المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌713 - (2) والخامس عشر منها باب فضائل جرير وابن عباس وابن عمرو وابن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌(714) - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما

- ‌715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان

- ‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

- ‌فضائل أبي سفيان بن حرب

- ‌فضائل جعفر بن أبي طالب

- ‌فضائل أسماء زوجة جعفر

- ‌فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌فضائل صهيب رضي الله عنه

- ‌717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دُورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب

- ‌718 - (7) "والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم

- ‌719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم

- ‌720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذُكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان

- ‌حكم سبّ الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها بابُ ذكر كذّاب ثقيف ومُبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلةً

- ‌ كتاب البر والصلة

- ‌722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة

- ‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

- ‌724 - (13) باب النهي عن الظن السيِّيء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضْل الحبّ في الله وفضْل عيادة المرضى

- ‌725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه

- ‌726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق

- ‌727 - (16) بابُ النهي عن لعن الدَّواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه وذمّ ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخَلْق الإنسان خلقًا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذَّب الناس بغير حقٍّ وأمر منْ يمرُّ بسلاحٍ في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح

- ‌729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله

- ‌730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحبّ الله عبدًا حببّه لعباده والأرواح جنود مجنّدة والمرء مع من أحبّ وإذا أُثني على الصالح فهي بشرى فلا تضرّه

- ‌ كتاب القدر

- ‌731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له

- ‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

- ‌733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى

- ‌كتاب العلم

- ‌734 - (23) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن وعن الاختلاف فيه وكون الألدّ الخصم أبغض الناس إلى الله واتباع سنن اليهود والنصارى وقوله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطِّعون

- ‌735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومنْ سَنَّ سنّةً حسنةً أو سيئة إلخ

الفصل: ‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

6247 -

(2479)(35) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو،

ــ

وزاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس "إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلًا فهمًا تفهمه القلوب" ذكره الحافظ في الفتح [6/ 678] وهذا يدل على أن عائشة رضي الله عنها لم تنكر على مطلق رواية الحديث إنما أنكرت على الاستعجال في قراءته أو سرده لأنه لا يفهم إلا بالتأني وعلى جمع الأحاديث الكثيرة في وقت واحد لأنّها لا تحفظ بهذا الطريق عادة واعتذر الحافظ لأبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظات فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن أقتصر فتزاحم القوافي على فيَّ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 118] والبخاري في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3568] وأبو داود في العلم باب في سرد الحديث [3655] والترمذي في المناقب باب في كلام النبي صلى الله عليه وسلم [3639].

فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

واسمه عمرو بن راشد من ولد لخم بن عدي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وهو حليف للزبير بن العوام وقيل لبني أسد وقيل كان عبدًا لعبيد الله بن حميد كاتبه فأدى كتابته شهد بدرًا والحديبية مات سنة (30) ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلّى عليه عثمان بن عفان وقد شهد الله تعالى له بالإيمان في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقد شهد له رضي الله عنه بالإيمان والصدق وبأنه لا يدخل النار اهـ مفهم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو فضائل حاطب وأهل بدر بحديث علي رضي الله عنه فقال:

6247 -

(2479)(35)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن

ص: 107

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ. قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيرَ وَالْمِقْدَادَ. فَقَال: "ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ،

ــ

دينار الجمحي المكي (عن الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن ابن الحنفية أبي محمد المدني ثقة فقيه من (3) روى عنه في (4) أبواب وهو أول من تكلم بالإرجاء قال ابن حجر الإرجاء الذي تكلّم فيه لا يتعلق بالإيمان فيكون مما يعيبه أهل السنة وإنما معناه أنه كان يرى عدم القطع بالخطأ أو الصواب على إحدى الطائفتين المقتتلتين علي ومعاوية فلا يلحق بذلك عيب وقدح قال (أخبرني عبيد الله بن أبي رافع) إبراهيم القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي عبيد الله (كاتب علي) بن أبي طالب رضي الله عنه المدني ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) عبيد الله (سمعت عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته أي سمعت عليًّا (وهو يقول) أي والحال أنّه يقول (بعثنا) معاشر الثلاثة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير) بن العوام (والمقداد) بن الأسود إلى جهة مكة (فقال) لنا (ائتوا روضة خاخ) أي امشوا إلى روضة خاخ أي إلى مكان يسمى بها وهو موضع بين مكة والمدينة قريب إلى المدينة وهي بخاءين معجمتين وهو الصواب الذي قاله العلماء كافة من جميع الطوائف وفي جميع الروايات والكتب إلا في رواية أبي عوانة للبخاري فقد وقع فيه روضة حاج بالحاء المهملة والجيم وقد اتفق العلماء على أنها غلط من أبي عوانة وقد اشتبه عليه روضة خاخ بموضع آخر اسمه ذات حاج وهو موضع بين المدينة والشام (فإن بها) أي إن في روضة خاخ (ظعينة) أي امرأة مسافرة في الهودج وأصله من الظعن بمعنى السير والسفر ثم أطلق لفظ الظعينة على الهودج وعلى المرأة ما دامت في الهودج كما في القاموس والهودج مركب من مراكب النساء يقبب ويمكن فيه الرقود وذكر النووي أن اسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي -وقال الخطيب هي أم سارة مولاة لابن أبي صيفي القرشي ووقع في الفتح [12/ 307] هي مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم وفي الإصابة [4/ 323] مولاة عمرو بن هاشم اهـ وقيل اسمها كتود مولاة لقريش اهـ دهني قال القرطبي وتجمع الظعينة على ظعن بسكون العين وضمها مع ضم الظاء فيهما وعلى ظعائن وأظعان اهـ (معها) أي مع تلك الظعينة (كتابٌ) أي رسالة إلى أهل مكة

ص: 108

فَخُذُوهُ مِنْهَا" فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيلُنَا، فَإذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيِنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَينَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ

ــ

(فخذوه) أي فخذوا ذلك الكتاب (منها) أي من تلك المرأة قال النووي فيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلًا أو امرأة وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر اهـ (فانطلقنا) أي ذهبنا معاشر الثلاثة من المدينة إلى روضة خاخ حالة كوننا (تعادى) أي تجري وتعدو (بنا خيلنا) وتسرع بنا في سيرها وقوله "تعادى" بحذف إحدى التاءين أصله تتعادى مضارع تعادى الخماسي نظير ترامى ثلاثيّه عدا من باب دعا من العدو وهو الجري والسير السريع فوصلنا إلى روضة خاخ (فإذا نحن) راؤون (بالمرأة) الظعينة والفاء في قوله "فإذا" عاطفة على محذوف كما قدرناه في الحل وإذا فجائية والتقدير فوصلنا إلى روضة خاخ ففاجأنا رؤية الظعينة (فقلنا) لها (أخرجي) إلينا (الكتاب) المحمول معك (فقالت ما معي كتاب فقلنا) لها والله إمَّا (لتخرجنَّ الكتاب) الذي معك (أو لتلقين) أي أو لترمين (الثياب) التي عليك لنفتش الكتاب فيها وفي بعض روايات البخاري "أو لنلقين الثياب" بالنون على صيغة المتكلمين وفي رواية عنده في الجهاد [3581]"لتخرجن أو لأُجردنك" وهو أوضح (فأخرجته) أي أخرجت الكتاب (من عقاصها) أي من شعرها المضفور جمع عقيصة وفي المفهم والعقاص بكسر أوله الشعر المعقوص أي المضفور أو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب والملصق في القوم وهو الذي لا نسب له فيهم وهو الحليف والنزيل والدخيل قال عليّ بن أبي طالب (فأتينا به) أي بالكتاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه) أي في ذلك الكتاب والرسالة هذه رسالة أرسلت (من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة) صفة ثانية لناس أو بدل من الجار والمجرور قبله وكان حاطب رجلًا من أهل اليمن فحالف الزبير بن العوام رضي الله عنه وأقام مع قريش وكان من فرسانهم وشعرائهم وقد شهد بدرًا والحديبية وبعث معه النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا إلى مقوقس مصر مات سنة ثلاثين أيام خلافة عثمان وله خمس وستون سنة كذا في الإصابة [1/ 299 و 300] كما مرّ آنفًا حالة كون حاطب (يخبرهم) أي يخبر

ص: 109

بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ " قَال: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيشٍ (قَال سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا) وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ، إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا،

ــ

لمشركي مكة (ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشؤونه من الاستعداد لهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا الكتاب) الذي كتبته إلى المشركين من أسرارنا (قال) حاطب (لا تعجل عليَّ) أي لا تستعجل عليَّ بالمؤاخذة (يا رسول الله) حتى أبين لك عن سبب هذا الكتاب وذلك (إني كنت امرأً ملصقًا في قريش) قال القرطبي والملصق في القوم هو الذي لا نسب له فيهم وهو الحليف والدخيل كما فسره سفيان بن عيينة على سبيل الإدراج فيما ذكره المؤلف بقوله (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق يعني حاطب بقوله كنت امرأ ملصقًا في قريش (كان حليفًا لهم) أي لقريش أي معاقدًا معه عقد الحلف والمناصرة والموارثة (ولم يكن) حاطب (من أنفسها) أي من أنفس قريش ونسبها يعني لم أكن من قريش نسبًا وإنما نسبت إليهم بحكم حلافتي مع بعضهم وكان حليفًا للزبير كما مر آنفًا (وكان ممن كان معك) أي لمن كان معك (من المهاجرين) وقوله (لهم) توكيد لفظي لقوله "ممن كان معك" على كون من بمعنى اللام قوله "وكان ممن معك" قال القرطبي كذا وقع هذا اللفظ "ممن" بزيادة من وفي بعض النسخ "وكان من معك" باسقاط من الجارة وهو الصواب لأن من لا تزاد في الواجب عند البصريين وأكثر أهل اللسان وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين والمعنى وكان من معك من المهاجرين لهم (قرابات) أي مع أهل مكة (يحمون) أي يحمي ويحفظ أهل مكة (بها) أي بسبب تلك القرابة (أهليهم) أي أهل من معك من المهاجرين (فأحببت) أنا أي وددت أنا (إذْ فاتني ذلك) أي قرابة يحمون بها أهلي (من النسب) العريق (فيهم أن أتخذ) وأكتسب (فيهم) أي عندهم أي عند أهل مكة من المشركين (يدًا) أي نعمةً ومنةً (يحمون بها) أي بتلك اليد (قرابتي) أي أهل قرابتي الذين بقوا في مكة (ولم أفعله) أي ولم أفعل ذلك الكتاب ولم أكتبه (كفرًا)

ص: 110

وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ" فَقَال عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، أَضْربُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ

ــ

أي جحدًا وإنكارًا لحقية دين الإسلام (ولا ارتدادًا) أي رجوعًا إلى الشرك (عن ديني) دين التوحيد الحنيفي (ولا رضًا) أي حبًّا (بالكفر) والشرك (بعد) دخولي في (الإسلام) الملة الحنيفية (فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق) هذا الرجل أي أخبر لنا خبرًا صادقًا لا شك ولا نفاق فيه.

وروى ابن شاهين والبارودي والطبراني من طريق الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة وقال حاطبٌ رجل من أهل اليمن وكان حليفًا للزبير وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرًا وكان بنوه وإخوته بمكة فكتب حاطب من المدينة إلى كبار قريش ينصح لهم فيه إلخ وروى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس فذكر معنى حديث علي وفيه فقال: يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت فقال يا رسول الله كان أهلي فيهم فكتبت كتابًا لا يضر الله ورسوله ذكره الحافظ في الإصابة (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (دعني) أي اتركني (يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق) وأقتله بالجزم على جواب الطلب قال الحافظ في الفتح [8/ 634] إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عن عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظنّ أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقًا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذرُ حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولًا أن لا ضرر فيه اهـ.

وعبارة القرطبي هنا وإنما ألق عليه عمر اسم النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين لأنه والى كفار قريش وباطنهم وهمّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان دعا فقال اللهم أخف أخبارنا عن قريش لكنّ حاطبًا لم ينافق في قلبه ولا ارتدّ عن دينه وإنما تأول فيما فعل من ذلك أن اطّلاع قريش على بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يضرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخوف قريشًا ويحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم لا طاقة لهم به يخوفهم بذلك ليخرجوا عن مكة ويفروا منها وحسن له هذا التأويل تعلق خاطره بأهله وولده إذ هم قطعة من كبده.

ص: 111

فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"

ــ

ولقد أبلغ من قال: قلما يفلح من كان له عيال لكن لطف الله به ونجاه لما علم من صحة إيمانه وصدقه وغفر له بسابقة بدر وسبقه اهـ من المفهم.

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (إنه) أي إن حاطبًا ليس بمنافق فإنه (قد شهد بدرًا) أي وقعتها (وما يدريك لعلَّ الله) ولعل هنا بمعنى أن فتكون للتحقق لا للترجي لما قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للتحقق ويشهد لذلك ما وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه "إن الله اطلع على أهل بدر إلخ" وما وقع في رواية الباب من الترجي فإنه في معنى الجزم أيضًا ذكره الحافظ في الفتح [7/ 305] والمعنى وما يدريك ويعلمك يا عمر أن الله (اطلع على أهل بدرٍ فقال) لهم (اعملوا) في المستقبل (ما شئتم) من الذنوب غير الشرك (فقد غفرت لكم) ما سيقع منكم بلا استغفار فإنه إذا وقع يقع مغفورًا لا يكتب عليهم وهذا الذي ذكرنا معنى ظاهر هذا الحديث لكن استشكله العلماء بأن ظاهره إباحة الذنوب لهم وليس مرادًا بالإجماع فحمله أبو الفرج ابن الجوزي وغيره على الماضي وذكر أن المراد أن الله تعالى قد غفر لهم جميع ذنوبهم السابقة ولكن هذا الجواب فيه تكلف ظاهر فإن صيغة الأمر لا يمكن حملها على الماضي لأنها لا تستعمل إلا للمستقبل وأحسن ما فسّر به الحديث ما ذكره الحافظ عن القرطبي قال وقد ظهر لي وجه آخر وأنا أستخير الله فيه وهو أن الخطاب في قوله "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم الماضية وتأهلوا لأن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع بأن وفقوا التوبة إذا وقعت لا أنها تغفر بلا توبة ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها وكذلك القضاء وغيره من المناصب وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب وقد أظهر الله صدق رسوله في كل ما أخبر به فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من الذنوب من أحدهم لبادر

ص: 112

فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكرٍ وَزُهَيرٍ ذِكْرُ الآيَةِ. وَجَعَلَهَا إِسْحَاقُ، فِي رِوَايَتِهِ، مِنْ تِلاوَةِ سُفْيَانَ

ــ

بالتوبة ولازم الطريق المستقيم والحاصل أن قوله اعملوا ما شئتم بشارة بكونهم موفقين في المستقبل بالأعمال الصالحة وبأنه لا يصدر من أحدهم ذنب إلا وسوف يوفق للمبادرة إلى التوبة فيغفر له ذلك وليس المراد أنهم قد أبيح لهم ارتكاب المعاصي كما هو ظاهر خطاب الحديث ثم المغفرة الموعودة لهم في الحديث متعلقة باحكام الآخرة ولا تنافي أن يستحق أحدهم الحد أو التعزير إذا اقترف ما يوجبه وقد وقع ذلك فعلًا حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة وكان بدريًا نبَّه عليه النووي.

(فأنزل الله عز وجل في قصة حاطب ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ})[الممتحنة: 1]، فشهد الله لحاطب بهذه الآية بالإيمان كما مر في ترجمته (وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر) هذه (الآية وجعلها) أي جعل هذه الآية (إسحاق في روايته من تلاوة سفيان) بن عيينة لا من نفس الحديث بل مدرجة من سفيان كأن قال إسحاق في روايته "قال سفيان فأنزل الله عز وجل" إلخ وفي حديث حاطب هذا أبواب من الفقه وأدلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى فضائل أهل بدر وحاطب بن أبي بلتعة فمن جملة ما فيه من الفقه أن ارتكاب الكبيرة لا يكون كفرًا وأن المتأول أعذر من العامد وقبول عذر الصادق وجواز الاطلاع من عورة المرأة على ما تدعو إليه الضرورة ففي بعض رواياته أنهم فتشوا من المرأة كل شيء حتى قبلها ومنه ما يدل على أن الجاسوس حكمه بحسب ما يجتهد فيه الإمام على ما يقول مالك وقال الأوزاعي يعاقب وينفى إلى غير أرضه وقال أصحاب الرأي يعاقب ويسجن وقال الشافعي إن كان من ذوي الهيئات كحاطب عفي عنه وإلا عزّر اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 79] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الجهاد باب الجاسوس [3007] وأبو داود في الجهاد باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلمًا [2650 و 2651] والترمذي في التفسير باب ومن سورة الممتحنة [3302] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال:

ص: 113

6248 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ)، كُلُّهُمْ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَويَّ وَالزُّبَيرَ بْنَ

ــ

6248 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (20) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه (17) بابا (ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم أبو سعيد (الواسطي) مقبول من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (كلهم) أي كل من ابن فضيل وابن إدريس والطحان رووا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة (أبي عبد الرحمن السلمي) المقرئ الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت من (2) الثانية روى عنه في (6) أبواب (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه وهذه الأسانيد من سداسياته غرضه بسوقها بيان متابعة أبي عبد الرحمن السلمي لعبيد الله بن أبي رافع.

(قال) علي بن أبي طالب (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا (وأبا مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (الغنوي) بفتح المعجمة البدري كنّاز بن الحصين بن يربوع الشامي الصحابي المشهور بكنيته شهد بدرًا رضي الله عنه حليف حمزة بن عبد المطلب وتربه مات سنة (12) اثنتي عشرة من الهجرة وابنه مرثد بن أبي مرثد شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرجيع روى عن أبي مرثد واثلة بن الأسقع في الجنائز كما مر وله ذكر في قصة حاطب بن أبي بلتعة في الفضائل ويروي عنه (م د ت س) وله فرد حديث عندهم عن واثلة بن الأسقع وليس من الرواة من اسمه كناز إلا هذا الصحابي المشهور بالكنية (والزبير بن

ص: 114

الْعَوَّامِ. وَكُلُّنَا فَارِسٌ. فَقَال: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةَ مِنَ الْمُشرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشرِكِينَ"، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ.

6249 -

(2480)(36) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشكُو حَاطِبًا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ

ــ

العوام) ومر في الرواية السابقة ذكر المقداد بدل أبي مرثد ولا تعارض لأن كلًّا من الراويين قد ذكر من لم يذكره الآخر فكان جملة المبعوثين أربعة عليًّا والزبير والمقداد وأبا مرثد (وكلُّنا) أي وكل من الأربعة المبعوثين (فارس) أي راكب فرس وعارف ركضة الفرس (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (انطلقوا) إلى جهة مكة واذهبوا إليها (حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأةً من) الكفار (المشركين معها كتاب) أي رسالة أرسلت (من حاطب) بن أبي بلتعة (إلى) كبار (المشركين) من أهل مكة (فذكر) أبو عبد الرحمن السلمي (نحو حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه.

ثم استشهد المؤلف لحديث علي بحديث جابر رضي الله عنه فقال.

6249 -

(2480)(36)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما وهذان السندان من رباعياته (أن عبدًا لحاطب) بن أبي بلتعة اسمه سعد قاله ابن بشكوال وكذا قاله ابن سيد الناس في حاشيته على الاستيعاب وقال ابن حجر في الفتح [8/ 46] رقم [4328] لم أقف على اسمه ولم يعينه أحد من الشراح اهـ تنبيه المعلم (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يشكو حاطبًا) أي إذاية حاطب له (فقال) العبد (يا رسول الله) والله (ليدخلنّ حاطبٌ النارَ) أي العذاب لأنه آذاني وظلمني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد (كذبت) يا عبد (لا يدخلها) أي لا يدخل حاطب النار (فإنه)

ص: 115

شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيبِيَةَ".

6250 -

(2481)(37) حدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، عِنْدَ حَفْصَةَ:"لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، أَحَدٌ. الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا"

ــ

أي فإن حاطبًا (شهد بدرًا و) بيعة (الحديبية)"وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 325] والترمذي في المناقب باب في من سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [3864]. وقال النووي "قوله كذبت لا يدخلها" إلخ فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب لكونه منهم وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه عمدًا كان أو سهوًا سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم اهـ نووي.

ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو فضائل أصحاب الحديبية رضي الله عنهم فقال:

6250 -

(2481)(37)(حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزّاز الحمّال ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور المصيصي أبو محمد البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (قال) حجاج (قال) لنا (ابن جريج) ثقة من (6)(أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي مولاهم (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول أخبرتني أم مبشر) الأنصارية امرأة زيد بن حارثة كنيتها اسمها رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابية (أنها) أي أن أمَّ مبشر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة) بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنهما (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب) بيعة (الشجرة أحدٌ) وهم (الذين بايعوا) رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يفرّوا (تحتها) أي تحت شجرة الحديبية وقوله إن شاء الله للتبرك لا للشك لأنه استثناء في واجب قد أعلمه الله تعالى بمحصوله بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:

ص: 116

قَالتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. فَانْتَهَرَهَا. فَقَالتْ حَفْصَةُ:{وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]. فَقَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: قَدْ قَال اللهُ عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 72]

ــ

18]، وبغير ذلك وصار هذا الاستثناء كقوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، وقوله:"من أصحاب الشجرة أحد" هذه الشجرة هي شجرة بيعة الرضوان التي قال الله تعالى فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وكانت بالحديبية والمبايعون تحتها كانوا ألفًا وأربعمائة وقيل وخمسمائة كانوا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت أو على أن لا يفروا على خلاف بين الرواة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة وكفى الله المؤمنين القتال وأحرز لهم الثواب وأثابهم فتحًا قريبًا ورضوانًا عظيمًا (قالت) حفصة (بلى) أي ليس الأمر كما قلت (يا رسول الله) بل يدخلونها وقولها بلى قول أخرجه منها الشهامة النفسية والقوة العمرية فإنه كانت بنت أبيها وهذا من نحو قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين أتصلي عليهم (فانتهرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي زجرها عن معارضتها عليه كلامًا زجرًا شديدًا وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها تأديب لها وزجر لها عن بادرة المعارضة وترك الحرمة ولمَّا حصل الإنكار عليها صرّحت بالاعتذار (فقالت حفصة) ألم يقل الله سبحانه في كتابه المجيد {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، وحاصل ما فهمت من الآية أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنها قابلت عموم قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة بعموم قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} . وكأنها رجحت عموم القرآن فتمسكت به فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأن آخر الآية يبين المقصود.

(فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 72]، أصله جثويًا مصدر جثا يجثو جثويًا وقع حالًا من الظالمين أي جاثين على الركب من هول ذلك الوقت أو من ضيق المكان اهـ من المبارق.

قال القرطبي وحاصل الجواب تسليم أن الورود دخول لكنه دخول عبور فينجو من اتقى ويترك فيها من ظلم وبيان ذلك أن جهنم أعاذنا الله منها محيطة بأرض المحشر

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحائلة بين الناس وبين الجنة ولا طريق للجنة إلا الصراط الذي هو جسر ممدود على متن جهنم فلا بد لكل من ضمه المحشر من العبور عليه فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم كما تقدم أوائل الكتاب وهذا قول الحسن وقتادة وهو الذي تعضده الأخبار الصحيحة والنظر المستقيم والورود في أصل اللغة الوصول إلى الماء وإنما عبّر به عن العبور لأن جهنم تتراءى للكفار كأنها سراب فيحسبونه ماء فيقال لهم ألا تردون كما صح في الأحاديث المتقدمة أوائل الكتاب وفي حديث حفصة هذا أبواب من الفقه منها جواز مراجعة العالم على جهة المباحثة والتمسك بالعمومات فيما ليس طريقه العمل بل الاعتقاد ومقابلة عموم بعموم والجواب بذكر المخصص وتأديب الطالب عن مجاوزة حد الأدب في المباحثة قوله "ثم ننجي الذين اتقوا" أي ننجي المتقين جمع المتقي والمتقي هو الحذر من المكروه الذي يتحرز منه بإعداد ما يتقى به "ونذر" أي نترك و"الظالمين" جمع ظالم والمراد به هنا هو الكافر لأنه وضع الإلهية والعبادة في غير موضعهما و"جثيًا" جمع جاث وأصله الجالس على ركبتيه والمراد به ها هنا المكبوب على وجهه وهو المكردس المذكور في الحديث والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 385] وابن ماجه [4281].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد أو للاستطراد والرابع حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد والسادس حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله تعالى أعلم.

***

ص: 118