اليوم حتَّى وَدَعَه
وقد حُكي عن بعض السلف أنه قرأ قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] بتخفيف الدَّال وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تكلّم بمصدر ذلك المرفوض حيث قال "لينتهينّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن حبّان في الإحسان وهذا كله يردّ على من قال من النحويين إنّ العرب قد أماتت ماضي هذا الفعل ومصدره ولا يتكلم به استغناءً عن ذلك بتركه فإن أراد به هذا القائل أنه لا يوجد في كلامهم فقد كذبه الصّحيح وإن أراد أن ذلك يقع ولكنّه قليل وشاذّ في الاستعمال فهو صحيح.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 38] والبخاري في مواضع منها في الأدب باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب [6054] أبو داود في الأدب باب في حسن العشرة [4791] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في المداراة [1997].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6439 -
(00)(00)(حدَّثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (كلاهما عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن) محمد (بن المنكدر في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عروة عن عائشة غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة وساق معمر (مثل معناه) أي مثل معنى حديث سفيان (غير أنَّه) أي غير أن معمرًا (قال) في روايته لفظة (بئس أخو القوم وابن العشيرة).
ثم استدل المؤلف على الجزء الثامن من الترجمة وهو فضل الرفق بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه فقال:
6440 -
(2574)(132)(حدَّثنا محمد بن المثنى حدثني يحيى بن سعيد) القطان
عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيرَ".
6542 -
(75) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ
ــ
(عن سفيان) الثوري (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السُّلمي أبو عشّاب بمثلثة الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن تميم بن سلمة) السّلمي من أنفسهم الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب مات سنة (100)(عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي بسكون الموحدة الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جرير) بن عبد الله بن جابر البجلي اليماني الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سباعياته (من يحرم الرفق) والتيسير والتسهيل في أمور الدين والدنيا (يحرم الخير) أي خير الدنيا والآخرة بالبناء للمفعول في الموضعين مجزومًا أو مرفوعًا اهـ مرقاة قال في المبارق وهو من الحرمان وهو متعد إلى مفعولين أحدهما الضمير النائب مناب الفاعل والثاني الرفق في الأول والخير في الثاني واللام في الرفق للحقيقة وهو ضد العنف أي من حرم الرفق صار محرومًا من الخير واللام فيه للعهد الذهني وهو الخير الحاصل من الرفق اهـ وقال القاضي يدل أن الرفق خيرٌ كلّه وسبب كل خير وجالب كل نفع وضده الخرق والاستعجال والعنف وهو مفسد للأعمال وموجب لسوء الأحدوثة قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} وقال القرطبي معناه من يحرم الرفق يفضي به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة اهـ دهني.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 366] وأبو داود في الأدب بابٌ في الرفق [4809] وابنُ ماجه [3687].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال:
6441 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد (الأشج) الكندي الكوفي (ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (قالوا حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدَّثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدّثنا أبو سعيد الأشج حدَّثنا حفص يعني ابن
غِيَاثٍ)، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لَهُمَا- (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ الْعَبْسِيِّ. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيرَ".
6442 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيرَ. أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيرَ"
ــ
غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (كلّهم) أي كل من وكيع وأبي معاوية وحفص بن غياث رووا (عن) سُليمان (الأعمش ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ) الآتي (لهما) أي لإسحاق وزهير (قال زهير حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن تميم بن سلمة) السلمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن هلال العبسي) الكوفي (قال) عبد الرحمن (سمعت جريرًا) ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يُحرم الرِفْق يُحرم الخير) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال:
6442 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي ثقة من (3)(قال) عبد الرحمن (سمعت جرير بن عبد الله) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة محمد بن أبي إسماعيل لتميم بن سلمة (يقول) جرير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُرم الرِفْق حُرم الخير) كلّه (أو) قال لي تميم بن سلمة (من يحرم الرِفق يُحرم الخير) والشك من محمد بن أبي إسماعيل فيما قاله تميم من اللفظين.
6443 -
(2575)(133) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيوَةُ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، (يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ. وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ. وَمَا لَا يُعَطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"
ــ
ثم استشهد المؤلف لحديث جرير بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6443 -
(2575)(133)(حدثنا حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدّثني) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو (بن حزم) الأنصاري الخزرجي المدني قاضيها قيل اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد ثقة عابد من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن عمرة يعني بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة التابعيات ثقة من (3) روى عنها في (7) أبواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن فيه ثلاثةً من التابعين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لها (يا عائشة إنَّ الله) سبحانه وتعالى (رفيق) بالعباد وميسر عليهم أمورهم دينًا ودنيا وقال القرطبي الرفيق هو الكثير الرفق وهو اللين والتسهيل وضده العنف والتشديد والتصعيب (يحب) ويرضى لهم (الرفق) والتيسير أي تيسير بعضهم على بعض فيما ولوا (ويعطي) أي يثيب (على الرفق) والتيسير (ما لا يعطي على العنف) بضم العين وسكون النون بمعنى الشدة وهو ضد الرفق يعني أن الرفق يتأتى به من الأغراض ما لا يتأتى بغيره ويسهل به ما لا يسهل بغيره من المطالب (و) يعطي بالرفق (ما لا يُعطي على ما سواه) أي على ما سوى الرفق من التشديد والخرق والعنف يعني من الأجر والثواب وهو بمعنى ما قبله فيكون ذكره للتأكيد ولعل الصواب أو ما لا يعطي على ما سواه بلفظ أو التي تفيد الشك من الراوي والمعنى أي أو قال الراوي لفظة ما لا يُعْطي على ما سواه، كما تدل عليه الرواية الأخيرة من الحديث السابق والله أعلم اهـ من الفهم السقيم قال الأبي قوله "يحب الرفق" أي يأمر به ويحضّ عليه وقال المناوي أي يأمر بلين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجانب في القول والفعل والأخذ بالأسهل والدّفع بالأخفّ قوله "ويعطي على الرفق" أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره قال القاضي معناه يتأتى به من الأغراض ويسهل به من المطالب ما لا يتأتى ولا يسهل بغيره اهـ وقال الطبري يعطي عليه في الدنيا من الثناء على صاحبه وفي الآخرة من الثواب ما لا يُعطي على العنف قوله "ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف" بفتح العين وضمّها وكسرها مع سكون النون حكاهنّ القاضي قال القرطبي معناه إن الله تعالى يُعطي عليه في الدنيا من الثناء الجميل وفي الآخرة من الثواب الجزيل ما لا يعطي على العنف الجائز وبيان هذا بأن يكون أمرٌ ما من الأمور سوّغ الشرع أن يتوصّل إليه بالرفق وبالعنف فسلوك طريق الرفق أولى لما يحصل عليه من الثناء على فاعله بحسن الخلق ولما يترتب عليه من حُسن الأعمال وكمال منفعتها ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما كان الرفق في شيء إلا زانه وضدّه الخُرْق بضم الخاء وسكون الراء والاستعجال وهو مفسد للأعمال وموجب لسوء الأُحدوثة وهو المعبّر عنه بقوله "ولا نزع من شيء إلا شانه" أي عابه وكان شينًا وأما الخُرْق والعُنف فمفوتان مصالح الدنيا وقد يفضيان إلى تفويت ثواب الآخرة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "من يحرم الرفق يُحرم الخير" أي يُفضي ذلك به إلى أن يحرم خير الدنيا والآخرة اهـ من المفهم.
"فائدة" واعلم أنه قد تقرر في غير ما موضع أن العلماء اختلفوا في أسماء الله تعالى هل الأصل فيها التوقيف فلا يسمّى إلا بما سمّى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله أو بجمع الأمّة عليه أو الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسم حسن إلّا أن يمنع منه مانع شرعي ومثار هذا الخلاف على أن الألف واللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] هل هي للجنس أو للعهد ثم هل يكتفى في كون الكلمة اسمًا من أسماء الله تعالى بوجودها في كلام الشارع من غير تكرار ولا كثرة أم لا بد منهما فيه رأيان وقد سبق القول في ذلك في كتاب الإيمان في حديث إن الله جميل يحب الجمال اهـ من المفهم بتصرف وحذف.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في الرفق [4808] وابن ماجه في الآداب باب الرِفْق [3723].
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جرير بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال:
6444 -
(2576)(134) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، (وَهُوَ ابْنُ شُرَيحِ بْنِ هَانِئٍ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيءٍ إلا زَانَهُ. وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إلا شَانَهُ"
ــ
6444 -
(2576)(134)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبريُّ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن المقدام وهو ابن شريح بن هانئ) بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) شُريح بن هانئ بن يزيد المذحجيّ أبي المقدام اليمنى الكوفي من كبار أصحاب عليّ رضي الله عنه ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سُداسياته (إنَّ الرِّفْق) والتيسير والتسهيل (لا يكون في شيء) أي في أمر من الأمور دينًا أو دُنيا (إلَّا زَانه) أي إلا زيَّن ذلك الشيء وفي المصباح زان الشيء صاحبه زينًا من باب صار وأزانه إزانة مثله والزين نقص الشين (ولا يُنزع) الرفق (من شيء) أي لا يترك فيه (إلَّا شانه) أي إلّا عابه وكان له شينًا والمعنى أن الرفق في كل شيء سبب لزينته وترك الرفق في شيء سبب لعيب فيه قال القرطبي وقد يجيء الرفق بمعنى الإرفاق وهو إعطاء ما يرتفق به قال أبو زيد يقال رفقت به وأرفقته بمعنى نفعته وكلاهما صحيح في حق الله تعالى إذ هو الميسر والمسهل لأسباب الخير والمنافع كلها والمعطي لها فلا تيسير إلا بتيسيره ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره وقد يجيء الرفق أيضًا بمعنى التمهل في الأمر والتأني فيه يقال منه رفقت الدّابة أرفقها رفقًا إذا شددت عضدها بحبل لتبطئ في مشيها وعلى هذا فيكون الرفق في حق الله تعالى بمعنى الحلم لأنه لا يعجل بعقوبة العصاة بل يمهل ليتوب من سبقت له السعادة ويزداد إثمًا من سبقت له الشقاوة وهذا المعنى أليق بالحديث فإنه السبب الذي أُخرج له الحديث وذلك أن اليهود سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك ففهمتهم عائشة رضي الله عنها فقالت بل عليكم السام واللعنة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 112 و 125] وأبو داود [2478] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6445 -
(00)(00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ شُرَيحِ بْنِ هَانِئٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: رَكِبَتْ عَائِشَةُ بَعِيرًا. فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ. فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيكِ بالرِّفْقِ"، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ
ــ
6445 -
(00)(00)(حدَّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت المقدام بن شريح بن هانئ بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (و) لكن (زاد) محمد بن جعفر (في الحديث) على معاذ بن معاذ في بيان سببه لفظه (ركبت عائشة) رضي الله عنها (بعيرًا فكانت فيه) أي في ذلك البعير (صعوبة) وهي عدم انقياده لراكبه يعني أنه غير مذلّل لعدم رياضته (فجعلت) عائشة (تُردِّده) أي تردِّد ذلك البعير وتحاوله للركوب وتركبه مدبرة ومقبلة عليه (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك) يا عائشة أي الزمي (بالرفق) والتسهيل على البعير دون التشديد عليه (ثم ذكر) محمد بن جعفر (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ.
وأخرج هذا الحديث أبو داود من طريق شريك عن المقدام عن شريح سألت عائشة رضي الله عنها عن البداوة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة من إبل الصدقة فقال لي يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه والبداوة الخروج إلى البادية والتلاع جمع تلعة وهي ما ارتفع من الأرض تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج أحيانًا إلى بعض التلاع ليخلو بنفسه ويبعد عن الناس والناقة المحرَّمة هي التي لم تركب ولم تذلّل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالرفق بها لأن الناقة المحرّمة تكون صعبة أما استعمال إبل الصدقة فإما أنه صلى الله عليه وسلم أعطى ناقة من إبل الصدقة لعائشة لكونها تحل لها أو المراد بإبل الصدقة إبل الغنيمة وربما يطلق اسم الصدقة على مال الغنيمة أيضًا كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الآية اهـ من التكملة.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث (11) أحد عشر الأول منها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والرابع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والسابع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة وذكر فيه متابعتين والعاشر حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
* * *