الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى
6596 -
(2634)(201) حدثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيّ. أَخبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ، فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. كَمَا تُنتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ
ــ
733 -
(22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى
6596 -
(2634)(201)(حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي الأعور نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمَّد بن حرب) الخولاني الحمصي الأبرش ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمَّد بن الوليد (الزبيديِّ) مصغرًا الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهريّ) قال الزهريّ (أخبرني سعيد بن المسيِّب) بن حزن المخزومي المدني ثقة من (2) روى عنه في (17) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أنَّه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منْ مولود) كائن من بني آدم (إلا يولد على الفطرة) أي على الملّة الإِسلامية والفطرة الحنيفية التي هي التوحيد وفيه القابليَّة للدين الحق فلو ترك وطبعه لما اختار دينًا غيره وقوله "وما من مولود" ما نافية من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك ما أحدٌ خير منك. والتقدير هنا ما مولود يولد على أمرٍ من الأمور إلا على الفطرة (فأبواه يهوِّدانه) أي يجعلانه يهوديًّا إن كانا يهوديين (وينصِّرانه) أي يجعلانه نصرانيًّا إذا كانا نصرانيين (ويمجِّسانه) أي يجعلانه مجوسيًّا إن كانا مجوسيين والفاء في قوله فأبواه للتعقيب أو للتسبب والمعنى أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه والجار والمجرور في قوله (كما) حالٌ من الضمير المنصوب في يهوِّدانه مثلًا أي يهوِّدان المولود بعد أن خلق على الفطرة كما (تنتج البهيمة بهيمة جمعاء) سليمة الأعضاء بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة وضم
هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدعَاءَ؟ "، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاقرَؤُوا إن شِئتُم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]
ــ
الجيم بالبناء للمجهول من الإنتاج يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج وقال في المغرب نتج الناقة ينتجها إذا ولى نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء والمعنى فأبواه يهوِّدانه مثلًا حالة كونه مثل البهيمة التي تنتج بهيمة سليمة الأعضاء كاملتها أو كما صفة لمصدر محذوف أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة فيهوِّدانه وينصِّرانه تنازعا في كما على كلا التقديرين قال النووي وقوله "كما تنتج البهيمة" بالرفع على أنه نائب فاعل "بهيمة" بالنصب على الحال: جمعاء" صفة لبهيمة والمعنى كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء أي مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيه جدعاء وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء ومعناه أن البهيمة قلد بهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها اهـ وجملة قوله (هل تحسون) وتجدون (فيها) أي في البهيمة (من جدعاء) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالمد أي مقطوعة الأطراف أو أحدها في موضع النصب صفة ثانية لبهيمة أو كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء مقولًا فيها هل تحسون فيها من جدعاء وفيه نوع من التأكيد يعني أن كل من نظر إليها قال هذا القول لسلامتها (ثم) ما حدث هذا الحديث (يقول أبو هريرة) رضي الله عنه (واقرؤوا إن شئتم) مصداق ذلك قوله تعالى: ({فِطْرَتَ اللَّهِ}) أي الزموا فطرة الله أي ملته الحنيفية ({الَّتِي فَطَرَ}) أي خلق وطبع ({النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ}) ولا تغيير ({لِخَلْقِ اللَّهِ}) أي لملّته التي طبع الناس عليها من أوّل خلقتهم وهي ملّة التوحيد (الآية) أي أتم الآية من سورة (الروم: 30).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 346] والبخاري في مواضع منها في القدر [6599] وأبو داود في السنة باب ذراريّ المشركين [4714] والترمذي في القدر باب كل مولود إلا يولد على الملة [2139] قال القسطلاني "قوله كما تنتج البهيمة" إلخ فيه تشبيه المعقول. بالمحسوس المشاهد ليفيد أن ظهوره بلغ في الكشف والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد ومحصله أن العالم إما عالم الغيب أو عالم الشهادة فإذا نُزل الحديث على عالم الغيب أشكل معناه وإذا صرف إلى عالم الشهادة سهل تعاطيه فإذا نظر الناظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب وأنه ولد على الفطرة من
6597 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعْلى. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال:"كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً". وَلَمْ يَذكُرْ: جَمْعَاءَ.
6598 -
(00)(00) حدّثني أَبُو الطاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا
ــ
الاستعداد للمعرفة وقبول الحق والإباء عن الباطل والتمييز بين الخطأ والصواب حكم أنه لو ترك على ما هو عليه ولم يعتوره من الخارج ما يصدُّه استمر على ما هو عليه من الفطرة السليمة وانظر قتل الخضر الغلام إذ كان باعتبار النظر إلى عالم الغيب وإنكار موسى عليه السلام كان باعتبار عالم الشهادة وظاهر الشرع فلمّا اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى عليه السلام عن الإنكار فلا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل اهـ ملخصًا من شرح المشكاة.
ثم ذكر المؤلف التابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6597 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمَّد البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همّام الحميري الصنعاني ثقة من (9) كلاهما) أي كل من عبد الأعلى وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهريّ بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر للزبيدي (و) لكن (قال) معمر في روايته كما تنتج البهيمة بهيمة) سليمة (ولم يذكر) معمر لفظة (جمعاء) أي مجتمعة الأعضاء سليمتها كما ذكره الزبيدي.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6598 -
(00)(00)(حدّثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسّان المصري صدوق من (10) كلاهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا
سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخبَرَهُ؛ أَن أبا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا من مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ"، ثُمَّ يَقُولُ: اقرَؤُوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30].
6599 -
(00)(00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا من مَوْلُودٍ إلا يُلِدَ عَلَى الْفِطرَةِ. فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وينَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ" فَقَال رَجُلٌ:
ــ
سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (أخبره) أي أخبر للزهري (أن أبا هريرة قال) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيَّب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة (الإسلامية والملة الحنيفية التي هي التوحيد. (ثم يقول) أبو هريرة (اقرؤوا) إن شئتم مصداق ذلك قوله تعالى: ({فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ}) ولا تغيير ({لِخَلْقِ اللَّهِ}) أي لدين الله الذي خلق الناس عليه ({ذَلِكَ}) المذكور من الفطرة هو ({الدِّينُ الْقَيِّمُ}) أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه عن الحق الذي هو التوحيد إلى الباطل الذي هو الإشراك والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6599 -
(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب وأبي سلمة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منْ مولود إلّا يُلِد) بضم الياء وكسر اللام بوزن ضرُب على وزن الماضي المبني للمجهول وهو لغة لأن الواو قد تقلب ياء لمناسبة كسر ما بعدها فيقال في إعرابه يُلد فعل ماضي مغير الصيغة لضم أوله وكسر ما قبل آخره لفظًا مبني على الفتح لأن الياء فيه ليست حرف مضارعة بل هي عوض عن الواو أي إلا وُلد (على الفطرة) الإِسلامية والملّة الحنيفية (فأبواه يُهودانه) إن كانا يهوديين (وينصرانه) إن كانا نصرانيين (ويشركانه) بضم أوله وكسر الراء المشددة من التشريك ويجوز أن يكون من الإشراك أي يجعلانه مشركًا إن كانا مشركين بعبادة غيره تعالى كالمجوس التي تعبد النار ومشركي العرب الذين يعبدون الأحجار والأشجار (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسم
يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذلِكَ؟ قَال:"الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
6600 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
في حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: "مَا من مَوْلُودٍ يُولَدُ إلا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ"
ــ
هذا الرجل (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني عن حكمه (لو مات) ذلك الولد (قبل ذلك) أي قبل جعله يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشركًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو كانوا أحياء هل يعملون بعمل أهل السعادة أو بعمل أهل الشَّقاوة وقد فسَّر العلماء جواب النبي صلى الله عليه وسلم بتفسيرين الأول أن الله تعالى يعلم قطعًا ما كانوا يعملون إن عاشوا بعد البلوغ فيحكم عليهم بحسب علمه فإن كان في علمه أن الولد الفلاني يكون كافرًا إن عاش صار معذبًا في النار وإن كان في علمه أنه يصير مسلمًا إن عاش بعد البلوغ كان من أهل الجنة وهذا التفسير ذهب إليه القرطبي كما نقل عنه الأبي رحمهما الله تعالى ولكن هذا التفسير لا يوافق ما ذهب إليه الجمهور من أن أطفال المشركين من أهل الجنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولذلك ردّه جمهور العلماء. وتأوَّل فيه بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المشركين في الجنة والتفسير الثاني ذهب إليه الجمهور وهو أن الله أعلم بما كانوا عاملين إن عاشوا فلا تحكموا عليهم بشيء وحاصلة التوقف في أمرهم ومما يدل على صحة هذا التفسير ما أخرجه أحمد، عن ابن عباس قال كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتَّى حدثني رجلٌ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدّثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي ذكره الحافظ في الفتح [3/ 247].
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6600 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب) محمَّد بن العلاء (قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد ولكن (في حديث ابن نمير) وروايته لفظة (ما من مولود يولد) بصيغة المضارع (إلا وهو على الملّة)
وَفِي رِوَايَةِ أبي بَكرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاويةَ:"لَيسَ من مَوْلُودٍ يُولَدُ إلا عَلَى هَذهِ الفِطْرَةِ، حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ".
6601 -
(00)(00) حدثنا محمد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن يُولَدُ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطرَةِ. فَأبوَاهُ يُهَودَانِهِ وَيُنَصرَانِهِ. كَمَا تَنتِجُونَ الإبِلَ. فَهَل تَجِدُونَ
ــ
الإِسلامية أي يولد على الاستعداد لقبول الملة الإِسلامية بدل قول جرير "إلا يلد على الفطرة"(وفي رواية أبي بكر عن أبي معاوية) لفظة (إلَّا على هذه الملّة) أي ما من مولود يولد إلا على هذه الملة الإِسلامية (حتى يبيّن) ويظهر (عنه) أي عن حاله (لسانه) بنطقه كلمة الكفر (وفي رواية أبي غريب عن أبي معاوية ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبِّر) ويفسِّر (عنه) أي عن ما في ضميره (لسانه) فيحكم عليه بما أظهر عنه لسانه.
ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6601 -
(00)(00)(حدثنا محمَّد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يولد) منكم. (يولد على هذه الفطرة) الإِسلامية وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة همّام بن منبه لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة من سعيد بن المسيب وأبي سلمة وأبي صالح (فأبواه يهودانه) أي يصيّرانه يهوديًّا إن كانا من اليهود (وينصرانه) أي يصيرانه نصرانيًّا إن كانا من النصارى والفاء في قوله "فأبواه" للتعقيب أو للسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه وقوله (كما تنتجون الإبل) حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلًا أي يهودان المولود أو ينصًرانه بعد أن خلق على الفطرة حالة كونه كالإبل أي كالبهيمة التي تنتجونها سليمة ثم تجدعون آذانها وأعضاءها (فهل تجدون
فِيهَا جَدْعَاءَ؟ حَتى تَكُونُوا أَنتُم تَجْدَعُونَهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَال: "الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
6602 -
(00)(00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
فيها) أي في البهيمة (جدعاء) أي مقطوعة الأعضاء حالة ولادتها (حتى تكونوا أنتم تجدعونها) أي تقطعون أعضاءها (قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيرًا) لم يبلغ الحلم أيدخل الجنة أي أخبرنا عن حاله (قال) صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا.
قوله "أفرأيت يا رسول الله" أي أخبرنا فهو من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيت ذلك فأخبرنا وقوله "الله أعلم بما كانوا عاملين" قال البيضاوي فيه إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال وإلا لزم أن يكون ذراري المسلمين والكافرين لا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل الموجب بهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل فالأولى فيهما التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب قال النووي أجمع من يعتبر به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دُعي لجنازة صبي من الأنصار فقلت طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنَّة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وأجابوا عن هذا بأنه لعله صلى الله عليه وسلم نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع أو أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم بأن أطفال المسلمين في الجنة وأما أطفال المشركين ففيهم مذاهب فالأكثرون على أنهم في النار وتوقفت طائفة والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة اهـ قاله القسطلاني في الإرشاد.
ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6602 -
(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد (يعني الدراورديَّ) الجهني المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه)
عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "كُل إِنسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ على الْفِطْرَةِ، وَأَبَوَاهُ، بَعْدُ، يُهَوِّدَانِهِ وينَصِّرَانِهِ ويمَجِّسَانِهِ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَينِ فَمسلِمٌ. كلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلكُزُهُ الشيطَانُ في حِضْنَيهِ، إلا مَرْيَمَ وَابْنَهَا".
6603 -
(2635)(202) حدثنا أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي ابْنُ أبي ذِئْبِ ويونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ،
ــ
عبد الرحمن بن يعقوب الجهني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل إنسان تلده أُمه على الفطرة) أي على الملّة الإِسلامية (وأبواه بعد) أي بعد ما خلق على الفطرة (يهوِّدانه) إن كانا يهوديين أ (وينصرانه) بعد إن كانا نصرانيين أ (ويمجسانه) بعد إن كان مجوسيين (فإن كانا) أي كان أبواه (مسلمين فـ) ـهو أي فالولد (مسلمٌ) تبعًا لهما (كُل إنسان) مبتدأ وجملة قوله (تلده أُمه) صفة لإنسان وجملة قوله (يلكزه الشيطان في حضنيه) أي يطعنه في جنبيه خبر المبتدأ (إلا مريم وابنها) عيسى عليهما السلام يقال لكزه يلكزه لكزًا من باب قتل إذا ضربه بجمع كله في صدره وربما أطلق على الضرب في أي مكان من البدن ويقال له أيضًا اللقز كما في لسان العرب وتاج العروس وقوله "حضنيه" بكسر الحاء وسكون الضاد المعجمة تثنية حضن وهو الجنب أو الخاصرة وفي المصباح الحضن ما دون الإبط اهـ كذا وقع لجميعهم غير ابن ماهان فإنه رواه بلفظ "خصيتيه" تثنية خصية وهما الأنثيان وذكر القاضي أنه وهم وتصحيف بدليل قوله إلا مريم وابنها لأنها ليس لها خصيتان قال الطبري واللكز المذكور هو من الأمراض الحسية فلا يمتنع عروضه لغيرهما وظاهر تكرمه مقام النبي صلى الله عليه وسلم خروجه وإلحاقه بعيسى في ذلك أهـ من الأبي.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو بيان ما جاء في أولاد المشركين بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6603 -
(2635)(202)(حدثنا أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعية القرشي العامري أبو الحارث المدني ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ويونس) بن يزيد الأموي الأيلى ثقة من (7)(عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد) الليثي أبي يزيد المدني نزيل الشام ثقة من
عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَوْلادِ المُشرِكِينَ. فَقَال: "الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
6604 -
(00)(00) حدثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ الله بْنُ عَبدِ الرَّحمن بْنِ بِهرَامَ. أَخبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ الله)،
ــ
(3)
روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن أولاد المشركين) هل يدخلون الجنة أم لا يعني بهم من يموت منهم صغيرًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا. فلا تحكموا عليهم بشيء وحاصله التوقف في أمرهم وذكر الحافظ في الفتح عشر أقوال والمذهب الصحيح الذي اختاره الجمهور أنهم من أهل الجنة لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وإذا كان العاقل البالغ لا يعذب لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى قال النووي ولا يتوجه المولود التكليف ولا يلزمه قول الرسول حتى يبلغ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين [1384] وفي القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين [6598] والنسائي في الجنائز باب أولاد المشركين [1949 و 1950].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6604 -
(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (بن بهرام) الدارمي السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأمويُّ مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدّثنا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الحرَّاني صدوق من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عُبيد الله) الجزريّ الحرَّاني أبو عبد الله العبسي صدوق من (8) روى عنه في (9) أبواب
كُلهُم عَنِ الزهْرِيّ. بِإسنَادِ يُونُسَ وَابْنِ أَبِي ذِئبٍ، مِثلَ حَدِيثِهِمَا، غَيرَ أن في حَدِيثِ شُعَيبٍ وَمَعقِلٍ: سُئِلَ عَنْ ذَرَارِي المُشْرِكِينَ.
6605 -
(00)(00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطفَالِ المُشْرِكِينَ. مَن يَمُوتُ مِنهُم صَغِيرًا. فَقَال: "الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
6606 -
(2636)(203) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشرٍ،
ــ
كُلَّهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني معمرًا وشعيبًا ومعقلًا رووا (عن الزهريّ بإسناد يونس وابن أبي ذئب) يعني عن عطاء عن أبي هريرة غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليونس وابن أبي ذئب وساقوا (مثل حديثهما) أي مثل حديث يونس وابن أبي ذئب (غير أن) أي لكن أن (في حديث شعيب ومعقل) وروايتهما لفظة (سُئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذراري المشركين) وأطفالهم بلفظ ذراري المشركين بدل أولاد المشركين في رواية يونس وابن أبي ذئب.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
6605 -
(00)(00)(حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني. (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لعطاء بن يزيد (قال) أبو هريرة (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين من يموت منهم صغيرًا) بدل من أطفال بدل اشتمال أو بدل بعض من كل ولم أر من ذكر اسم هذا السائل قاله في الفتح (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا.
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة هذا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
6606 -
(2636)(203)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيّ ثقة من (7)(عن أبي بشر) بيان بن بشر
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطفَالِ الْمُشْرِكِينَ؟ قَال: "الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، إِذْ خَلَقَهُمْ".
6607 -
(00)(00) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
الأحمسي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمَّد الكوفي قتيل الحجاج الجائر ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين) وذراريهم هل يدخلون الجنة أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين إذْ خلقهم) لو عاشوا قال القرطبي معناه الله أعلم بما جبلهم عليه وطبعهم عليه فمن خلقه الله تعالى على جبلّة المطيعين كان من أهل الجنة ومن خلقه الله تعالى على جبلَّة الكفار من القسوة والمخالفة كان من أهل النار وهذا كما قال في غلام الخضر طبع يوم طبع كافرًا وهذا الثواب والعقاب ليس مرتبًا على تكليف ولا مرتبطًا به وإنما هو بحكم علمه ومشيئته وأما من قال إنهم في النار مع آبائهم فمعتمده قوله صلى الله عليه وسلم "هم من آبائهم" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ولا حجّة فيه لوجهين أحدهما أن المسألة علمية وهذا خبر واحد وليس نصًّا في الغرض وثانيهما سلمناه لكنا نقول ذلك في أحكام الدنيا وعنها سئل وعليها خرّج الحديث وذلك أنهم قالوا يا رسول الله إنا نبيت أهل الدار من المشركين وفيهم الذراري فقال هم من آبائهم يعني في جواز القتل في حال التبييت وفي غير ذلك من أحكام آبائهم الدنيوية والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين [1383] وفي القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين [6597] وأبو داود [4711] والنسائي في الجنائز في أولاد المشركين [1951 و 1952].
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنهما فقال:
6607 -
(00)(00)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن تعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة من (9)(حدثنا معتمر بن سليمان) التيمي ثقة من (9)(عن أبيه) سليمان بن طرخان
عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعبٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِن الغُلامَ الذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبعَ كَافِرًا. وَلَوْ عَاشَ لأَرهَقَ أَبوَيهِ طُغيَانًا وَكُفرًا".
6608 -
(2638)(205) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
ــ
التيمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن رقبة) بفتحات (بن مصقلة) بفتح فسكون ويقال فيه مسقلة بالسين كما يقال مصقلة بالصاد العبديّ أبي عبد الله الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي (عن ابن عباس عن أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (قال) أُبي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغلام الذي قتله الخضر) في قصته مع موسى عليهما السلام (طبع كافرًا) أي خُلق من أوّل خلقته كافرًا (ولو عاش) ذلك الغلام مع والديه الأرهق) وأجبر وكلف (أبويه طغيانًا) أي ميلًا عن الحق (وكفرًا) أي شركًا باللهِ أي لأجبرهما بالطغيان والكفر قال في الكشاف طغيانًا عليهما وكفرًا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شرًّا وبلاء أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ وكافر أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 121] وأبو داود في السنة باب في القدر [4705 و 4706] والترمذي [3150] والظاهر أنه اختصار لحديث طويل رواه ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه وقد من بطوله في باب فضائل الخضر عليه السلام.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6608 -
(2638)(205)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن العلاء بن المسيب) بن رافع الأسدي الكوفي ثقة من (6) روى عنه
عَنْ فُضَيلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالتْ: تُوُفِّيَ صبِيٌّ. فَقُلتُ: طُوبَى لَهُ. عُصفُورٌ من عَصَافِيرِ الجَنةِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَ لَا تَدرِينَ أَن اللهَ خَلَقَ الجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ، فَخَلَقَ لِهذِهِ أَهلا، وَلِهذِهِ أَهلا".
6609 -
(00)(00) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
ــ
في (2) البر والصلة والقدر (عن فضيل بن عمرو) الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف مصغرًا أبي النضر الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران أمها أم كلثوم بنت أبي بكر كانت فائقة الجمال ثقة من (3) روى عنها في (3) أبواب (عن عائشة أُمِّ المؤمنين) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (توفي صبي) أي مات صبي من الأنصار. (فقلت) له (طوبى) أي الجنة (له) أي لهذا الصبي إنه (عصفور) أي دويبية (من عصافير الجنة) أي من دواب الجنة (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم أ) تقولين ذلك (ولا تدرين) ولا تعلمين (أن الله) سبحانه (خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه) يعني الجنة (أهلًا) يدخلونها (و) خلق (لهذه) يعني للنار (أهلًا) يدخلونها قال النووي أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيه بعض من لا يعتد لحديث عائشة هذا وأجاب العلماء بأنه لعلّه نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك في قوله ما من مسلم يموت له ثلاثة إلخ أهـ نووي باختصار.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 208] وأبو داود في السنة باب في ذراري المشركين [4713] والنسائي في الجنائز باب الصلاة على الصبيان [1947] وابن ماجه في المقدمة [82].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6609 -
(00)(00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن
يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ، عَائِشَةَ بِنْتِ طَلحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالت: دُعِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، طُوبَى لِهَذا. عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكهُ. قَال: "أَوَ غيرَ ذلِكَ، يَا عَائِشَةُ، إِن الله خَلَقَ
ــ
يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني نزيل الكوفة صدوق من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عمته عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية المدنية (عن عائشة أُمّ المؤمنين) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة طلحة بن يحيى لفضيل بن عمرو (قالت) عائشة (دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طُلب (إلى) صلاة (جنازة صبيٍّ من الأنصار فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله طوبى) أي بشرى (لهذا) الصبي وطوبى فعل من طاب يطيب أصله طيبي بضم الطاء وسكون الياء قلبت الياء واوًا لوقوعها إثر ضمة أي له البشرى بطيب العيش هو (عصفور من عصافير الجنّة) أي مثلها من حيث إنه لا ذنب عليه وينزل في الجنة حيث شاء وهذا هو وجه الشبه عندي لأن الكلام فيه تشبيه بليغ لما في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "صغارهم دعاميص الجنة" أي عصافيرها قال القاري أي إنهم سياحون في الجنة لا يمنعون من موضع كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحُرُم ولا يحتجب منهم اهـ من المرشد والظاهر أن مستقرهم في روضة في أصل شجرة كما في رؤياه صلى الله عليه وسلم بلفظ "انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان" الحديث. وفسر الشيخ بإبراهيم عليه السلام والصبيان بأولاد الناس والعصفور طائر معروف وقيل طوبى اسم الجنة أو اسم شجرة فيها وفسرت بالمعنى الأصليّ فقيل أطيب معيشة له وقيل فرح له وقرة عين وجملة قوله (لم يعمل السوء) علة لما قبلها أي طوبى له لأنه لم يعمل السوء والذنب (ولم يدركه) أي ولم يدرك أوان الذنب بالبلوغ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (أو غير ذلك) والهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة على ذلك المحذوف وغير ذلك بفتح الراء وكسر الكاف مفعول لذلك المحذوف والتقدير أتعتقدين ما قلت وتجزمين به؟ لا واعتقد غير ذلك وهو التوقف وعدم الجزم بكونه من أهل الجنة ويجوز رفع غير على أنه خبر لمحذوف والتقدير أتعتقدين ما قلت لا والحق غير ذلك وهو عدم الجزم بكونه من أهل الجنة ثم قال (يا عائشة إنَّ الله) عز وجل (خلق
لِلجَنَّةِ أَهْلًا. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِمْ. وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهلًا. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِم".
6610 -
(00)(00) حدثنا محمد بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ طَلحَةَ بْنِ يَحْيى. ح وَحَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ مَعبَدٍ. حَدَّثَنَا الحُسَينُ بْنُ حَفْصٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنصورٍ
ــ
للجنة أهلًا) أي سكانًا (خلقهم لها) أي للجنة وقدرهم في سابق علمه (وهم في أصلاب آبائهم) أي قبل ولادتهم (وخلق للنار أهلًا) أي سكانًا (خلقهم لها) أي للنار (وهم في أصلاب آبائهم) فهم في النار بحكم القدر قبل ولادتهم.
قال النووي قد صرّح كثير من أهل التحقيق أن التوقف في مثله أحوط إذ ليست المسألة مما يتعلق بها العمل ولا عليها إجماع وهي خارجة عن محل الإجماع على قول الأُصوليين إذ محل الإجماع ما يدرك بالاجتهاد دون الأمور المغيبة فلا اعتداد بالإجماع في مثله لو تم على قواعدهم فالتوقف أسلم على أن الإجماع لو تم وثبت لا يصح الجزم في مخصوص لأن إيمان الأبوين تحقيقًا غيب وهو المناط عند الله تعالى اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6610 -
(00)(00)(حدثنا محمَّد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازيّ ثم البغدادي صاحب السنن ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسديّ الخلقاني أبو زياد الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة التيمي (ح وحدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان أبو داود الرازي السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الحسن بن حفص) بن الفضل بن يحيى بن ذكوان الهمداني الكوفي ثم الأصبهاني قاضي أصبهان ورئيسها قال أبو حاتم محله الصدق وذكره ابن حبان في الثقات.
روى عن الثوري في القدر وإسرائيل وابن أبي رواد ويروي عنه (م ق) وأبو داود السنجي وعمرو بن علي والفلاس وغيرهم وقال في التقريب صدوق من كبار (10) مات سنة [211] إحدى عشرة ومائتين (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ. كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى. بِإِسْنَادِ وَكِيعٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ.
6611 -
(2629)(206) حدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَن عَبْدِ اللهِ. قَال: قَالت أُمُّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى
ــ
التميمي النيسابوري ثقة من (11)(أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب كلاهما) أي كل من حسين ومحمد بن يوسف رويا (عن سفيان) بن سعيد (الثوري عن طلحة بن يحيى) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء وسفيان الثوري لوكيع بن الجراح وساق (بإسناد وكيع) يعني عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين (نحو حديثه) أي نحو حديث وكيع.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو كون الآجال والأرزاق مقدرًا لا يزيد ولا ينقص بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
6611 -
(2629)(206)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا وكيع) بن الجزَاح (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن المغيرة بن عبد الله) بن أبي عقيل بفتح العين (اليشكري) بتحتية مفتوحة ومعجمة ساكنة وكات مضمومة نسبة إلى يشكر اسم قبيلة الكوفي روى عن المعرور بن سويد في القدر وبلال بن الحارث وقزعة بن يحيى وعدة ويروي عنه (م د س) وعلقمة بن مرثد وزبيد الياميُّ وأبو إسحاق السبيعي وجماعة قال العجلي كوفي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الرابعة (عن المعرور) بوزن مكحول (بن سويد) مصغرًا الأسدي أبي أمية الكوفي ثقة من (2) عاش [120] سنة وليس عندهم من اسمه معرور إلَّا هذا روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال) عبد الله (قالت أُمّ حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأمويّة (زوج النبي صلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَبأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِي، مُعَاويَةَ. قَال: فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَد سأَلْتِ اللهَ لآجَالٍ مَضرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأرْزَاقٍ مقْسُومَةٍ. لَنْ يُعَجِّلَ شَيئًا قَبلَ حِلِّهِ. أَو يُؤَخِّرَ شَيئًا عَنْ حِلِّهِ. وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ في الْقَبْرِ، كَانَ خَيرًا وَأَفْضَلَ"
ــ
الله عليه وسلم) رضي الله عنها أي قالت والنبي يسمعها (اللهم أمتعني) أي أنعمني وأكرمني وقر عيني (بـ) ـحياة (زوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـ) ـحياة (أبي) ووالدي (أبي سفيان) بن حرب (وبـ) ـحياة (أخي معاوية) بن أبي سفيان أي أطل أعمارهم حتَّى أتمتع بهم زمانًا طويلًا تريد الدعاء لهؤلاء بطول عمرهم وزيادة في حياتهم (قال) عبد الله (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم قد سألت) الله يا أُمّ حبيبة زيادة (لآجال) وأعمار (مضروبة) أي مقدرة بما لا يزيد ولا ينقص (و) زيادة في (أيام معدودة) أي معلوم عددها وهي أيام الأعمار (و) سألت لهم زيادةً في (أرزاق مقسومة) لهم بما لا يزيد ولا ينقص (لن يُعجّل الله) تعالى (شيئًا) من الآجال أي لم يقدَّمه (قبل حلّه) أي قبل حلول وقته (أو يؤخِّر) أي ولن يؤخر (شيئًا) من الآجال (عن) وقت (حله) أي وقت حلوله قال النووي ضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها في المواضع الخمسة من هذه الروايات وذكر القاضي أن جميع الروايات على الفتح ومراده عند رواة بلادهم وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر وهما لغتان ومعناه وجوبه وحينه يقال حل الأجل يحل حلًا وحلًا إذا حان ووجب وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك اهـ (ولو كنت سألت الله) سبحانه (أن يعيذك) ويستجيرك (من عذاب في النار أو عذاب في القبر) و (ثمان خيرًا) لك (وأفضل) مما سألتيه من الزيادة في الآجال والأرزاق.
قال القرطبي: وقد أورد بعض علمائنا على هذا سؤالًا فقال ما معنى صرفه لها عن الدعاء بطول الأجل وحضِّه لها على العياذ من عذاب القبر وكل ذلك مقدَّر لا يدفعه ولا يرده سبب فالجواب أنَّه صقى الله عليه وسلم لم ينهها عن الأول وإنما أرشدها إلى ما هو الأولى والأفضل كما نص عليه ووجهه أن الثاني أولى وأفضل لأنه قيام بعبادة الاستعاذة من عذاب النار والقبر فإنه قد تعئدنا بها في غير ما حديث ولم يتعبدنا بشيء من القسم
قَال: وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ. قَال مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَال: وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ. فَقَال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا. وَقَدَّ كَانَتِ القِرَدَةُ وَالخَنَازِيرُ قَبْلَ ذلِكَ"
ــ
الَّذي دعت هي به فافترقا وأيضًا فإن التعوذ من عذاب القبر والنار تذكير بهما فيخافهما المؤمن فيحذرهما ويتقيهما فيكون من المتقين الفائزين بخير الدنيا والآخرة اهـ من المفهم.
وعبارة الأبي قوله "ولو كنت سألت" إلخ صرفها عن الدعاء بالزيادة في العمر إلى الدعاء بالمعافاة من عذاب القبر والنار إرشادًا لها لما هو الأفضل لأنه كالصلاة والصوم من جملة العبادات فكما لا يحسن تركها اتكالًا على ما سبق من القدر فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة اهـ بتصرف وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الخمس ولكنه أخرجه أحمد [1/ 413]. (قال) عبد الله (وذكرت عنده) صلى الله عليه وسلم (القردة) حيوان معروف (قال مسعر) بن كدام (وأراه) أي وأظن علقمة بن مرثد (قال) أي ذكر لفظة (والخنازير) مع القردة أي قال وذكرت عنده صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير هل هي (من مسخ) بني إسرائيل أم لا وسيأتي في رواية الثوري ما يوضحه ولفظه فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هل هي من مسخ وحاصل السؤال أن القردة والخنازير الموجودة في زماننا هل هي من نسل الأمم الممسوخة وكان ذلك مما يتوهمه بعض الناس في ذلك الزمان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (أن الله) عز وجل (لم يجعل) ولم يبق (لمسخ) أي لممسوخ من بني إسرائيل (نسلًا) ولا ذرية في حال حياته (ولا عقبًا) يعقبه بعد موته (وقد كانت القردة والخنازير) موجودة (قبل ذلك) أي قبل مسخ بني إسرائيل أي قبل أن يمسخ الله بعض بني إسرائيل ويجعلهم القردة والخنازير فدل على أنها جنس من أجناس الحيوان خلق كما خلق سائر أنواع الحيوان وليس وجودها مقصورًا بمسخ الأمم واستفيد من الحديث أيضًا أن الممسوخ ليس له نسل فكيف يقال إن القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الأمم الممسوخة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6612 -
(00)(00) حدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشرٍ، عَن مِسْعَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا "مِن عَذَاب في النَّارِ. وَعَذَابِ في الْقَبْرِ".
6613 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - واللَّفْظُ لِحَجَّاجٍ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَن عَفقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ. قَال: قَالت أُمّ حَبِيبَةَ: اللهم مَتِّعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ
ــ
6612 -
(00)(00)(حدَّثناه أبو كريب) محمد بن العلاء (حَدَّثَنَا) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (عن مسعر بهذا الإسناد) يعني عن علقمة عن المغيرة عن المعرور بن سويد عن عبد الله غرضه بيان متابعة أبي كريب لأبي بكر بن أبي شيبة (غير أن) أي لكن أن (في حديثه) أي في حديث أبي كريب وروايته (عن ابن بشر ووكيع جميعًا) لفظة (من عذاب في النار وعذاب في القبر) بخلاف رواية أبي بكر عن وكيع فإنه فيها لفظة من عذاب في النار أو عذاب في القبر بذكر لفظة أو بدل الواو.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
6613 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (14) بابًا (واللفظ) الآتي (لحجاج قال إسحاق أخبرنا وقال حجاج حَدَّثَنَا عبد الرزاق أخبرنا) سفيان (الثوري عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن المغيرة بن عبد الله اليشكري) الكوفي. (عن معرور بن سويد) الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة الثوري لمسعر بن كدام (قال) عبد الله (قالت أم حبيبة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم متعني) وأنعمني (بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سميان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
وَبِأَخِي، مُعَاويةَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لآجَالِ مَضرُوبَةٍ، وَآثَارِ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لَا يُعَجِّلُ شَيئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ. وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيئًا بَعْدَ حِلِّهِ. وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في الْقَبْرِ، لَكَانَ خَيرًا لَكِ"
ــ
الأموي المكي من مسلمة الفتح (وبأخي معاوية) بن أبي سفيان (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّك سألت الله) سبحانه وتعالى (لـ) ـزيادة (آجال) وأعمال (مضروبة) أي مقدرة بما لا يزيد ولا ينقص (و) لزيادة (آثار موطوءة) جمع أثر وهو موضع وطئ القدم يقال فلان مشى على آثار موطوءة أي مشى الناس عليها قبله أي لم يأت بشيء جديد وإنما سلك مسلك من سبقه والحاصل أنك إذا دعوت لزيادة في العمر لم يحدث بذلك شيء جديد فيما قضاه الله تعالى في قضائه المبرم وحاصله أن القضاء المبرم الَّذي هو عبارة عن علم الله تعالى بما سيكون لا يزاد فيه شيء ولا ينقص أما التقدير المعلق الَّذي هو عبارة عن الكتابة في اللَّوح المحفوظ أو توكيل الملك بأمر من الأمور فقد يتغير بالدعاء أو باختيار بعض الأسباب (و) لزيادة (أرزاق مقسومة) بما لا يزيد ولا ينقص إلا يعجّل) الله سبحانه ولا يقدَّم (شيئًا منها) أي من الآجال والآثار والأرزاق (قبل حلّه) أي قبل حلول وقته وحينه (ولا يؤخر منها شيئًا بعد حلّه) أي بعد حلول أجله ووقته (ولو سألت الله أن يعافيك) ويسلمك (من عذاب في النار و) من (عداب في القبر لكان) دعاء ذلك (خيرًا لك) وأفضل من دعاء أمور لا تتغير بزيادة ولا نقص.
قال النووي فإن قيل ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنَّه مفروغ منه أيضًا كالأجل فالجواب أن الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشارع بالعبادات وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وفيه نظر لأن الدعاء عبادة في كل حال سواء كان للأغراض الدنيوية أو لغيرها فالأحسن أن يقال الوقاية من عذاب النار مقصود بنفسه بخلاف طول الأجل أو يقال إن الدعاء للأغراض الأخروية أفضل لأن فيه أجر باعتبار فعل الدعاء وباعتبار المدعو به جميعًا بخلاف الدعاء للأعراض الدنيوية فإنه موجب للأجرًا باعتبار فعل الدعاء فقط لا باعتبار المدعوّ به ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن الدعاء لطول الأجل وإنما ذكر أن الدعاء للوقاية من العذاب خير وأفضل اهـ منه.
قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ، هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا. وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبلَ ذلِكَ".
6614 -
(00)(00) حَدَّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا الْحُسَينُ بْنُ حَفْصٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"وَآثَارِ مَبْلُوغَةٍ".
قَال ابْنُ مَعْبَدٍ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ "قَبْلَ حِلِّهِ" أَي نُزُولِهِ
ــ
(قال) عبد الله (فقال رجل) من الحاضرين (يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ) أي من الحيوان الَّذي مسخ إليه بنو إسرائيل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ الله عز وجل لم يهلك قومًا) ممن كذبوا برسله ولم يعدهم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لم (يعذب قومًا) منهم بعذابه كالمسخ والشك من الراوي (فيجعل لهم نسلًا) وعقبًا بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي (وإنَّ القردة والخنازير) أي جنسهما (كانوا) عبر عنهما بضمير جمع العقلاء نظرًا إلى القوم الممسوخين إليهما وإلا فحق العبارة أن يقال كانت (قبل ذلك) أي قبل الأمم الممسوخين إليها بضمير المؤنثة الغائبة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:
6614 -
(00)(00)(حدثنيه أبو داود سليمان بن معبد) بن كوسجان السنجي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا الحسين بن حلّه) بن الفضل بن يحيى بن ذكوان الهمداني الكوفي صدوق من (10) روى عنه في القدر (حَدَّثَنَا سفيان) الثوري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفص بن ميسرة لعبد الرزاق بن همام (بهذا الإسناد) يعني عن علقمة عن المغيرة عن معرور عن عبد الله (غير أنَّه) أي لكن أن حسين بن حفص (قال) في روايته (وآثار مبلوغة) بدل موطوءة أي التي بلغ الماشي فيها نهايتها وفرغ منها (قال) سليمان (بن معبد وروى بعضهم) أي بعض رواة هذا الحديث (قبل حلّه) بزيادة تفسيره بقوله (أي) قبل (نزوله) وحلوله ووقعه أي يعجل الله قبل حلول وقته ونزوله على صاحبه.
ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو الأمر بالقوة وترك العجز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6615 -
(2640)(207) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَن رَبِيعَةَ بْنِ عُثمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَويُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ. وَفِي كُلٍّ خَيرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ
ــ
6615 -
(2640)(207)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير قالا حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن ربيعة بن عثمان) بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني روى (عن محمد بن يحيى بن حبَّان) في القدر ونافع وزيد بن أسلم ويروي عنه (م ق) وابن إدريس وابن المبارك وابن أبي فديك وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس وقال ابن نمير ثقة وقال الحاكم كان من ثقات أهل المدينة ممن يجمع حديثه وقال أبو حاتم منكر الحديث يكتب حديثه وقال أبو زرعة ليس بذاك القوي وقال في التقريب صدوق له أوهام من السادسة مات سنة [154] وهو ابن (77) سنة له عندهم فرد حديث (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير) أي أفضل منزلة وأكثر أجرًا (وأحبُّ) أي أشد محبوبية (إلى الله) أي عند الله سبحانه (من المؤمن الضعيف) قال القرطبي أي المؤمن القوي البدن والنفس الماضي العزيمة الَّذي يصلح للقيام بوظائف العبادات من الصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيبه في ذلك وغير ذلك مما يقوم به الدين وتنهض به كلمة المسلمين فهو الأفضل والأكمل وأحبُّ عند الله تعالى وأما الضعيف الَّذي لم يكن كذلك من المؤمنين ففيه خيرٌ من حيث إنه كان مؤمنًا قائمًا بالصلوات مكثرًا لسواد المسلمين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (وفي كل) مؤمن قويًّا كان أو ضعيفًا (خير) لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات ولكنه قد فات الضعيف الحظُّ الأكبر والمقام الأفخر اهـ من المفهم.
(احرص) أيها المؤمن (على) تحصيل (ما ينفعك) في دينك ودنياك ولا تتكاسل عن الشغل فيهما قال القرطبي المعنى أي استعمل الحرص والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك وصيانة عيالك ومكارم أخلاقك
وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُل: قَدَرُ اللهِ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ"
ــ
ولا تفرّط في طلب ذلك ولا تعاجز عنه متكلًا على القدر فتنسب إلى التقصير وتلام على التفريط شرعًا وعادة ومع إنهاء الاجتهاد نهايته وإبلاغ الحرص غايته فلا بد من الاستعانة بالله والتوكل عليه والالتجاء في كل الأمور إليه فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واستعن بالله ولا تعجز) أي احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن الاجتهاد في الطاعة ولا عن طلب الإعانة من الله تعالى اهـ من المفهم.
وعبارة النووي هنا المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدوفي الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك اهـ منه (وإن أصابك شيء) من القدر مما يصعب ويشق عليك. (فلا) تجزع منه ولا (تقل لو أني فعلت) كذا وكذا من الأسباب لـ (كان) وحصل لي (كذا وكذا) من الخير (ولكن) اصبر على ما أصابك و (قل) هذا الَّذي أصابني (قدّر الله) أي ما قدره الله عليّ أزلًا (وما شاء) الله سبحانه وأراد (فعل) بعباده لا يسأل عما يفعل ولا راذ لقضائه (فإنَّ لو) أي لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا لأن لو (تفتح عمل الشيطان) ووسوسته.
قال القرطبي قوله: "وإن أصابك شيء فلا تقل" إلخ يعني أن الَّذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله تعالى والرضا بما قدره الله تعالى والإعراض عن الالتفات لما مضى وفات فإن افتكر فيما فاته من ذلك وقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان ولا تزال به حتَّى تفضي به إلى الخسران لتعارض توهم التدبير سابق المقادير وهذا هو عمل الشيطان الَّذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان" ولا يفهم من هذا أنَّه لا يجوز النطق بلو مطلقًا إذ قد نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة متفق عليه ولو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت هذه متفق عليه وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو بكر رضي الله عنه لو أن أحدهم نظر إلى رجليه لرآنا ومثله كثير لأنّ محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت في معارضة القدر أو مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور فأما لو أخبر بالمانع على جهة أن تتعلق به فائدة في المستقبل فلا يختلف في جواز إطلاقه إذ ليس في ذلك فتح لعمل الشيطان ولا شيء يفضي إلى ممنوع أو حرام والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 366] وابن ماجة [4168].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني وذكر فيه متابعتن والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعين والسادس حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***